على عكس المعلن.. الجنود الروس في أوكرانيا يعانون إهمالا لوجستيا وماليا
مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا ودخوله شهره التاسع، بات الاستنزاف المادي يظهر على أحوال الجنود الروس، وسط تملص موسكو من الوفاء بوعودها تجاه مزاياهم وتعويضات القتلى منهم لذويهم.
لكن تأخر المدفوعات المالية للعسكريين النظاميين في روسيا الذين يشاركون في معارك أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، لم يوقف موسكو عن عمليات تجنيد مزيد من المرتزقة المحليين ومن خارج البلاد.
مشكلات في الأجور
وقالت القوات المسلحة الأوكرانية، في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إن القوات الروسية وعائلاتهم، الذين يعانون بالفعل من مشكلات مادية ومعنوية متدنية وفرارا من الخدمة العسكرية، يواجهون مشكلات في الأجور.
وأوضحت القوات الأوكرانية أن هناك "مشاكل كبيرة في الاتحاد الروسي فيما يتعلق بالمدفوعات المالية للأفراد العسكريين الذين يشاركون في القتال بأوكرانيا".
وبينت أن "مدفوعات المخصصات النقدية للمشاركة في الأعمال العدائية تتأخر بالنسبة لهذه الفئة". كما أن أقارب القتلى الروس لا يمكنهم الحصول على التعويضات الموعودة من السلطات الروسية.
وضمن هذه الجزئية، أكد تقرير لمعهد دراسة الحرب (مقره واشنطن)، أن جنود الاحتياط والمتطوعين الروس يشتكون من أنهم لم يتلقوا رواتبهم أو لم يجر إطعامهم بشكل كاف أو منحهم المزايا التي وعدوا بها.
وبحسب التقرير الذي نشر في 15 أغسطس/آب 2022، ، فإن السلطات الروسية عينت مجندين ليس لديهم خبرة في مناصب كضباط قياديين في المعركة.
كما فشلت موسكو، في توفير ما يكفي من الطعام أو الذخيرة أو السجائر للجنود، فضلا عن الفشل في توفير ترتيبات جنازة المتطوعين الذين قتلوا أثناء القتال.
وبالنسبة للجنود الذين خدموا في أوكرانيا وعادوا إلى ديارهم، اشتكى البعض من "التخلي عنهم في أماكن نائية"، دون وسيلة نقل إلى الوطن بمجرد انتهاء عقودهم.
وجاء في تقرير المعهد أن العديد من المتطوعين الذين عادوا بالفعل من أوكرانيا ذكروا أنهم "شعروا بالخداع وعوملوا معاملة أسوأ من الجنود المتعاقدين العاديين".
وفي بداية الحرب، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن الجنود الذين أصيبوا في الجبهة يستحقون تعويضات، مبينا بالقول: "سيتمكن هؤلاء من المطالبة بثلاثة ملايين روبل"، أي ما يعادل حوالي 50 ألف دولار.
كفاح الجنود
لكن مع اشتداد الحرب ومحاصرة روسيا بالعقوبات الغربية، بدا أن موسكو أشاحت بوجهها عن الالتزام بالتعويضات لجنودها.
فقد كافح بعض الجنود المصابين للحصول على تعويضات، بحسب وكالة رويترز البريطانية، والسبب في ذلك هو تصعيب القواعد فيما يتعلق بمستحقي التعويض.
كما يواجه بعض الجنود عقبات بيروقراطية حكومية، أو تأخيرات في الموافقة على طلبات التعويض.
ونقلت رويترز عن منظمة الدفاع عن القضايا العسكرية، ومقرها موسكو، والتي تقدم المشورة القانونية لموظفي الخدمة في النزاعات، قولها إنها تلقت مئات طلبات المساعدة من الجنود الجرحى الذين يطالبون بدفع التعويضات لهم.
ولا تقتصر معاناة الجنود الروس على التعويضات، بل تعدى ذلك، وفق ما أكده مسؤولو دفاع بريطانيون في 15 أكتوبر، أن العديد من المجندين الروس اضطروا لشراء الدروع الواقية الحديثة الخاصة بجسدهم من جيوبهم.
إذ كانت تباع تلك الدروع في مواقع التسوق الروسية عبر الإنترنت مقابل 40 ألف روبل (حوالي 640 دولارا)، بعدما كانت 12000 روبل (190 دولارا) في أبريل/نيسان 2022.
وبحسب مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، يجرى تسليم بعض المجندين الروس أسلحة قديمة، أو نقص في المعدات، بما في ذلك المساعدات الطبية، كما يقول آخرون إنهم يتلقون القليل من التدريب والتعليم.
وتأتي هذه الفضائح للجيش الروسي في وقت تتكتم فيه موسكو عن الأرقام الحقيقية لأعداد القتلى والمصابين من جنودها الذين خسرتهم على جبهات أوكرانيا.
فموسكو لم تحدث العدد الرسمي لقتلى جنودها منذ 25 مارس/آذار 2022، عندما قالت إن 1351 جنديا روسيا قتلوا وأصيب 3825.
بينما تؤكد كييف أن عدد قتلى الجنود الروس بلغ أكثر من 60 ألفا حتى 23 أكتوبر من العام المذكور.
رواتب مغرية
ومنذ بدء الغزو عرض على الروس أكثر بكثير من متوسط الراتب الحكومي للانضمام إلى القوات الروسية في يوليو/تموز.
وورد أنه في موسكو وعد أولئك الذين انضموا إلى "فوج سوبيانين" والتي تجند المرتزقة للحرب ضد أوكرانيا حتى سن الستين عاما، براتب شهري قدره 200 ألف روبل (حوالي 3200 دولار)، أي أكثر من ثلاثة أضعاف متوسط الراتب الحكومي.
ويخضع المنضمون أولا لتدريب في منطقة "نيجني نوفغورود" الروسية لمدة شهر قبل نشرهم في أوكرانيا.
ورغم ذلك، فإن موسكو ماضية بجذب المزيد من المقاتلين لزجهم في الحرب.
ولأجل ذلك أصدر الرئيس فلاديمير بوتين في 21 سبتمبر 2022 قرارا بالتعبئة الجزئية لقوات الاحتياط، وطالب بتجنيد ما لا يقل عن 300 ألف مقاتل روسي، وربما يصل العدد إلى مليون بناء على بعض التقارير الإعلامية.
وأثار ذاك القرار موجة استياء كبيرة لدى الروس، وصلت حد فرار مئات الآلاف من المواطنين إلى البلدان المجاورة، مما دفع موسكو لإصدار الأحكام العرفية بحق الفارين.
وأمام ذلك، باتت شوارع المدن الروسية، وعلى رأسها العاصمة موسكو، تعج بلوحات عملاقة تدعو للتجنيد في القوات الروسية.
فعلى سبيل المثال، يظهر مبنى وزارة الخارجية الروسية خلف لوحة إعلانية على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر مقاتلا روسيا وعلى يمينه حرف (Z) كبير.
وهو شعار اتخذته موسكو منذ بدء الحرب وبات يكتب على الأسلحة والمعدات.
توسيع المزايا
لكن المشرعين الروس سارعوا منذ منتصف سبتمبر 2022 إلى تمرير تعديلات لتوسيع المزايا لأولئك الذين يخدمون للقتال في أوكرانيا، وكذلك أفراد أسرهم المباشرين.
بما في ذلك تجميد سداد الديون المترتبة عليهم، والإعفاء التام من الديون، ضمن مشروع قانون تخفيف عبئها، الذي جرى تمريره في 28 سبتمبر.
ويجمد مشروع قانون تخفيف عبء الديون، سداد القروض، بما في ذلك الرهون العقارية والقروض الاستهلاكية، للمجندين وجميع الذين يخدمون في الحرب بالإضافة إلى أفراد أسرهم المباشرين، ويسري تجميد السداد خلال فترة خدمتهم وينتهي بعد 30 يوما من التسريح.
وقد وعد المسؤولون العسكريون الروس بالفعل بدفع رواتب شهرية للمجندين تتراوح بين 135 و200 ألف روبل (2290 إلى 3400 دولار أميركي) اعتمادا على رتبتهم العسكرية، وهو مبلغ يعادل ضعفين إلى ثلاثة أضعاف المتوسط الراتب الحكومي، وفقا لبنك "ألفا" ومقره موسكو.
كما يعفي مشروع القانون المذكور ديون الجنود الذين قتلوا أو أصيبوا بجروح بالغة خلال الحرب الأوكرانية، وكذلك التزامات أفراد عائلاتهم المقربين.
ويؤكد مراقبون أن الكرملين مضطر لتحسين الحوافز المالية للجنود النظاميين والاحتياط؛ لوقف الاحتجاجات ضد الحرب، والتهرب من التجنيد الذي يهدد بتقويض إستراتيجية الغزو في أوكرانيا.
وكان بعض النواب الروس دعوا إلى شطب ديون جميع المقاتلين، وهي خطوة قال ألكسي مويسييف نائب وزير المالية إنها تجاوزت الحدود.
وبين مويسييف أنه ليست هناك حاجة للتنازل عن ديون أولئك الذين يعودون دون إصابة لأنهم يتقاضون رواتب "عالية إلى حد ما" مقابل الخدمة وأن وضعهم المالي "لن يتفاقم بل يتحسن".
وكان البرلمان الروسي، أقر في 27 سبتمبر 2022 عدة تعديلات على قانون العمل، بما في ذلك ضمان حق المجندين في العودة إلى وظائفهم في غضون ثلاثة أشهر من تسريحهم وحماية أزواجهم من التسريح المبكر أو العمل الإضافي دون موافقتهم.
كما تعفي التعديلات الرجال الذين انخرطوا في "التعبئة الجزئية"، وأفراد عائلاتهم من غرامات التأخر في دفع الفواتير الشهرية للخدمات المجتمعية وصيانة المباني السكنية، كما يفكر مجلس الدوما (النواب) في الذهاب إلى أبعد من ذلك وإلغاء مدفوعات الصيانة.
ووفقا لتقرير لمجلة نيوزويك" الأميركية، نشر في 13 أغسطس 2022، فإن السجناء الروس في سانت بطرسبرغ يعرض عليهم الحرية والمال للقتال في أوكرانيا من قبل مجموعة "فاغنر" الروسية التي تجند المرتزقة.
وتدفع المجموعة ذات السمعة السيئة لهؤلاء 200 ألف روبل وتمنحهم العفو، مقابل ستة أشهر من الخدمة "التطوعية" في منطقة دونباس، إذا عاد السجناء أحياء.
وبذلك تكون روسيا قد ضمنت أعدادا كبيرة من المقاتلين المرتزقة، ما يعفيها من التعويضات والالتزامات تجاه عوائلهم أسوة بما أقرته القوانين لحقوق الجنود النظاميين.