"الحضارة الإسلامية صديقة وأميركا عدوة".. هذه سياسة روسيا الخارجية الجديدة

سلطت صحيفة روسية الضوء على "وثيقة السياسة الخارجية الجديدة" لموسكو، والمؤلفة من 43 صفحة، حيث وقع عليها الرئيس فلاديمير بوتين، في 31 مارس/ آذار 2023.
وبحسب صحيفة "إزفستيا"، فقد رأت الوثيقة أن "الصين والهند ودول أميركا اللاتينية أصدقاء، في وقت ترى فيه أن الولايات المتحدة المحرك الرئيس والمصدر الأساسي للسياسة المعادية لروسيا".
في المقابل، تنظر الوثيقة إلى "الحضارة الإسلامية كصديقة، وستحاول تعزيز التعاون الشامل متبادل المنفعة".
مفهوم إستراتيجي
وقالت الصحيفة الروسية: "على خلفية التغيرات الجوهرية في العالم، وافقت روسيا على نسخة جديدة لإستراتيجية السياسة الخارجية".
وبحسب "إزفستيا"، طُورت هذه الوثيقة من قبل وزارة الشؤون الخارجية في الاتحاد الروسي، بالاشتراك مع الهيئات التنفيذية الفيدرالية الأخرى.
وفي وقت سابق، أشارت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، ماريا زاخاروفا، إلى أن "إعداد الوثيقة يأخذ في الاعتبار، أولا وقبل كل شيء، المفهوم الإستراتيجي الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو)".
من جهتها ترى الصحيفة أن "الوثيقة تعيد النظر في علاقات الاتحاد الروسي مع الدول الأخرى".
وبشكل خاص، شددت الوثيقة صراحة على أن المصدر الرئيس للخط المعادي لروسيا هو الولايات المتحدة.
وتبعا للتغيرات المحدثة في إستراتيجية السياسة الخارجية، ظهرت أطروحة حول إمكانية استخدام القوات المسلحة لصد أو منع أي هجوم على الاتحاد الروسي أو حلفائه.
وأوضح وزير الخارجية، سيرغي لافروف، أنه "رغم أن الوثيقة بها بعض بنود الإصدار السابق لعام 2016، إلا أن النسخة الجديدة تعكس وجود تغييرات كبيرة، من شأنها إحداث تقدم ثوري على الساحة الدولية".
وأكد أن موسكو "تنظر في إنشاء نظام عالمي جديد سيكون أساسا لجميع العلاقات الدولية".
وذكرت الصحيفة أن "روسيا والعالم يعيشون مستوى غير مسبوق من التوتر الدولي على مدى العقد الماضي".
وفي هذا السياق، قال لافروف إن "الطبيعة الوجودية للتهديدات التي يتعرض لها الأمن والتنمية في بلدنا، والتي نجمت عن تصرفات الدول المعادية، واضحة ومعترف بها".
وتابع: "البادئ والسبب الرئيس في تكوين الخط المناهض لنا هي الولايات المتحدة"، مشيرا بذلك إلى أن "المسار السياسي لواشنطن هو المصدر الرئيس للمخاطر على أمن الاتحاد الروسي".
من ناحية أخرى، أكد لافروف أن "سياسة الغرب التي تهدف إلى إضعاف روسيا بكل الطرق الممكنة، حرب هجينة من نوع جديد".
نوايا مختلفة
وفي الوقت نفسه، ذكرت الصحيفة أن الوثيقة الجديدة تنص بوضوح على أن "روسيا لا تعد نفسها عدوا للغرب ولا تنعزل عنه، وليست لها نوايا معادية تجاهه".
هذا بالإضافة إلى اعتماد روسيا على إدراك الأوروبيين "عبث المواجهة مع روسيا، والعودة بمرور الوقت للتفاعل على أساس مبادئ المساواة في السيادة واحترام المصالح".
وشدد لافروف على أنه من الضروري إدراكهم "عدم جدوى سياسة المواجهة" فيما يتعلق بالاتحاد الروسي.
من ناحية أخرى، أكدت "إزڤسيتا" أن الوثيقة أظهرت أيضا اهتماما بالدول الصديقة.
وبحسب ما أشار إليه لافروف، عززت روسيا اهتمامها بتعميق التكامل الأوروبي الآسيوي، ولا سيما العلاقات الإستراتيجية مع الصين والهند.
فالمشروع الرئيس لروسيا في القرن الحادي والعشرين هو "تحويل أوراسيا إلى فضاء واحد في جميع أنحاء القارة يسوده السلام والاستقرار والثقة المتبادلة والتنمية والازدهار".
بالإضافة إلى ذلك، فإن "الاتحاد الروسي على استعداد للتعاون مع دول العالم الإسلامي".
وكذلك "دول الآسيان والقارة الإفريقية وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي".
ومن بين أمور أخرى، قالت الصحيفة إن "الوثيقة تنص على أن روسيا تعتزم إعطاء الأولوية لتطوير التعاون مع إيران وتركيا والسعودية ومصر، وكذلك دعم سوريا".
وفي وقت سابق، أكد بوتين على "انفتاح روسيا تجاه جميع الدول، بشرط أن يكونوا غير معادين لها".
وقال: "من الناحية العملية، أطلب من جميع الزملاء المشاركين في تنفيذ إستراتيجية السياسة الخارجية إيلاء اهتمام خاص لتوسيع العلاقات مع الشركاء ذوي التفكير البناء، وتهيئة الظروف للدول غير الصديقة للتخلي عن سياستها العدائية تجاه بلدنا".
كما رأت الوثيقة أن موسكو "تنهج سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المتعاونة معها".
المكانة الجديدة
وشدد وزير الخارجية الروسي على أن الوثيقة المحدثة تركز أيضا على الحاجة إلى ضمان سيادة القانون في العلاقات الدولية، حيث قُدمت أطروحة حول استخدام القوات المسلحة لصد أو منع هجوم مسلح على موسكو وحلفائها.
وقال لافروف: "إننا نعلن بشكل لا لبس فيه أننا سندافع عن حق الشعب الروسي في الوجود والتنمية الحرة".
وفي حديث له مع "إزڤستيا"، قال الخبير العسكري، فلاديسلاف شوريجين: "في السابق، كان من الممكن استخدام القوات المسلحة في حالة حدوث عدوان، والآن لن نسعى للحصول على دعم دولي، وسنبدأ في التصرف حسب الاحتياج في حالة وجود تهديد، بما في ذلك الضربات الوقائية".
وأوضح شوريجين: "في الواقع الحالي، عندما تدور حرب جماعية بالوكالة ضد روسيا، فإننا ندرك جيدا أن الصكوك الدولية التقليدية التي اعتاد الجميع عليها لم تعد تعمل".
ولفتت الصحيفة إلى أن الوثيقة تنص على "أن موسكو ستواجه تعزيز البنية التحتية العسكرية للدول غير الصديقة، والتهديدات الأخرى لأمنها في الخارج القريب".
وبشكل عام، أشار لافروف، خلال خطابه في اجتماع مجلس الأمن، إلى أن "الخطوات المعادية لروسيا من قبل الدول غير الصديقة ستُقمع باستمرار، وإذا لزم الأمر بقسوة".
ولذلك، ترى الصحيفة أن موقف الاتحاد الروسي تجاه البلدان الأخرى تحدده "الطبيعة البناءة أو المحايدة أو غير الودية لسياسة تلك الدول".
وفي ذات السياق، قال الخبير السياسي، فيودور لوكيانوف، إن "مفهوم وثيقة السياسة الخارجية يوضح أن أولويات الاتحاد الروسي الآن لا لبس فيها".
وأوضح لوكيانوف، وفقا للصحيفة، أن الوثيقة تقدم روسيا على أنها "دولة حضارة".
وقال الخبير السياسي إن "اللحظة الجديدة تتمثل في حقيقة أن القائمين على هذه الوثيقة حددوا علانية أن الولايات المتحدة هي التهديد الرئيس لروسيا والعالم متعدد الأقطاب بأكمله".
وذكر أن "الوضع في العلاقات مع الولايات المتحدة مختلف جذريا الآن، حتى مقارنة بما كان عليه قبل عامين".
وأضاف لوكيانوف أن "وضع روسيا نفسها على أنها القوة الرئيسة التي تردع التهديد الأميركي قد برز، وهو ما يُعد أمرا ذا قيمة بالنسبة للعالم".
وفي مقابلة مع "إزڤستيا"، أشار الأكاديمي، سيرغي شين، إلى أن "الوثيقة تحاول أن تبرز المكانة التي تحتلها روسيا في النظام العالمي الجديد".
وخلص إلى أنه "من الملاحظ أن دولا أخرى -غير الاتحاد الروسي- تعاني من هيمنة الغرب".
وأوضحت الصحيفة أن "النسخة الجديدة للوثيقة تطرقت إلى موضوعات مهمة أخرى، فعلى سبيل المثال، ترى أن اقتصار دور الأمم المتحدة على التنسيق بين مصالح الدول الكبرى يقلل من قيمتها بشكل متعمد".