النظام يتقدم.. ما أسباب الغضب ضد مليشيا سوريا الديمقراطية بالحسكة؟

12

طباعة

مشاركة

في ظل حاجته إليها ويأسه من استعادتها إلى نفوذه كذلك، بدأ نظام بشار الأسد يزحف ببطء نحو مناطق المليشيا الكردية قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شمال شرقي البلاد، المدعومة من الولايات المتحدة.

ويتسلل النظام السوري نحو محافظة الحسكة الغنية بالنفط والغاز والحدودية مع العراق وتركيا، من بوابات خلفية تتيح له مزيدا من التغلغل بعيدا عن الحضور العسكري المحدود هناك.

تشبيك بالخدمات

ويسعى النظام السوري لدفع السكان المحليين إلى التشبيك أكثر بمؤسساته الرسمية والتعليمية والخدمية والتجارية بما يدفع "قسد" للتنازل أكثر في المفاوضات القائمة بينهما برعاية روسية لإعادة تفعيل دوره من جديد في الحسكة.

وفي 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، كشفت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، أن مليشيا قسد "تكافح للحفاظ على نفوذها، ولحسن حظ دمشق فإن نسبة المطالبين بعودة النظام السوري إلى المنطقة في تصاعد مستمر".

وقمع عناصر "قسد" احتجاجات خرجت في مدينة القامشلي شمالي الحسكة، في 28 سبتمبر/ أيلول بعنف، اعتراضا على إغلاق "الإدارة الذاتية" الذراع السياسي لقسد، المعاهد والمدارس الخاصة التي تدرس المنهاج العربي التابع لنظام الأسد.

ويرفض السكان العرب في مناطق "قسد" مناهج "الإدارة الذاتية"، ويعدون أنه "مؤدلج"، كونها تكرس مفاهيم حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، وزعيمهم المسجون في تركيا عبد الله أوجلان.

كما لا تراعي تلك المناهج ثقافة العرب، علاوة عن أن مادتها العلمية "رديئة" وغير معترف بها دوليا، ولا يعترف بها في جامعات النظام السوري.

وتدل هذه الأحداث على تراجع نفوذ المليشيا الكردية في شمال شرقي سوريا. وحصلت "إنتليجنس أونلاين" على معلومات تكشف عن تزايد التأييد لنظام الأسد هناك، فيما يتفاوض الأخير بهدوء على العودة إلى المنطقة.

وتسيطر قوات "ي ب ج" الكردية العمود الفقري لـ"قسد" على 83 بالمئة من مساحة الحسكة ذات الغالبية العربية، فيما يتركز النظام السوري في 4 بالمئة داخل منطقة تسمى المربع الأمني.

بينما تسيطر قوات المعارضة على 8 بالمئة من الحسكة، ويتبقى 5 بالمئة كمنطقة مشتركة بين النظام وقسد.

وضمن منطقة داخل مدينة القامشلي يقتصر نفوذ النظام السوري على مربع أمني يضم فروعا أمنية، ومديرية للمالية والمجمع التربوي والمؤسسة السورية للحبوب، ومؤسسة الكهرباء واتحاد الفلاحين، ومكتبا لـ "حزب البعث" الحاكم وعدد من الدوائر الحكومية الأخرى.

كما أن للنظام السوري قوة عسكرية في مطار القامشلي المدني، والذي توجد فيه قوات روسية، وأخرى للحرس الثوري الإيراني.

ضعف قسد

ورغم ضعف التمثيل العسكري للنظام السوري في القامشلي والحسكة، وتحجيم قسد لعناصر "الدفاع الوطني" الموالية للنظام، إلا أن السكان في الحسكة سئموا من ضعف خدمات قسد.

ويريد معظم سكان المنطقة أن يلتحق أطفالهم بالمدارس التي تديرها دمشق؛ كونها الوحيدة التي تؤهل الطلاب للوصول إلى التعليم الثانوي والعالي. وكذلك الاستمرار في استخدام المستشفيات الحكومية التابعة للنظام أيضا.

 وبالتزامن مع ذلك، أعلنت الإدارة الذاتية في 29 سبتمبر 2022 عن عدم قدرتها على صيانة محطات المياه في القسم الأيسر من نهر الفرات الذي تسيطر عليه قسد في محافظة دير الزور.

وأثار ذلك غضب سكان المنطقة ذات المكون العربي بنسبة مئة بالمئة، بشكل أكبر ودفهم للخروج في احتجاجات تنديدا بنقص الخدمات وسوء الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعانيها سكان المنطقة في ظل الإهمال المتعمد من قبل قسد.

وأمام ذلك، يشعر النظام السوري أن التوتر بين العرب وقسد يعزز من تأييدهم لعودته إلى مناطق شمال شرقي البلاد.

لكن تلك العودة، لا تحظى بتأييد في قرى وبلدات دير الزور التي تخشى من عمليات الانتقام من شبابها الذين ثاروا على النظام منذ بداية الثورة في مارس/ آذار 2011.

وتشير المعطيات إلى أن النظام السوري الذي يسيطر بشكل محدود على القامشلي والحسكة، يعول على دعم السكان هناك للسيطرة على كامل المنطقة من جديد.

معطيات خارجية

ويتقاطع مع ذلك مفاوضات النظام السوري بشكل غير مباشر مع تركيا التي تهدد بشن عملية عسكرية ضد المليشيات الكردية في شمال شرق سوريا.

ومع ذلك، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 29 سبتمبر 2022 أنه طلب من جهاز مخابراته الذي يديره هاكان فيدان، وفق "إنتيليجنس أونلاين"، التفاوض مع رأس النظام السوري بشار الأسد، حيث إن الأخير يصمم على وضع شمال شرق سوريا في معادلة أي مصالحة بين أنقرة ودمشق.

ويحدث كل هذا في ظل الحضور الغامض لموسكو في المنطقة التي أرسلت في 22 سبتمبر 2022 المزيد من القوات إلى مطار القامشلي، الذي تشرف عليه وتتخذه كقاعدة جوية متقدمة شمال شرقي سوريا.

ورغم ذلك، فإن المفاوضات بين قوات قسد والنظام السوري قائمة على قدم وساق، وتجري حتى أحيانا في العاصمة دمشق، سعيا لتقريب وجهات النظر ووضع اللمسات النهائية على مستقبل مناطق "قسد".

وبما أن قسد تستولي على 90 بالمئة من ثروتي النفط والغاز في سوريا، وتحرس تلك الآبار قوات أميركية قنن وجودها في هذا البلد لحماية تلك الآبار، تبرز هنا العقبة الكبرى.

إذ لا يمكن لقسد أن تقرر مستقبل المنطقة بمعزل عن الولايات المتحدة التي تعد النظام السوري "غير شرعي" وتفرض عليه عقوبات اقتصادية صارمة.

لكن المشهد هناك يدلل على وجود مساحة تمنحها الولايات المتحدة لقسد لتناور فيها مع النظام السوري، اللذين يتبادلان المصالح الاقتصادية تحت أعين واشنطن، وخاصة في مسألة بيع قسد النفط الخام للنظام.  

وتطفو محافظة الحسكة على 6 حقول نفطية، جميعها تحت سيطرة قسد، ويعد حقل السويدية أغزر حقول البلاد إنتاجا، إذ كان ينتج 110 آلاف برميل يوميا، من أصل إنتاج النفط السوري الخام والبالغ 380 ألف برميل يوميا، قبل اندلاع الثورة، فيما ينتج حاليا 50 ألفا.

وعجز النظام السوري عن الاستفادة من النفط يشكل أحد خيوط التشابكات والمناوشات العسكرية في الحسكة، إذ لا يصل إلى النظام من النفط اليوم شيء، سوى ما يحصل عليه عبر تجار النفط، جراء مقايضات بمواد وسلع أخرى تتركز في مناطق سيطرته.

كما تنشط حركة شحن بضائع قادمة من العراق من مناطق "قسد" إلى مناطق سيطرة النظام السوري عبر معبر بلدة "جديد عكيدات" النهري شرقي دير الزور.

ويجدر الإشارة هنا إلى أن "قسد" قادرة على توقيف رحلات الطيران من مطار القامشلي إلى مطار دمشق، والتي استخدمتها في أكثر من موقف للضغط على النظام، وتجبر موظفيه والأهالي للسفر إلى العاصمة عن طريق البر والتي تستعرق أكثر من 12 ساعة في الحافلة.

استغلال الفشل

وفي هذا السياق، أكد الإعلامي والمحلل السياسي السوري مضر حماد الأسعد أن "مفاتيح مليشيا قسد بيد النظام السوري الذي قام أصلا بتسليم الجزء الشمالي الشرقي من الحسكة لها نهاية عام 2011".

وأضاف الأسعد لـ"الاستقلال": "لكن في السنوات الأخيرة باتت مليشيا قسد تتمادى على النظام وتنادي بتشكيل دولة ووضعت لنفسها منهاجا دراسيا جديدا وأصدرت الكتب المدرسية وأغلقت مدارس النظام".

ومضى يقول: "هذا ما أزعج الأهالي، وخاصة أن محافظة الحسكة ذات الأغلبية العربية ترفض أن تدرس أبناءها مناهج الإدارة الذاتية الكردية".

وزاد الأسعد: "ولذلك أصبح هناك توتر بالحسكة، رغم قيام قسد بشراء الولاءات بالمال من بعض أبناء المنطقة، ما جعل الكفة هناك تميل لصالح النظام السوري، خاصة بعد ارتكابها مجازر بحق العرب".

واستدرك قائلا: "لكن بنفس الوقت النظام السوري قام بإجراءات تعسفية بحق الأهالي في الحسكة من اعتقالات تعسفية، الأمر الذي جعل الأهالي هناك بين فكي كماشة".

ولفت المحلل السوري إلى أن "الخدمات التي تقدمها المؤسسات التابعة لقسد في الحسكة ضعيفة ولا تؤدي الغرض، سواء التعليمية أوالنقل والمواصلات، فضلا عن قلة فرص العمل وعدم تشغيل المشافي بشكل جيد، وكذلك ضعف الطبابة".

وأردف قائلا: "وبالتالي فإن هذا الواقع المقيت جعل الرفض يتنامى تجاه وجود قسد من السكان العرب وحتى الأكراد من أبناء العشائر الذين يشاطرون العرب الرأي في الموقف من سلطة الأمر الواقع".

لا سيما أن "الأهالي اكتشفوا وجود تعاون أمني كبير بين قسد ومخابرات الأسد، إذ جرى توثيق تسليمها معتقلين مطلوبين للنظام، واكتشف لاحقا أنهم في سجون الأسد سيئة السمعة في دمشق"، وفق الأسعد.

وختم الأسعد بالقول إن "فشل قسد في إدارة المنطقة خدميا وتحسين واقع السكان وإنعاش الواقع الاقتصادي رغم وجود النفط ونهبه من قبلها، وتنصيب شخصيات غير مؤهلة جعل من الأهالي يعبرون عن رفضهم لها، وهم حاليا بين فكي كماشة".

لكن رغم ذلك، فإن الرئيس المشارك لـ "حزب الاتحاد الديمقراطي"، وهو الفرع السوري من حزب "بي كا كا"، صالح مسلم، قال لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية في 2 أكتوبر 2022، إن "خلافاتنا مع النظام السوري سياسية أكثر مما هي خدمية أو قانونية".

وسبق أن أقرت قسد في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2021 بفشل كل المحادثات مع نظام الأسد، وأرجعت الأمر إلى "إصرار النظام على سياسته القديمة، واشتراط فرض سيطرته على مناطق شمال شرقي سوريا، بحجة السيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية".

وبالمحصلة، فإن كثيرا من المراقبين يجمعون على أن المفاوضات بين النظام السوري وقسد ستبقى "عقيمة"، لأن النظام لن يقدم تنازلات كونه هو من سلم شمال شرقي سوريا لقسد لمواجهة تمدد الثورة السورية في بداياتها، قبل تدخل الولايات المتحدة عام 2014 هناك.