قاعدة التنف.. مقر القوات الأميركية بسوريا ومركز "حروب الظل" الإقليمية

12

طباعة

مشاركة

تخوض قاعدة "التنف" العسكرية جنوبي سوريا، التي تتمركز فيها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، "حروبا خفية" يفرضها موقعها الإستراتيجي ضمن المثلث الحدودي السوري مع العراق والأردن.

وتحولت القاعدة الأميركية في الأراضي السورية إلى نقطة محورية وحرب ظل في صراع محموم بين اللاعبين الرئيسين في المنطقة، وهم إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وإيران.

تأثير مستقبلي

وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قال جرانت روملي، مستشار وزارة الدفاع الأميركية لسياسة الشرق الأوسط خلال إدارتي الرئيس السابق، دونالد ترامب، والحالي جو بايدن، أن "هناك تهديدات إضافية حول قاعدة التنف يجب أخذها في الاعتبار الآن".

وأشار إلى أن "هناك خطرا من أن روسيا على الأرض في سوريا، وستكون قلقة بشأن تصور بأنها تركز فقط على حرب أوكرانيا (المستمرة منذ 24 فبراير/شباط 2022)".

وعلى أية حال، فإن تلك القاعدة النائية التي تعيش وحدها في صحراء قاحلة، باتت أداة عسكرية منخفضة التكلفة نسبيا للقوات التي تتمركز فيها.

فضلا عن أن القاعدة عالية التأثير عسكريا، كونها ترفع شعار منع عودة "تنظيم الدولة"، وتعطيل النشاط الإيراني الداعم لنظام بشار الأسد و"حزب الله" اللبناني.

والأهم أن "التنف" تضمن أن تكون الولايات المتحدة جزءا من المناقشات المتعلقة بمستقبل سوريا السياسي على المدى الطويل، وفق خبراء عسكريين أميركيين.

ومع اعتبار أن الأهداف الإستراتيجية لأميركا في سوريا "مشوشة" والدور العسكري فيها "غير واضح"، يبقى من المهم أن يكون لواشنطن "التزام عسكري مفتوح" يتمثل بقاعدة التنف، كما يرى قائد القيادة المركزية الجنرال كينيث ماكنزي، في كلمته خلال فعالية نظمها مركز بحثي في يوليو/تموز 2020.

وأسست حامية قاعدة التنف عام 2016، وفرضت فيها منطقة منع صراع طولها 55 كيلومترا، وذلك كجزء من تفاهم أميركي روسي، عقب تمكن التحالف الدولي من طرد "تنظيم الدولة" من محيطها.

وتضم القاعدة الأميركية ما بين 100 و200 جندي أميركي إلى جانب أعداد محدودة من دول قوات التحالف.

واستخدمت الولايات المتحدة القاعدة كمركز تدريب عسكري لمقاتلين من المعارضة السورية على مهارات استخدام بعض الأسلحة.

وتحتفظ واشنطن في محيط القاعدة بنحو 300 مقاتل مدرجين تحت "جيش مغاوير الثورة" المعارض منذ يناير/كانون الثاني 2016.

وشكلت واشنطن في غرب نهر الفرات، "جيش سوريا الجديد" الاسم القديم لـ"مغاوير الثورة"، في نوفمبر 2015، وهو عبارة عن مقاتلين من الجيش السوري الحر المعارض للنظام، بينهم ضباط منشقون عن قوات الأسد.

ويوجد بقرب القاعدة مخيم "الركبان" العشوائي للنازحين، أسس عام 2013، وهو راهنا محاصر من قبل عناصر النظام السوري والمليشيات الإيرانية.

ويوجد في المخيم 10 آلاف شخص، بعدما كانوا نحو 50 ألفا قبل أن يفروا من نقص المساعدات الغذائية والمياه بشكل متلاحق خلال السنوات الماضية.

وأكد العقيد في سلاح الجو الأميركي، دانيال ماغرودر جونيور، في تقرير معهد "بروكينغز" الصادر في نوفمبر 2020، أن "وجود قاعدة التنف له ثلاثة أهداف، أولا، مواصلة مكافحة تنظيم الدولة، وثانيا تعطيل الأنشطة المتحالفة مع إيران في جميع أنحاء العالم، وثالثا خلق قوة ضغط في المفاوضات بشأن مستقبل سوريا".

ويرى مراقبون أنه "غالبا ما يكره المسؤولون العسكريون الأميركيون الاعتراف علنا بالهدفين الثاني والثالث، نظرا للمخاوف بشأن التبرير القانوني لوجود الولايات المتحدة في سوريا".

حروب الظل

وشكل محيط قاعدة التنف الخاضع لحماية جوية من التحالف الدولي، النقطة الأكثر جاذبية لإسرائيل لشن غارات جوية على مليشيا الحرس الثوري الإيراني ومنع تثبيت وجودها في سوريا.

وهذه النقطة هي من أبرز نقاط "حروب الظل" التي تقودها قاعدة التنف على مدى سبع سنوات، عبر لعبها دورا حاسما في "قطع يد إيران لفتح طريق بديل لها عبر البادية السورية".

وهو غير الطريق السريع بغداد – دمشق المرصود أميركيا، والذي حرم طهران من تسيير قوافل الإمدادات العسكرية بشكل مباشر منها إلى دمشق ثم بيروت.

وكان قبل إنشاء قاعدة التنف طريقا مزدحما للمهربين الذين ينقلون البضائع المشروعة وغير المشروعة إلى سوريا ولبنان بما في ذلك الأسلحة.

كما تعرقل القاعدة، مشروع الربط السككي والكهربائي بين إيران والعراق وسوريا، والذي تطمح من خلاله طهران لإنشاء ممر بري يربطها بالبحر المتوسط من جهة الساحل السوري.

وذاك "الحلم الإيراني" من الأسباب الرئيسة التي جعلتها تتدخل مبكرا إلى جانب قوات الأسد منذ عام 2012 لقمع ثورة الشعب السوري، ومنع بشار من السقوط.

ويسمح التحليق فوق منطقة قاعدة التنف للطائرات الإسرائيلية بالحد من تعرضها للدفاعات التابعة لنظام الأسد، حين شنها غارات جوية متكررة على مواقع المليشيات الإيرانية في الأراضي السورية.

وفي هذا الإطار، نقل موقع "المونيتور" الأميركي في يونيو/حزيران 2020، عن مسؤول دفاعي أميركي سابق (لم تسمه) قوله إن "الطائرات الإسرائيلية تحب استخدام ممراتنا الجوية، لأن الدفاعات الجوية السورية لا يمكنها معرفة الفرق إلا بعد فوات الأوان".

لكن رغم ذلك، فإن الطائرات بدون طيار التي يفترض أنها إيرانية تستهدف بانتظام حامية التنف، القاعدة العسكرية الأميركية على الحدود العراقية السورية.

وآخرها حينما تعرضت القاعدة لما يعتقد أنه غارة إيرانية بطائرة بدون طيار في 15 أغسطس/آب 2022، بعد يوم واحد من قصف إسرائيل لأهداف عسكرية في محافظتي دمشق وطرطوس السوريتين.

وعند الحديث عن مبررات عدم تفكيك الولايات المتحدة لقاعدة التنف، يبرز المبرر الأكثر ميزة، وهو أنه يمكن استخدام القاعدة في التفاوض على نتيجة مقبولة للحل السياسي بسوريا.

ووفق مراقبين عسكرين فإن التمسك بهذه الحامية من قبل واشنطن يعقد خطط روسيا وإيران ونظام الأسد، حيث يريد اللاعبون الثلاثة طرد الوجود الأميركي من أجل الحصول على يد أكثر حرية لتوسيع النفوذ هناك.

وحتى عام 2020 قدرت ميزانية تدريب ومكافحة تنظيم الدولة بنحو 200 مليون دولار، لكن هناك تكاليف ملموسة وغير ملموسة للحفاظ على الوجود الأميركي في التنف وهي أكثر تعقيدا، وفق خبراء.

وجود إستراتيجي

وأكد العقيد في القوات الجوية الأميركية، دانيال جونيور، أن "تأمين قاعدة التنف يتطلب أعدادا ليست قليلة من القوات، ويجب أن تكون قادرة على حماية نفسها بقوة رد فعل سريعة ودعم مدفعي، وقدرة طبية، وجهد استخباراتي قوي لاكتشاف التهديدات".

وأضاف في مقال نشره عبر موقع معهد "بروكينغز" الأميركي في 20 نوفمبر 2020، أنه "يجب أن تكون لدى القاعدة قوة نيران قريبة أو تحت الطلب للردع، وإذا لزم الأمر للرد على العدوان".

ومضى قائلا إن "احتمال استخدام القوة الجوية للتحالف للدفاع عن العلم الأميركي فوق التنف هو الرادع الحاسم، لكن هذا يتطلب أن تكون هياكل الطائرات محمولة جوا وتزود بالوقود وجاهزة للقتال في أي لحظة".

ورأى جونيور أن "أي بصمة مطلوبة في المسرح السوري لدعم العمليات في التنف يجب مضاعفتها من ثلاثة إلى أربعة لحساب التكلفة الإجمالية للوجود المستمر".

فيما يؤكد اقتصاديون سوريون أن قاعدة التنف أسهمت في "شل" اقتصاد نظام الأسد ومنعه من "الانتعاش" عبر خط بري يربط إيران بالعراق ثم سوريا.

كما أن سائقي الشاحنات الإيرانية يشعرون بعدم الأمان في بعض أجزاء طريق بغداد- دمشق، مما أعاق تدفق البضائع الإيرانية وجعلها تسلك طريق الجو أو البحر إلى سوريا.

وتقع "قاعدة التنف" في قلب ما تأمل إيران أن يكون جزءا من "الهلال الشيعي"، الذي تريد إنشاءه في الشرق الأوسط، والذي ما يزال حاضرا وحيا في عقل طهران، ولا سيما أنها وسعت مجال نفوذها إلى ما وراءه.

وبقيت القاعدة التي ينظر إليها حاليا على أنها "حصن حاسم ضد إيران" محرمة على الصحفيين ووسائل الإعلام الأميركية حتى 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وسمحت القوات الأميركية لمجموعة صحفيين بالتجول في قاعدة التنف، وأجرت قناة "NBC News" الأميركية مقابلة مع القائد الأعلى للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، الجنرال جوزيف فوتيل.

وأقر فوتيل بـ"الأهمية الإستراتيجية للقاعدة في مواجهة النفوذ الإيراني وبعض الأنشطة الخبيثة التي تود طهران ووكلاؤها وعملاؤها المتعددون متابعتها هنا، فضلا عن المهمة الأساسية والتي تتمثل بهزيمة تنظيم الدولة"، وفق قوله.