استمرار العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وتونس.. ما الدلالات؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

استعرض موقع "ميدل إيست آي" البريطاني استمرار العلاقات العسكرية بين تونس والولايات المتحدة الأميركية رغم "السياسات الاستبدادية" للرئيس التونسي، قيس سعيد.

وقالت النسخة الفرنسية من الموقع إن الشراكة العسكرية بين الولايات المتحدة وتونس شهدت تطورا مهما، رغم التحديات التي تواجهها الديمقراطية في الدولة الواقعة شمال إفريقيا، والتي تعاني اضطرابات اقتصادية.

وحسب الموقع فإنه في إطار هذه العلاقة، تتجه سرية المهندسين رقم 133 التابعة للحرس الوطني في ولاية وايومنغ الأميركية إلى تونس في مايو/أيار 2023، للمساعدة في التدريب العسكري، وخاصة في مجال مكافحة العبوات الناسفة.

وفي الشهر التالي، ستشارك القوات التونسية في تدريبات عسكرية تنفذها القيادة الشمالية الأميركية في ولاية وايومنغ.

وقد صرح مدير الأركان المشتركة بالحرس الوطني في وايومنغ، ديفيد بريتشيت، بأن العلاقات بين البلدين تتطور بشكل إيجابي، وأنهما يعملان على تعزيز التعاون العسكري بينهما. 

وفي العام 2022، أرسل الحرس الوطني في ولاية وايومنغ ضباط صف إلى ورشة عمل في تونس، بهدف تحسين قدرة نظرائهم التونسيين على التفكير واتخاذ قرارات سريعة.

ووفق الموقع، أتت هذه الخطوة في إطار سياسة الدفاع الأميركية الساعية لتطوير قدرات الدول الشريكة على الصعيد العسكري.

حملة قمع استبدادية

ومع ذلك، فإن الشراكة الأميركية-التونسية جاءت في ظل حملة القمع الاستبدادية التي شنها الرئيس سعيّد، وعرّضت للخطر التجربة الديمقراطية الوحيدة التي انبثقت من ثورات الربيع العربي عام 2011، وفق التقرير.

إذ عطل سعيد البرلمان المنتخب ديمقراطيا، واستبدله بمجلس تابع له، وأعاد كتابة الدستور لتجميع السلطات في يده، كما أطلق حملة اعتقالات استهدفت العديد من الصحفيين والناشطين والمعارضين.

بدورها، واجهت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تحديات عديدة في علاقتها مع تونس بعد استيلاء سعيّد على السلطة في يوليو/تموز 2021.

ومنذ ذلك الحين، تراجعت المساعدات العسكرية والاقتصادية الأميركية لتونس بشكل حاد، وتأرجحت الإدارة بين توبيخ سعيد أو الانخراط معه، وفق الموقع.

وفي آخر تطورات العلاقة بين البلدين، قررت إدارة بايدن خفض المساعدات الاقتصادية المقدمة لتونس.

إذ طالبت وزارة الخارجية الأميركية في ميزانية عام 2024، بخفض المساعدات الاقتصادية إلى تونس بنسبة 70 بالمئة، لتصل لحوالي 14.5 مليون دولار، من أصل 45.

كما تراجعت المساعدات العسكرية الأميركية لتونس بشكل كبير منذ سيطرة سعيد على مقاليد السلطة، لكنها لم تتوقف تماما، وفق التقرير.

إذ طالبت وزارة الخارجية الأميركية بتخصيص 45 مليون دولار لدعم برنامج التسلّح الخارجي لتونس في العام 2024.

ويستخدم هذا المبلغ لشراء الأسلحة الأميركية؛ وهو نفس المبلغ الذي جرى طلبه في العام 2022، كما خفضت المساعدات المخصصة لبرامج مكافحة الإرهاب والمخدرات بشكل طفيف.

ويبرز التعامل بين تونس والحرس الوطني في ولاية وايومنغ مدى صعوبة وتعقيد العلاقات الأمنية بين تونس والولايات المتحدة، وكيف أن هذا التعقيد يتجاوز المسائل المتعلقة بالأسعار والتكاليف ليصبح أمرا أكثر تعددا وتشابكا.

ووفقا لما صرّح به شاران جريوال الخبير في الشؤون العسكرية التونسية في مؤسسة بروكينغز، فإن "التعاون والتواصل قد يكونان أكثر أهمية من المبالغ المالية، فبإمكان تونس اللجوء إلى روسيا أو الصين لتعويض عجز ميزانيتها البالغ 30 أو 40 مليون دولار".

وحسب الدبلوماسي الأميركي، الذي عمل في تونس سابقا، ويليام لورنس، فإن الضباط التونسيين يفضلون التدريب العسكري الأميركي على نظيره الفرنسي؛ إذ يدركون بأن الجيش الأميركي هو الأفضل في مجاله. 

وأردف: "تعد التدريبات المشتركة والرحلات إلى الولايات المتحدة جزءا من مكافأة السلوك الحسن، كما أن ذلك يساهم في الحفاظ على المعنويات والولاء داخل الجيش، ويضفي التعاون مع الولايات المتحدة مصداقية على الجيش الذي يتعاون معها".

وتعود العلاقة بين الجيشين التونسي والأميركي إلى الحرب الباردة، على عكس الجزائر أو مصر، حيث لم يلعب الجيش دورا مهيمنا في تاريخ تونس في مرحلة ما بعد الاستعمار. 

إضعاف الجيش

ووفق التقرير، فإن أول رئيس لتونس، الحبيب بورقيبة، وخلفه، زين العابدين بن علي، لم يثقا بالمؤسسة العسكرية، ولذلك أضعفاها لصالح الأجهزة الأمنية والحرس الوطني.

ويعزو دبلوماسيون ومحللون رفض الجيش اتباع أوامر ابن علي بإطلاق النار على المتظاهرين في 2011، كأحد الأسباب التي جنبت تونس الفوضى، التي عصفت بالدول الأخرى في أعقاب الربيع العربي.

وفي السنوات الأخيرة، زاد إنفاق الجيش التونسي بشكل كبير، إذ ارتفع من 572 مليون دولار في عام 2010 إلى مليار دولار عام 2016.

وموّلت الولايات المتحدة منظمات المجتمع المدني في تونس، ولكنها سعت في الوقت نفسه إلى تقريب الجيش التونسي منها، وتحسين علاقاتها مع جيشها الخاص.

وفي عام 2015، جرى تصنيف الجيش التونسي كحليف رئيس من خارج حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وهو القرار الذي يتيح الوصول إلى أنظمة الأسلحة والتدريب الأميركية المتفوقة.

وقد أدت موجة الهجمات الإرهابية في السنوات التالية إلى تعزيز التعاون بين الجيشين، وفق الموقع.

ففي عام 2017، شارك مشاة البحرية الأميركية في معركة مشتركة مع الجيش التونسي ضد مسلحي القاعدة بالقرب من الحدود الجزائرية.

كما وضع تحول الولايات المتحدة لمحاربة المسلحين في منطقة الساحل وغرب إفريقيا مسؤوليات جديدة على عاتق تونس.

ويأتي هذا في الوقت الذي تتطلع فيه واشنطن إلى التحقق من البصمة الأمنية المتزايدة لروسيا في الجوار الجنوبي لتونس العاصمة، وفق التقرير.

وأخيرا، بدأ الجيش التونسي تدريب جيوش إفريقيا جنوب الصحراء، وأصبحت تونس الآن شريكا إستراتيجيا أكثر أهمية بسبب هذه العلاقات العسكرية.

وفي مارس/ آذار 2023، شاركت القوات الخاصة التونسية في مناورات عسكرية تحت قيادة الولايات المتحدة في غانا وساحل العاج، أطلق عليها اسم "فلينتلوك".

فشل عسكري

لكن يقول منتقدون إنه بعد ما يقرب من عقد من التعامل مع الغرب، فشل الجيش التونسي في اختباره، فعندما أمر سعيد بإغلاق البرلمان، أرسل الجيش الدبابات لتنفيذ الأمر.

وحسب المتخصصة في الشؤون التونسية والأستاذة بجامعة نيويورك في أبوظبي، مونيكا ماركس، فإنه "من الواضح أن سعيد يحاول بنشاط إشراك الجيش في توطيد ديكتاتوريته".

ويبدو أن سعيد لاحظ خوف أسلافه المستبدين من الجيش، لذلك فصل بعض الضباط بشكل تعسفي وخفض رتبهم، وعين موالين له في المناصب العليا في المؤسسة العسكرية، وفق لورانس.

وتحدثت مصادر قريبة من الإدارة الأميركية، لـ"ميدل إيست آي"، مؤكدة أن أحد النقاشات المتعلقة بتونس داخل البيت الأبيض هو ما إذا كان قطع التعاون العسكري سيؤدي فعليا إلى منح المزيد من السيطرة لقيس سعيد.

وأكد الموقع البريطاني أن تدهور الوضع الاقتصادي في تونس قد يؤدي إلى تعزيز حجج من يؤيدون الحفاظ على العلاقات مع الجيش. 

وكشفت وثائق مسربة أن سعيّد وضع قيودا على التواصل بين المسؤولين التونسيين ونظرائهم الغربيين، حيث جرّم الاتصال بالدبلوماسيين الغربيين على وجه الخصوص، حسب التقرير.

وقال دبلوماسي غربي - قريب من إدارة بايدن- إن "سعيد شريك غير متزن ولا يمكن التنبؤ بأفعاله".

وأوضح أن "التفكير السائد في واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي هو أننا قمنا باستثمارات عميقة بعد 2011 في جيش احترافي نسبيا في المنطقة" لهدف محدد.

وتابع: "إذا انهارت تونس، يجب أن يكون هناك أناس عقلاء للتحدث معهم، لذلك لدينا شركاء جيدون في الجيش التونسي".

ومن جانبه، قال السيناتور الديمقراطي، كريس مورفي، في أبريل/نيسان 2023: "أعتقد أن إدارة بايدن راهنت على الجيش التونسي، وأزعم أننا يجب أن نراهن على المجتمع المدني بدلا منه".

بدورها، قالت ماركس إنه "من المنطقي أن ترغب واشنطن في مواصلة العمل مع تونس بشأن مكافحة الإرهاب والحفاظ على حوارها التاريخي مع قادة الجيش".

لكنها شككت في أن خفض المساعدات العسكرية قد يكون حافزا للتحول الديمقراطي، مؤكدة أهمية وجود مراجعة أكثر صرامة من قبل واشنطن.

وختمت: "في الوقت الحالي، ليس مضمونا على الإطلاق أن أموال الحكومة الأميركية لم تتحول إلى استخدامات إشكالية، مثل إسكات المعارضة السياسية المشروعة".