بعد "مؤتمر بغداد" بالأردن.. هل تعود إيران والغرب لطاولة المفاوضات النووية؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بدأت إيران والاتحاد الأوروبي الانخراط في مباحثات لتحريك ملف إحياء الاتفاق النووي، ما يثير تساؤلات عن أسباب وتوقيت هذه الخطوة بعد أشهر من المحادثات التي أوشكت أن تصل إلى اتفاق لكن جرى تعليق كل شيء فجأة.

وفي أبريل/ نيسان 2021، بدأت هذه المحادثات بين إيران والصين، وروسيا، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، ومشاركة أميركية غير مباشرة، لكنها تعثرت مطلع سبتمبر/أيلول 2022، مع تأكيد الأطراف الغربيين أن الرد الإيراني على مسودة التفاهم لإحياء الاتفاق كان "غير بنّاء".

وبعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، أراد جو بايدن إعادة الحياة إلى اتفاق 2015 بعد إدراكه أن سياسة الضغط القصوى على إيران فشلت عمليا، لكنه كان مكبلا بانتخابات الكونغرس النصفية وضغط إسرائيل وخوفها من تحول إيران إلى قوة نووية حال رفع العقوبات.

وانتهى المفاوضون قبل أشهر من صياغة نحو 80 بالمئة من نص الاتفاق لكن مسألة الضمانات ومطالب إيران بإخراج الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية الأميركية حالت دون إتمامه.

وما تريده إيران من الاتفاق، بعد تجربة التراجع الأميركي عام 2018، هو تسوية تحمل ضمانات حقيقية بعدم انسحاب واشنطن مجدداً، وهو ما لم يكن بيد بايدن.

"إشارات إيجابية"

وفي تحريك جديد للأزمة، غرد منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2022، قائلا إننا وإيران "نتفق على ضرورة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 على أساس الاتفاقات التي جرى التوصل إليها في محادثات فيينا".

وقال بوريل عبر تويتر، إنه التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على هامش مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في دورته الثانية، والذي استضافته العاصمة الأردنية عمان في الشهر ذاته.

وأضاف أن هذا اللقاء كان ضروريا مع وزير الخارجية الإيراني "في وقت تتدهور فيه العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإيران".

ولفت إلى أنه شدد على "ضرورة الإنهاء الفوري للدعم العسكري لروسيا، والقمع الداخلي في إيران، وأن الجانبين اتفقا على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة وعلى إعادة إحياء الاتفاق النووي على أساس محادثات فيينا".

وحضر اللقاء منسق الاتحاد الأوروبي لمحادثات فيينا إنريكي مورا، وكبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا).

وجاء هذا اللقاء بعدما وصل وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى طهران في 18 ديسمبر.

وأشار المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، إلى أمل واقعي في أن يجرى توضيح الخلافات المتبقية مع الوكالة الدولية، وحلها في طهران.

وفي إطار المفاوضات، تهتم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل أساسي بتوضيحات تتعلق بثلاثة مواقع في إيران عثر فيها على آثار لمواد نووية تشير إلى أنشطة جرت في الماضي.

ونفت طهران جميع الاتهامات في هذا الصدد، قائلة إن مشاريعها النووية سلمية وإن البلاد لا تسعى إلى برنامج سري للأسلحة النووية.

ووفقا لمراقبين، فإن المفاوضات النووية وصلت إلى طريق مسدود، وحتى لو جرى التوصل إلى اتفاق تقني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فلن يكون هناك انفراجة.

ويعود السبب إلى قمع الاحتجاجات المناهضة للنظام الإيراني التي اندلعت في 16 سبتمبر على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني، والتي أدانها الغرب وفرض بسببها عقوبات جديدة على إيران. 

لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية رأت في 21 ديسمبر، أن إحياء المفاوضات يبدو واقعيا إذا تعهدت إيران بحل قضايا الضمانات مع الوكالة واستعدادها للحوار مع الغرب حول التجهيزات العسكرية الروسية.

في المقابل، هاجمت صحيفة "الغارديان" الرئيس الأميركي جو بايدن، بسبب احتمالية إحياء الاتفاق النووي من جهة، خاصة بعد احتجاجات إيران وما أسموه دعم روسيا في حربها على أوكرانيا، ثمّ عادت لتتحدّث عن أهمية الاتفاق بالنسبة للأوروبيين من جهة أخرى.

وقالت الصحيفة البريطانية في 21 ديسمبر، إن لقاء وزير الخارجية الإيراني مع منسق الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، في الأردن أعطى فرصة "لاستكمال المناقشات".

وبينت أن عبداللهيان، وصف اللقاء بأنه "إيجابي وتطلعي"، ما يعطي الانطباع العام بأن أجزاء من النظام تريد اتفاقا.

وأشارت إلى مغادرة مفتشي الأمم المتحدة طهران دون أي تعليق على محادثاتهم، لكنها رأت أن التوقعات منخفضة بالنظر إلى التاريخ الطويل من المحاولات الفاشلة لاستخراج تفسيرات إيرانية معقولة لوجود الجزيئات النووية.

وتابعت: "لكن أوروبا عازمة على عدم التخلي عن آمال إنقاذ الاتفاق النووي على أساس أنه إذا بدأت إيران في التخصيب حتى 90 بالمئة، فسيكون لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة حتى لو كانت تفتقر إلى الرؤوس الحربية الصاروخية".

ولفتت إلى أن "تفاؤل طهران قد يكون مجرد موقف لفضح الانقسامات الغربية حول إمكانية العودة إلى اتفاق نووي".

معضلة الضمانات

ورغم التفاؤل الذي أبداه مسؤولو إيران وتأكيدهم استعداد بلادهم لاستئناف المحادثات النووية، فإن عددا من الخبراء الإيرانيين، وجهوا انتقادات شديدة لوزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، قائلين إنه غير قادر على توجيه العلاقات الخارجية للبلاد.

وبدأت الانتقادات بعد أن حضر قمة إقليمية في الأردن، حيث انتقد عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، محمد صدر، بشدة اعتماد إيران على روسيا والصين، مبينا أن البلدين ليسا حليفين إستراتيجيين، لكنهما يتبعان مصالحهما الخاصة فقط، حسب مقابلة مع موقع "انتخاب نيوز" الإيراني في 26 ديسمبر.

وانتقد صدر كذلك وزير الخارجية والرئيس إبراهيم رئيسي لـ"فشلهما في تقديم رد مناسب على توقيع الصين على بيان مع دول مجلس التعاون الخليجي شكك في ملكية إيران لثلاث جزر في الخليج العربي".

ودعا إلى سياسة خارجية واقعية تعطي الأولوية للمصالح الوطنية للبلاد. وقال إنه يتعين على إيران الحفاظ على العلاقات مع جميع الدول باستثناء إسرائيل، والسعي لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، أو خطة العمل الشاملة المشتركة.

فيما قال خبير العلاقات الدولية مهدي مطارنة، لموقع "فارارو" الإيراني في 26 ديسمبر إنه "إذا واصلت إيران سياستها الخارجية الحالية المتمثلة في التحالف مع الصين وروسيا وجعل نفسها عدوا للولايات المتحدة وأوروبا، فلن يكون أمامها خيار ثالث قريبا".

ورد مطارنة بأن ميل إيران نحو روسيا والصين لم يترك شيئًا من سياسة عدم الانحياز الأولية، ونتيجة لذلك، كل ما هو ضد الغرب يجد شرعية، ويؤدي هذا حتمًا إلى أزمة هوية للنظام السياسي، كما قال.

وفي السياق ذاته، علق حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة "كيهان" الإيرانية التابعة للمرشد الإيراني علي خامنئي، على إعلان استعداد حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي لاستئناف مفاوضات الاتفاق النووي.

وقال شريعتمداري خلال مقال نشرته الصحيفة في 22 ديسمبر إنه "الآن السؤال الذي يطرح على المشاركين الموقرين في مفاوضات بلادنا النووية، هو ما إذا كان هناك أدنى شك في المواقف المعلنة رسميا من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا؟".

وتساءل: "إذا لم يكن هناك شك - وليس هناك شك- بالنظر إلى الأمور المذكورة أعلاه، فماذا تتوقعون من المفاوضات التي تحاولون إجراءها؟ وما هو الإنجاز الذي تبحثون عنه؟".

وحذر شريعتمداري، الفريق المفاوض للنظام الإيراني بالقول: "ما الذي رأيتموه في الإعلان الرسمي والعلني للولايات المتحدة وثلاث دول أوروبية لتعلنوا عن استعدادكم لاستئناف المفاوضات؟ هل تقيمون نتيجة المفاوضات خارج ما أكده الخصم صراحة؟".

من جانبه، قال كمال خرازي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، خلال اجتماع متزامن مع زيارة خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى طهران: "إيران مستعدة للعودة إلى التزامات الاتفاق النووي".

وأضاف: "لقد جرى حل العديد من المشاكل حتى الآن، ولم يبق سوى موضوع الضمانات، ونأمل حل هذه القضايا خلال زيارة الخبراء".

وقبل ذلك، أكد وزير خارجية طهران، في اجتماعه الأخير مع بوريل، أن "جمهورية إيران الإسلامية مستعدة لاختتام مفاوضات فيينا على أساس مسودة حزمة المفاوضات التي تعد ثمرة شهور من المفاوضات الجادة والمكثفة".

"عض الأصابع"

من جهته، رأى محلل الشؤون الدولية الإيراني عبدالرضا فرجي راد أن "الأطراف الغربية باتت تطرح أخيرا تصريحات متناقضة، معظمها تدور في فلك عدم الرغبة بالتوصل لاتفاق"، مشيرا إلى تصريحات المبعوث الرئاسي الأميركي إلى إيران، روبرت مالي، الذي تحدث عن "فرصة ضاعت" في هذا المجال.

وفي مقال نشرته صحيفة "آرمان ملي" الإصلاحية في 22 ديسمبر، أشار فرجي راد إلى عقبات أمام الغرب تتعلق بالرأي العام، من الأحزاب والبرلمانيين والإيرانيين والذين يعيشون في الخارج، الذين يضغطون لعدم متابعة المحادثات النووية.

وأضاف محلل الشؤون الدولية أن هناك قسما آخر يريد الحصول على نقاط، منوّها إلى أن القضية الأخرى الحساسة بالنسبة للأوروبيين هي قضية أوكرانيا، مما دفعهم ليصبحوا أكثر تشددا مع الأميركيين، إذ بات من المهم للغاية بالنسبة إليهم أن تتعاون إيران في القضية الأوكرانية وأن تبتعد عن روسيا.

وبرأي فرجي راد فإن "أرضية المحادثات النووية أصبحت قيد الإعداد، من تصريحات رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في الأردن إلى تصريحات مسؤول أميركي بعد خطاب روبرت مالي عن ضرورة إعلان إيران مباشرة ما الذي تريده بشأن الوكالة الدولية".

وزعم فرجي راد أن "جميع الغربيين على استعداد للتفاوض، لكنهم يحاولون توفير أساس حتى لا يتأثروا برأيهم العام، فضلا عن الحاجة لإنهاء القضايا الداخلية في إيران".

وعلى النقيض من هذا الرأي، قال الكاتب اللبناني المختص بالشأن الإيراني إبراهيم ريحان، إن النظام الإيراني رد على الدعم الغربي للمتظاهرين بقتلهم في الساحات أو بتعليقهم على منصات الإعدام، وكذلك على الدعوات الغربيّة لكبح جماح برنامجه الصاروخي وطائراته المسيرة، بإرسال هذه المسيرات إلى روسيا.

وأضاف خلال مقال نشره موقع "جسور" في 23 ديسمبر: النظام الإيراني يطلق رسائل تجاه الغرب بالجملة. يعرف المسؤولون في طهران كيف تُؤكَل الكتِف الأوروبية، مؤكدا أن هناك عضّ أصابع بين النظام الإيراني والجانب الأوروبي.

وحسب الكاتب اللبناني، فإن العواصم الأوروبيّة تسلمت إشارات إيران، لذلك أرسلت عبر دولة قطر استعدادها للاجتماع بوزير خارجية إيران أمير عبداللهيان على هامش النسخة الثانية من "مؤتمر بغداد" الذي أقيمَ على سواحل البحر الميّت في الأردن.

وعلى حد قول الكاتب، فإن عبداللهيان وضع مطالب طهران على الطاولة أمام منسق السياسة الخارجيّة في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.

وهي: "العودة إلى الاتفاق النووي بالشروط التي كانت قائمة قبل انهيار المحادثات، ووقف كل دعم أوروبي للمُتظاهرين في المُحافظات الإيرانية، وعدم تدخل أوروبا في سياسة إيران في الشّرق الأوسط".

وزعم الكاتب أن "بوريل دوّن ملاحظات عبد اللهيان، وطلبَ في المُقابل أن توقِف طهران تزويد روسيا بالطّائرات المُسيّرة، فأجابه الأوّل: "هذه المسألة غير مُرتبطة بالاتفاق النّوويّ ولا تُبحَث في اجتماع مُخصص لإعادة إحياء المُفاوضات بين إيران والمجموعة الدّوليّة".

وبعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران في عام 2018، بدأت طهران كسر القيود المتفق عليها، وجعلت عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكثر صعوبة. وتقوم إيران حاليا بتخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 60 بالمئة.

ووفقا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن هذا ليس منخفضا بشكل كبير عن نسبة 90 بالمئة اللازمة لصنع الأسلحة النووية. وينص اتفاق فيينا 2015، بأنه "لا يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد عن 4 بالمئة مقابل رفع العقوبات الدولية".