رغم الحصار وضيق الإمكانات.. هكذا سطر السوريون ملحمة شعبية لدعم ضحايا الزلزال
قدم الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال غربي سوريا فجر 6 فبراير/شباط 2023، نموذجا على تكاتف السوريين وإغاثتهم إخوانهم المنكوبين في الشمال السوري المحرر الخارج عن سيطرة نظام بشار الأسد.
وبكل ما يستطيعون من مساهمات مالية وعينية، لبى السوريون في الداخل، وفي بلدان اللجوء الأوروبية ومن المغتربين في دول الخليج النداء لمؤازرة أهالي الشمال السوري، البالغ عددهم 5 ملايين شخص بعدما بعثر الزلزال حياتهم من جديد في ثوانٍ معدودة.
تضامن واسع
وظهرت حالة التضامن الكبير، مع تنظيم عديد من السوريين فور وقوع الزلزال حملات لجمع التبرعات والمساعدات لصالح المتضررين بالشمال السوري.
وبلغت قوة الزلزال 7,8 درجات وتلاه هزات ارتدادية كثيرة، مخلفا آلاف القتلى والجرحى، فضلا عن خسائر ضخمة بالأبنية والممتلكات.
وخلال ساعات من وقوع الزلزال جمع هؤلاء كميات كبيرة من المساعدات العينية والأغذية والبطانيات والأدوية والألبسة، وبعض الاحتياجات العاجلة لإرسالها لمناطق المنكوبين.
وعلى الرغم من ترك الأمم المتحدة والمنظمات الدولية مناطق المعارضة السورية شمال غربي سوريا دون أي تدخل طارئ لإغاثة المتضررين، منذ اليوم الأول للزلزال حتى 15 فبراير، إلا أن السوريين نجحوا في جمع أطنان من الأغذية والألبسة والأدوية.
ومع تلبية فرق منظمة الدفاع المدني السوري المعارضة "الخوذ البيضاء" النداء لإنقاذ ضحايا الزلزال في ريفي حلب وإدلب، هب معظم شباب المناطق المجاورة، لمساندة تلك الفرق في عمليات إنقاذ وانتشال الضحايا.
وذلك، تقديرا من السوريين لقلة المعدات الحديثة والآليات التي تمتلكها "الخوذ البيضاء" لتغطية مواقع الزلزال كافة، إضافة لعدم حصولهم على إمدادات دولية عاجلة للمساعدة في انتشال الضحايا.
كما عمد كثيرون من أهالي المناطق غير المتضررة من الزلزال في شمال غربي سوريا، إلى إطلاق دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للمساعدة والتطوع لخدمة متضرري الزلزال وتقديم الخيم العاجلة لهم ومدهم بالطعام والشراب والدواء.
وفي المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، أطلق أبناء العشائر العربية حملة "هنا سوريا"، و"فزعة العشائر"، وسيروا قافلة "عشائر دير الزور"، لمساعدة الشمال السوري، تتضمن خيم وأغطية ومفروشات وأدوية ومواد غذائية، فضلا عن مبالغ مالية.
وأكد هؤلاء في منشورات أن حملة المساعدات للمنكوبين بريف حلب وإدلب، لا تتبع لأي جهة كانت، وهي حملة إنسانية بحتة، في إشارة إلى أنها مقدمة من المدنيين إلى المدنيين، بعيدا عن خارطة السيطرة بين القوى والمليشيات.
وأظهرت صور ومقاطع مصورة الإقبال الكثيف من الأهالي لتقديم ما يملكون من مساعدات عينية جلبوها من منازلهم إلى مكان تجمع الشاحنات في القسم الخاضع لسيطرة "قسد" من محافظة دير الزور.
وأعرب أهالي دير الزور عن أن واقعة الزلزال ستزيد من محاولاتهم لما سموه "كسر جدار الفصل" بين الأراضي السورية، عبر الإسهام في "لملمة الجراحات الواحدة مرات ومرات".
لوحات بطولية
ولا شك أن الزلزال رسم لوحات بطولية للسوريين عبروا خلالها عن إغاثة إخوانهم في الشمال المحرر، فمثلا تأثر كثيرون ببيع رجل سيارته ورصد نصف مبلغها لمساعدة المنكوبين.
ولقب الأهالي أحد الأشخاص من أهالي بلدة غريبة بريف دير الزور بـ"حفيد حاتم الطائي"، بعدما عرض جميع عقاراته للبيع العاجل لصالح المتضررين من الزلزال في الشمال السوري.
وضمن حالة تكاتف السوريين لتخفيف صدمة الزلزال، قام كثيرون بتنسيق وتنظيم إرسال المساعدات من اللاجئين السوريين في أوروبا.
ونجحوا في إقناع المساهمين أن المبالغ المالية أسرع وصولا لمناطق المتضررين، نظرا لصعوبة شحن المواد العينية التي جمعوها بشكل عاجل.
إذ اقترح هؤلاء أن ترسل الأموال في صورة عاجلة، ثم تجدول الألبسة والمواد الغذائية لإيصالها طبقا لنظام حجز الشحن المتبع في بعض الدول والذي يستغرق أسابيع.
وتمكن مجموعة شباب سوريين في لوكسمبورغ من جمع 100 ألف يورو ضمن حملة "عطاؤك حياة" التي أطلقوها لإغاثة متضرري الزلزال، مؤكدين وصول الدفعة الأولى من المساعدات إليهم.
كما قام كثير من الفنانين والشخصيات السورية العامة من المقيمين في تركيا، بإطلاق مبادرات فردية عبر جمع الأموال طبقا لحاجات الأسر العاجلة وتقديم مساعدات عاجلة لها من خيم ومأكل وألبسة وأغطية.
كما قام بعض هؤلاء بالنزول إلى المناطق المتضررة في الشمال السوري، وقاموا بتوزيع الاحتياجات الضرورية لأهالي المنطقة المنكوبة.
كما نظم لاجؤون سوريون في ألمانيا حملات جماعية وفردية جمعوا خلالها سلالا غذائية وسلعا وألبسة واحتياجات ضرورية وسيروها في شاحنات برا نحو تركيا ومنها إلى الشمال السوري.
كما قام اللاجؤون السوريون في هولندا منذ اليوم الأول للزلزال بجمع التبرعات والسلع، وعمدوا إلى استئجار شاحنات نقل وسيروها باتجاه تركيا لإدخالها للشمال السوري.
بصمة سورية
بالتزامن مع ذلك، تعالت الدعوات لفتح معابر إضافية بين سوريا وتركيا لتسهيل دخول المساعدات القادمة من السوريين في الخارج نحو شمال غربي سوريا.
إذ يوجد معبر واحد لدخول المساعدات الأممية وهو "باب الهوى" الحدودي مع تركيا الواقع شمال إدلب، والذي يعد الشريان الوحيد المفتوح لإغاثتهم بموجب قرار مجلس الأمن.
ويجرى عبر معبر باب الهوى الحدودي الذي يبعد عن مدينة إدلب حوالي 33 كيلو مترا إيصال نحو 85 بالمئة من حجم المساعدات الإنسانية الإجمالي إلى سوريا.
وأمام حجم الكارثة التي أحدثها الزلزال وعمقت معاناة المهجرين من منازلهم قسرا بفعل آلة النظام السوري العسكرية منذ عام 2011، جرى التوصل لفتح معابر جديدة بين سوريا وتركيا.
وبالفعل دخلت أول قافلة مساعدات من الأمم المتحدة عقب الزلزال بتاريخ 15 فبراير عبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، المتوقف منذ عام 2020 جراء ضغط روسي على مجلس الأمن الدولي أدى الى تعديل آلية إيصال المساعدات عبر الحدود.
وأطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتاريخ 14 فبراير نداء طارئا لجمع نحو 400 مليون دولار لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا على مدى ثلاثة أشهر.
ولخص الأكاديمي السوري بلال المحمد حالة التعاضد السورية عقب نكبة الزلزال بقوله لـ"الاستقلال": "لقد تولد شعور عام لدى السوريين أن يكون لهم بصمة إيجابية في الكارثة، في ملمح إنساني يؤكد أن الشعب السوري ليس عالة على هذه البشرية بعد أن شردوا من مدنهم بسياسة منظمة تقودها دول وينفذها نظام الأسد".
وأضاف: "لذلك جاءت هذه الهبة الشعبية لإغاثة أهالي الشمال السوري الذين هم أصلا يعيشون أوضاعا إنسانية مزرية، ليقين السوريين بأن الخذلان رافقهم منذ عام 2011 حينما حلموا بوطن ديمقراطي مزدهر اقتصاديا لا أن يحكم من سلطة تنهب مقدرات البلد وتقف أمام تطوره على الأصعدة كافة".
ورأى الأكاديمي، أن "هناك رسالة أراد السوريون أن يوصلوها للعالم بأنهم متمسكون بأرضهم رغم بعد المسافة ومغريات العيش خارجه".
ومضى يقول: "السوريون بعد عام 2011 يخوضون معركة البقاء وكل ما شاهدناه من تكافل اجتماعي هو للتأكيد على ضرورة المعركة في ظل عالم تحكمه المصالح".
ورأى المحمد، "أن ما شاهدنا من حالة التكافل الواسعة ما هي إلا تجربة مسبقة لمرحلة إعادة الإعمار في سوريا حال التوصل لحل سياسي والبدء بتنفيذ الإعمار".
أما الكاتب والسيناريست السوري حافظ قرقوط، فقال في تدوينة عبر فيسبوك، أن حالة التكاتف التي خلقها الزلزال، "تعطي الوجه الجميل لسوريا بعيدا عن وجه الأسد القبيح الذي تاجر بكوارث السوريين"، وظهر مبتسما ضاحكا خلال تفقده المناطق المتأثرة بالزلزال تحت سيطرته.
وبحسب تقرير عن حجم الأضرار البشرية والمادية نشره فريق "منسقو استجابة سوريا" العامل في شمال غربي سوريا، بتاريخ 15 فبراير، فإن عداد النازحين من المناطق المتضررة من الزلزال بريفي حلب وإدلب، بلغ 153,893 نسمة (30,796 عائلة).
أما عدد المنازل المدمرة جراء الزلزال بشكل كلي فقد بلغ 1123 منزلا، مع وجود 3484 منزلا آخر قابل للسقوط.
بينما بلغ عدد المنازل غير الصالحة للسكن نتيجة الأضرار المختلفة 13,733 منزلا، في حين ظهرت التصدعات على 9,637 منزلا آخر.
وبما يخص عدد الأفراد المتضررين حتى الآن من الزلزال في شمال غربي سوريا فقد بلغ 853,849 نسمة تركز معظمهم في المناطق المنكوبة.