خطوة مهمة.. ما هي دلالات نشر العراق "قوات حرس" على الحدود مع تركيا وإيران
سلط مركز تركي الضوء على قرار بغداد نشر "قوة جديدة لحرس الحدود" على طول حدود حكومة إقليم كردستان العراق مع تركيا وإيران، ضمن خطة أمنية تهدف لاحتواء أزمة المليشيات والمنظمات الإرهابية.
ونشر مركز "دراسات الشرق الأوسط" (أورسام) مقالا للكاتب التركي، سارجان تشالشكان، ذكر فيه أن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، يحيى رسول، أدلى بتصريحات أوضح من خلالها أن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، "أمر بتطهير الحدود بين تركيا وإيران، وقوات الأمن نفذت هذا الأمر على الفور".
وخلال مؤتمر صحفي في 4 ديسمبر/كانون الأول 2022، قال المتحدث العسكري، رسول: "لن نسمح باستخدام العراق كموقع للهجوم على الدول المجاورة".
فيما أوضح تشالشكان أنه "في اجتماع مجلس الأمن القومي الذي عقد في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 برئاسة السوداني، تقرر إنشاء قوة جديدة لحرس الحدود في المناطق الحدودية بين إيران وتركيا".
دوافع سياسية
ولفت الكاتب التركي إلى أن "حكومة السوداني اتخذت ونفذت قرارات سريعة للغاية بشأن نشر حرس الحدود على حدود تركيا وإيران".
ويرى أنه "سيكون من الخطأ قراءة هذا القرار، الذي اتخذ بعد هجمات إيران على الجماعات الكردية المناهضة لطهران في أربيل، وعمليات تركيا ضد منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية (بي كا كا)، كخطوة تطورت نتيجة المخاوف الأمنية للحكومة المركزية العراقية".
واستطرد تشالشكان: "بل يمكن قراءة هذه الخطوة، التي لها دوافع سياسية أكثر، على أنها موقف سياسي لحكومة السوداني ضد المطالب الأمنية الشديدة من حكومة إقليم كردستان".
وتابع: "لأن ضغط الجهات الفاعلة الدولية مثل الولايات المتحدة والأمم المتحدة ليس فقط ضد حكومة إقليم كردستان، ولكن أيضا على الهجمات الإيرانية قد خلق تصورا بأن الحكومة بقيادة السوداني لا تزال صامتة ضد إيران".
وقال تشالشكان: "يمكن أيضا تقييم أن السوداني -الذي غالبا ما يذكر اسمه مع إيران لأن رئاسته للوزراء بدعم من إطار التنسيق الشيعي المدعوم من طهران- يحاول إبعاد هذا التصور عن نفسه بمثل هذه الخطوة من الناحية الأمنية".
وأضاف "من ناحية أخرى، هناك علامة استفهام مهمة، إلى أي مدى يمكن لأنشطة قوات الحدود أن تمنع وجود منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية في شمال العراق أو إلى أي مدى يمكن أن توفر رادعا لهجمات إيران".
وذكر تشالشكان أنه "بالنظر إلى تقارب الجهات السياسية الفاعلة التي تمكن من تشكيل الحكومة الحالية مع إيران والمليشيات الشيعية الموالية لإيران، يمكن توقع أن يكون لحرس الحدود المنتشر على الحدود الإيرانية معنى رمزي".
وشدد على أنه "سيكون من الخطأ توقع أن نشر قوات برية على الحدود ضد إيران، التي ضربت أربيل بالصواريخ، سيؤدي إلى نتيجة ذات مغزى".
وأضاف "من ناحية أخرى، رغم أنه من غير المرجح تماما، فقد ذكرت الصحافة أن فيلق الحرس الثوري يمكن أن ينظم عملية برية ضد المعارضة الكردية لإيران في إقليم كردستان، وحتى في ظل هذا الاحتمال المنخفض، عندما يجرى تقييم خطوة السوداني، يمكن القول إن البعد الردعي لهذا الانتشار لا يزال سخيفا".
لذلك، يمكن تقييم الخطوة التي اتخذتها الحكومة العراقية بأنها "ليست بسبب مخاوف أمنية تجاه إيران، بل تحددها الأجندة السياسية وهي قرار اتخذ لتجنب الضغط الشعبي"، بحسب تقييم الكاتب التركي.
مصالح متبادلة
وقال تشالشكان: "من وجهة نظر أنقرة، من الممكن اعتبار هذه المبادرة خطوة تحاول تحقيق التوازن بين إيران، والتي تضم تركيا في قرار لا يمكن اتخاذه من جانب واحد ضد طهران، والتي تريد تصوير عمليات تركيا ضد التنظيم الإرهابي على أنها تدخل أجنبي في العراق".
وأكد على أنه "في هذه المرحلة، يمكن القول إن القوات التي سيتم نشرها لن تؤثر على وجود منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية من حيث القدرة العملياتية وحدها".
واستدرك الكاتب: "ما سيكون مهما بالنسبة لتركيا في هذه المرحلة هو أن حرس الحدود المعنيين لن ينخرطوا في أنشطة قد تشكل عقبة أمام عمليات تركيا".
من ناحية أخرى، فإن تعاون العراق مع تركيا ضد منظمة "بي كا كا" الإرهابية في المناطق التي تنتشر فيها وحدات حرس الحدود، سيكون "خطوة مهمة" تسهم في العلاقات التركية العراقية، بحسب تشالشكان.
ورغم أنه لم يمض بعد وقت كاف لتقييم حالة وأنشطة القوات المنتشرة، فلا شك في أن خطوات التعاون في مكافحة الإرهاب التي سينقلها العراق إلى تركيا سترحب بها.
في الواقع، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تعليقاته على العلاقات مع العراق أن أنقرة "مستعدة لتقديم جميع أنواع الدعم لبغداد في حربها ضد منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية".
لذلك، يمكن القول إن حرس الحدود المنتشر على الحدود التركية "لديه إمكانية تحويل العلاقات الثنائية بطريقة إيجابية".
وفي هذه المرحلة، فإن القضية الحاسمة في هذا الملف هي كيف سيتخذ العراق موقفا ضد منظمة إرهابية تهدد جارتها تركيا، التي تربطها بها علاقات متعددة الأوجه، بما في ذلك حجم تجارة متبادلة يبلغ 20 مليار دولار، وفقا للكاتب التركي.
مشاكل أمنية
ولفت تشالشكان إلى أن "حزب العمال الكردستاني، الذي كان يحتمي في الأراضي العراقية منذ أوائل عام 1980، عانى من خسائر فادحة مع العملية الحاسمة التي أطلقت في 2018 وعملية المخلب التي تلت ذلك، كما خسر العديد من المناطق التي كان يسيطر عليها على الخط من خاكورك إلى حفتانين في شمال العراق".
وأضح أنه "بالنظر إلى أن حزب العمال الكردستاني يمر بمثل هذه الفترة الهشة، فإن دعم الحكومة العراقية الملموس لمكافحة الإرهاب الذي تطرحه تركيا قد يزيد من تقصير عملية تطهير المنظمة الإرهابية من الأراضي العراقية.
وأردف تشالشكان أن نجاح "خطوة حرس الحدود" التي يقال إنها اتخذت "لوقف الهجمات على الدول المجاورة"، يعتمد على مدى مثابرة الحكومة العراقية واتساقها في تنفيذ هذه الخطوة.
ولفت الكاتب النظر إلى أنه "من الحقائق التي لا يمكن إنكارها أن مشاكل مثل الإرهاب والتهريب في المناطق الحدودية العراقية لا يمكن حلها بنشر حرس الحدود وحده، والمشكلة الرئيسة في العراق هي الافتقار إلى الإرادة السياسية لحل المشاكل القائمة في شمال البلد".
وأوضح أن "أحد أهم أسباب ذلك، هو أن البنية السياسية في العراق تتشكل في إطار المصالح المختلفة جدا لمختلف الجماعات السياسية، والضغط الذي تمارسه هذه المصالح على الحكومة يجلب معه عجز الأخيرة عن إنتاج حلول دائمة لقضايا حيوية مثل السياسات الأمنية ومشكلة عدم الاستقرار بشكل عام".
واستطرد: "حتى في السنوات الأربع الماضية، فإن الحكومة، التي لم يتم تشكيلها لمدة عام تقريبا بعد الاحتجاجات في العراق، واستقالة الحكومة والانتخابات المبكرة، تفسر هذا الوضع بشكل كاف".
وختم تشالشكان مقاله بالقول: "لذلك، من المفهوم مدى أهمية (مسألة سيادة العراق واستقراره)، التي غالبا ما تؤكد عليها تركيا في العلاقات الثنائية، من حيث حل القضايا التي تواجه العراق".