في 7 ساعات.. تركيا تجمع 6 مليارات دولار لضحايا الزلزال في حملة تبرعات تاريخية

داود علي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بشكل موحد لا مثيل له، برزت مظاهر التكافل والتضامن التركي الداخلي بعد وقوع عدة زلازل وآلاف الهزات الارتدادية في جنوبي تركيا وشمال سوريا منذ 6 فبراير/شباط 2023.

وبعدها، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الولايات العشر، التي ضربها زلزال "كهرمان مرعش" مناطق منكوبة، ورفع حالة الطوارئ بها، قائلا: "إن هذه أسوأ كارثة حلت بالبلاد والمنطقة في تاريخها".

وكان أردوغان مدركا أن الحدث جلل وأن بلاده ستحتاج إلى وقت للتعافي من وقع النكبة خاصة أن آثارها أصابت رقعة جغرافية شاسعة يسكنها أكثر من 13.5 مليون مواطن.

ومع هول الكارثة التي أدت إلى مقتل وإصابة عشرات الآلاف، أطلقت القنوات والإذاعات التركية أكبر حملة تبرعات في تاريخ البلاد، في 15 فبراير 2023، لمساعدة ضحايا الزلزال.

ووصفت وسائل إعلام تركية الحملة بأنها الأضخم على الإطلاق في العهد الجمهوري، وأطلقت عليها اسم "تركيا قلب واحد"، وحظيت بمشاركة غير مسبوقة من الشعب التركي مؤسسات وأفراد. 

الحملة الكبرى

وفي بث مباشر مشترك لمحطات "TRT1 وATV و FOX وKanal D وKanal 7 وShow TV وStar TV وTV8"، انطلقت الحملة من أجل جمع التبرعات لصالح هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية آفاد (AFAD)، والهلال الأحمر التركي (Kızılay).

وشارك في تقديم البث شخصيات ثقافية وفنية وتجارية ورياضية بارزة، على رأسهم بيلين شيفت ونهاد خطيب أوغلو وتومر دوغرو وتشاغلا شيكل ونازلي تشيليك وأجون إليجالي ودنيز بيرام أوغلو، إضافة إلى ديديم أرسلان يلماز وأكين كينوزو وغيرهم.

الهدف الرئيس للحملة يتمثل في المساهمة في جهود إعادة الإعمار وإغاثة منكوبي زلزال "كهرمان مرعش". 

وافتتح أردوغان الحملة خلال مداخلة هاتفية مع المنظمين، قائلا: "إن شعبنا سيظهر كرمه مجددا بتحطيم رقم قياسي في التبرع للمتضررين من الزلزال".

وقال الرئيس التركي: "في اجتماع مجلس الوزراء أمس جمعنا 136 مليونا و589 ألف ليرة (الدولار = 18,86 ليرة تركية) بيننا وبين أصدقائنا هناك، كل قرش سيجري جمعه في الحملة، من الداخل والخارج، سيستخدم لضحايا الزلزال".

وأشار إلى أن "مؤسسات الدولة وطواقمها كافة وجميع أبناء الشعب التركي سيقفون صفا واحدا لدعم المتضررين". 

وبعد كلمة أردوغان تهافتت التبرعات، وحققت الحملة استجابات واسعة من مختلف طوائف الشعب التركي، فضلا عن المنظمات العربية والإسلامية في مختلف دول العالم. 

وفي ساعات قليلة قدرت بـ 7 ساعات، جمعت الحملة 115 مليارا و146 مليونا و528 ألف ليرة تركية (6.11 مليار دولار) في مشهد تاريخي، لما يحمله من دلالات تؤطر وحدة الأمة. 

ومن أبرز المتبرعين الممثل التركي "إنجين ألتان" بطل مسلسل "قيامة أرطغرل" الشهير، الذي تبرع بمائتي ألف ليرة تركية، أما الفنان التركي "باريش اردوتش" فتبرع بمليون و100 ألف ليرة، وغيرهم الكثير مضوا على نفس المنوال. 

توالي التبرعات

على صعيد المؤسسات ساهمت كبرى القطاعات التركية العامة والخاصة في الحملة على رأسها سائر البنوك.

فـ "البنك المركزي" التركي أعلن تبرعه بـ 30 مليار ليرة، وبنك "زراعات" بـ 20 مليار ليرة، و"وقف بنك" بـ 12 مليار ليرة، وبنكي "زرعات كاتليم" و"وقف كاتليم" بالتبرع كل منهما بمليار ليرة.

وأعلن صندوق تأمين ودائع الادخار التركي "TMSF" تبرعه بملياري ليرة، ومجموعة بورصة إسطنبول تبرعت بملياري ليرة.

وجاء الدور على الشركات التابعة لرئاسة الصناعات الدفاعية، التي وصلت تبرعاتها إلى مليار و600 مليون ليرة تركي.

وبعدها شركة "بايكار" الرائدة في صناعة الطائرات المسيرة "الدرونز"، وصاحبة طائرة "بيرقدار"، التي قالت إنها تبرعت بملياري ليرة.

وتبرعت شركات الاتصالات "تركسل" بـ 3 مليارات ليرة، وتبرعت منافستها "ترك تيليكوم" بملياري ليرة.

وكذلك أعلنت الخطوط الجوية التركية التبرع بملياري ليرة، ومؤسسة الضمان الاجتماعي التركية قدمت ذات المبلع.

السياسيون الأتراك ساهموا في الحملة بقوة، إذ أعلن رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب تبرعه براتب 4 أشهر لصالح الضحايا.

حتى أحزاب المعارضة ساهمت في الحملة، فرئيس حزب الشعب الجمهوري "كمال كليتشدار أوغلو"، وزعيمة حزب الجيد "ميرال أكشنار"، وزعيم حزب ديفا "علي باباجان"، أعلنوا تبرعهم براتب شهر واحد للمتضررين.

وكذلك زعيم حزب الاتحاد الكبير "مصطفى دستجي"، تبرع براتب شهر، أما زعيم الحزب الديمقراطي "غولتكين أويصال" فتبرع براتب 3 أشهر.

خارج تركيا 

لم تقتصر التبرعات على الداخل التركي فقط أو الشعب التركي منفردا، بل تضامن قطاع عريض من العالم الإسلامي. 

وفي اتصال هاتفي خلال بث الحملة المباشر على القنوات والإذاعات التركية، أعلن رئيس وزراء ألبانيا إيدي راما عن دعم الحملة بمليون يورو.

 وأكد أن "ألبانيا لن تنسى وقفة تركيا ورئيسها أردوغان مع بلاده حينما ضربها زلزال بقوة 6.4 درجات عام 2019". 

وحضر السوريون بقوة في تلك الحملة أيضا، فخلال البث أعلن رجل الأعمال السوري "بلال صاغر" عن تبرع شركته بمبلغ 30 مليون ليرة تركية لإغاثة المتضررين.

وأعلن رجل الأعمال السوري علاء الدين المساح التبرع بمبلغ مليون ليرة تركية. 

أما اللاجئ السوري في الولايات المتحدة "ياسين تيرو" وهو صاحب مطعم، في ولاية تينيسي الأميركية، فأطلق نداء للمشاركة في التبرع بحملة "تركيا قلب واحد" واستطاع جمع 186 ألف دولار (3 ملايين و500 ألف ليرة تركية). 

بعد ذلك وجهت إدارة الطوارئ والكوارث التركية "آفاد" بصفتها المنظم الرئيس للحملة، الشكر للمشاركين، على ذلك التضامن الإنساني غير المسبوق.

وشددت على: "أن الدولة والشعب أظهرا مثالا يحتذى في التضامن والوحدة". وقالت: "سنتجاوز هذه الأيام العصيبة بالوحدة، ونداوي جراحنا معا".

أمة واحدة

وعن هذا التكاتف الكبير، قال عضو هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) ياسين أحمد أوغلو: "تركيا وسوريا في حاجة إلى المساعدة لكل من يستطيع ولو بقدر قليل لأن الكارثة كبيرة، فهناك مدن قد دمرت بالكامل في كهرمان مرعش وهاتاي وغازي عنتاب وباقي المحافظات".

وأردف في حديث لـ"الاستقلال": "لن تستطيع يد واحدة أن تعمل وحدها مهما بلغت الإمكانيات لديها، فنحن نتحدث عن مساحة شاسعة من الأرض وأعداد كبيرة من المواطنين في حاجة إلى بناء كامل من جديد". 

وأضاف أن "عملية الإغاثة الناجمة عن المصيبة ستستمر لسنوات، وسيمتد أثرها المادي والنفسي، لأننا نتحدث عن ولايات كاملة وعائلات كثيرة، فلو كانت ولاية ومنطقة واحدة سيكون الأمر صعبا، فما بالنا ببلاد ممتدة يقطنها ملايين البشر". 

وذكر أن "حملة تركيا قلب واحد عبرت عن طبيعة الظرف وعن تضامن الأتراك والأمة الإسلامية، وبعثت برسالة مهمة أن الطريق الوحيد لتجاوز الأمر هو المساعدة وبذل أقصى جهد ممكن، حتى لا نرى بلادنا على هذه الحالة الحزينة".

وبين أنه "لطالما كانت تركيا حاضرة للمساعدة في كل الأزمات، مثلما حدث في جائحة كورونا، وفي زلزال اليونان وألبانيا، وفي الدول الإفريقية كانت أنقرة دائما تسبق الجميع". 

وشدد أحمد أوغلو على أن هيئة الإغاثة والمنظمات التركية العاملة في الجنوب لا تفرق بين سوري وتركي، وترفض الدعوات العنصرية.

وبين أنهم "دائما موجودين في الشمال السوري، ويساهمون بقوة في العمليات الإغاثية سواء بالقوافل أو الموظفين والمتطوعين".