اتهام 10 قضاة سعوديين بـ"الخيانة العظمى".. وناشطون: كما تدين تدان

12

طباعة

مشاركة

أثيرت ضجة كبيرة بعد الكشف عن توجيه تهم في السعودية بـ "الخيانة العظمى" لعشرة قضاة سابقين، في أول جلسة سرية لمحاكمتهم في 16 فبراير/شباط 2023.

وفي 27 فبراير، كشفت منظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" (سعودية غير ربحية) عن بدء المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض، المنوطة بقضايا "الإرهاب"، محاكمة هؤلاء.

وأوضحت أن القضاة المتهمين بينهم ستة سابقون كانوا في المحكمة الجزائية المتخصصة، وهم عبد الله بن خالد اللحيدان وعبد العزيز بن مداوي آل جابر وجندب آل مفرح وعبد العزيز بن فهد الداوود وطلال الحميدان وفهد الصغير.

كما بينت أن الأربعة قضاة الآخرين كانوا يعملون سابقا بالمحكمة العليا، وهم خالد بن عويض القحطاني وناصر بن سعود الحربي ومحمد العمري ومحمد بن مسفر الغامدي.

ولفتت إلى أن جريمة "الخيانة العظمى" يُعاقب عليها بالإعدام في السعودية؛ ناقلة عن مصادرها أن الحكومة حرمت المتهمين من التماس المشورة القانونية، واحتجزتهم بمعزل عن العالم الخارجي منذ اعتقالهم في 11 أبريل/نيسان 2022.

وقالت إن توقيف القضاة ومحاكمتهم يتشابه مع عمليات التطهير السابقة ضد المنافسين المفترضين لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مشيرة إلى قول مصدر مطلع على المحاكمة إن التهم الموجهة لهم ذات دوافع سياسية، مع عدم تقديم أدلة موثوقة ضدهم.

وأوضح المصدر أن مسؤولي أمن الدولة احتجزوا القضاة بمعزل عن العالم الخارجي، وحرموهم من الاتصال بأسرهم ومحاميهم طوال فترة احتجازهم الاحتياطي الذي دام عشر أشهر، ولم يسمح لهم بتوكيل محامين لتمثيلهم، وأن أحد القضاة نُقل أخيرا إلى وحدة العناية المركزة بسبب مضاعفات صحية خطيرة.

وكشفت المنظمة عن دور مباشر لاثنين من القضاة في المحكمة الجزائية المتخصصة هما اللحيدان وآل جابر في انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، إذ أدان الأول المدافعة البارزة عن حقوق المرأة لجين الهذلول بتهم إرهابية لا أساس لها في ديسمبر/كانون الأول 2020.

بينما حكم القاضي الثاني آل جابر على قاصرٍ وعديد من الأشخاص الآخرين بالإعدام، بما في ذلك من جرى إعدامهم فعليا في عملية إعدام جماعي لـ 81 شخصًا في مارس/آذار 2022.

ورأى ناشطون عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية وتعليقاتهم على الأخبار التي نشرتها المنظمة وتداولتها حسابات معنية بالدفاع عن معتقلي الرأي، أن ما يتعرض له القضاة اليوم هو تطبيق فعلي لمقولة "كما تدين تدان".

وهاجموا ولي العهد السعودي وتبنوا ما قاله مدير منطقة الخليج في المنظمة عبدالله العودة، بأن التهم المروعة الموجهة للقضاة، والذين أصدر العديد منهم أحكامًا تعسفية فاضحة بحق مواطنين سعوديين بأمر من ولي العهد؛ تُظهر أنه لا أحد في مأمن في المملكة.

وكان العودة قد رأى في تصريحات للمنظمة أن محاكمة هؤلاء القضاة ترمزُ لعمليات التطهير الكبيرة التي ينفذها ولي العهد داخل البلاد ومحاولاته لجعل القضاء خاضعًا لرغباته فقط.

كما أكد أن لا شيء يحمي الحقوق الأساسية للمواطن السعودي في الحياة والحرية، ولا حتى الانصياع الأعمى لإملاءات ولي العهد.

وخلص العودة إلى أن ابن سلمان، "يرسل من خلال محاكمة هؤلاء القضاة، رسالة إلى كل قاضٍ في البلاد مفادها أنه يتعين عليهم أن يكونوا متوحشين قدر الإمكان لتجنب مصير ضحاياهم".

إدانة بالمثل

واتهم ناشطون ابن سلمان بتسييس القضاء والتخلص من أذرعه الفاسدة التي يستخدمها في تمرير قراراته بعد الانتهاء من تنفيذ توجهاته، داعين باقي المطبلين والموالين لولي العهد ومتبعي سياساته إلى العظة مما حل بالقضاة والاعتبار من محاكمتهم وكيل التهم لهم. 

وأكدوا أن القضاء السعودي غير مؤهل وغير محايد، داعين لإلغاء عقوبة الإعدام في كل الأحوال، والاكتفاء بأحكام أقل حدة يمكن التراجع عنها أو نقضها حال ثبوت براءة المحكوم عليه أو ظهور أدلة جديدة لاحقا.

وتفاعلا مع الأحداث، سلط حساب معتقلي الرأي المعني بمواكبة أخبار المعتقلين في المملكة، الضوء على أن القضاة العشرة جرى اعتقالهم بطريقة مهينة بعد عصب أعينهم وتقييدهم بالسلاسل وسحبهم أمام الناس من مكان عملهم في المحاكم.

وأشار الصحفي السعودي تركي الشلهوب، إلى أن القضاة العشرة كانوا قد أطلقوا أحكامًا تعسفية بحق معتقلي الرأي الأبرياء، متسائلا: "إذا كان ابن سلمان يتعامل مع من خدمه بهذه الطريقة، فكيف يتعامل مع من عارضه؟".

وعلق المغرد ناصر، على مطالبة النائب العام السعودي بإعدام القضاة، بنشر صورة لولي العهد ممسكا بالمنشار، قائلا: "لست متفاجئًا عندما سمعت عن القتل والخطف والتعذيب والاعتقال في مملكة المنشار التي يقودها محمد بن سلمان.. إنها دولة إرهابية بامتياز"، وفق وصفه.

ونشر صاحب حساب نحو الحرية، مقطعا صوتيا للشاب عمران الأركاني، يقرأ فيه القرآن، موضحا أنه حُكِم عليه من قبل قضاة محمد بن سلمان بالسجن 25 سنة، بدون تهم ولا محاكمة عادلة ولا من يدافع عنه.

"عدالة محقة"

وخلص ناشطون إلى أن ما يتعرض له القضاة اليوم هو عدالة محقة، لأنهم أعانوا ظالما على ظلمه فسلطه الله عليهم.

واستشهد عضو حزب التجمع الوطني المعارض أبو الجوائز المطاميري، بقول الله تعالى في الآية 71 من سورة طه: "قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ".

وأكد أن أول من يذوق من كأس الظالم والطاغية هو من كان يقف بجانبه ويناصره، وأن المستبد الظالم خائن والنار تحرق من يكون بجانبه، مستشهدا أيضا بقول الله تعالى في الآية 113 من سورة هود "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ".

وذكرت الناشطة الحقوقية حصة الماضي، بأن "من أعان الظالم سلطه الله عليه"، متسائلة: "كم من معتقلي الرأي حكموا عليهم هؤلاء القضاة ظلماً لإرضاء سيدهم ولم يشفع لهم ذلك، فهل من معتبر ومتدارك لنفسه؟".

وحذر الناشط المعارض ناصر بن عوض القرني، من أن هذا الظلم سيطرق أبواب الجميع، وكل من قدم التنازلات ومن قاوم ولم يقدم أي تنازلات.

وكتب محمد آل مقطوف: "كما تدين تدان والجزاء من جنس العمل.. اللهم يا رب أنجهم من ابن سلمان.. ويا من يخدم ابن سلمان سيكون مصيرك مصيرهم فاتق الله وعد إليه فالله المنجى لك ليس الطاغية الذي سيموت كما مات من سبقه من الطغاة المتكبرين السارقين".

وقالت الناشطة السياسية نيبال علي: "منْ أعانَ ظالمًا ليدحضَ بباطلهِ حقًّا، فقدْ برئتْ منهُ ذمةُ اللهِ ورسولِهِ"

وعد أحد المغردين، ما يتعرض له القضاة بمثابة درس لمن يعين ظالم على ظلمه"، قائلا: "لا يظن أي أحد أنه سيسلم من بطش الظالم بمجرد أنه أصبح جزءا منه، بل ظلم هذا الظالم الذي كنت يده التي يبطش بها سيطالك قبل الجميع لأنك بمثابة تهديد بالنسبة له أكثر من غيرك لأنك تعرف حقيقة جرائمه".

وأردف أنه "مع ذلك ممارسة الظلم على أي شخص من غير محاكمة عادلة، مرفوضة".

وكتب عبيد الله: "من قلب المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض ومن على نفس المنصة القضائية التي قام فيها هؤلاء القضاة العشرة المجرمون بإصدار أحكام بالإعدام والسجن لعشرات السنين ضد أهل العلم والرأي؛ يتم المطالبة بإعدامهم الآن بأمر من كانوا يأتمرون بأمره فيما مضى. فاعتبروا يا أولي الأبصار!".

قضاء مسيس

وأكد ناشطون أن القضاء السعودي مسيس، والقضاة موجهين، ولا يمكن الاعتداد بأحكامه، معلنين رفضهم لاستخدام عقوبة الإعدام وإصرارهم على إيقافها. 

ورفض المحامي والناشط الحقوقي طه الحاجي، التشفي في القضاة لأنهم أعوان الطغاة وأداتهم للقمع، مبينها رفضه الإعدامات، حتى لو كان المطالب بإعدامهم أجرموا وتمادوا في إجرامهم.

وأشار إلى أن أسباب اعتقال القضاة والمطالبة بإعدامهم غير معروفة إلى الآن، لافتا إلى أن هذه الإجراءات تؤكد أن القضاء في السعودية غير مستقل، والقضاة الذين لا يخضعون بالكامل لإملاءات السلطة يعاقبون.

ورأى الناشط الحقوقي إسحاق الجيزاني، أن القضاة العشرة المحكومين بالإعدام غير مأسوف عليهم، لكن المفيد في خبر مطالبة النائب العام بإعدامهم بتهمة الخيانة العظمى، أنه كاشف.

وبين أن القضاء السعودي غير مستقل، ورقاب قضاته تحت حد السيف، إما أن يطيعوا الملك أو تقطع رقابهم، مضيفا: "حكم ملكي وقضاء من العصر الحجري فمن سيثق به".

وسخرت سارة لي ويتسون المدير التنفيذي بمنظمة دوان الجقوقية، من مطالبات المدعي العام بإعدام القضاة، قائلة: "يبدو أن أحكامهم ضد المواطنين السعوديين لم تكن قاسية بما فيه الكفاية".

واقتبست جزءا مما جاء في تقرير المنظمة قيل فيها إن "محاكمة هؤلاء القضاة هي رمز لعمليات التطهير الأوسع التي قام بها ولي العهد داخل البلاد ومحاولاته لجعل القضاء خاضعًا لرغباته فقط".