نظام "سانت ليغو" الانتخابي.. هل يهدد بعودة الاحتجاجات في العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة عدت بمثابة الانقلاب على مطالب احتجاجات "تشرين" الشعبية بالعراق عام 2019، اتفقت القوى السياسية الكبيرة على تمرير قانون انتخابات يعتمد على الدائرة الواحدة وفق "نظام سانت ليغو" (1.9)، وسط رفض واسع من الشخصيات والقوائم المستقلة.

"سانت ليغو" هي طريقة رياضية في توزيع أصوات الناخبين على القوائم الانتخابية، فتقسم الأصوات على 1.3 تصاعديا، حينها تحصل القوائم الصغيرة على فرص أكبر للفوز، فيما إذا ارتفع القاسم الانتخابي إلى 1.7 أو أكثر زادت مقاعد الائتلافات الكبيرة.

توافق الأغلبية

وفي ظل الاستعداد للانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) المقرر إجراؤها في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كشفت اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، عن وجود توافق بين القوى النيابية على إجرائها وفقا للقانون النافذ في 2018، والذي يعتمد على جعل المحافظة دائرة انتخابية واحدة.

وقال عضو اللجنة رائد المالكي، خلال بيان صحفي في 12 فبراير/ شباط 2023، إن انتخابات مجالس المحافظات سيتم إجراؤها وفق القانون النافذ رقم 12 لسنة 2018 الدائرة الواحدة وليس على شكل دوائر متعددة والانتخاب الفردي، كما حصل في انتخابات عام 2021.

ولفت المالكي إلى أن "هناك توجها لدى القوى السياسية نحو رفع نسبة آلية سانت ليغو باحتساب الأصوات من (1.7 ) إلى (1.9 )"، مشيرا إلى أن "القانون سيبقي المحافظة دائرة واحدة، ولا توجد تجزئة للدوائر أو الاعتماد على آلية الدوائر المتعددة".

وفي السياق ذاته، قال النائب عن الإطار التنسيقي الشيعي، ثائر مخيف، إن "الكتل السياسية اتفقت على إقرار تعديل قانون الانتخابات، كما أن الكتل السياسية عازمة على تمريره قريبا وفق سانت ليغو الدائرة الواحدة، وإلغاء الدوائر المتعددة التي استفاد منها التيار الصدري في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بسبب تجزئة المحافظة إلى دوائر متعددة".

ورأى مخيف خلال تصريح لوكالة "نينا" العراقية في 8 فبراير/ شباط 2023 أن "قانون التعديل الجديد سيعمل به في انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات النيابية".

ورجح "اعتراض التيار الصدري على تعديل قانون الانتخابات وربما نشهد تظاهرات بسبب هذا الأمر".

وأشار مخيف إلى أن "القانون الحالي للانتخابات يستفيد منه التيار الصدري للحصول على أكثرية الأصوات في المناطق والدوائر المتعددة، لذا يجب أخذ رأي زعيم التيار مقتدى الصدر أولا، بهذا التعديل كي لا نشهد عودة الانسداد السياسي إلى الساحة".

وتدفع قوى ائتلاف "إدارة الدولة" الذي تبنى تشكيل الحكومة الحالية باتجاه إقرار قانون الانتخابات الجديد وفق نظام "سانت ليغو" وإلغاء الدوائر المتعددة، وجعل كل محافظة دائرة انتخابية واحدة، والذي أنهى البرلمان قراءته الأولى في 13 فبراير/ شباط 2023، تمهيدا لإقراره.

وتأسس تحالف "إدارة الدولة" في 25 سبتمبر/ أيلول 2022، بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، ويمثل الأغلبية التشريعية كونه مشكلا من "الإطار التنسيقي" الشيعي، والحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، وتحالف السيادة وعزم السنيين، وحركة "بابليون الكردية.

رفض المستقلين

في المقابل، أبدت قوى سياسية ناشئة وشخصيات مستقلة داخل البرلمان وخارجه رفضهم العودة إلى قانون الانتخابات الذي يعتمد على نظام "سانت ليغو" واعتماد الدائرة الواحدة بدلا من الدوائر المتعددة، مؤكدين أن ذلك "ينعش القوى التقليدية التي خسرت بانتخابات 2021".

وقال النائب المستقل عامر عبدالجبار، خلال مؤتمر صحفي عقده بمبنى البرلمان في 13 فبراير/ شباط 2023، بمشاركة عدد من النواب المستقلين إن "القوة الناشئة والمستقلين يرفضون قانون انتخابات وفق نظام سانت ليغو، ويطالبون بأن يكون وفق الدوائر المتعددة".

وأشار عبدالجبار إلى أن "نظام الدوائر المتعددة سيكون تمثيلا لكل قضاء في مجلس المحافظة، وأن إلغاء الدوائر المتعددة والذهاب إلى سانت ليغو بعنوان مجالس المحافظات هو مرفوض من قبلنا رفضا قاطعا"، مطالبا "القوى السياسية المهيمنة على البرلمان بإعادة النظر في قانون الانتخابات".

وأكد أن "رفضنا لهذا النظام الانتخابي هو استجابة لموقف الشارع ونداء المرجعية الدينية (الشيعية)"، مبينا أن "الدوائر المتعددة هي الأنسب، وربما تحتاج إلى تعديل، وأن نظام سانت ليغو بالأصل واحد عدد صحيح، وإذا كان هكذا فسيكون الأنسب، أما إذا كان 1.7 فسيكون مرفوضا من قبلنا".

وعلى الوتيرة ذاتها، قالت حركة "وعي الوطنية" عبر بيان في 9 فبراير/ شباط 2023، إن "تحالف السلطة (إدارة الدولة) يحاول هذه المرة إنعاش قانون الانتخابات المحلية والبرلمانية باعتماد المحافظة دائرة واحدة، والذي يتضمن طريقة سانت ليغو سيئة الصيت".

ورأت الحركة (التي تضم شبانا عراقيين) أن الهدف من ذلك محاولة تحويل الديمقراطية إلى "كاتم" لقتل الأحزاب والحركات الجديدة المعارضة لطبقة الحكم، فالقانون الأكثر عدالة هو الذي يحترم إرادة الناخب حين يذهب صوته إلى المرشح حصرا، ولا يتم اعتماد التقسيم كما يجري في "سانت ليغو" لصالح مرشحين غير فائزين.

بدورها، حذرت حركة "امتداد" التي تصنف على القوائم الممثلة للحراك الشعبي عام 2019، من تغيير قانون الانتخابات الحالي.

وقال رئيس مكتبها السياسي، رائد الصالح، لموقع "رووداو" العراقي في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2022، إن "القانون الحالي هو نتاج لثورة عظيمة ولتضحيات جسيمة، حيث سالت دماء أكثر من 800 شهيد من أجل هذا المكتسب المهم لثورة تشرين، ولا يمكن أن نسمح للآخرين التلاعب بهذا القانون".

وأوضح الصالح أن "سانت ليغو يتيح فوز من يحصل على 20 صوتا في الانتخابات، مقابل خسارة من يحصل على 10 آلاف صوت"، مشددا على أنه "لا يمكن تغيير القانون، وأننا سنلجأ إلى ضغط الشارع والذي من خلاله جرى تغيير القانون والتصويت عليه في البرلمان".

ولفت إلى أنه "في حال أصر الآخرون على هذه التغييرات سنلجأ إلى إرسال رسائل للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي ومنظمة المؤتمر الاسلامي والجامعة العربية وكل المؤسسات الحقوقية".

ووصف الصالح هذه الخطوة بأنها "مسألة أخلاق سياسية، أما استغلال الأغلبية الموجودة حاليا لتغيير قانون الانتخابات فإنه لا يمت لهذه الأخلاق السياسية بصلة".

مظاهرات محتملة

وعلى صعيد آخر، قال الخبير القانوني والسياسي العراقي، علي التميمي، إن "اتفاق البرلمان على إجراء الانتخابات التشريعية والمحلية بقانون واحد أمر جيد، لكن اعتماد الدوائر المتعددة أفضل من جعل المحافظة دائرة واحدة، لأن الأولى تجعل من البرلمان أغلبية ومعارضة".

وأوضح التميمي لـ"الاستقلال" أن "الدوائر المتعددة تجعل هناك كتلة لديها الأغلبية هي التي تشرع وتصدر القوانين، وجهة أخرى رقابية، وهذا هو مبدأ النظام البرلماني في كل دول العالم".

وأشار إلى أن "اعتماد سانت ليغو (1.7 أو 1.8 أو 1.9) أمر ليس بالجيد، لأنه كلما زادت النسبة، كلما أعطت فرصة للكتل الكبيرة وتضائل حجم التمثيل للكتل الصغيرة، ومن المحتمل الاعتماد على نسبة 1.9، وهذا يعني عودة هيمنة الكتل الكبيرة".

ولفت التميمي إلى أنه "من ضمن أسباب المظاهرات عام 2019 كان هو المطالبة بإلغاء قانون الدائرة الواحدة ونظام سانت ليغو 1.9 وإنهاء هيمنة الكتل الكبيرة، والذهاب إلى اعتماد الدوائر المتعددة بدلا من أجل التصويت الفردي على الأشخاص المستقلين، وليس القوائم".

ورأى الخبير العراقي أن "العودة إلى النظام الانتخابي السابق، يعني مخالفة الإرادة الشعبية التي كانت تريد الانتخاب الفردي المباشر، لذلك ربما نعود إلى المظاهرات في حال أقر قانون الانتخابات الجديد في البرلمان".

إلى جانب ذلك، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" في العراق، إحسان الشمري، عبر تغريدة "تويتر" في 13 فبراير/ شباط 2023، إن "اعتماد (سانت ليغو) يُعد ضربة استباقية للانتخابات القادمة تحفز المواجهة  السياسية وتضاعف من مقاطعة الشعب لها".

وعلى نحو مماثل، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، إياد العنبر، إن "كل سياسي يصوت على قانون الانتخابات يتضمن العودة إلى سانت ليغو، فهو يريد أن يكرس خضوعه وخنوعه لزعامة الحزب أو رئيس القائمة، وبالنتيجة لا يستحق أن يكون ممثلا للشعب".

وكتب العنبر على "تويتر" في 13 فبراير/ شباط 2023، قائلا إن "العودة إلى سانت ليغو، يعني التحايل على إرادة الشعب، وإبقاء هيمنة قوى السلطة التقليدية التي أثبتت هشاشتها بانتخابات 2021".

وأحدث نظام الدوائر الانتخابية المتعددة الذي أقره قانون الانتخابات العراقية التي جرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تحولات جوهرية بالنسبة للأحزاب والتحالفات السياسية، سواء على مستوى طرق إدارة الحملات الدعائية، وأعداد المرشحين وطبيعتهم، والمقاعد النيابية التي حصلوا عليها.

وخلافا للأنظمة الانتخابية السابقة التي جرت على ضوئها انتخابات الدورات البرلمانية الأربع السابقة منذ 2006 وحتى 2018، فإن نظام الدوائر المتعددة المستخدم عام 2021، قسم البلاد إلى 83 دائرة انتخابية، توزع على عدد المحافظات وبحسب نسبها السكانية، وقسمت العاصمة بغداد إلى 17 دائرة بحكم عدد سكانها الأكثر الذي يناهز الثمانية ملايين نسمة.

وأسهم بشكل كبير القانون المعتمد بانتخابات عام 2021 في تقليل الملصقات والحملات الانتخابية بالنسبة للمرشح الواحد في عموم المحافظة والاكتفاء بتكثيف حملته الانتخابية في الدائرة المرشح عنها.

وتراجع أعداد المرشحين باعتبار أن الأحزاب والتحالفات تسعى إلى حصر مرشحيها في الدائرة الواحدة بمرشح واحد أو اثنين أو 3 في أعلى الحالات، بهدف ضمان الفوز وعدم تشتيت أصوات الناخبين المؤيدين له.

وفي انتخابات 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حقق التيار الصدري فوزا ساحقا بحصوله على 73 مقعدا من أصل 329، فيما حققت القوائم والشخصيات المستقلة رقما لم تحصل عليه في أي انتخابات جرت بعد عام 2003، وذلك بحصولهم على 48 مقعدا، وذلك على حساب تراجع الكتل التقليدية.