"أهلا بكم في جبل الهيكل".. رسالة حلفاء نتنياهو للحاخامية الكبرى والفلسطينيين

12

طباعة

مشاركة

مع اقتراب "عيد الحانوكاه" اليهودي المتوقع أن يشهد فيه المسجد الأقصى مزيدا من الانتهاكات في ظل حكومة الفاشية الصهيونية الجديدة التي تعمل على تهويده وفرض التقسيم الزماني والمكاني داخله، وقع تطور مهم يشير لبدء التهويد رسميا، وفق مراقبين.

ورغم انتهاكها لقوانين الحاخامية الكبرى الحامية والمفسرة للتوراة، تخطط "جماعات الهيكل" المتطرفة لاقتحام المسجد الأقصى وإقامة صلوات وإشعال شمعدان "الحانوكاه" داخله خلال العيد اليهودي الذي يبدأ في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2022.

وفي خطوة أحدثت غضبا محليا ودولية، أزالت "جماعات الهيكل" لافتة "الحاخامية الكبرى" من على باب المغاربة التي تحظر دخول اليهود إلى الحرم القدسي، ووضعت مكانها أخرى تُرحب بمقتحمي الأقصى مكتوب عليها: "أهلًا بكم في جبل الهيكل".

ويرى متابعون أن هذه الخطوة بمثابة إعلان حرب على الفلسطينيين والحاخمية الكبرى، من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة الحليفة لرئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو، مستقوية بفوزها في انتخابات مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

قصة اللافتة

عقب حرب عام 1967، وضعت "الحاخامية الكبرى" لافتة رئيسية أمام باب المغاربة مكتوب عليها "بيان وتحذير: حسب الشريعة وقانون التوراة، محظور على أي شخص يهودي الدخول إلى منطقة الحرم القدسي بسبب قدسيته".

والحاخامية الكبرى في إسرائيل، مؤسسة رسمية تمثل سلطة الفتوى (الهالاخاه) وتفسير الشريعة اليهودية، وتعد السلطة الروحية ليهود إسرائيل ويرجع تاريخ تأسيسها في فلسطين إلى عام 1921 إبان الانتداب البريطاني.

وهي تتكون من اثنين من كبار الحاخامات، واحد من السفارديم (يهود الشرق) والآخر من الأشكناز (يهود الغرب).

وظلت لافتة الحاخامية بمكانها لعشرات السنين، حتى أزيلت للمرة الأولى في أغسطس/آب 2022، بحسب صحيفة "هآرتس" العبرية في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2022.

وقبل أيام علقت بدلا منها في المكان نفسه لافتات جديدة تشجع اليهود على الصلاة داخل الحرم خلافاً للوضع الراهن المتبع في الحرم لعشرات السنين.

وتحمل اللافتات الجديدة توقيع "إدارة جبل الهيكل" وهي حركة خاصة بنشطاء "حركة الهيكل" المتطرفة غير الحكومية.

صحيفة "هآرتس" أكدت في تقريرين يومي 8 و11 ديسمبر، أن "الحكومة الإسرائيلية غضت الطرف عن إزالة لافتة الحاخامية التي تحظر دخول اليهود إلى المسجد الأقصى وباحاته لأسباب دينية يهودية".

وأضافت أن "الحكومة سكتت أيضا عن تعليق جمعيات الهيكل لافتات تُشجع على اقتحام الأقصى، وأداء شعائر يهودية فيه على امتداد مسار دخول المستوطنين من باحة البراق، وحتى بوابة المغاربة".

وأشارت إلى تواطؤ شرطة الاحتلال في القدس مع هذه المجموعات وسكوتها على تعليق اللافتة المذكورة من جهة وحشد قوات شرطة كبيرة لتأمين الاقتحامات.

ويستند موقف الحاخامية الذي يحظر على اليهود الحجيج إلى الحرم والصلاة فيه، للشريعة اليهودية التي تراهم أنجاسا لم يتطهروا بعد منذ غضب الله عليهم.

بينما يؤمن أنصار "جبل الهيكل" بضرورة بناء الهيكل الثالث في المكان الذي يوجد فيه المسجد الأقصى الآن.

وكانت لافتة الحاخامية تعكس الموقف السائد في المجتمع الديني اليهودي، وهو عدم الصلاة في ساحة الأقصى والاكتفاء بالزيارة انتظارا لـ"الخلاص اليهودي".

ويتسق موقف الحاخامية مع سياسة "الوضع الراهن" الحكومية المطبقة في الأقصى منذ 1967، بموجب اتفاق بين وزير الدفاع آنذاك موشي ديان وأوقاف الأقصى، يمنع صلاة اليهود داخل الحرم القدسي ويسمح لهم فقط بالزيارة.

وفي السنوات الأخيرة تغير الوضع السائد، وبدأت شرطة الاحتلال، التي كانت تعتقل المستوطنين لمجرد التمتمة التي تثير الاشتباه بأنهم يؤدون الصلاة في ساحات المسجد، تغض الطرف عن صلاة اليهود في الموقع.

وعليه، قفز عدد اليهود الذين يشاركون في الاقتحامات من 5658 مستوطنًا في عام 2009 إلى 34.779 مستوطنًا في عام 2021، وشارك حاخامات وأعضاء كنيست في اقتحام المسجد الأقصى، وفق "هآرتس".

وكان قد أكد الحاخام السفاردي الرئيسي "إسحق يوسف" في 7 نوفمبر 2014، أن "على اليهود وضع حد لزيارات الحرم القدسي"، ووصف الحاخامات الذين لا يمتثلون لفتوى الحاخامية بأنهم "دون المستوى" بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

وقال إن "أولئك الذي يدعون للصعود إلى جبل البيت يسكبون الزيت على النار المشتعلة، إذ إن هذه الدعوات تعطي فرصة للقتلة الراغبين في التنكيل بشعب إسرائيل"، في إشارة إلى المقاومة على حد زعمه.

وفي رسالة شديدة اللهجة وجهها مجلس حكماء التوراة إلى رئيس الوزراء نتنياهو حينئذ، قال الحاخام "داود يوسف": "أناشدكم بأن تقوموا بإغلاق جبل الهيكل في وجه المتطرفين اليهود الذين يحاولون تدنيس المكان المقدس".

قال: "لا تنخدعوا بتصرفاتهم الغريبة (المتطرفين اليهود) فهم يحاولون استخدام الشريعة في مصالحهم وأكاذيبهم الشخصية".

ثلاث رؤى

بحسب دراسة لـ"مركز الدراسات السياسية اليهودية" نشرها "مركز القدس للشؤون العامة" عام 1999 فوجئت الحاخامية اليهودي بسيطرة جيش الاحتلال على المسجد الأقصى في اليوم الثاني لحرب 1967، لذا ظهرت ثلاث رؤى أو مدارس فكرية دينية حول الموضوع.

المدرسة الأولى ترى ضرورة نسف المسجد الأقصى فورا وبناء الهيكل اليهودي المزعوم مكانه، وكان يتزعمها الحاخام الأكبر حينئذ "شلومو غورين"، الذي تورد الدراسة تفاصيل مطالبته لقادة الجيش الإسرائيلي بوضع متفجرات في المسجد أو قصفه.

وينتمي لهذه المدرسة تيار "الصهيونية الدينية" الذي فاز بـ 14 مقعدا في انتخابات الكنيست 2022 وبات له قرابة 6 مقاعد وزارية، ويدافع عن هدم الأقصى وبناء المعبد ضمن سياسية "تسريع الخلاص اليهودي" وعدم انتظار "مشيئة الرب".

المدرسة الثانية ترفض بناء اليهود للهيكل، لأنها ترى أنه لن يُبنى من قبل الإنسان بل من قبل المسيح، مستندين لآية يهودية تقول: "الحرم اللهم الذي أسسته يداك"، وبالتالي "لا شيء نفعله سوى الصلاة والانتظار".

وتتبني الحاخامية الكبرى هذا الرأي، لذا وضعت اللافتة التي تحظر زيارة الحرم القدسي أو الصلاة فيه، لقناعتها أن اليهود الحاليين أنجاس وينتظرون "البقرة الحمراء" لتطهيرهم بها ثم بناء الهيكل.

أما المدرسة الثالث فتؤمن بأن الهيكل سيُبنى من قبل المسيح لا الإنسان، لكن حاخاماتها يرون أنه يجب السماح لليهود بدخول أجزاء من الحرم القدسي "جبل الهيكل".

وسبق لهؤلاء مناقشة أفكار تزعم أن الحرم القدسي كله مقدس لليهود، وبالتالي فهو يقع في نطاق سلطة الحاخامية الكبرى على الرغم من بناء المساجد هناك.

كما تقول إنه إذا كان ممنوعا على اليهود دخول الحرم القدسي الشريف، فيجب منع المسلمين أيضا.

وتزعم هذه المدرسة أن "الشريعة تحظر التفاوض حول المسجد الأقصى، وترفض تسليم السيطرة عليه للأجانب (تقصد المسلمين) بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالسيادة المطلقة يجب أن تبقى فيه لشعب إسرائيل وأي نقاش فيه يعد إثما".

دلالات مهمة

على الجانب الآخر، أكد نائب مدير أوقاف القدس الشيخ ناجح بكيرات، أن خطورة لافتة التشجيع على اقتحامات المسجد الأقصى عند مدخل باب المغاربة، تتمثل في أنها ستحول المجتمع الإسرائيلي كله إلى مجتمع مقتحم للمسجد الأقصى.

وقال بكيرات لوكالة "معا" الفلسطينية في 12 ديسمبر، إنه " في حال تم أي تعديل أو تغيير على الفتوى فإننا سنكون أمام الآلاف من المقتحمين للأقصى يوميا، وبالتالي سيكون ذلك خارج السيطرة".

وأوضح أن أكثر من 90 بالمئة من المجتمع الإسرائيلي ملتزم بقرارات "الحاخامية الرئيسية" والتي تحذر وتمنع اقتحام الأقصى وهذه الفتوى قائمة حتى اليوم.

وأضاف أنه يوجد بين الحاخامات أنفسهم معركة حول اقتحام الأقصى، وهناك من يرى كل شخص يهودي يدخل الأقصى "مرتدا" لقداسة المكان، وأن جماعات الهيكل تسعى للتأثير على الجيل الثالث من الحاخامات ليفتوا باقتحام الأقصى.

من جانبه، رأى المختص في شؤون القدس "ناصر الهدمي"، أن وضع جماعات الهيكل لافتات عند مدخل المسجد الأقصى، هدفه فرض الرواية والهوية الصهيونية على الحرم القدسي. 

وأوضح لوكالة "صفا" في 13 ديسمبر، أن الاحتلال يستهدف تغيير هوية الحرم القدسي و"عبرنة" أسماء باب المغاربة والأقصى حتى تتوافق مع روايته التلمودية وتُعبر عنها.

فيما قال رئيس "الجمعية الإسرائيلية لدراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية" يتسحاق رايتر، إنه لا يحق لليهود الصلاة في المسجد الأقصى باسم مبدأ الحق الطبيعي في حرية العبادة أو بناء كنيس يهودي في المسجد الأقصى "لأن خطاب الحقوق لا ينطبق على المسجد الأقصى".

وأكد في مقال بصحيفة "معاريف" العبرية في 26 نوفمبر، أن التغيير في الوضع الراهن في المسجد الأقصى يهدد المصالح السياسية والأمنية لدولة إسرائيل.

وحذر من خطر اندلاع حرب دينية وانتفاضة بين المواطنين العرب واليهود المتطرفين في إسرائيل حال الاستمرار في النهج الحالي.

 فضلا عن إلحاق الضرر بالمصالح السياسية والأمنية لإسرائيل، واتفاقيات السلام وتزايد العمليات في إسرائيل وضد اليهود في العالم بأسره، واتساع كراهية اليهود في العالم.

ومع تجدد الجدل حول ما سيجري بعد فوز الصهيونية الدينية ومشاركتها في الحكومة، والتخوف من انفجار الوضع، أصدر رئيس الوزراء المكلف نتنياهو بيانا للتهدئة.

وقال في كلمة له أمام الكنيست في 13 ديسمبر: "سنواصل المحافظة على الوضع القائم، ولن نكون دولة شريعة (هالاخاه)، وسنحافظ على نهج اليمين الليبرالي".