إصلاحيو إيران يريدون استفتاءً على القضايا الخلافية وخامنئي يرفض.. ما القصة؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

عارض المرشد الإيراني علي خامنئي، مطالب بعض الإصلاحيين والمعارضين الإيرانيين بإجراء استفتاءات شعبية حول بعض القضايا الخلافية التي تسبب جدلا كبيرا في البلاد منذ سنوات.

وكانت المطالب بإجراء مثل هذه الاستفتاءات الشعبية على السياسات الداخلية والخارجية قد تصاعدت بعد اندلاع موجة الاحتجاجات الأخيرة، والتي أعقبت موت الفتاة الإيرانية مهسا أميني.

وفي 16 سبتمبر/ أيلول 2022، اندلعت احتجاجات بأنحاء إيران إثر وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) بعد 3 أيام على توقيفها لدى "شرطة الأخلاق" المعنية بمراقبة قواعد لباس النساء.

وأثارت الحادثة غضبا شعبيا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية بإيران، وسط روايات متضاربة عن أسباب الوفاة.

استفتاء شعبي

وجاءت تصريحات الزعيم الإيراني أمام حشد من طلاب الجامعات الإيرانية وناشطي التنظيمات الطلابية، تزامنا مع اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك.

وقد رصد موقع بي بي سي الناطق بالفارسية ردود الأفعال على تصريحات خامنئي التي عدها البعض تقليلا من شأن الشعب الإيراني.

ففي تعليقه على المطالبة بالاستفتاءات الشعبية، قال خامنئي إن "أحد الإخوة طالب بإجراء استفتاء شعبي عام"، وتساءل متعجبا: "في أي مكان في العالم يجرون هكذا استفتاءات؟"

وأضاف خامنئي: "هل يمكن إجراء استفتاء عام على كل القضايا؟ وهل بإمكان كل الناس تحليل كل الملفات؟ ما هذا الكلام؟ إن حسم قضية واحدة فقط يستغرق ستة أشهر في بعض الأحيان".

وكان الزعيم الإيراني قد أدلى بتصريحات مماثلة في 21 مارس/آذار 2023، في خطابه السنوي بمناسبة عيد النوروز، حينما كان يرد على المطالبين بتغيير الدستور، أو هيكل النظام الإسلامي.

حينها، قال خامنئي إن أصحاب هذه المطالب "يكررون ما يقوله الأجانب"، وإن "هذا الحديث هو كلام الأعداء نفسه"، وأضاف: "أحيانا تكون أقوال هذه العناصر الداخلية نابعة من إهمال وغفلة، وأحيانا يكررونها بدوافع أخرى".

وشدد المرشد الأعلى على أن "غاية العدو هي تبديل هوية الجمهورية الإسلامية تحت مسمى التغيير".

جدير بالذكر أنه في السنوات الأخيرة تحدث كثير من المعارضين للحكومة والمعترضين عليها عن ضرورة إجراء استفتاء شعبي على القضايا الخلافية، بما في ذلك شكل الحكم في إيران.

فقد تحدث الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، عدة مرات عن ضرورة الرجوع إلى المادة 59 من الدستور الإيراني، والرجوع إلى أصوات الناس لتجاوز الجمود، رغم أنه لم يتخذ أي إجراء من أجل الاقتراب من الخلفيات القانونية والتنفيذية لهذه الاستفتاءات.

ووفقا للمادة المذكورة، فإنه يجوز الرجوع إلى آراء الناس مباشرة، وعبر الاستفتاء العام، وبعد موافقة ثلثي أعضاء البرلمان الإيراني، في القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية المهمة جدا.

وبعد التعديلات الدستورية التي أجريت في عام 1989، جرى إزالة مرسوم الاستفتاء من مهام وزير الداخلية، وأضيف إلى صلاحيات المرشد الأعلى للثورة.

كما دعا مير حسين موسوي زعيم حركة الاحتجاج الخضراء، وآخر رئيس وزراء للجمهورية الإسلامية، بشكل صريح إلى تغيير هيكل النظام، عبر صياغة دستور جديد، وعرضه للاستفتاء الشعبي.

ودعا آخرون إلى إجراء استفتاء شعبي حول إلزامية الحجاب في إيران، وهو ما رفضته هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي رأت أن الأمر سيفتح الباب لاستفتاءات أخرى.

صوت الأمة

وفي 15 أبريل/نيسان 2023، أعلن 420 ناشطا سياسيا ومدنيا وثقافيا، في تقييمهم للوضع الإيراني خلال عام 2022، أنه "من الطبيعي في ظل ظروف أزمة شرعية الحكم والحكومة أن يكون طريق اللاعنف والديمقراطية هو الرجوع إلى أصوات الأمة، عن طريق إجراء نوع من الاستفتاء الحر".

وخلال الاحتجاجات التي عمت البلاد، والتي بدأت منذ نهاية عام 2022، دعت مجموعات مختلفة أخرى إلى إجراء استفتاء عام. 

فعلى سبيل المثال، قال إمام الجمعة لأهل السنة والجماعة في مدينة زاهدان الإيرانية الشيخ عبد الحميد إسماعيل زهي، إن غالبية الشعب الإيراني غير راض عن الوضع الحالي.

ودعا زهي إلى خضوع النظام لإرادة الشعب، وإجراء استفتاء عام، حتى لو جاء بنظام علماني، لا تكون فيه المؤسسات الدينية هي صاحبة القرار، لكن مع الحفاظ على المؤسسات الدينية وحرية العقيدة. 

ثم طالبت مجموعة من أئمة الجمعة والمدرسين من أهل السنة والجماعة في كردستان الإيرانية بإجراء استفتاء في إيران تحت إشراف منظمات دولية. 

ويقول المنتقدون إن خطاب خامنئي عن استفتاء الشعب أظهر مرة أخرى أنه لا يرى الناس مؤهلين لتقرير مصيرهم، وهي قضية تتعارض عمليا مع أصل الجمهورية في نظام الحكم في إيران.

وبحسب مراقبين، فإن الأهم من معارضة الزعيم الإيراني الواضحة للمادة 59 من الدستور هو حجته في هذه المعارضة، إذ يرى خامنئي أن هناك إشكالية في إمكانية تعامل الناس مع الآراء المختلفة المطروحة على الرأي العام.

وهو ما يظهر من قوله: "في أي مكان من العالم يفعلون ذلك؟ هل قضايا البلاد المختلفة تخضع للاستفتاء؟ هل كل الأشخاص الذين يجب عليهم المشاركة في الاستفتاء قادرون على تحليل هذه القضية؟".

وأردف: "يُدخلون البلاد في مناقشات واستقطاب لمدة ستة أشهر لإجراء استفتاء على قضية معينة. هل يجب إجراء استفتاء على جميع القضايا؟ هي ليست على هذا النحو بحيث يمكن للمرء تجاوزها بسهولة".

وفقا لهؤلاء المحللين الذين انتقدوا تصريحات خامنئي، فإن هذا الموقف يُظهر مرة أخرى أن نموذج الحكم المطلوب لدى الزعيم الإيراني هو الحكومة الاستبدادية، التي لا تتيح للناس تقرير مصيرهم، وتؤمن بأنه يجب على النظام أو القائد أن يُبعِد البلاد عن "الجدل"، ويفرض حكمه وقراره ورأيه على الناس.

وقد حرصت وسائل الإعلام الموالية للنظام الإيراني على تبرير تصريحات خامنئي التي رأى فيها المعارضون تقليلا من شأن الشعب الإيراني، فزعمت أن إجراء الاستفتاءات احتمال نادر في الأنظمة الديمقراطية المعروفة في العالم، مثل فرنسا والولايات المتحدة.

والمطالبة بالاستفتاء على موضوعات مثل الحجاب والعلاقة مع الولايات المتحدة وتغيير الدستور لأنها موضوعات تحظى بتأييد شعبي، وصفته هذه الوسائل الإعلامية  بأنها "مغالطة واضحة"، لأن إثبات المطالبة الشعبية بالاستفتاء يتطلب استفتاء آخر، وهو ما يخلق حلقة مفرغة لا تنتهي.