صحيفة عبرية: التصعيد مع غزة ليس سوى قمة جبل صراع قادم واسع النطاق
تحدثت صحيفة عبرية عن ما أسمته "مرحلة الانكماش التي تعيشها إسرائيل في الوقت الحالي"، مبينة أن الأمر لا يقتصر على الأحداث العنيفة فحسب.
بل أيضا على جهود الدول الإقليمية لإيجاد بديل في الشرق الأوسط، وهو ما يرسم حدود مجال إستراتيجي جديد يجبر إسرائيل على اتباعه، وفق ما أوضحت صحيفة "ماكور ريشون" العبرية.
وفي هذا الإطار، تتحدث الصحيفة عن وجود حملة إستراتيجية متعمدة ضد إسرائيل، من خلال التحركات السياسية الإقليمية الأخيرة، كتقارب العلاقات بين السعودية وإيران ومحاولة إعادة سوريا إلى الأسرة العربية.
هذا إضافة إلى ضعف الإدارة الأميركية الحالية وفقدان نفوذها في الشرق الأوسط لصالح الصين وروسيا، وهو ما يساعد في هذه الحملة التي تصفها الصحيفة بـ "الممنهجة".
وفي النهاية، تحذر الصحيفة من احتمالية حدوث صراع واسع، يجب على إسرائيل أن تستعد له بشكل جيد.
تشويه الصورة
تصف "ماكور ريشون" العبرية الحالة التي وصلت لها السياسة الإسرائيلية بأنها حالة "انكماش"، تعزوها إلى عدة أسباب، فضلا عن أحداث العنف المستمرة، موضحة أن هناك جهودا يبذلها الجانب المقابل أيضا.
وتعتقد أن الهدف من هذه الجهود هو إرساء بديل في الشرق الأوسط عن "الجدار الحديدي" السياسي والاقتصادي لـ "اتفاقيات أبراهام" التطبيعية، وهذا البديل يرسم حدود المجال الإستراتيجي الجديد الذي ستعمل فيه إسرائيل.
وبشأن هذه الجهود، تذكر الصحيفة أن الجولة القصيرة والعنيفة الأخيرة في قطاع غزة، والتي أُطلق خلالها مئات الصواريخ على القطاع، أثارت مرة أخرى الجدل العام في إسرائيل حول الأوضاع هناك.
وفي 9 مايو/ أيار 2023، اغتالت طائرات الاحتلال 3 من قادة "سرايا القدس" الجناح المسلح لحركة "الجهاد الإسلامي" مع أفراد من عائلاتهم، إضافة إلى عدد آخر من المدنيين.
وبدأ التوتر عقب إطلاق صواريخ من غزة بعيد استشهاد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر عدنان في 2 مايو 2023، جراء خوضه إضرابا عن الطعام لـ 86 يوما منذ اعتقاله داخل السجون الإسرائيلية في 5 فبراير/شباط رفضا لاستمرار سجنه وللتهم الموجهة إليه وعلى رأسها "التحريض".
وبعد أكثر من 24 ساعة على الهدوء الحذر من جانب المقاومة الفلسطينية إثر اغتيال قادتها الثلاثة، بدأت الفصائل بإطلاق صواريخ على مستوطنات غلاف غزة وتل أبيب ظهر 10 مايو، في معركة مستمرة حتى كتابة هذا التقرير في 13 مايو.
وبحسب الصحيفة، دار مرة أخرى النقاش المعقد والمتكرر حول الحلول المطروحة لقطاع غزة، معتبرة أنه لم يخرج عن سابقيه، فقد ردد السياسيون والمعلقون والشخصيات العامة نفس الصياغات والشعارات.
وتعلق الصحيفة على هذه النقطة بأن "الميل إلى إعادة سرد قصة من خلال الحدث الأخير هو أمر بشري وطبيعي، لكنه يشوه الصورة الكبيرة الشاملة".
إذ إن الأحداث الأخيرة في قطاع غزة "ليست سوى قمة جبل لظاهرة أوسع نطاقا وذات مغزى رافقت إسرائيل لفترة طويلة".
وفي هذا الصدد، تشير الصحيفة إلى أن إسرائيل في الواقع تعرضت خلال العامين الماضيين لهجمات من قبل العديد من الأطراف، وفق قولها.
فمن ناحية، الأحداث العنيفة المشتعلة في الضفة الغربية تضرب إسرائيل منذ شهور عديدة.
ومن ناحية أخرى، تنطلق المقاومة من الأحياء العربية في شرق القدس، فضلا عن العمليات المقاومة الأخرى القادمة من جنوب وشمال البلاد.
وفي الأشهر الأخيرة، تبين "ماكور ريشون" أن الفلسطينيين من لبنان أيضا انضموا إلى دائرة الهجوم على إسرائيل.
هذا بالإضافة إلى حزب الله الذي "بدأ في تحدي إسرائيل بعد سنوات طويلة من الصمت، منذ حرب لبنان الثانية".
لذلك، تقول الصحيفة إن "إطلاق الصواريخ ليس سوى جزء من اتجاه مستمر للعنف ضد إسرائيل لفترة طويلة". وبالتالي، تذهب إلى أن "الميل إلى تفكيك كل حدث عنيف وتحليله على أنه قائم بذاته أمر خاطئ للغاية".
ضغط وصراع
وأتبعت الصحيفة: "وبعد الاستقرار الأمني الذي عاشته تل أبيب لمدة عقد ونصف العقد، تبعه ازدهار اقتصادي وزخم سياسي، بما في ذلك ازدهار الشرق الأوسط بموجب اتفاقيات إبراهيم، تواجه إسرائيل حاليا حملة شنها سلسلة من الفاعلين الإقليميين ضدها، بما يشمل ذلك إيران وفلسطين وحزب الله".
وتعتقد أن القاسم المشترك بينهم جميعا هو أنهم يتشاركون في وجهة نظر عالمية نشطة تطمح إلى تفكيك نموذج "السلام الاقتصادي"، والذي حدد سياسات المنطقة في العقد الماضي، وفقا للتقرير.
وتلفت إلى أنهم يحاولون بذلك "العودة بمنطقة الشرق الأوسط إلى الفترة التي حُددت فيها الأسس الأيديولوجية والهوية".
ومن خلال فعل ذلك، تذهب إلى أنهم "يسعون إلى ضرب قلب النظام السابق، عن طريق زرع الفوضى وتقويض الأمن الشخصي وبالطبع الإضرار بشكل غير مباشر بالنظام الاقتصادي".
وفي هذا الإطار، تشير الصحيفة إلى التحركات السياسية المتغيرة والجديدة، والتي أسهمت في تغيير المشهد السياسي في المنطقة.
على سبيل المثال، عودة العلاقات الثنائية بين إيران والسعودية (عبر اتفاق بوساطة صينية مارس/آذار 2023) بعد صراع طويل، ومحاولة دول المنطقة إعادة سوريا إلى أحضان المجتمع العربي.
وبجانب الضغط المستمر من دول المنطقة، ترى الصحيفة العبرية أن "ضعف الإدارة الأميركية الحالية وفقدان قبضتها على الشرق الأوسط لصالح الصين وروسيا يسهمان في هذه الحملة ضد إسرائيل".
بالإضافة إلى ذلك، تبرز الحرب في أوكرانيا وعلامات التآكل الداخلي في إسرائيل في واقع سياسي اجتماعي هش. وتبين "ماكور ريشون" أن كل ما سبق من عوامل "يكفي لقلب الموازين حاليا لصالح المعسكر الآخر على حساب" تل أبيب.
وفي الختام، تخلص الصحيفة إلى أن "عملية التغيير الإستراتيجي تحول الحقبة القادمة، من كونها جيدة ومستقرة ومزدهرة بالنسبة لإسرائيل، إلى أخرى متناقضة تماما".
والأكثر خطورة، أن هذه الحقيقة "لم تُدرك بشكل جيد بعد، لا بين النخبة السياسية والأمنية ولا بين عامة الناس".
وفي ظل غياب الوعي، تشير الصحيفة إلى محاولة إسرائيل أن تعيش في العالم الإستراتيجي القديم وأن تسد الشقوق التي تظهر باستخدام خبرات اكتسبتها خلال ذلك العالم القديم.
ومع ذلك، تقول إن "هذه الشقوق في صورة الواقع الإستراتيجي عميقة ومهمة وتتطلب إعادة التفكير في تصميم إستراتيجية ذات صلة تتماشى مع النظام المتغير".
وأضافت أنه "من الضروري إعادة تحديد مجموعة الأدوات والوسائل التي يمكن استخدامها في هذه الظروف".
وتوضح أيضا أن هذا التفكير الإستراتيجي يجب أن يضع في الحسبان الاحتمال الفعلي لتطوير سيناريوهات صراع واسعة، تتطلب من إسرائيل أن تكون جاهزة لاستخدام أنظمة جوية متقدمة.
وتختتم: "وفي هذا الإطار، سيتعين على إسرائيل أيضا تدريب الرأي العام الداخلي على إمكانية التصعيد الأمني، وحتى إنشاء بنية تحتية لتشكيل حكومة وطنية واسعة".