سالم الجميلي.. مسؤول من زمن صدام حسين يفجر معلومات سرية جديدة
يكاد يكون سالم الجميلي، الشخصية الأبرز- إذا لم تكن الوحيدة- من قادة جهاز المخابرات في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، التي تخرج بين الحين والآخر على وسائل الإعلام، وتفجّر المعلومات التي تحدث جدلا واسعا في العراق والمنطقة لما تحمله من خفايا مثيرة.
آخر منصب كان قد شغله الجميلي في المخابرات العراقية، هو مدير شعبة الولايات المتحدة في الخدمة الخارجية للجهاز، والذي تولاه منذ عام 1999 واستمر فيه حتى الغزو الأميركي في 2003، ثم غادر العراق بعد ذلك بعام واحد وسكن المملكة المتحدة.
صندوق أسود
ظهور الجميلي الأخير كان في مقابلة مصوّرة مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 9 مايو/أيار 2023، كشف خلالها عن معلومات تطرح للمرة الأولى في وسائل الإعلام، لا سيما ما يتعلق بمحاولات الاغتيال التي نفذتها المخابرات ضد قادة ومسؤولين في المنطقة والعالم.
وقال الجميلي، إن جهاز المخابرات قدم كل سبل الدعم الإعلامي والفني والمادي والعسكري لقوى معارضة إيرانية، وتحديدا الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، ومنظمة مجاهدي خلق وكان الهدف الأول مجلس الشورى الإيراني وبإشراف مباشر من برزان التكريتي (رئيس الجهاز آنذاك).
وأوضح: "وضعت خطة لتفخيخ مقر الاجتماع نفذت في 28 يونيو/حزيران 1981 فقتل رئيس السلطة القضائية آية الله حسين بهشتي و72 شخصية قيادية، بينهم وزراء ونواب ومسؤولون في قطاعات مختلفة. كانت الضربة قوية وشديدة وبدت المخابرات العراقية قادرة على الوصول إلى أماكن كان يُفترض أن تكون حصينة".
وأضاف الجميلي أن "المرشد الإيراني الحالي علي خامنئي استُهدف هو الآخر عام 1981، فأثناء إلقائه خطبة انفجرت عبوة مزروعة في جهاز تسجيل وتسببت في شلل بيده اليمنى، فقد كان مقررا أن يحضر (روح الله) الخميني (المرشد الإيراني السابق) ذلك الاجتماع لكنه تأخر ونجا".
وتابع: "كان برزان التكريتي يتطلع إلى تحقيق الضربة الكبرى، وهي اغتيال الخميني نفسه، وفي 1981 ظهر احتمال تنفيذ عملية من هذا النوع. ولم يكن الوصول إليه سهلا لكن وجود رجل دين على مقربة منه وربما يكنّ تعاطفا مع (مجاهدي خلق) سهّل المهمة الصعبة".
وأردف الجميلي: "تولى فريق من الجهاز إعداد عبوة صغيرة نُقلت وزُرعت في وسادة الخميني التي كانت من الوبر. انفجرت العبوة في توقيت خاطئ كان فيه الأخير خارج المنزل لكن مجرد الوصول إلى غرفة نومه أثار حالة من الرعب في صفوف قيادات الثورة الإسلامية".
وأكد أن "الضربات استمرت (..) وفي 30 أغسطس/ آب 1981 أدى تفجير إلى مقتل رئيس الجمهورية محمد علي رجائي بعد أقل من شهر من توليه منصبه، وقُتل معه محمد جواد باهنر رئيس الوزراء إثر انفجار قنبلة زُرعت في مكتب الأخير أثناء اجتماع مع مجلس الدفاع الأعلى".
ومن العمليات التي نفذتها المخابرات أيضا، قال الجميلي، إن الدور الذي لعبته دانيال زوجة الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران أثار غضب السلطات العراقية فاستهدفتها إحدى عبوات الجهاز في مدينة السليمانية داخل إقليم كردستان عام 1992.
وجاء ذلك بسبب دعمها لحظر الطيران العراقي فوق الإقليم، لكن الصدفة أنقذتها، ثم غادرت السليمانية بلا عودة، وفق قوله.
وتحدث الجميلي أيضا عن محاولة جهاز المخابرات التواصل مع زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن في تسعينيات القرن العشرين، للتحالف معه وإخراج القوات الأميركية من الجزيرة العربية والمنطقة، لكنه رفض التعاون بشدة ووصف النظام العراقي حينها بـ"الكافر" وأنه السبب في قدوم الولايات المتحدة للمنطقة.
وبعد الجدل الذي أحدثته المقابلة، نشر الجميلي توضيحا على "فيسبوك" في 14 مايو 2023، قال فيه إن "ما قلته مجرد سرد لأحداث تاريخية قديمة توقفت عام 1994 وكانت الغاية إطلاع الاجيال على الصراع المرير الذي تمر به الأنظمة الثورية وإن ناقل الكفر ليس بكافر ولا تربطني بتلك الأحداث أي علاقة مطلقا وهذا أمر يعرفه المختصون" .
وأردف: "ربما حصل اجتزاء بشكل متعمد لبعض المقاطع التي نشرها موقع الصحيفة على فيسبوك أدى إلى سوء فهم لدى البعض، لذا أرجو التأكد من أصل الحديث المكتوب على الصفحة وليس من الفيديوهات لأن الأخيرة قابلة للتحريف".
مخترق لأميركا
لم يكن ظهور الجميلي الأخير هو الأول من نوعه، فقد سبق أن خرج في نحو ثلاث مقابلات مع قناتين أحدهما عراقية بين عامي 2012 و2014 وأخرى مع قناة روسيا اليوم عام 2013.
وتحدث الجميلي خلالها عن محاولات نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين تسوية الخلاف مع الولايات المتحدة وتدارك الغزو العسكري الأميركي الذي حصل عام 2003.
وكشف المسؤول المخابراتي في عهد صدام حسين أيضا كيف استطاعت المخابرات العراقية اختراق وزارة الدفاع الأميركية وكذلك جهاز الأمن القومي والحصول على معلومات مهمة جدا عن الاستعداد لغزو العراق.
وقال الجميلي: "حققنا اختراقا في وزارة الدفاع الأميركية، لم يتمكن الروس حتى من تحقيقه. نحن جندنا ضابطا برتبة عالية في الهيئة الأمنية المشتركة في قلب وزارة الدفاع الأميركية، وأعطانا الكثير من المعلومات، وأنا اطلعت عليها مرتين".
واستدرك أن المعلومات كان قسم منها مسربا وآخر كان حقيقيا. فهو أعطانا حتى خطط الحرب، أي الإطار العام للخطة، وعرفنا عدد القوات الموجودة في تركيا.
وأيضا القوات والجهد الاستخباري الموجود في دولة مجاورة للعراق، في السعودية، في منطقة الخليج تحديدا، وهو الذي أكد لنا أنه لن يحصل أي هجوم من تركيا.
وعلى ضوء هذه المعلومات، يضيف الجميلي، سحبنا فرقة عدنان (قوة عسكرية عراقية) من محور الموصل (شمال العراق) ونقلناها إلى مناطق من بغداد، عززنا بها قوات حماية العاصمة. هم كاستخبارات أميركية كانوا يعتقدون أننا نملك مصدرا في وزارة الدفاع ووضعوا أمامه جملة من المعلومات، ولكننا كنا نعلم المعلومات المعبرة من الحقيقية".
وعن حقيقة محاولة العراق إعطاء رشوة للمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، أكد الجميلي أن "هذا عمل المخابرات و90 بالمئة منه خارج إطار القانون! وهذا في كل مخابرات العالم، وإذا طبق القانون فأنت لا تستطيع أن تعمل في المخابرات".
وأوضح: "نحن كنا نشجع البرادعي على قول الحقيقة، لأنه إذا قالها فسيطرده الأميركيون، وإذا فعلوا ذلك فنحن مستعدون أن نقف معه وندعمه وكان المطلوب منه عدم الخوف على المنصب والجانب المالي".
وأكد الجميلي أنه: "لم تكن عندنا علاقة مباشرة به، كان هناك وسطاء - اثنان مصريان، وأن الأموال كانت مليوني دولار لازم كان يستلمها سفير مصر في فيينا أو جنيف".
وأضاف: "كانت فيزا جاهزة (شينغن) والشخص الذي كان سيوصلها موجود، وكانت معي رسالة أود ان أوصلها للبرادعي، يعني لم نكن نريد أن نوقع على ورقة وصل واستلام.. وكان غير مسموح لي أن اقول إن هذا المال كان للأخير وكانوا يريدون أن نلتقي بحديقة السفارة مع السفير المصري وأسلمهم الحقيبة.. دون الحديث عن أي شيء".
وتابع: "في نهاية المطاف ألغي هذا الموضوع، لأنه نحن كنا نريد أن نسلمها قبل تاريخ 19 يناير 2003، قبل الاجتماع، لأنه كان حاسما.. وبعده لم تكن هناك جدوى لتسليم المال".
"مستشار الحلبوسي"
ولد سالم الجميلي عام 1957 في قرية شويش التابعة لقضاء بيجي في أسرة تمتهن الزراعة وتربية المواشي، لكن ذلك لم يحل دون أن يصبح الأشقاء الخمسة ضباطا في القوة الجوية والاستخبارات العسكرية والجيش والحرس الجمهوري العراقي.
بعد دراسته الإعدادية التحق بكلية الأمن القومي الدورة الأولى عام 1976 وتخرّج في 12 يوليو/تموز 1979، وباشر الجميلي العمل كضابط في جهاز المخابرات في مديرية مكافحة التجسس شعبة المتابعة.
في 1980 نُسب للعمل في قسم دول جنوب شرقي آسيا وعيّن في 1984 مديرا لمخابرات مطار صدام (بغداد الدولي حاليا)، ثم نقل في 1989 إلى الخدمة الخارجية وشغل منصب مدير شعبة سوريا.
وفي عام 1995 عيّن مديرا لمحطة المخابرات في السفارة العراقية في الجزائر تحت غطاء قنصل بدرجة سكرتير أول إبان "العشرية السوداء".
وبعدها بعام نُقل إلى بغداد وتسلّم مهام مدير شعبة أميركا في الخدمة الخارجية واستمر في منصبه حتى الغزو الأميركي عام 2003.
شارك في العديد من المؤتمرات العربية والدولية منها مؤتمر قادة الشرطة والأمن العرب الذي عقد في الجزائر عام 1987 ومؤتمر وزراء خارجية عدم الانحياز في كولومبيا ومؤتمر مجموعة الـ 77 في كوبا عام 2000.
وشارك أيضا في اجتماعات الوفد العراقي برئاسة وزير الخارجية محمد سعيد الصحاف وخلفه ناجي صبري الحديثي (آخر وزير خارجية قبل الاحتلال الأميركي) مع الأمين العام للأمم المتحدة بهدف رفع العقوبات عن العراق.
اعتقل الجميلي بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وأودع سجن كروبر في مطار بغداد الدولي، إذ أجرت المخابرات الأميركية "سي آي إيه" تحقيقا موسعا معه عن عمله السابق، ولاسيما ما يتعلق بتجنيد شخصيات سياسية وعسكرية داخل البنتاغون (وزارة الدفاع) والكونغرس.
أخلي سبيل الجميلي بعد عام من اعتقاله، وتحديدا في بداية 2004، إذ انتقل بعدها إلى العاصمة البريطانية لندن للإقامة هناك، والتي لا يزال يقطنها حتى اليوم ويبدي آراءه السياسية منها عن أغلب الأزمات سواء في العراق أو دول المنطقة.
وراجت أخيرا معلومات تشير إلى تعيين الجميلي مستشارا بشكل غير رسمي لرئيس البرلمان العراقي الحالي محمد الحلبوسي، لكنه نفى ذلك بشدة ووصفها بالأخبار المزيفة.
وفي توضيح نشره على "فيسبوك" في 7 مايو 2023، قال إن "بعض مواقع التواصل وقناة البغدادية (عراقية) نشرت أخبارا مزيفة زعمت أني أعمل مستشارا لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي للشؤون الخارجية، وأمتلك شركة أمنية مشاركة مع الزميل ضابط المخابرات السابق محمد خضير".
وأوضح أن "ما نشر مجرد كلام لا أساس له من الصحة بتاتا فأنا لم أدخل العراق منذ أن خرجت من السجن بداية عام 2004 وليس لي أي علاقة مع رئيس البرلمان أو أي شخص من مكتبه أو الدائرة المحيطة به، وأجزم أن الأخير لا يعرف من هو سالم الجميلي. ولا أمتلك سوى جواز سفر عراقي عادي".
ووصف الجميلي مروجي هذه الاتهامات بأنهم "جزء من قطيع إعلامي لا يمتلكون شرف المهنية ومدفوعي الأجر، وأن الهدف هو المساهمة في حملة إعلامية تستهدف الحلبوسي (رئيس البرلمان) لأسباب سياسية".
المصادر
- الجميلي لـ«الشرق الأوسط»: اقترح الجهاز اغتيال الخميني في النجف فرفض صدام الغدر بـ«الضيف»
- رجل مخابرات عراقي سابق يكشف لـ "روسيا اليوم" اسرار اختراق جهازه لوزارة الدفاع الامريكية
- صدام حسين أمر بقتلها.. هكذا نجت زوجة الرئيس الفرنسي من الاغتيال بالسليمانية
- ضابط استخبارات عراقي يفتح "الصندوق الأسود" لعهد صدام
- أسرار خطيرة ورشاوي بالملايين كانت ستدفعها الحكومة العراقية لمسؤولين أمريكان.. فما الدوافع؟
- سالم الجميلي... 24 عاماً في مخابرات صدام