رغم المنافسة الدولية.. هكذا أصبحت تركيا شريكا جذابا لدول غرب البلقان
لطالما كان القرب من سوق الاتحاد الأوروبي سببًا كافيًا لتكثيف تركيا للتعاون الاقتصادي مع دول غرب البلقان التي تعاني أزمات لا تنتهي.
وهنا يرصد موقع "معهد تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي في تقرير له حجم تطور التعاون الاقتصادي بين أنقرة وبلدان تلك المنطقة.
وبين أن "الإستراتيجية السياسية لإعادة تركيا إلى شبه جزيرة البلقان، التي كانت ذات يوم جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، ترافقت مع التزام اقتصادي متزايد في العقود الأخيرة".
شراكات تجارية
في هذا الإطار، يذكر توقيع أنقرة اتفاقيات تجارة حرة مع جميع دول المنطقة، مقدونيا الشمالية (1999)، البوسنة والهرسك (2002)، ألبانيا (2006)، الجبل الأسود (2008)، صربيا (2009) وكوسوفو (2013).
وأشار إلى أنه في العقد الماضي، كانت هناك زيادة كبيرة في الصادرات التركية إلى هذه الأسواق خصوصا أن السلع المنتجة في تركيا "تحظى بشعبية لدى العملاء في البلقان".
ويذكر أن التبادل التجاري بين صربيا وتركيا نما بشكل كبير عام 2021 ليبلغ قيمة 1.7 مليار يورو وتضاعفت الصادرات التركية إلى بلغراد تقريبًا منذ عام 2017.
وزادت صادرات أنقرة إلى البوسنة والهرسك بنسبة 65 بالمئة عام 2017 لتصل إلى 649 مليون يورو، بينما بلغت قيمة تبادل السلع بين البلدين حوالي 832 مليون يورو.
وبالنسبة لكوسوفو وألبانيا، تعد أنقرة الشريك التجاري الثاني بعد الاتحاد الأوروبي، إذ بلغت صادراتها إلى هذه البلدان عام 2021، نحو 587 مليون يورو و647 مليون تواليا.
أما بالنسبة لمقدونيا الشمالية والجبل الأسود، تعد تركيا خامس أكبر شريك تجاري بقيمة صادرات بلغت في العام نفسه، 530 مليون يورو و110 ملايين يورو.
كما ارتفعت الاستثمارات التركية في غرب البلقان وتضاعفت قيمتها منذ عام 2007 أربع مرات.
بحسب المعهد الإيطالي، تهدف تركيا، من خلال وجود اقتصادي أقوى في المنطقة، إلى تعزيز نفوذها السياسي لا سيما في المناطق التي تقطنها غالبية مسلمة.
ويضيف "في الوقت نفسه، من خلال هذه الإستراتيجية، تريد تركيا الاقتراب من الاتحاد الأوروبي وتحسين علاقاتها التجارية للتخفيف من المشاكل الاقتصادية".
على الرغم من هذه الأرقام، لا تزال قيمة الاستثمارات ضئيلة، يلاحظ المعهد الإيطالي، خصوصا وأنه في معظم البلدان، تهيمن استثمارات الاتحاد الأوروبي.
وفي ذات الوقت، تتفوق الاستثمارات من الصين وروسيا والإمارات وتزداد أهمية في صربيا مقارنة بنظيرتها التركية.
حاليًا، أكبر الدول المتلقية للاستثمارات التركية هي ألبانيا بقيمة 608 ملايين يورو وكوسوفو بقيمة 296.5 مليون يورو.
كما تنشط 725 شركة تركية برأسمال لا يقل عن 1.2 مليار يورو في سوق كوسوفو، بحسب بيانات وزارة التجارة والصناعة في بريشتينا.
في ألبانيا وكوسوفو، استحوذ المستثمرون الأتراك في كثير من الأحيان على الشركات التي تحتل مكانة احتكارية في السوق المحلية، يفيد الموقع الإيطالي.
وأشار إلى أن رأس المال التركي موجود بشكل خاص في القطاع المصرفي في هذه البلدان وكذلك في مقدونيا الشمالية، أي يمتلك حوالي 7.2 بالمئة من حصة السوق.
حتى العام 2022، وفقًا لبيانات غرفة التجارة المقدونية التركية، بلغت الاستثمارات التركية في مقدونيا الشمالية نحو ملياري دولار.
تستحوذ تركيا على 38 بالمئة من إجمالي الاستثمارات، وتعد تركيا خامس أكبر شريك استثماري للبلاد وثامن أكبر شريك تجاري لها وتبلغ القيمة الحالية للتجارة بين البلدين نحو 500 مليون دولار سنويا.
استثمارات متلاحقة
لاحظ الموقع أن النشاط التجاري التركي في غرب البلقان مكثف بشكل خاص في مشاريع البنية التحتية أكبرها خاصة طريق سراييفو - بلغراد السريع.
بالإضافة إلى هذا المشروع، تشارك تركيا أيضًا في بناء طريق سريع في سنجق، وهي منطقة فقيرة في صربيا يسكنها المسلمون في الغالب، وكذلك في بناء ممر مورافيا في وسط ذات البلد.
وتعمل أيضا شركة تركية على بناء طريق سريع في البوسنة والهرسك يربط شمال كرواتيا والمجر بالساحل الكرواتي.
من جانبه، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 خلال اجتماع مع ممثلي المنظمات البوسنية في تركيا أن استثمارات أنقرة المباشرة في البوسنة والهرسك تتجاوز 250 مليون دولار.
نوه المعهد الإيطالي بأن الاستثمارات الجديدة التركية، التي تخلق وظائف جديدة، تقع بشكل أساسي في صربيا على طريق النقل الرئيس إلى الاتحاد الأوروبي وهو أحد الأسباب التي تجعل تعاون تركيا الاقتصادي مع بلغراد أكثر تطورًا من بين جميع دول البلقان.
يذكر في هذا الصدد، أن الرئيس التركي كان قد أعلن خلال لقاء مع نظيره الصربي ألكسندر فوتشيتش في أنقرة في يناير/كانون الثاني 2022 أن الاستثمارات التركية في بلغراد زادت من مليون دولار إلى 200 مليون دولار في عشر سنوات.
أضاف الموقع أن تركيا تعمل على زيادة استثماراتها في الجبل الأسود منذ سنوات، والتي بلغت 266.4 مليون يورو من عام 2006 إلى أكتوبر/تشرين الأول 2021، وفقًا لبيانات البنك المركزي لبودغوريتشا.
من إجمالي عدد الشركات الأجنبية في الجبل الأسود في عام 2020، يمتلك الأتراك ما يصل إلى 28.8 بالمئة. وأظهر المستثمرون الأتراك حتى الآن أكبر قدر من الاهتمام بالاستثمار في قطاعات السياحة والضيافة والبناء والطاقة.
وفقًا لبيانات من إدارة الإحصاءات في الجبل الأسود، زاد إجمالي التجارة الخارجية بينها وبين تركيا عشرة أضعاف منذ عام 2006.
تصدر الجبل الأسود بشكل أساسي الحديد والصلب والألمنيوم إلى تركيا التي انخفض إنتاجها بشكل مطرد في السنوات الأخيرة.
لفت الموقع الإيطالي إلى أن تركيا تواجه مشاكل اقتصادية متزايدة، ما يضع إستراتيجيتها الاقتصادية في البلقان في موقف صعب.
ويشرح أن "الانخفاض القياسي في قيمة الليرة التركية الناجم إلى حد كبير عن وباء كوفيد-19 وأزمة الطاقة في عموم أوروبا، فضلا عن الارتفاع الكبير في معدلات التضخم والبطالة، عوامل أدت إلى زعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد".
وأشار إلى أن ما يثير القلق بشكل خاص هي العواقب الاقتصادية للزلازل التي ضربت تركيا في 6 فبراير/شباط 2023 خصوصا أن تأثيرها على الاقتصاد التركي يقدر بأكثر من 50 مليار دولار.
ويرى أن هناك اعتقادا بأن تركيا تخسر "المعركة" في منطقة غرب البلقان حيث يهيمن الاتحاد الأوروبي اقتصاديًا إذا ما أخذ في الحسبان جميع المشاكل التي تواجهها حاليًا واقتراب الانتخابات.
هذا إلى جانب التأخير في العديد من المشاريع بسبب نقص الموارد المالية لتنفيذها، وكذلك مع انسحاب بعض المستثمرين.
واستدرك بأنه بالنسبة لهذه البلدان، ستظل تركيا شريكًا جذابًا بفضل إمكاناتها الاقتصادية وبرامج المساعدة والدعم المباشر للفاعلين السياسيين في المنطقة المؤيدين لها.
وأكد في الختام أنه "من غير المنتظر أن تتخلى تركيا عن المنطقة التي تربطها بالعديد من الروابط السياسية والاجتماعية والثقافية وتمثل في الوقت نفسه جسرا إلى سوق أكبر وأكثر أهمية متمثلا بالاتحاد الأوروبي".