محسن رفسنجاني.. سياسي ومهندس إيراني يرسم خطة لحماية الملالي من التهاوي

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يصفه بعض الإيرانيين بـ"نجل الرئيس"، وآخرون بـ"عمدة طهران"، إنه محسن هاشمي، الابن الأكبر للرئيس الإصلاحي الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي أثار جدلا أخيرا برسمه خطة لحماية نظام الملالي من التهاوي بفعل أزمة الاحتجاجات التي تعيشها البلاد منذ سبتمبر/ أيلول 2022.

وفي 16 سبتمبر 2022، اندلع فتيل احتجاجات عارمة في إيران بعد مقتل الشابة الكردية مهسا أميني (22 عاما) على يد "شرطة الأخلاق" بدعوى ارتدائها لباسا "غير لائق"، ما اضطر النظام بعدها إلى إعلان حل "شرطة الأخلاق" لتهدئة الأوضاع، لكن دون فائدة.

تصريحات مثيرة

أثارت تصريحات أطلقها محسن هاشمي رفسنجاني، الكثير من الجدل في الأوساط الإيرانية، وتداولتها وسائل إعلام محلية بشكل واسع، ولا سيما حديثه عن المأزق السياسي الذي يعيشه نظام المرشد علي خامنئي، وكيفية التعامل مع الشباب المنتفض.

وينتمي محسن هاشمي رفسنجاني، إلى تيار الإصلاح المنافس لحكومة إبراهيم رئيسي المحافظة المسيطرة على السلطة حاليا في إيران، والمحسوبة على خامنئي.

وقال محسن هاشمي خلال مقابلة مع صحيفة "جمهوري إسلامي"  الإيرانية في 3 يناير/ كانون الثاني 2023، إن "المجتمع الإيراني اجتاز الكاريزما والنخب، وأن الإشارات إلى التقليد ليست فاعلة. لقد وصلنا الى مأزق سياسي، والرأي العام العالمي ليس ضد التدخل الغربي في إيران".

وأوضح أن "الإجماع الذي يتم تشكيله حاليا ضد إيران في العالم غير مسبوق، ليس فقط بالنسبة لإيران، ولكن حتى بالنسبة للدول الأخرى في العالم".

وأكد نجل الرئيس الإيراني السابق أن "السنوات الخمسة عشرة من العقوبات الفعالة أضعفت أسس البلاد وقلصت الدخل القومي".

 ولفت هاشمي إلى أن "تعيين لجنة لتقصي الحقائق حول انتهاكات حقوق الإنسان في إيران من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لم يحدث حتى في حالة العراق وليبيا وسوريا ويوغوسلافيا والدول الإفريقية التي شهدت مذابح راح ضحيتها عشرات الآلاف".

وخلال الشهور الأخيرة، أدانت عديد من دول العالم ومنظمات دولية بشدة قمع وقتل المتظاهرين من قبل قوات الأمن الإيرانية، وفرض الاتحاد الأوروبي وأميركا وكندا عقوبات واسعة النطاق ضد مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.

وفي 24 ديسمبر/ كانون الأول 2022، صوّت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق لتوثيق الانتهاكات خلال الاحتجاجات التي عمت إيران بعد وفاة الشابة أميني.

وحسب وكالة أنباء حقوق الإنسان "هرانا" في 5 يناير / كانون الثاني 2023، قتل خلال الاحتجاجات الشعبية منذ انطلاقها نحو 516 شخصا بينهم 70 طفلا، واعتقلت الأجهزة الأمنية 19 ألفا و250 شخصا آخرين، وأحصت الوكالة أيضا مقتل 68 من أجهزة الأمن.

حماية النظام

وخلال مقابلة ثانية مع موقع "ميدار" الإخباري الإيراني أجراها في ذكرى وفاة والده في 8 يناير 2023، قال هاشمي، إن "والده لو كان موجودا، لاهتم بصغار المتظاهرين وشبابهم وحتى مراهقيهم".

وأكد أن العنصر الأهم في المظاهرات الراهنة أن جيل الشباب ليس لديه مثالية ولا يلتزم بتلك القيود المقدسة التي كانت موجودة بالنسبة لنا، وبسبب وجود الإنترنت سرعان ما يجدون بعضهم البعض في الفضاء الافتراضي، والذي لم يكن موجودا كثيرا في الماضي".

ورأى أن ما يدفع هؤلاء الشباب إلى طريق الاحتجاجات هو بالأساس انعدام الأمل بالمستقبل. وأن ذلك أدى إلى نوع من عدم اليقين ثم تدريجيا إلى الاحتجاج والغضب، وهو ما يُعرف بالاضطراب. لكن الأساس هو انعدام الأمل".

وعن كيفية خروج النظام من هذا المأزق، قال هاشمي: "إلى جانب حل مشاكل الشباب كالتوظيف والسكن والزواج، والتي يجب أن ننتبه لها، يجب أن نعيد الأمل فيهم".

وقال: "هذه مهمة كان يقوم بها آية الله هاشمي رفسنجاني عادة في الأزمات. خاصة الأزمة التي طالت معظم الشباب والمراهقين في المجتمع، وإذا أحيا هذا الأمل في قلوبهم، فسوف يدفعهم إلى تحسين البلد والحصول على دورهم الخاص في تنمية البلاد".

وأشار إلى أن "الجيل الجديد أكثر واقعية من الأجيال السابقة. لذلك، لم يعد من الممكن إقناعهم بآمال زائفة، مع الأخذ في الحسبان وصول جيل الشباب إلى الإنترنت، فصار مدركا للتقدم الذي تحرزه الدول الأخرى".

ومضى هاشمي يقول: "نعلم أن أحكام الإسلام مبنية على الكتاب والسنة والإجماع والعقل، وهذا الجيل يهتم أكثر باستخدام العقل في الأحكام وكيفية تنفيذ القوانين".

لذلك، نرى بالتأكيد أن بعض الأساليب الحالية لم تعد مقبولة ويجب تعديلها. وفق هاشمي، الذي أضاف: يجب علينا تنفيذ الإصلاحات اللازمة وإظهار حوكمة جديدة قائمة على العقلانية والواقعية للجيل الجديد وإعطاء الأمل للجيل الجديد بهذه الطريقة".

وشدد على "ضرورة التغيير العميق في الحوكمة لتأمين النظام من المخاطر"، مضيفا: يجب أن يشمل التحول في الحكم جميع المجالات، من السياسة الخارجية التي هي عودة إلى عملية التهدئة والوحدة في العالم الإسلامي، إلى السياسة الداخلية وهي إجراء انتخابات حرة بمشاركة جميع الأطراف".

نجل الرئيس

ومحسن هاشمي رفسنجاني من مواليد مدينة قم الإيرانية عام 1961، وتزامنت طفولته مع معارضة والده السياسي ورجل الدين أكبر هاشمي للحكومة الإيرانية في عهد الشاه، ولهذا السبب هاجروا من قم واستقروا في طهران.

وذهب محسن إلى المدرسة في طهران، ودرس في مدارس "ولي العصر وعلوي" الإسلامية.

وخلال تلك المرحلة سجن والده لمدة ثلاث سنوات استمرت حتى الثورة عام 1979، حيث كان يبلغ من العمر 17 عاما وعمل جنبا إلى جنب مع المتظاهرين ضمن الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في تلك المرحلة.

بعد سقوط النظام الملكي في إيران، تابع محسن تعليمه العالي في مجال الهندسة الميكانيكية، وكذلك البحث الذي أجراه حول كيفية صنع الصواريخ بناء على نصيحة والده.

ثم تابع دراسته في درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية من كلية الفنون التطبيقية في مونتريال بكندا.

لدى محسن شقيقان، هما ياسر ومهدي، وشقيقتان هما فاطمة وفائزة رفسنجاني، التي تصغره بسنة واحدة، ومعروفة بمعارضتها الشديدة للنظام الحالي، وسبق لها أن اتهمته بالوقوف وراء مقتل المئات من السوريين واليمنيين، والتي اعتقلها النظام في 28 سبتمبر  / أيلول 2022 بتهمة "دعم المتظاهرين".

وسبق أن طالب محسن من شقيقته فائزة بالاعتذار عن رسالة وجهتها إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث تمنت أن يفوز في ولاية ثانية بالانتخابات التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

وكتب محسن خلال رسالة مفتوحة لشقيقته في يناير 2021: "أطلب منك بصدق أن تصححي كلامك وأن تعتذري عن هذا الموقف وأن تتوقفي عن تشويه سمعة الوالد في الخارج والداخل"، واصفا سبب كتابة الرسالة بأنه "إحساس بالواجب".

وخاطب شقيقته، قائلا: "أعلم أنك تعرضت في السنوات الأخيرة، أنت وعائلتك وأبناؤك لسوء المعاملة، الأمر الذي ربما أدى بك إلى التطرف والانحراف عن سياسة والدك المعتدلة، لكن هذا ليس سببا لعقد الأمل على رئيس دولة أجنبية، وفي الوقت ذاته، الحديث عن الاستقلال".

وفي 15 يناير 2022، وصف محسن هاشمي وفاة والده المفاجئة بأنها "مريبة"، مؤكدا دور النظام في إزاحة والده بالقول إن "تحقيقات النظام تهدف إلى إظهار أن الوفاة طبيعية".

يشار إلى أن أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في ذلك الوقت، توفي يوم 8 يناير 2017، عن عمر يناهز 82 عاما، وقيل إنه توفي أثناء السباحة في الحوض.

عمدة طهران

في سن مبكرة بدأ محسن هاشمي مشواره في المناصب الحكومية، ففي عامه الـ28، أصبح رئيس مكتب التفتيش الخاص بالرئيس الإيراني، حيث شغل هذا المنصب لمدة 8 سنوات.

وبعد ذلك، شغل منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة مترو طهران لمدة 13 عاما.

وخلال العامين اللذين شغل فيهما محمود أحمدي نجاد (الرئيس الإيراني السابق ) منصب عمدة طهران، احتفظ محسن هاشمي بمنصبه رئيسا تنفيذيا للمترو، إذ لم يقبل نجاد استقالته.

في الوقت نفسه، كان يدير محسن هاشمي دار نشر، وتتولى نشر مؤلفات سياسية ودينية وأخلاقية، ومن أهم الكتب التي نشرها مجموعة والده أكبر هاشمي رفسنجاني، من مذكرات قبل وبعد الثورة عام 1979.

وفي 13 مارس 2009، استقال من منصب رئيس مجلس الإدارة لشركة مترو طهران، ووافق عمدة طهران آنذاك، محمد باقر قاليباف، على استقالته وعينه مستشارا له وعضو مجلس الإدارة.

أثناء رئاسة محسن هاشمي للمترو، تم فصل هذه الشركة عن وزارة الداخلية وانضمت إلى بلدية طهران، وعمل مع ستة رؤساء بلديات مختلفين في طهران، من كرباشي إلى أحمدي نجاد وقاليباف، وبقي في هذا المنصب لمدة 20 عاما.

وكذلك جرى تعيين محسن هاشمي نائبا لرئيس قسم الهندسة المدنية في جامعة آزاد الإسلامية بأمر من حامد مير زاده رئيس الجامعة، والتي تقع في طهران وتعد سادس أكبر جامعة في العالم. وأسسها وأنشأها والده أكبر هاشمي رفسنجاني عام 1982.

محسن هاشمي، مثل العديد من المسؤولين في إيران، نشط في العديد من الشركات مع نشاطه السياسي، حيث كان عضوا في مجلس إدارة مؤسسة رفاعة الثقافية منذ 2005، وكذلك عضو مجلس إدارة في تطوير مجمعات محطات مترو طهران.

وكذلك هو رئيس مجلس الإدارة في "جمعية هندسة النقل بالسكك الحديدية الإيرانية"، وأيضا عضو في شركة "بارس آزاد للحضارة"، التي تعمل في مجال الاستثمار في مجال السياحة وهي فرع من جامعة آزاد الإسلامية، إذ كان محسن أحد مؤسسي هذه الشركة.

ومن أبرز المناصب التي شخصها السياسي الإصلاحي محسن هاشمي، وأكثرها أهمية هو منصب عمدة العاصمة طهران في أغسطس/آب 2017 ولمدة أربع سنوات، بعدما سيطر الإصلاحيون على غالبية مقاعد بلدية طهران. كما سبق له أن ترشح لانتخابات الرئاسة الإيرانية عام 2021 لكنه لم يفز.