قمة موسكو.. لماذا ترفض الولايات المتحدة تطبيع دول المنطقة مع نظام الأسد؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أشادت صحيفة تركية بتطبيع العلاقات بين دول الشرق الأوسط والنظام السوري برئاسة بشار الأسد، بعد أكثر من عقد على انطلاق ثورة ضده وقتله وتشريده الملايين من أبناء شعبه.

وقالت صحيفة ستار في مقال للكاتب إسماعيل شاهين إنَّ معظم دول الشرق الأوسط تعتقد أن الوقت قد حان لتطبيع العلاقات مع سوريا وتتحرك في هذا الاتجاه، كما تعمل بجد لإصلاح العلاقات الدبلوماسية والإقليمية فيما بينها.

وتتالت مؤشرات التقارب بين دمشق وعواصم عدة أخيرا، بينها أبوظبي التي أعادت علاقاتها الدبلوماسية، والرياض التي أجرت محادثات مع دمشق حول استئناف الخدمات القنصلية بين البلدين.

وأردف الكاتب: "هذا أمر طبيعي لأن الصراعات العسكرية والانتفاضات والإرهاب والأزمات الاقتصادية والأنظمة المخلوعة التي استمرت منذ غزو العراق (عام 2003) قد دمرت المنطقة إلى حد كبير". 

إذ فقد الملايين من الناس حياتهم وأجبر المزيد على مغادرة الأراضي التي يعيشون فيها. ولا يمكن لأحد أن ينكر بسهولة المأساة الإنسانية التي يتعرض لها الشرق الأوسط منذ ما يقرب من 20 عاما.

مبادرات التطبيع

لذلك، ترحب شعوب الشرق الأوسط، وخاصة السوريين، بجهود التطبيع في المنطقة الممتدة من اليمن إلى سوريا، وفق زعمه. 

ورأى أن "المناخ المستمر من عدم الاستقرار والصراع في الشرق الأوسط لم يجلب شيئا لشعوب المنطقة سوى حياة الفقر والحرمان".

ولهذا لا تريد الشعوب العربية أن يحكم عليهم بعقد آخر من اليأس والقنوط. وبالنظر إلى التطورات بشكل عام، يمكن القول إن محاولة وقف التطبيع أو معارضته هي لعبة خاسرة، بحسب وصفه.

أردف شاهين: من الواضح أن مبادرات التطبيع الناشئة في الشرق الأوسط ليست مطالب داخلية للمنطقة فحسب، فمساهمة الصين في التطبيع السعودي الإيراني خلال مارس/آذار 2023، والوساطة التي أجرتها في هذا الصدد واضحة. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن الدور الرئيس الذي تلعبه روسيا في محادثات السلام بين أنقرة ودمشق معروف جيداً.

ولفت الكاتب إلى سياسة الصين وروسيا، وهما لاعبان رئيسان غير إقليميين، اكتسبا دورا رائدا في دبلوماسية الشرق الأوسط ونفذا استثمارات دائمة جادة في هذا الدور. 

وأشار شاهين إلى أن هذه التطورات، التي تحدث خارج رغبة الولايات المتحدة الأميركية، يمكن بالطبع أن تلحق ضرراً خطيراً بدور واشنطن القيادي في دبلوماسية الشرق الأوسط وموقعها الإقليمي. 

فمن الواضح أن دول الشرق الأوسط لم تعد مضطرة إلى الرضوخ لمصالح واشنطن أو توقعاتها. فضلا عن ذلك فإن السياسة الأميركية في المنطقة مهترئة بالفعل. 

ولهذا السبب، فإن المخرج الوحيد لدول المنطقة هو التوصل إلى توافق في الآراء في إطار مبادئ وقرارات الأمم المتحدة بدلاً مما تريده الولايات المتحدة.

وأضاف: بالنظر إلى النقطة التي وصلت إليها القضية السورية، يمكن بسهولة فهم أن سياسة عزل النظام السوري لا تعمل، كما أن سياسات العقوبات المدمرة ضد دمشق لم تزح الأسد من السلطة ولم تغير سياساته. 

والأهم من ذلك، أن هذه السياسات أضرت بالسوريين الأبرياء الذين تدعي العديد من الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، الدفاع عنهم. 

ولولا سياسات تركيا في استضافة السوريين أو تقديم المساعدات الإنسانية لسوريا، لكان من الواضح أن المأساة التي يعيشونها ستتضاعف عدة مرات، وفق قوله. 

ومما لا شك فيه أن تركيا بلد لجأ إلى جميع الوسائل للتخفيف من آلام الحرب الأهلية في سوريا والبحث عن طرق لمساعدة الشعب السوري.

موقف تركيا

وفي هذا السياق، يمكن تلخيص سياسة تركيا وسبب وجود القوات التركية في سوريا بشكل عام على النحو التالي. 

أولا، تتمثل سياسة تركيا الرئيسة التي لا جدال فيها في حماية حقوق سوريا السيادية وسلامة أراضيها. وبناء على ذلك، فهي ملزمة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015 بشأن دمشق. 

ومن الملفات الأخرى لأنقرة، والتي جرى تضمينها أيضا في القرار 2254، "تحييد جميع الجماعات الإرهابية"، خاصة حزب العمال الكردستاني، وحدات حماية الشعب (الكردية) وحزب الاتحاد الديمقراطي وتنظيم الدولة، التي تهدد الأمن والسلامة الوطنية والإقليمية لتركيا وسوريا والمنطقة، يقول الكاتب. 

وأخيرا، تهدف تركيا إلى ضمان عودة اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم منذ فترة طويلة إلى بلدانهم الأصلية بطريقة طوعية وآمنة وكريمة.

وأردف شاهين: في الاجتماع الرباعي الذي عقد في موسكو في 25 أبريل/نيسان 2023 لتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، جرت مناقشة الموضوعات المذكورة أعلاه أيضاً من حيث الإشارة إلى خطوط أنقرة الحساسة. 

وكانت روسيا وتركيا وإيران وسوريا ممثلة في الاجتماع الذي عقد بالصيغة الرباعية، حيث أعلنت الأطراف أنه يسوده جو إيجابي. 

وأضاف: تعتمد سياسات أنقرة تجاه سوريا على أساس أمني قائم على تصور التهديد، لأن تركيا بلد يحارب الإرهاب منذ سنوات عديدة من أجل حماية سلامته الوطنية والإقليمية. 

إذ كانت معسكرات الإرهاب التي أنشئت خاصة في سوريا والعراق مركزاً للأعمال المسلحة والأيديولوجية ضد تركيا لسنوات، وفق الكاتب. 

وتابع: "التزمت الحكومة السورية بعدم السماح بأي عمل من شأنه أن يعرض أمن تركيا واستقرارها للخطر بموجب اتفاقية أضنة". 

ومع ذلك، أصبحت الأراضي السورية مرتعاً لجميع الجماعات الإرهابية، التي تهدد أنقرة، ولعل الأهم من ذلك هو أن مجلس الأمن الدولي لم يكن قادراً على اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على السلام والأمن في سوريا، "وهذا الوضع يجعل تركيا عرضة لهجوم مسلح". 

ولهذا السبب، تدخلت تركيا عسكرياً في سوريا في إطار الأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية أضنة، يقول الكاتب. 

وأشار إلى أن أهم هدف للوجود العسكري التركي في سوريا هو منع انهيار المنطقة في حالة من الذعر والفوضى، كما هو الحال في أفغانستان. 

ويعتقد أن انسحاب تركيا المفاجئ من المنطقة دون اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة سيخلق فراغاً في السلطة "سيملؤه الإرهابيون بسرعة". وأوضح أنه "من غير المرجح أن تقدم أنقرة على مثل هذه المخاطرة التي لا يمكن إصلاحها أو المستحيلة".

أهداف واشنطن

واستدرك شاهين: يمكن القول إن أميركا لديها ثلاثة أهداف واضحة في سوريا. الأول هو إضعاف وجود إيران ونفوذها هناك. وثانيا، أمن إسرائيل. 

والثالث هو دعم النزعة الانفصالية الكردية في سوريا من خلال حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب، وحزب الاتحاد الديمقراطي.

ويقع ضمن ذلك، ضمان إنشاء إدارة كردية مستقلة تسيطر على حوالي ثلث البلاد وجزء كبير من حقولها النفطية. 

يمكن التأكد بسهولة من المصادر المفتوحة أن هذه البنية هي نموذج للحكم يدعم أيديولوجية حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجلان، يقول الكاتب. 

على هذا النحو، لهذه الأسباب وما سبق، تعارض تركيا "إستراتيجية واشنطن لتقسيم سوريا". 

ولفت إلى أن أولوية واشنطن هي التوصل إلى حل سياسي في سوريا لأغراضها الخاصة، ومن ثم البدء في عمليات التطبيع.

ولهذا السبب، تعارض الولايات المتحدة عملية التطبيع بين أنقرة-دمشق بوساطة روسيا، لأنه إذا تحقق الأمر، فإن خطط واشنطن في سوريا ستفشل إلى حد كبير. 

وفي 28 أبريل، جددت الولايات المتحدة موقفها من عدم القبول بتطبيع العلاقات مع الأسد، داعية الدول الأخرى أيضا للامتناع عن فعل ذلك.

وأكد السفير، جيفري ديلورانتيس، نائب مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة أن أميركا لن ترفع العقوبات المفروضة على نظام الأسد، ولن تدعم عملية إعادة الإعمار التي يقودها في غياب إصلاحات حقيقية وشاملة ودائمة وإحراز تقدم في العملية السياسية.

وفي المداخلة التي ألقاها خلال جلسة الإحاطة التي عقدها مجلس الأمن بشأن سوريا، جدد السفير الأميركي دعوة بلاده نظام الأسد للانخراط في العملية السياسية بحسن نية واعتماد وقف إطلاق نار شامل ودائم في البلاد والإفراج عن المعتقلين ظلما وتوضيح مصير المفقودين بمن فيهم القتلى.

وختم الكاتب مقاله قائلا: إن جهود التطبيع بين سوريا وجيرانها هي تطور إيجابي يجب أن تشارك فيه الولايات المتحدة. 

ففي بيئة تحاول فيها سوريا إنهاء عزلتها الدبلوماسية في العالم العربي، يعد تصرف الولايات المتحدة ضد حلفائها العرب سلوكا محفوفا بالمخاطر للغاية في وقت يتزايد فيه الثقل الدبلوماسي للصين وروسيا.