وزارات تستخدم الفرنسية فقط في صفقاتها.. فهل تعيد موريتانيا استخدام اللغة العربية؟

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

برزت دعوات شعبية واسعة بموريتانيا لتمكين اللغة العربية، والدفاع عن مكانتها الدستورية، وتعميم استخدامها في التعليم والمؤسسات الحكومية، بغية محاصرة اللغة الفرنسية، التي خلفها المستعمر السابق.

وفي هذا الصدد، أطلقت "الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية"، وهي مبادرة مدنية شعبية، تشمل سلسلة أنشطة وتحركات لأجل تعزيز هذه اللغة.

وجاء ذلك تخليدا لليوم العربي للاحتفاء باللغة العربية، مطلع مارس/آذار 2023، والذي أقر الاحتفاء به المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، عام 2009.

وفيما يتعلق بالمجال الاقتصادي، انتقدت الحملة في منشور بصفحتها على فيسبوك، 2 مارس 2023، حصر الإدارة الحكومية تلقي العروض الخاصة بالصفقات العمومية باللغة الفرنسية فقط.

وذكرت الحملة أن هذا الحصر اللغوي، يشكل "انتهاكا لروح الدستور الموريتاني"، كما "يحرم الآلاف من حملة الشهادات العربية من العمل في مجال مهم تنفق فيه سنويا مئات المليارات من الأوقية القديمة من أموال الشعب، التي بلغت في 2022 لوحدها أكثر من 300 مليار أوقية قديمة، أي حوالي 860 مليون دولار".

وشددت على أن حصر الفرنسية في المناقصات والمعاملات الإدارية الحكومية يشكل أيضا تغييبا لأكثر من 90 بالمئة من الموريتانيين عما يجري في مجال الصفقات، وبالتالي إبعاد الرقابة الشعبية عن هذا المجال، مما يتناقض مع مطلب محاربة الفساد.

ويأتي منشور الحملة بمناسبة الندوة التي عقدتها مطلع مارس 2023، بعنوان: "تعريب الصفقات العمومية: واجب دستوري ومطلب تنموي"، بحضور شخصيات عدة، تنتمي للأوساط الأكاديمية والحقوقية والسياسية بموريتانيا.

ووفق ما نشرت "شبكة المراقب الإخبارية" المحلية، 2 مارس 2023، قال الأمين العام للحملة، محمد الأمين ولد الفاضل، إن "تعريب إجراءات الصفقات العمومية يشكل مسألة بالغة الأهمية للتمكين للغة العربية".

وأكد ولد الفاضل أن الحملة راسلت الجهات الرسمية، لكن دون جواب، حيث ما زالت القطاعات الحكومية، وبما في ذلك الوزارات السيادية، تشترط إلزامية استخدام اللغة الفرنسية فقط في كل مراحل إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية (العروض، العقود، المراسلات... إلخ).

الفرنسة خطر

وحسب الأمين العام، ما زال الموقع الرسمي لسلطة تنظيم الصفقات العمومية ينشر باللغة الفرنسية فقط.

والموقع الرسمي للجنة الوطنية لرقابة الصفقات العمومية توجد على واجهته الآن أكثر من 17 محضرا (حصيلة ما مضى من العام 2023)، لم يترجم منها محضر واحد إلى اللغة العربية.

وقال ولد الفاضل "إن هذا التعامل الذي لا يليق باللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية في كل إجراءات الصفقات العمومية، يَفرض علينا التحرك، واستخدام كل الوسائل المتاحة لتصحيح هذه الوضعية الغريبة".

ونبه إلى أن هذه الوضعية "لا تشكل فقط انتهاكا لروح الدستور الموريتاني، بل إنها زيادة على ذلك تخل بمبادئ الشفافية ومحاربة الفساد، وتؤثر بشكل سلبي على الكثير من المشاريع التنموية".

أكد باباه التراد، نائب رئيس الحملة الشعبية أنها ومناصريها يطالبون بالتمكين للغة العربية، في الإدارة وفي جميع المؤسسات والتعليم أيضا.

وأضاف لـ "الاستقلال"، نريد للتعليم أن يكون عربيا، لأن التعريب هو الذي يجعل أبناء البلد يبدعون ويفهمون المادة، مشددا على أن "التدريس بالفرنسية أمر خطير جدا".

ونبه إلى أن استخدام الفرنسية كلغة تدريس فيه هدر للجهد والوقت والطاقات، ذلك أن التلميذ يبذل جهدا مضاعفا، لفهم اللغة، وأيضا للجواب عن المسألة.

وعبر الفاعل المدني عن أسفه لاستمرار الإدارة الموريتانية في استخدام الفرنسية في المراسلات والمعاملات والإعلانات وغيرها.

ودعا التراد البرلمان والحكومة وصانعي القرار لتمكين هذه اللغة خاصة أن الدستور ينص في مادته السادسة على أن "اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية".

وفي التواصل السياسي والانتخابي، أكد التراد أن المرشحين عادة لا يستخدمون الفرنسية في حملاتهم الانتخابية والجماهيرية، بل يتكلمون معهم باللغات الوطنية، سعيا لكسب ود وأصوات الناخبين.

لكن، يقول التراد، من هؤلاء من يتنكر للغة الرسمية مهرولا إلى اللغة الفرنسية، عندما ينجح في الانتخابات، لاعتبارات بعضها ناجم عن نقص في الوطنية، أو بسبب الجشع والخنوع، وبعضها متعلق بالجبن.

وأردف أن من هؤلاء من يعتقد أن فرنسا يمكن أن تبطش بالبلد في حالة التخلي عن لغتها، ناسيا أن الدولة الفرنسية اليوم أصبحت شبه دولة من العالم الثالث، تجر أذيال الهزيمة في إفريقيا، التي تأكدت أن اللغة الفرنسية لا مستقبل لها، وفق تعبيره.

ودعا نائب رئيس الحملة إلى التعريب الكامل، واحترام الدين الإسلامي والموروث الحضاري، والذي يتحقق عبر الرفع من شأن لغة القرآن، واحترام نص الدستور القاضي بأن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد.

تفاعلات مجتمعية

عدد من الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذين ينتمون إلى مجالات اشتغال متعددة، سياسية ونقابية وجمعوية وثقافية، نادوا بتعميم العربية والتحرر من الفرنسية بموريتانيا.

وفي هذا الصدد، قال الأمين العام لمنتدى المستهلك الموريتاني، الخليل خيري، إن المنتدى يطالب بـ "تعريب واجهات المحلات التجارية بشكل عام، وقائمة الوجبات بالمطاعم والمعلبات، وجميع السلع والمنتجات".

وشدد خيري في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، أول مارس 2023، أن هذا المطلب يأتي تماشيا مع قانون حماية المستهلك.

بدوره، قال المحامي محمد المامي مولاي أعلي، في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، في الأول من مارس 2023، إن الدعوة لتمكين اللغة العربية لم تعد سياسية أيديولوجية عاطفية، بل أصبحت دعوة حقوقية قانونية تنموية، مشيرا إلى أن "الفرق كبير بين الدعوتين".

وخلال اجتماع "اللجنة العليا رفيعة المستوى حول ليبيا" المنبثقة عن الاتحاد الإفريقي، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، 18 فبراير/شباط 2023، ألقى رئيس الجمهورية الموريتانية محمد ولد الغزواني، كلمة باللغة الفرنسية، مما أثار انتقاد عدد من المراقبين والمتابعين.

وفي هذا الصدد، قال أحمد يعقوب ولد سيدي، "هذا جيش المستشارين في رئاستنا.. لماذا لا ينصحون الرئيس وهو يخطب في القمم وخاصة في الساحل بالحديث بالعربية؟".

وأضاف ولد سيدي في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، 20 فبراير/شباط 2023، "ألا يعلمون أن سكان الساحل صاروا ينبذون الفرنسية وأهلها بل يستبدلونها بالعربية؟ ألا يعكس الحديث بالعربية خصوصيتنا وهويتنا وريادتنا الروحية في المنطقة؟"

وما تزال الحكومة تركز على البعد الثقافي أو الاجتماعي للغة العربية، دون ترقيتها إلى مكانتها الدستورية، باعتبارها لغة رسمية للبلاد.

وذكر موقع "العلم" المحلي، 18 ديسمبر/كانون أول 2022، أن وزير الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان، محمد ولد اسويدات، رأى أن "العربية ركنا أساسيا ورئيسا من أركان التنوع الثقافي البشري".

وقال ولد اسويدات في كلمة خلال انطلاق فعاليات اليوم العالمي للاحتفاء باللغة العربية، إنها لغة القرآن الكريم، فرضت مكانتها في العالم وفي موريتانيا بشكل خاص حيث حملها أهل هذه البلاد وتعلقوا بها شعرا ونثرا.

وأضاف وزير الثقافة أن "هذا الاحتفاء يكتسي أهمية خاصة لكونه يأتي في ظرفية تشهد التحضير لإطلاق فعاليات نواكشوط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي للعام 2023".

ولم يشر الوزير إلى أي مجهود حكومي أو رسمي لتعزيز اللغة العربية في إدارات الدولة، وفي التعليم والاقتصاد والإعلام، رغم الدعوات المتواصلة من الفاعلين الجمعويين لاحترام الدستور وإيلاء العربية المكانة التي تستحق في مؤسسات البلاد.

حرب تاريخية

يرى باباه التراد، نائب رئيس الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية، أن فرض الفرنسة هي عملية تاريخية في موريتانيا، استمرت على أيدي بعض النخب المفرنسة، التي تعلمت في عهد الاستعمار وبداية الاستقلال.

وقال التراد لـ "الاستقلال"، إن هذه النخب جرى تجنيدها لحماية وجود الفرنسية في موريتانيا وإقصاء اللغة العربية.

وكان من بين هؤلاء ليبراليون وعنصريون ويساريون من أتباع الفكر الشيوعي اللينيني والماوي، إضافة إلى القوى التي كانت مستفيدة من الاستعمار وتحن لعودته.

وأضاف أنه "نتيجة لذلك أصبح جل المواطنين الموريتانيين مهمشين في وطنهم، وجرى استبعاد علماء المحاضر من وظائف الدولة، وفي نفس الوقت ينظر إليهم بازدراء من طرف الإدارة والقائمين عليها".

وشدد التراد أن السياسة الاستعمارية استهدفت بوضوح استئصال اللغة العربية في سبيل عملية مزدوجة، تتمثل في إقصائها بيداغوجيا والحط من شأنها ثقافيا.

ونبه إلى أن الفرنسية لم تعد هي اللغة الرسمية، إلا أنها ظلت مع ذلك سائدة حتى الآن في مراحل التعليم كافة، وفي القطاعات الإدارية والاقتصادية والمالية، ومُستخدمة في جميع وسائل الإعلام.

وذكر الفاعل المدني أنه "نظرا للمكانة التي تحتلها الفرنسية، فقد جرى الاعتراف بها لغة للترقية الاجتماعية، وبدونها يصعب على المرء أن يشق طريقه في المجتمع، حتى إن بعض أنصار التعريب كونوا أبناءهم في مدارس فرنكوفونية اضطرارا".

وقال التراد إن تغول اللغة الفرنسية وغياب الحس الوطني والقومي لدى صناع القرار في بلادنا، وما رافق ذلك من استلاب النخب المتنفذة وحتى فئات وشرائح عريضة من المجتمع، كان من نتائجه أن وجهت السياسات التربوية والثقافية والاجتماعية إلى اعتمادها.

وكأن اللغة الأجنبية هي التي يمكنها أن تكون لغة علم ومعرفة وتكنولوجيا وثقافة كونية، وفق ما قال.

وبين أن هذا يخالف ما يؤكد عليه علماء التريبة، فضلا عن الجهل بالمضامين الثقافية والمعارف الحضارية التي تحتويها كل لغة، وتنقلها إلى المتعلمين والمتحدثين بها.

وخلص الناشط المدني إلى أن مسار الفرنسة يجب أن يتوقف حالا في موريتانيا، وأن يجري احترام الدستور وإرادة الأغلبية التي أقرته.

ولفت إلى أنه "يجب أن تكون العربية لغة إدارة واقتصاد وتعليم وإعلام"، مشددا أن هذا الأمر هو من شروط تحقيق التنمية المنشودة للبلاد والعباد.