ديكتاتور تحت أعين الاحتلال.. هكذا سيطر عباس على سلطات فلسطين الثلاث

12

طباعة

مشاركة

خلال سنوات حكمه، سيطر الرئيس الفلسطيني محمود عباس على جميع السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وطبق مفهوم "سلطة الرجل الواحد" بحذافيرها.

فإلى جانب السلطة الفلسطينية، يرأس عباس (87 عاما) أيضا حركة التحرير الوطني "فتح"، ومنظمة التحرير (الممثل الشرعي والوحيد للشعب) وهو كذلك القائد العام للقوات المسلحة.

وفي عام 2009، انتهت ولاية عباس الذي يقود السلطة منذ يناير/كانون الثاني 2005 بعد انتخابات رئاسية أفرزته بعد رحيل سلفه ياسر عرفات، لكنه استمر بالحكم متخذا من الانقسام الداخلي ذريعة للبقاء.

ومنذ 2007، يسود انقسام بين حركتي المقاومة الإسلامية "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، و"فتح"، ولم تفلح وساطات واتفاقات عديدة في إنهائه. 

وبدأ الانقسام بفعل عدم تمكين عباس الحركة الإسلامية من الحكم بعد فوزها في انتخابات تشريعية عام 2006 بنتيجة ساحقة.

وفي خضم هذه التجاذبات الداخلية، تمكن عباس من السيطرة على جميع مفاصل الحكم في الضفة الغربية، فكيف فعل ذلك؟

السلطة القضائية

كانت آخر خطوة وثق فيها عباس قدميه في الحكم، إصداره في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2022 مرسوما رئاسيا يقضي بإنشاء المجلس الأعلى للهيئات والجهات القضائية برئاسته.

وبين المرسوم تشكيلة المجلس ويتضمن: رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس المحكمة الإدارية العليا، ورئيس الهيئة القضائية لقوى الأمن، ورئيس مجلس القضاء الشرعي، ووزير العدل والمستشار القانوني لرئيس الدولة، إضافة إلى النائب العام.

ويتولى المجلس مناقشة مشاريع القوانين الخاصة بالهيئات والجهات القضائية وحل أي إشكاليات قد تنشأ ما بين الهيئات القضائية.

وكان قد أصدر عباس في يوليو/ تموز 2019، قرارين عدّل في أحدهما قانون السلطة القضائية، فخفض سن تقاعد القضاة إلى الستين عاما، وحلّ بموجب القرار الثاني مجلس القضاء الأعلى وأنشأ مجلس قضاء انتقالي لمدة عام.

ووقتها، عدت حركة حماس، هذه القرارات "مخالفة للأصول الدستورية القانونية وسلوك ديكتاتوري". وقالت:" أقدم عباس على عدوان بحق مؤسسة القضاء في استمرار لنهج التفرد والديكتاتورية، والخروج عن القانون".

وأضافت: "قرارات عباس خطوة يشطب من خلالها النظام الفلسطيني، ويلغي تماما أي أفق للشراكة أو الديمقراطية".

وأصدر عباس خلال الشهور الأخيرة عدة قرارات بقانون تخص القضاء احتجت عليها نقابة المحامين وقالت إنها تنتهك حق المواطن الفلسطيني في محاكمة عادلة، ليضطر رئيس السلطة لتجميدها.

وبعد القرار الأخير في أكتوبر 2022، قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس عزت الرشق إن "عباس يفرق وقائع جديدة ويضع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في يده".

وتساءل الرشق في تغريدة على حسابه في تويتر: هل يدرك عباس ما الذي يفعله؟ وإلى أين يذهب بالتوافق الوطني الذي نسعى إليه؟

أظهر استطلاع رأي نشر في فبراير/شباط 2021 أن أكثر من ثلثي الفلسطينيين المستطلعين يعتقدون بوجود فساد في الجهاز القضائي، كما يعتقد 53 بالمئة منهم أن الفساد زادت وتيرته في فلسطين خلال 2020.

وجاءت نتائج الاستطلاع الذي أجراه الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، في ظل احتجاجات من نقابة المحامين ومؤسسات المجتمع المدني وقتها على إصدار عباس قرارات عدتها تلك الجهات تشرعن إحكام سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء.

وصدر قرار حينها بقانون معدل لقانون السلطة القضائية، قالت منظمات حقوقية إنه يمس بمبدأ الفصل بين السلطات ويقوض بشكل خطير منظومة القضاء واستقلاليته، وهو إجراء يتنافى مع الأسس القانونية والدستورية.

ووفق النتائج، يعتقد 76 بالمئة من الفلسطينيين في الضفة الغربية بوجود فساد في المحاكم والنيابة العامة.

ومن الأمثلة على سطوة عباس على القضاء وفساد هذه السلطة، الإفراج عن المتهمين بقتل المعارض نزار بنات في الضفة الغربية، وهو ما أثار تساؤلات عن مدى نزاهة القضاء وزاد الشكوك بشأن تورط مسؤولين كبار في القضية.

وجاء الإفراج عن 14 متهما في قضية الاغتيال منتصف يونيو/حزيران 2022 بقرار من النائب العسكري العام بالسلطة، بدعوى "انتشار فيروس كورونا".

وقتل بنات في 24 يونيو 2021 عقب اقتحام قوة أمنية منزل أحد أقاربه في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة والاعتداء عليه بالضرب حتى الموت.

السلطة التنفيذية

تكمل هذه السلطة الجزء الثاني من الانتهاكات في الضفة الغربية وتظهر إجراءاتها على الأرض مدى تحكم عباس بها، إذ يسيطر على قوات الأمن والمخابرات ويعد القائد العام للقوات المسلحة.

ويمكن هنا التطرق إلى كل من: قوات الأمن الوطني، والحرس الرئاسي اللذين يتبعان مباشرة إلى عباس، ثم المخابرات العامة (يرأسها ماجد فرج أحد أبرز المقربين من الرئيس).

وكذلك الاستخبارات العسكرية الفلسطينية، والتي عرفتها وكالة الأنباء الرسمية "وفا" بالقول: "تهدف لحماية الأمن القومي وهي الضابطة العدلية لقوات الأمن، ويتلقى مديرها تعليماته من القائد العام مباشرة، بصفته مساعدا له لشؤون الأمن".

إضافة إلى ذلك، يقود أيضا جهازي الشرطة الفلسطينية والأمن الوقائي المسؤولين عن ملاحقة المعارضين ومقاومي الاحتلال الإسرائيلي.

وفي هذا السياق، تحدث محمد عماد مدير الشؤون القانونية والسياسات لمنظمة سكاي لاين الدولية لحقوق الإنسان عن مسارين يتعلقان بتدخل السلطة التنفيذية بعمل نظيرتها القضائية.

وقال عماد في حديث سابق لـ"الاستقلال"، إن المسار الأول يتمثل بالأحكام القضائية الصادرة من بعض المحاكم بالضفة ولا يجري تطبيقها.

وتابع: "هناك أحكام عدة وثقناها عام 2021 للإفراج عن أشخاص اعتقلوا على خلفية تجمعات سلمية وحرية الرأي والتعبير لكن ما زالوا معتقلين حتى هذه اللحظة".

أما المسار الثاني، هو تدخل السلطة التنفيذية بشكل مباشر والإيعاز للقضاة بإطالة أمد التقاضي لبعض الأشخاص المحسوبين على فصائل معارضة أو المتهمين بتنظيم احتجاجات سلمية ووقفات طلابية في بعض جامعات الضفة، وفق عماد.

وأوضح أن السلطة "مسؤولة عن تطبيق القانون وإنفاذه بشرط حماية الحريات وبشكل أخص حرية الرأي والتعبير التي نص عليها القانون الأساسي الفلسطيني وأيضا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعهد الدولة الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".

وتحدثت مصادر حقوقية عديدة عن ازدياد حالات الاعتقال والاستدعاء في الضفة الغربية بعد إلغاء عباس في أبريل/نيسان 2021، الانتخابات العامة التي كانت مقررة في الشهر الذي يليه.

وتواصل أجهزة السلطة بالضفة ملاحقاتها وانتهاكاتها بحق المواطنين، واختطاف أكثر من 25 شخصا على خلفية انتماءاتهم السياسية، معظمهم أسرى محررون، وفق وسائل إعلام محلية.

وينظم أهالي المعتقلين السياسيين وقفة احتجاجية أسبوعية وسط رام الله، للمطالبة بالإفراج عن أبنائهم، ووقف الظلم الذي يتعرضون له في زنازين السلطة.

ومما يحضر هنا، استخدام أجهزة السلطة حالة الطوارئ لمواصلة انتهاكاتها بحق الناشطين والمواطنين من خلال تنفيذ الاعتقالات السياسية، وفق ما قالت مجموعة "محامون من أجل العدالة"، في بيانات عديدة عام 2021.

وأوضح رئيس المجموعة المحامي مهند كراجة، أن السلطة التنفيذية استغلت حالة الطوارئ للتغول على السلطتين التشريعية والقضائية، كما استغلته الأجهزة الأمنية لتنفيذ اعتقالات تعسفية على خلفية حرية الرأي والتعبير. 

السلطة التشريعية

وتحضر السلطة التشريعية تاليا بالحديث عن حالة الطوارئ التي يواصل عباس منذ 5 مارس/آذار 2020، تمديدها بالضفة الغربية شهريا لـ"مواجهة تداعيات فيروس كورونا"، في خطوة تثير حفيظة الشارع. 

وبحسب القانون الأساسي الفلسطيني، فإنه يمكن لرئيس السلطة فرض حالة الطوارئ لمرة واحدة للضروريات القصوى وضمن حالات محدودة جدا وتمدد بموافقة المجلس التشريعي.

ورغم ذلك، استمر عباس بتجديدها في ظل عدم وجود مجلس تشريعي بالضفة الغربية، بعد أن حله في ديسمبر/كانون الأول 2018، ودعا لإجراء انتخابات تشريعية خلال ستة شهور، وهو ما لم يحدث.

وأكد رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي النائب محمد فرج الغول، أن عباس ينتهك القانون الأساسي الفلسطيني والقوانين ذات الصلة بشكل غير دستوري، داعيا لإيقافه عند حده ومحاسبته.

وأوضح الغول في تصريحات صحفية في 16 يوليو/تموز 2020، أن عباس منتهي الولاية والشرعية منذ 9 يناير/كانون الثاني 2009 ولا يملك هذه الصلاحية.

وأشار إلى أن أي رئيس شرعي لا يملك تمديد حالة الطوارئ دون عرضها على المجلس التشريعي وبشروط مشددة حسب القانون الأساسي الفلسطيني. 

وشدد أن المجلس التشريعي حسب القانون الأساسي هو المؤسسة الرسمية والشرعية حتى يأتي مجلس منتخب جديد يؤدي القسم القانونية، مطالبا بضرورة تجديد الشرعيات بانتخابات جديدة سريعة لإنقاذ النظام السياسي الفلسطيني بدءا بالمجلس الوطني والمجلس التشريعي والرئاسة.

من جانبه، قال النائب عن محافظة الخليل نايف الرجوب، إنه ليس هناك في الضفة ما يسمى بالقانون أو حتى مؤسسات أو مرجعية دستورية، فهناك استفراد بالقرار الفلسطيني من قبل عباس، ولم يلتزم بالقانون الأساسي، الذي ينص على أن مدة الرئاسة 4 سنوات.

وبالتالي فهو منتهي الصلاحية والشرعية ولا يملك إصدار مراسم ولا قرارات بقانون ولا يملك كذلك أن يفرض حالة الطوارئ، وفق ما أضاف الرجوب. 

وبحسب ما نقل عنه موقع المجلس التشريعي في 16 يوليو، دعا الرجوب لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن في أقرب فرصة ممكنة لتجديد الشرعيات والخروج من حالة الانقسام والبدء الفوري في توحيد المؤسسات الوطنية في جناحي الوطن.

وفي استمرار تغوله على السلطة التشريعية، أصدر عباس قرارات عديدة خلال الشهور الماضية تخص التقاعد والعمل والمكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي والمسؤولين وغيرها. 

ووفق المادة 43 من القانون الأساسي الفلسطيني؛ فإن "لرئيس السلطة في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، إصدار قرارات لها قوة القانون، ويجب عرضها على المجلس في أول جلسة يعقدها بعد صدور هذه القرارات وإلا زال ما كان لها من قوة القانون".

أما إذا عرضت على المجلس التشريعي على النحو السابق ولم يقرها زال ما يكون لها من قوة القانون، بحسب المادة.

ولم يتوقف عباس عند ذلك، بل رفع الحصانة الدبلوماسية خلال السنوات الماضية عن عدد من النواب من بينهم جمال الطيراوي وأشرف جمعة ونجاة أبو بكر وهم من حركة فتح، وغيرهم.

وكانت المحكمة الدستورية، التي شكلها عباس في أبريل/نيسان 2016، أصدرت في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، قرارا نص على أن للرئيس الصلاحية برفع الحصانة عن أي من النواب في وقت عدم عقد المجلس التشريعي لجلساته.

علما أن المجلس لم يعقد في الضفة الغربية منذ عام 2007، بسبب الانقسام الداخلي.

وحظي القرار، بانتقادات عدة من القانونيين والفصائل الفلسطينية على اعتقاد أن تشكيل المحكمة لم ينته، ولم يجر مراعاة الشروط القانونية، وإحداها أن يؤدي رئيسها اليمين الدستورية أمام رئيس المجلس التشريعي.

وبهذا وضع عباس السلطة التشريعية جميعها بيد نظيرتها التنفيذية، التي باتت قادرة على سن التشريعات وملاحقة النواب في تغييب أيضا للسلطة القضائية، مّا يؤكد بوضوح سيطرة الرئيس على جميع مفاصل الحكم والتهامه جميع السلطات.

وعمليا يستفيد الاحتلال الإسرائيلي من تغييب فعالية هذه السلطات التي كان ينبغي أن تكون خير ممثل للشعب المقاوم، فبدلا من ذلك يركزها في جسد هزيل يخضع لقراراته وأوامره، ما جعل الشارع يفقد أي أمل في مؤسساته الحاكمة.

واللافت أيضا أن هذه القرارات السلطوية تأتي بعد أيام من إبرام اتفاق للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية في الجزائر.