"أحرقوا كنائسهم".. هكذا يضيق حاخامات إسرائيل الخناق على مسيحيي فلسطين

12

طباعة

مشاركة

لا تتوقف الانتهاكات الإسرائيلية عند استهداف الفلسطينيين المسلمين، بل تتجاوزهم لتستهدف كل ما هو غير يهودي، ليشمل ذلك المسيحيين.

ويعد المسيحيون ضحية عقائدية أساسية للاحتلال الإسرائيلي، إذ تزداد الاعتداءات اليومية تجاههم بسبب فتاوى الحاخامات المتطرفين المحرضة عليهم.

وتشترك الحكومة الإسرائيلية والحركات اليهودية والمرجعيات الدينية المتطرفة في حملة كبيرة وممتدة ضد معتنقي الديانة المسيحية في القدس، والداخل الفلسطيني المحتل، وكذلك في الضفة الغربية وقطاع غزة.

تاريخ من الإجرام

كان آخر تلك الانتهاكات، تعرض كنيسة حبس المسيح التابعة لحراسة الأراضي المقدسة في 2 فبراير/شباط 2023، لهجوم من مستوطنين كسروا خلاله وحطموا محتوياتها وحاولوا إحراقها.

وفي 12 يناير/كانون الثاني 2023، هاجم مستوطنون كنيسة الأرمن في القدس وخطوا عبارات تدعو لقتل المسيحيين. كما اعتدى آخرون في 4 يناير على مقبرة مسيحية إنجيلية في المدينة المحتلة وعملوا على تخريب 30 قبرا.

وتسعى إسرائيل من خلال جرائمها لدفع المسيحيين للهجرة خارج فلسطين وهو الهدف الذي تحقق بنسبة كبيرة نسبيا.

ولا تتجاوز نسبة المسيحيين في الأراضي الفلسطينية 1 بالمئة، بعد أن كانوا يشكلون قبل نكبة عام 1948 حوالي 11.2 بالمئة، بفعل الهجرة، حسب إحصاء للسلطة الفلسطينية لعام 2022.

وتعود بدايات الاعتداءات الإسرائيلية ضد المسيحيين لعام 1948، إذ هجرت العصابات اليهودية خلال النكبة العديد من القرى المسيحية ودمرت العديد من الكنائس فيها.

وكشفت وثائق إسرائيلية نشرت عام 2016، عن أن الجيش الإسرائيلي عمد إلى انتهاج سياسة تقوم على تدمير وتخريب والمس بقدسية الكنائس في فلسطين عشية وخلال وبعد حرب عام 1948، إضافة إلى عمليات سلب وتخريب الكنائس التي كانت موجودة في المدن والبلدات والقرى الفلسطينية.

وحسب إحصائية للجنة شؤون الكنائس في فلسطين، فمنذ عام 1948 وحتى نهاية عام 2015 اعتدت قوات الاحتلال والمستوطنون على 100 كنيسة ومقبرة في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بحرق وتدمير وتدنيس وسرقة، إلى جانب قصف كنائس ومقابر مسيحية في غزة.

ومنذ النكسة عام 1967، نالت اعتداءات المستوطنين المسيحيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وازدادت ضدهم في القدس.

إذ هاجم المستوطنون كنيسة القيامة في القدس وهي أقدم كنيسة في العالم و"حطموا القناديل فوق قبر المسيح".

واعتدوا على دير الأقباط الملاصق لكنيسة القيامة، وضرب رهبانه من قبل الشرطة الإسرائيلية، وحرقوا خمسة مراكز دينية مسيحية، تلاها قصف كنيسة القديس جورج في القدس بالقذائف.

وفي عام 1967 اقتحم المستوطنون كنيسة بئر يعقوب للروم الأرثوذكس في نابلس شمال الضفة الغربية، وذبحوا رئيس الكنيسة الأرشمندريت فيليمينوس.

وفي ذات العام حول الإسرائيليون كنيسة مارجريس للروم الأرثوذكس في حي الشماعة في القدس إلى بناية سكنية.

وتواصلت الاعتداءات على الكنائس والمسيحيين في عموم أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وشهدت موجة من عمليات إطلاق نار داخل الكنائس عام 1998، حيث قتل مستوطنون راهبا في كنيسة الشياح، على جبل الزيتون في القدس، وأطلق جندي إسرائيلي النار على المصلين في كنيسة الجثمانية للاتين بالمدينة.

وفي الداخل المحتل، اقتحم جنود إسرائيليون كنيسة اللاتين في يافا، وأطلقوا النار على المصلين، في ذات العام، حسب توثيق لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية وفا.

وخلال الانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2000، نفذ مستوطنون حملات اغتيال لرجال دين مسيحيين في الضفة، فيما قصف جيش الاحتلال عددا من الكنائس، واستمرت عمليات إحراق الكنائس والاعتداءات اليومية على المسيحيين، حتى بعد انتهاء الانتفاضة.

وتشهد الاعتداءات على المسيحيين في فلسطين نشاطا متزايدا في الأعوام الأخيرة، بالتوازي مع ارتفاع وتيرة التحريض اليهودي ضدهم، ومنذ مطلع العام الحالي، سجلت العديد من الجرائم الدينية ضدهم.

استهداف الكنائس

ومن جانبه، قال الناشط في مجال توثيق الجرائم الإسرائيلية ضد المسحيين إلياس خوري، إن الاعتداءات التي توجه للمسيحيين في فلسطين لا تختلف عن تلك التي توجه للمسلمين.

 وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "بالإضافة الى تهجير وتدمير عدة قرى وأحياء مسيحية سنة 1948، يعتدي المستوطنون دائما على الكنائس والأديرة في فلسطين مثل حرق كنيسة في طبريا سنة 2015، عشرات الاعتداءات على كنائس القدس".

وأكد أن بداية هذا العام كانت مليئة بالاعتداءات، إذ بدأ بتدنيس المستوطنين 30 قبرا مسيحيا في القدس، وكتابة شعارات معادية للمسيحيين على حائط بطريركية الأرمن، وتكسير متاجر في حارة النصارى، بجانب ضرب شباب مسيحيين في حارة الارمن.

وأوضح خوري أنه كُشف عن مخطط يستهدف الكنيسة المارونية ومحيطها في عكا، بجانب اعتداء ومحاولة حرق كنيسة حبس المسيح في القدس. 

وتابع "لا يخفى أيضا محاولة تسريب وسرقة الأملاك المسيحية في كل فلسطين، ومن أكثر الاعتداءات التي أثرت على المجتمع المسيحي الفلسطيني في الضفة كان بناء الجدار الفاصل الذي التهم أراضي عشرات العائلات المسيحية في بيت لحم وبيت جالا وضمها إلى إسرائيل أو بناء المستوطنات عليها".

وشدد الناشط المسيحي على أن الاحتلال يريد أن يمحي أي وجود غير صهيوني ويهودي على الأرض الفلسطينية، لكن استهداف المسيحيين يعد أسهل بسبب أعدادهم وارتفاع حظوظ هجرتهم بسبب وجود أقارب لهم في الخارج أو ارتفاع نسبة الشباب التي تسافر للدراسة أو العمل في الخارج ولا تعود. 

وأضاف "يوجد هناك أسباب دينية تغذي تنفيذ المستوطنين اليهود جرائمهم ضد المسحيين أهمها عدم الاعتراف بالديانة المسيحية، وإنكارها". 

والتحريض الديني اليهودي والفتاوى تعد من أبرز العوامل التي تسهم في تصاعد وتيرة أعمال العنف ضد المسيحيين في فلسطين.

وتعد منظمتا "تدفيع الثمن" و"لاهافا" من المنظمات التي تستهدف المسيحيين وتدعو إلى حرق كنائسهم في جميع أماكن وجودهم، وتنتهك حرمات المقدسات الدينية، في ظل دعم حكومات الاحتلال المتعاقبة لها، ورفض اعتبار تلك الجماعات "إرهابية".

وطالبت منظمة "لاهافا" علنا بحرق الكنائس وتهجير المسيحيين، ووصفهم وثنيين لا وجود لهم في الأراضي المقدسة، وهي تعمل على زرع تلك الأفكار في أوساط الفتية اليهود.

وقال رئيس حركة "لهافا" الصهيونية بنتسي غوفشطاين عام 2015، أمام ندوة لطلاب المدارس الدينية، إنه "يؤيد حرق الكنائس"، كما دعا إلى منع احتفالات عيد الميلاد، ووصف المسيحيين بخفافيش مصاصة الدماء.

وبدوره، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، صالح النعامي، إن التشكيلات اليهودية في إسرائيل شنت في السنوات الخمس الأخيرة كثيرا من الهجمات الإرهابية في القدس وشمال فلسطين ضد الوجود المسيحي.

 وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": استهدفت إسرائيل ومستوطنوها العديد من الكنائس واعتدت على القساوسة ورعاة الأديرة، بجانب مهاجمة المقابر المسيحية، وكتابة العديد من الشعارات العنصرية المعادية للدين المسيحي، كشعار "الموت للمسيحيين" و"المسيحيين الكفار".

وشدد المختص على أن الدافع الأساسي الذي يحرك هذه الاعتداءات عقائدي، فالكثير من الحاخامات يعدون المسيحية ديانة وثنية، لا يجوز السماح بالتعبد فيها بأرض فلسطين المحتلة، لذلك أفتت بعض المرجعيات الدينية بجواز إحراق الكنائس.

وأوضح أن المرجعيات الدينية اليهودية تعتمد على فتوى الحاخام موشيه بن ميمون الذي عاش في القرن الثاني عشر في مصر، وتنقل بينها وبين الأندلس والشام، والذي رأى أن المسيحية ديانة وثنية، وحث على عدم السماح بالتعبد بها.

وتابع النعامي "الدم المسيحي مباح بفعل فتاوى وردت في المصنف الفقهي شريعة الملك الذي يبيح أي دم غير يهودي، وورد في هذا المصنف فتوى تبيح قتل الأطفال الرضع العرب المسلمين والمسيحيين".

صمت غربي

وفي ظل تعاظم الاعتداءات والتحريض ضد المسيحيين في فلسطين، لا ينفذ المجتمع الدولي والغرب على وجه الخصوص أي تحركات على الأرض لثني إسرائيل عن سياستها وحماية جزء من الفلسطينيين الذين يشتركون مع الغرب في ذات الدين، حسب مراقبين.

وبدوره، قال الناشط الفلسطيني أحمد أبو يوسف، إن الغرب يتعامل بازدواجية معايير مفضوحة، بصمته أمام الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ومستوطنوه تجاه الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "يجرم الغرب أي تشكيل فلسطيني يقاوم الاحتلال وأي حركة إسلامية أو وطنية، ولكن في المقابل يتجاهل الحركات اليهودية الإرهابية المسلحة والعقدية التي توغل في الدماء والتحريض".

وتابع أبو يوسف "يهتم الغرب بكافة المسيحيين في الدول العربية، ويتحرك ويفرض العقوبات عندما يجري المس بهم، ولكن الأمر مختلف في التعامل مع إسرائيل".

إذ يتعامى عن ما يفعله الاحتلال ومستوطنوه بالفلسطينيين من الديانة المسيحية، وحتى مع حاملي الجنسية الإسرائيلية منهم.

وأوضح الناشط أن المتابع للإعلام الغربي يلاحظ أن أي خبر ينقل جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين يجري التعتيم عليه، وفي حال نشره يوضع في زاوية هامشية، والأمر لا يتغير عندما يكون الاعتداء على مسيحيين في فلسطين، 

وتابع "شاهد العالم بأسره قتل إسرائيل للصحفية الفلسطينية المسيحية شيرين أبو عاقلة، وشاهد بشكل مباشر الاعتداء على جنازتها ومهاجمة نعشها، ولكن لم يحرك أحد ساكنا ولم يجر معاقبة إسرائيل، سوى من بعض التصريحات والتنديدات عديمة الأثر".

وفي مايو/أيار 2022، قتلت قوات الاحتلال أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة القطرية، "جراء إصابتها برصاص الجيش في مدينة جنين".

وشدد أبو يوسف على أن الغرب نجح في توظيف شماعة معاداة السامية لأجل منع محاسبة إسرائيل على جرائمها وحمايتها من أي ملاحقة قانونية ودولية، حتى في الوقت الذي تمارس فيه دولة الاحتلال معاداة للشعب الفلسطيني وترعى معاداة الدين الإسلامي والمسيحي.

وخلال السنوات الماضية، اعتادت إسرائيل ودول غربية على اتهام كل من ينتقد انتهاكات الاحتلال وارتكابه جريمة الفصل العنصري بـ"معاداة السامية"، حتى أصبحت بمثابة تهمة معلبة جاهزة.