فتحي خازم.. "أب روحي" لمقاومي الضفة استشهد ولداه وفضح سلطة عباس
تحول المطارد الفلسطيني فتحي خازم إلى أيقونة للمقاومة المسلحة، وبات "الأب الروحي" للمقاتلين في الضفة الغربية وأحد أبرز المنظرين لهذا النوع من المواجهة بعد غيابه سنوات.
العقيد المتقاعد الخمسيني خازم من مخيم جنين شمالي الضفة الغربية سطع نجمه في أبريل/نيسان 2022، وبات يؤرق جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يطارده منذ ذلك الحين.
لدرجة أن الكاتب الإسرائيلي رونيت مرزان وصفه في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بأنه بات "أبا للمقاومة ونبع البطولة المتدفق وزعيما على المستوى الوطني ورئيسا لأركان جنين وبطلا من فترة الصحابة".
والد شهيدين
وقبل 7 أبريل 2022 لم يكن فتحي، العقيد الخمسيني المتقاعد في صفوف قوات الأمن الوطني الفلسطيني معروفا، لكن نجمه سطع بعد هذا التاريخ.
وفي ذلك اليوم، تلقى خازم بصبر وثبات نبأ استشهاد ابنه رعد (29 عاما) منفذ عملية ديزنغوف وسط تل أبيب التي نجم عنها مقتل 3 إسرائيليين وإصابة 16 آخرين.
وأسفرت العملية عن استشهاده في مدينة يافا بعد 9 ساعات في اشتباك مع وحدة "يمام" الإسرائيلية وجهاز الأمن العام "الشاباك".
وحضر حينها مئات الشبان من المخيم لمواساة الأب وعائلة الشهيد، فقدم فتحي خازم خطبة وصفت بالتاريخية، حيث ارتجل حديثا استمر لأكثر من ساعة وبصوت قوي هز أركان المخيم.
وبعدها أصبح الضابط السابق في جهاز الأمن الفلسطيني مطلوبا لقوات الاحتلال الإسرائيلي التي بدأت بملاحقته واقتحمت شقة ومزرعة عائلته، وحاولت اغتيال زوجته وابنهما همام، لكنها فشلت.
وقال فتحي (56 عاما) إن زوجته وابنه نجيا من موت كان محققا؛ عندما حاولت قوات إسرائيلية خاصة اغتيالهما وتصفيتهما جسديا، لدى وجودهما في المنطقة الصناعية بمدينة جنين.
وأضاف أن النجاة كتبت لزوجته وابنه من محاولة اغتيال، وجرى تدمير السيارة التي كانا يستقلانها، مشيرا إلى أن قوة إسرائيلية خاصة أمطرتها بوابل من الرصاص.
وبعد فشل محاولات عدة لاعتقال والد الشهيد، أعلن خازم عن استعداده لتسليم نفسه في مقابل الإفراج عن جثمان نجله ودفنه بما يليق بمكانة الشهداء.
وأكد في منشور له على صفحته في "فيسبوك"، أنه "لن يسلم نفسه لقوات الاحتلال الإسرائيلي حتى يتسلم جثمان ابنه الشهيد".
وأردف: "يطلب أعدائي وبعض الأبناء تسليم نفسي. لن أفعل حتى أستلم جثمان ابني وأحتضنه وأقبله وأواري جثمانه الطاهر الثرى".
ومع مواصلة المطاردة اعتقلت قوات الاحتلال في 23 مايو/ أيار ابنه همام من مخيم جنين بعد اعتراض طريقه خلال توجهه بالسيارة نحو نابلس شمال الضفة الغربية.
أما ابنه الآخر عبد الرحمن (27 عاما) فقد استشهد إلى جانب 3 فلسطينيين آخرين خلال اشتباكات عنيفة بالرصاص الحي بعد اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين ومحاصرة منزله واستهدافه بصاروخ.
واقتحمت تعزيزات عسكرية حاشدة مدينة جنين ومخيمها في ذلك اليوم وسط إطلاق كثيف للرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع، وقصفت منزلا بصاروخ مضاد للدروع يعود إلى المواطن فتحي خازم.
تغطية صحفية: "مشاهد للمنزل الذي استهدفه الاحتلال في #جنين" pic.twitter.com/7aRslPk5t1
— وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) September 28, 2022
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" باستشهاد عبد الرحمن في 28 سبتمبر/ أيلول 2022، أثناء العملية الأمنية في المخيم.
خطيب مفوه
بعد استشهاد ابنه الأول وقف فتحي خازم بكل ثبات وصمود مخاطبا المعزين فقال: "نشيب ونسلم الراية لمن بعدنا، والآن الراية بين أيديكم فلا تسقطوها، راية سيف محمد بين أيديكم فلا تسقطوها".
وتابع برباطة جأش في كلمات هزت الحاضرين: "ما عاد في الجسد من قوة، وما عاد فيه من عزم، وإنا نأخذ عزمنا منكم ونرى القوة في أعينكم وفي وجوهكم، ونستمد الصمود منكم، ومن كان له شباب مثلكم فلا يُخاف عليه".
وفي كلمة له بعد استشهاد نجله الثاني، قال خازم: "هدموا بيوتي ولم يهدموا إلا أحجارا، لم يهدموا عزيمتنا ولا إرادتنا، وقتلوا أبنائي ولكنهم ليسوا بقتلى، فقتلانا بالجنة وقتلاهم بالنار".
وتابع: "الله مولانا ولا مولى لهم، عقيدتنا تجعلنا نفرغ صبرا على قلوبنا، ويفرغ الله صبرا عليها من عنده، ونحتسب أبناءنا شهداء عند الله، لا نرضى إلا بما يرضي الله، ولا نقول إلا بما يرضاه".
وقال أيضا موجها كلمته إلى ابنه: "يا فلذة كبدي، قاتلت في سبيل الله واشتبكت مع عدونا مقبلا غير مدبر، اللهم إني أشهدك أنني راض عن ابني عبد الرحمن فارض عنه يا الله وتقبله في الشهداء".
هذا الرجل الفريد فتحي خازم ودّع قبل اسابيع ولده رعد شهيدا بعد معركة مع الاحتلال وصباح اليوم ودّع ولده الثاني عبدالرحمن شهيدا بعد معركة مع جنود الاحتلال بقلب صابر محتسب "اللهم إني راض عن ولدي عبدالرحمن فارض عنه " لن يهزم الله أمّة فيها مثل هذا الأب وهؤلاء الأبناء #جنين #فلسطين pic.twitter.com/acEhyuo9KS
— A Mansour أحمد منصور (@amansouraja) September 28, 2022
وفي مقطع آخر، قال فتحي خازم إن "المخيم أمانة في أعناقكم، ووحدة المخيم أمانة في أعناقكم، ووحدة الفصائل كذلك، إياكم أن تضيعوا هذا الصف وهذه الوحدة، إياكم أن تنكسر".
وأضاف موجها كلمته إلى الفصائل الفلسطينية: "ابقوا يدا واحدة وروحا واحدة ورجلا واحدا، إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص".
ووجه كلمة في دعوة لمؤازرة المقاومين في نابلس الذين تعرضوا أخيرا لعمليات اغتيال عديدة بالقول: "هبوا وانصبوا رشاشاتكم، وقاتلوا عدوكم".
والد الشهيدين رعد وعبد الرحمن خازم #فتحي_خازم في دعوة لمؤازرة المقاومين في #نابلس: "هبوا وانصبوا رشاشاتكم، وقاتلوا عدوكم". pic.twitter.com/XrxEvBjN2Y
— Israa Alfass || إسراء الفاس (@Israa_Alfass) October 24, 2022
ودعا خازم أبناء الأجهزة الأمنية إلى "الوقوف لجانب أبناء شعبهم وأن ينحازوا إليه وإلى المقاومة ونهج شيخ المجاهدين أحمد ياسين وغيرهم من القادة الأبطال وأن ينحاوزا إلى الحق وإلى وطنهم، لا طريق الوهم الذي يسيرون فيه".
تصريح خطير وناري من المطارد القائد فتحي خازم ابو رعد .
— الحج مش هيك (@MshHyk2) September 29, 202
ادعوا زملائي في الاجهزة الامنية الى الوقوف الى جانب ابناء شعبهم، وان ينحازوا الى المقاومة ، فـ والله طريق الوهم الذين تسيرون فيه سيزيد شعبنا ظلما ومعاناة .
هسا سحيجة تويتر رح يقلبوا على ابو رعد ويهاجموه ويخونوه pic.twitter.com/bqZIAZa3z0
قدوة الثائرين
أصبح فتحي خازم قدوة للشباب الثائرين ومنظرا للمقاومة المسلحة في مخيم جنين منذ استشهاد نجله الأول، وبات المقاتلون هناك يلتفون حوله ويتبعون أثره.
وانتشرت كثير من المشاهد التي تظهر التفاف عناصر المقاومة حول خازم، خاصة مع استمرار مطاردة الاحتلال له والتهديد المستمر باغتياله حال عدم تسليم نفسه.
ويحضر خازم بيوت عزاء الشهداء باستمرار في محاولة للتخفيف عن أهاليهم، ويلقي الخطب الحماسية هناك، حتى بات رمزا للمقاومة والتصعيد العسكري بالضفة الغربية.
ومنذ شهور، تشهد الضفة اقتحامات عسكرية واسعة، وينفذ الاحتلال عمليات اغتيال بشكل شبه يومي، ويقابله المقاومون بإطلاق النار على قواته ومستوطنيه، ما أوقع عدة قتلى ومصابين.
ومنذ 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 تعيش نابلس ومخيماتها تحت حصار مشدد فرضه الجيش الإسرائيلي إثر مقتل أحد جنوده برصاص مجموعة المقاومة الشبابية "عرين الأسود".
وظهرت "عرين الأسود" علنا في عرض عسكري مطلع سبتمبر/ أيلول 2022 في البلدة القديمة بنابلس، وينتمي أفرادها لمختلف الفصائل الفلسطينية.
وقبل "عرين الأسود" نفذت المجموعة عدة عمليات تحت اسم "كتيبة نابلس"، أسوة بكتيبة جنين التي تضم مسلحين من مختلف المشارب، وخاضت اشتباكات مسلحة مع الجيش الإسرائيلي.
وفي خضم هذا التصعيد العسكري النادر الذي يسعى الاحتلال الإسرائيلي لإخماده بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، لم يكن للشباب الثائر أي قائد ظهر للعلن وتحدى الاحتلال سوى فتحي خازم.
ويقول خازم في إحدى المقابلات: "قررت أن أقارع عدوا أجرم وبالغ في إجرامه تجاه شعبنا، وأنا اليوم أحاول أن أمثل هذه الوحدة (وحدة الفصائل المسلحة) دون أن أكون قائدا، بل أمثل صورة الأب لهؤلاء المقاتلين، وليس القائد لهم ولا الموجه ولا حتى الملهم".
ومع هذه الشعبية الجارفة باتت تنتشر صور خازم في القدس والضفة الغربية وغزة، ونشر ناشطون أنشودة موجهة له من كلماتها: "يا قائد ثورة الأحرار يا مصنع الرجال، فتحي خازم يا قائدنا يا قائد أبطال".
وتفاعلا مع قضيته، انطلقت في 25 أكتوبر 2022 حملة شعبية لجمع التبرعات، وإعادة بناء منزل المناضل المطارد فتحي خازم "أبو رعد".
وفي بيان صدر عن مؤسسات وفعاليات مخيم جنين واللجنة الوطنية لإعادة إعمار البيوت المهدومة، وجهت نداء إلى أبناء الشعب الفلسطيني دعته فيه لتأدية واجبه الوطني لدعم هذه الأسرة، التي لا يزال الاحتلال يستهدفها منذ تنفيذ ابنها رعد عمليته النوعية.
قالوا عنه
وصف رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إسماعيل هنية، والد الشهيدين عبد الرحمن ورعد، فتحي خازم، بـ"الأيقونة الوطنية".
وقالت الحركة في الأول من أكتوبر، إن هنية هاتف عائلة خازم، مقدما التعازي باستشهاد نجلهم عبد الرحمن، قائلا إن "هذا البيت بيت عزة وشهادة وتضحية وفداء".
وعبر هنية عن اعتزازه "بما يمثله أبو رعد اليوم لرجال فلسطين ورجال الأمة الأحرار".
وشدد على أن "المقاومة هي الطريق لدحر الاحتلال وطرده من أرضنا"، مضيفا أن "هذه الدماء والتضحيات لن تذهب هدرا، وأن شعبنا يسير على ذات الدرب نحو التحرير بإذن الله".
أما الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة فأثنى نهاية سبتمبر على صمود وصبر فتحي خازم معبرا عن فخره واعتزازه "بهذا القائد العظيم الذي يعد نموذجا للتضحية ومن جنرالات الصبر والعطاء".
وأكد النخالة في اتصال مع خازم أن حركة الجهاد الإسلامي بكل مكوناتها تفخر بهؤلاء الشهداء الأبطال، وتعد دماءهم الطاهرة وقودا يضيء الطريق أمام شعبنا والذي يوصلنا إلى تحرير فلسطين من هذا الاحتلال المجرم، وفق تعبيره.
أما إسرائيل فيشوبها القلق من شخصية خازم الذي يدعو إلى توسيع المقاومة المسلحة والاستمرار بتنفيذ العمليات العسكرية ضد الاحتلال.
عبر مكبرات الصوت في #جنين.. فتحي خازم والد الشاب "رعد" منفذ عملية #تل_أبيب "يدعو للتصدي لاقتحام قوات الاحتلال مدينة #نابلس"#فيديو #الجزيرة #فلسطين pic.twitter.com/O3mpnikxt4
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) July 24, 2022
وعلقت القناة 12 العبرية في الأول من أكتوبر، على شخصية خازم، بالقول إنه تحول إلى "قدوة لدى الفلسطينيين".
وأضافت القناة: فتحي خازم أصبح في الفترة الأخيرة محبوبا أكثر فأكثر، له لوحات إعلانية لدى الفلسطينيين، وله مشاركات كثيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، وله خطابات يدعو فيها عناصر الأجهزة الأمنية للمشاركة في تنفيذ عمليات.
وفي 25 أكتوبر، قال الكاتب في صحيفة هآرتس العبرية رونيت مرزان: "الشباب الفلسطينيون في مخيمات اللاجئين في نابلس وجنين وشعفاط يرسلون رسالة للسلطة الفلسطينية ولإسرائيل أنهم يريدون قيادة نزيهة تحل محل القيادة العجوز كي تدافع عنهم من الجيش والمستوطنين، وأن تهتم بكسب رزقهم بكرامة".
وأيضا أن تقودهم في حملة بطولية للتحرر والحرية، "هم يريدون بناء نظام أخوي من السجناء السابقين وإخوة السلاح بحيث يحل مكان النظام الأبوي الحالي للسلطة الفلسطينية، إلى حين يأتي أب وطني من سلالة جديدة، يشبه حسب قولهم شيخ المطلوبين، فتحي خازم".
وبين مرزان أن خازم "من خريجي الأجهزة الأمنية الفلسطينية، قرر الانتقال من الطرف الذي يمنع الانتفاضة إلى الطرف الذي يحركها، ففي الشبكات الاجتماعية الفلسطينية يحظى بألقاب مثل الأب، ونبع البطولة المتدفق، وزعيم على المستوى الوطني، ورئيس أركان جنين، وبطل من فترة الصحابة”.