مساعٍ إيرانية للتهدئة مع دول الخليج.. كيف تؤثر على اقتصادها المتأزم؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل العقوبات الأميركية المفروضة عليها منذ عام 2018، والتي خلفت أزمة اقتصادية خانقة كانت سببا في نقمة الشعب ضد النظام، تتحرك إيران لإبرام اتفاقيات تنموية مع عدة دول، بالتزامن مع مساعيها لتصفير مشاكلها الإقليمية.

كان آخرها إعلان إيران والسعودية بشكل مفاجئ في 10 مارس/ آذار 2023 عن اتفاقهما إثر وساطة صينية على استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات عديدة من القطيعة وحروب الوكالة والاتهامات المتبادلة.

وتثير التحركات التي تجريها إيران سواء من أجل إبرام اتفاقيات أو إنهاء الأزمات مع دول المنطقة، تساؤلات عدة بخصوص مدى انعكاس ذلك على وضعها الاقتصادي في ظل العقوبات المفروضة عليها عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في مايو/ أيار 2018.

اتفاقيات متعددة

وفي 20 مارس 2023، تحدث أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، عما حققته إيران أخيرا من اتفاقيات مع دول المنطقة من شأنها أن تصب في صالح اقتصاد بلاده.

ولدى عودته من الإمارات، نقل موقع "انتخاب" الإيراني عن شمخاني مسؤول ملف التهدئة مع دول المنطقة، قوله إنه جرى "الاتفاق في الإمارات على تسهيل التجارة بين البلدين باستخدام الدرهم الإماراتي".

وأجرى المسؤول الإيراني في 16 مارس زيارة إلى دولة الإمارات، التقى خلالها بنظيره الإماراتي طحنون بن زايد، إضافة إلى الشيخ محمد بن راشد، رئيس الوزراء، حاكم دبي.

وقال شمخاني خلال تصريحاته، إن "الرحلات إلى الصين والإمارات حققت نتائج مهمة، وعلى هذا الأساس تقرر أن يجب أن تستمر هذه العملية مع الرحلة إلى العراق".

وأضاف: "جرى تحديد آليات جديدة، وتم الاتفاق حولها مع العراق، بشأن استيفاء المبالغ الإيرانية المستحقة لشراء البضائع الأساسية وحل مشاكل النقد الأجنبي بالنسبة لرجال الأعمال الإيرانيين".

وأكد شمخاني أن "هذه الخطوة من شأنها تحسين وضع سوق العملات في البلاد، إلى جانب الاتفاقات المبرمة مع السلطات الإماراتية".

وخلال المدة من 10 إلى 19 مارس أجرى علي شمخاني، زيارات إلى الصين والإمارات والعراق، على التوالي، والتي اتفق خلالها، مع السعودية على عودة العلاقات الدبلوماسية برعاية الصين، إضافة إلى توقيع اتفاقيات اقتصادية مع الإمارات والعراق.

وبعد قطيعة منذ عام 2016، اتفقت إيران والسعودية في 10 مارس، على "استئناف التعاون في مجالات الأمن والتجارة والاستثمار"، بحسب ما قالا في بيان مشترك مع وسيطهما الصين.

وبعد خمسة أيام من الإعلان عن اتفاق إعادة العلاقات بين البلدين، كشفت الرياض عن وجود الكثير من فرص الاستثمار السعودي في إيران.

وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال مؤتمر القطاع المالي في الرياض في 15 مارس، إن الاستثمارات السعودية في إيران يمكن أن تحدث سريعا جدا بعد اتفاق".

وتابع: "هناك الكثير من الفرص لاستثمارات سعودية في إيران. لا نرى عوائق طالما سيتم احترام بنود أي اتفاق".

وأضاف الجدعان أن هناك الكثير من الفرص للاستثمارات السعودية في إيران، وأن الرياض أيضا فيها العديد من الفرص للإيرانيين، مشيرا إلى أنه لا يرى أية عوائق طالما ستُحترَم بنود أي اتفاق.

وخلص الوزير السعودي إلى أنه "من أجل التركيز على تنميتك الاقتصادية والتركيز على توفير ما يلزم للشعب في بلادك، تحتاج للاستقرار وهم (الإيرانيون) يحتاجون للأمرين".

تنفيس محتمل

وفي أولى ملامح التأثر الاقتصادي الإيراني من كل ذلك، شهد سعر صرف التومان ارتفاعا ملحوظا مقابل الدولار، بعد ساعات من إعلان التسوية بين الرياض وطهران واستئناف العلاقات الدبلوماسية.

وبلغ سعر صرف الدولار مقابل العملة الإيرانية في السوق الموازية في 11 مارس، نحو 450 ألفا مقابل 500 ألف ريال قبل الإعلان عن المصالحة، بارتفاع بلغ نحو 10 بالمئة.

وعن مدى انعكاس الاتفاقيات والتسويات التي تجريها إيران على وضعها الاقتصادي، قال الباحث علي المساري إن "ذلك من شأنه أن ينفس عن أزمة طهران الاقتصادية، لكن لا يعني التحرر من العقوبات المفروضة عليها من الدول الغربية، وخصوصا الولايات المتحدة".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "أميركا بيدها أجهزة تنفيذية محلية ودولية، متمثلة بدول وشركات وشخصيات سياسية وأحزاب حاكمة وغيرها، كل هذه تخضع بشكل أو بآخر إلى قراراتها، أو لا تخرج عن طوعها، وبالتالي لا تستطيع أن تتمرد عليها".

ولفت إلى أن "التحركات الإيرانية سواء المتمثلة بالاتفاقيات أو حل الأزمات مع بلدان المنطقة لا شك أنها تنعكس إيجابا على أوضاعها الاقتصادية، لكنها تبقى مقيدة بشكل كبير، لأن لديها رؤوس أموال جمدت وعقود توقفت منذ سنين متوقفة، إضافة إلى العقوبات التي طالت مسؤولين وعلماء".

ورأى المساري أنه "مهما شهد الوضع الاقتصادي من بحبوحة جرّاء ما تبرمه إيران من اتفاقيات سواء مع الصين أو روسيا والدول العربية، فإن الوضع الداخلي أيضا لا يزال مربكا بسبب الاحتجاجات الشعبية ضد النظام أكثر مما هو ضد الجانب الاقتصادي".

وتشهد إيران منذ سبتمبر/ أيلول 2022، احتجاجات شعبية غير مسبوقة منذ الثورة التي أطاحت بنظام الشاه عام 1979، وذلك على خلفية مقتل الشابة الكردية، مهسا أميني، بعد اعتقالها من "شرطة الآداب" بدعوى عدم ارتدائها الزي المحتشم.

ولفت الباحث العراقي إلى أن "الشقاق الديني والعرقي القائم في إيران لا يمكن أن يمحيه التنفس الاقتصادي البسيط، رغم أن النظام الحالي يبذل جهودا دبلوماسية تحسب له في تحقيق مكاسب".

وأضاف: "هم يتسمون بنفس طويل في المفاوضات، وربما لا يحصل خصمهم على ذات المكاسب التي يجنيها نظام ولاية الفقيه في النهاية".

وأوضح المساري أن "دليل قدرة المفاوض الإيراني هو النجاح الباهر في الملف النووي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في أبريل/ نيسان 2015".

ولفت إلى أن "إيران تحوّر سياستها مع الولايات المتحدة وفقا للرئيس الذي يتولى إدارة البيت الأبيض، فقد تحلحلت الأمور في زمن أوباما، وتعقدت في عهد خلفه دونالد ترامب، ثم عادت للتحلحل مرة ثانية لشيء من التحسن مع جو بايدن، وقد تنتهي ولايته بالعودة للاتفاق النووي".

تحايل إيراني

وفي السياق ذاته، قالت صحيفة "فايننشال تايمز"، إن إيران "استخدمت على مدار العقد الماضي، الشركات في المراكز التجارية بالإمارات للتحايل على العقوبات الأميركية المنهكة ردا على برنامج إيران النووي".

ولفتت الصحيفة الأميركية خلال تقرير لها في 16 مارس 2023 إلى أن "الإمارات كانت من بين أكبر الشركاء التجاريين لإيران منذ عقود حتى في الأوقات الصعبة بين الدولتين".

وأظهرت أحدث الأرقام الرسمية لطهران أن بضائع بقيمة 13.6 مليار دولار تم استيرادها إلى البلاد عبر الدولة الخليجية، وهو ما يمثل نحو 31 بالمئة من جميع الواردات خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الإيراني (تبدأ في مارس/آذار)، وفقا للصحيفة الأميركية.

وأثارت التحركات الدبلوماسية الأخيرة لطهران الآمال بين العديد من الإيرانيين ومجتمع الأعمال في البلاد في أن القادة المتشددين ربما يستعدون لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع القوى العالمية، وفقا لـ"الفايننشال تايمز".

لكن على الرغم من ذوبان الجليد في العلاقات الإقليمية، لم تكن هناك إشارة قوية من القيادة الإيرانية على استعدادها للعودة إلى الاتفاق النووي.

ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي الإيراني سعيد ليلاز قوله إن إيران "ليس لديها خيار سوى تقديم تنازلات في نهاية المطاف لأميركا حيث وصل كلاهما إلى طريق مسدود في التعامل مع بعضهما البعض".

وأضاف ليلاز أنه "في الوقت الحالي، يشعر الإيرانيون بالارتياح؛ لأن بعض التقدم يحدث في السياسة الخارجية".

وفي 25 مارس 2023 أعلنت الحكومة الإيرانية أن بعض الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة مع الصين دخلت حيز التنفيذ، لافتة إلى أن الأثر الاقتصادي لهذه الاتفاقيات سيظهر في مجال التجارة الخارجية.

وقال المتحدث باسم الحكومة علي بهادري جهرمي في تصريح لوكالة "فارس"، إن أهمية الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني إلى الصين تكمن في إظهار إرادة إيران القوية والجادة لتعزيز العلاقات مع الصين.

وأشار جهرمي إلى إن الفريق الاقتصادي للحكومة الإيرانية الذي رافق رئيسي في زيارته لبكين والمؤلف من وزير الصناعة والتعدين والتجارة، ووزير النفط، وزير الطرق واعمار المدن، ووزير الزراعة، ووزير الاقتصاد، ومحافظ البنك المركزي، أبرم اتفاقيات مع الصين في جميع المجالات.

وأجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 14 فبراير/ شباط 2023 زيارة رسمية إلى بكين استغرقت ثلاثة أيام، التقى خلالها بنظيره الصيني شي جين بينغ، وجرى توقيع اتفاقيات نحو 20 اتفاقية لتعزيز التعاون بين البلدَين، وسط التوترات مع الغرب.

وفي ظل هذه العقوبات التي تحرم إيران عوائد صادراتها النفطية المحظورة التي تحصل بطرق التفافية، يبقى من الصعب بمكان تحويل الأموال إلى داخلها للاستثمار.

بالتالي فإن الاستثمار السعودي أو غيره في إيران رهن بتحقيق أمرين: الأول، الحصول على إعفاءات من العقوبات الأميركية، والأمر الثاني رفع تلك العقوبات بالأساس.

ورفع العقوبات أيضا، لا يكون إلا عبر إحياء الاتفاق النووي المجمد حاليا، إذ تعثرت المفاوضات منذ سبتمبر/ أيلول 2022، ولم تنجح المحاولات والوساطات بعد في استئنافها، بحسب مراقبين.