عبر اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان.. هل يطبع "حزب الله" وإسرائيل علاقاتهما؟

12

طباعة

مشاركة

بوساطة أميركية، اقترب النزاع الحدودي بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي على الانتهاء بتسوية لم يعارضها حزب الله اللبناني، وجرى بموجبها التوصل لصيغة اتفاق نهائي لترسيم الحدود البحرية بين الجانبين.

وأكد نائب رئيس البرلمان اللبناني إلياس بوصعب، في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2022 إنجاز ملف المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية مع "إسرائيل".

جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده "بوصعب" في قصر بعبدا بالعاصمة بيروت، بعد تسليمه الرئيس ميشال عون الصيغة التي تسلمها من الوسيط الأميركي آموس هوكستين بملف ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين.

ويدور النزاع بين لبنان وإسرائيل على منطقة بحرية غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا.

إنجاز الاتفاق

وقال بوصعب خلال المؤتمر الصحفي، إن "لبنان حصل على كافة حقوقه من اتفاق الترسيم، ومهما كانت الصيغة، الاتفاق سيؤمن استقرارا اقتصاديا في المنطقة".

وتابع أن "الصيغة النهائية لبت المطالب اللبنانية كلها على عكس ما يشاع، وملاحظاتنا أخذت بعين الاعتبار، وتوصلنا إلى حل يرضي الطرفين، واليوم سيشهد تطورات كثيرة".

وشدد على أن "العرض الأميركي لترسيم الحدود البحرية ليس اتفاقا أو معاهدة مع إسرائيل، فنحن لا نعترف بها".

ويأتي هذا التطور بعدما كان لبنان و"إسرائيل" قد أبديا ملاحظات على مسودة اتفاق سابقة أرسلها هوكستين إلى الجانبين مطلع أكتوبر.

وبالتزامن مع مؤتمر بوصعب، أفادت مصادر إعلامية عبرية بأن الاتفاق يلبي المطالب والمصالح الإسرائيلية ويعد "إنجازا تاريخيا" يعزز أمن إسرائيل ويضخ المليارات في الاقتصاد، مع إشارات إلى أن توقيع الاتفاق النهائي بات وشيكا.

ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم: "نحن في طريقنا إلى اتفاق تاريخي مع لبنان". وقال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولتا، إن الطريق إلى اتفاق مع لبنان يسير بخطى واسعة.

وأضاف أن "كل مطالبنا تمت تلبيتها، والتغييرات التي طلبناها تم تعديلها، وحافظنا على المصالح الأمنية لـ(إسرائيل)، ونحن في طريقنا إلى اتفاق تاريخي".

هذه التطورات أثارت موجة غضب واسعة بين الناشطين على تويتر، إذ عدوا الاتفاق بمثابة تطبيع خجول غير مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي واعتراف بدولة إسرائيلية لها أرض وحدود بحرية ومعنية بتوقيع اتفاق ترسيم لها وليست كيانا مغتصبا للأرض الفلسطينية، وبيع علني لمقدرات لبنان.

واستنكروا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسم #ترسيم_الحدود_البحرية، تطبيل حزب الله للاتفاقية وخروج رجاله والموالين له على مختلف المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي للترويج للاتفاق على أنه انتصار للحزب وللمقاومة.

وذكر ناشطون بتصريحات سابقة للأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، هدد فيها الاحتلال إبان اعتراضه على توقيع الاتفاق وإصراره على التنقيب على الغاز في حقول لبنانية بأنه "لا يوجد هدف إسرائيلي في البحر أو في البر لا تطاله صواريخ المقاومة الدقيقة".

وسخروا من تعميم الموالين للسلطة اللبنانية والمحسوبين على حزب الله، حالة تفاؤل كبيرة والزعم بوجود إيجابية للاتفاق وادعاء حل كل النقاط العالقة بين الطرفين، في حين يعلن الاحتلال ومسؤولوه أنهم لم يتراجعوا قيد أنملة عن شروطهم بالاتفاق.

وانتقدوا عدم عرض مسودة اتفاق ترسيم الحدود البحرية على البرلمان والكشف عن بنوده بكامل تفاصيلها للشعب، وإيضاح مصير الاعتراضات اللبنانية التي رفضتها إسرائيل، مطالبين الجهات المعنية بالتمسك بالاطلاع على الاتفاقية قبل توقيعها النهائي.

وأعربوا عن عدم ثقتهم في المنظومة الحاكمة بلبنان لأنها سبق ونهبت أموال الشعب، مؤكدين أنها لن تستخرج وتبيع الغاز بدون فساد بالعقود ولن تعود الأرباح للشعب ولتنمية الاقتصاد اللبناني. 

وكانت "تل أبيب" قد رفضت مطلع أكتوبر تعديلات اللحظة الأخيرة على الصفقة التي أجراها لبنان وبدت لفترة وجيزة أنها تعرض للخطر جهودا طويلة الأمد للتوصل إلى اتفاق.

ووفق إعلام عبري؛ لم توافق بيروت على الاعتراف بخط العوامات، الذي وضعته "تل أبيب" بشكل أحادي على بعد خمسة كيلومترات من ساحل بلدة راس الناقورة الشمالية في عام 2000 كحدود دولية.

وعلى الرغم من كونهما في حالة حرب من الناحية الفنية؛ فقد انخرطت "إسرائيل" ولبنان في مفاوضات مكثفة بوساطة الولايات المتحدة لعدة أشهر حول حدودهما البحرية المشتركة، والتي تؤكد بيروت أنها تمر عبر حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط.

وسينهي الاتفاق نزاعا مستمرا منذ فترة طويلة بشأن مساحة 860 كيلومترا مربعا من البحر الأبيض المتوسط، تغطي حقلي الغاز "كاريش" و"قانا".

وبعد سنوات من الجمود؛ دخل الجانبان في محادثات توسطت فيها واشنطن عام 2020 بهدف حل النزاع.

وعلى الرغم من الاتفاق الواضح بين حكومتي الطرفين؛ لا يزال مصير الاتفاقية غير واضح، لأنه من المرجح أن عملية المصادقة عليها في "إسرائيل" لن تنتهي إلا بعد الانتخابات التشريعية التي ستجرى في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

خيانة وتطبيع

وإعرابا عن الغضب من توقيع الاتفاقية، رأى الباحث اللبناني والأكاديمي بكلية الدعوة الجامعية للدراسات الإسلامية حسين عطوي، أن ما حدث يأتي ضمن مسلسل التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي بحماية السلاح، متسائلا عن المقابل الذي جرى بمقتضاه توقيع الاتفاق.

ووصف الإعلامي والناشط السياسي سلطان العجلوني الاتفاقية بالخيانة العظمى، مؤكدا أن موافقة حزب الله عليها لا تنزع عنها صفة الخيانة، بل تغرقه بها وتضيفها إلى سجل إجرامه بحق الأمة.

وقال الكاتب والناشط السياسي العراقي حسن الكعبي، إن الاتفاق يعني تطبيعا غير معلن، مستنكرا اتهام حسن نصر الله العراقيين بالتطبيع والتحريض عليهم.

وتساءل الصحفي العراقي عمر الجنابي: "هل ترسيم الحدود تطبيع؟"، واستطرد ساخرا: يعني هل لا سامح الله "سيد المقاومة" معترف بدولة إسرائيل ويرسم الحدود معها؟

ورأى عبدالله الفهد أن حزب إيران اللبناني وعبر العميل (الرئيس الميشال) عون يقدم هدية للكيان، من خلال ترسيم الحدود وفي ذلك اعتراف بإسرائيل كدولة، وحقل كاريش والاستفادة من حقل قانا، قائلا: "أزعجوا الدول العربية بالتطبيع خيانة، واعترفوا ومنحوا إسرائيل حقلا ينعش اقتصادها، وفق قوله.

وأكد أيمن شعبان أن ترسيم الحدود البحرية بداية التطبيع مع الكيان الصهيوني، قائلا: "يحق للممانعجي ما لا يحق لغيره".

تجاهل الشعب

وتساءل الصحفي والمحلل السياسي اللبناني علي الأمين: "إذا كان الاتفاق مشرفا للبنان فما الذي يمنع أن يتم نشره وعرضه على اللبنانيين وإقراره في البرلمان؟".

وناشد أستاذ الحقوق اللبناني نصر الدين الحاج، النواب اللبنانيين وكلا من الرؤساء الثلاثة، أن يطالبوا الرئيس عون أن يرفق نص اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل برسالة يوجهها إليهم لإطلاعهم على هذا الاتفاق ومناقشته قبل الموافقة عليه باسم لبنان.

وقال الناشط الحقوقي سلام الزعتري: "بس لو سمحتو لما تخلصوا لو فينا نعرف بنود الاتفاق والكلمات التي اتخانقتو عليها لأن المفروض الشعب يعرف قبل الإمضاء بس، مش متوقعين تعملو من قيمتنا، بس لأن عيب نعرفها من العدو قبل، مش أكتر و لا أقل".

وأشارت الإعلامية زينة يازجي إلى أن الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي يجب أن يوافق على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، متسائلة: هل سيعرض هذا الاتفاق على البرلمان والشعب اللبناني؟".

وتعجبت الصحفية نادين مجذوب من تلقي الشعب اللبناني أخبار ترسيم الحدود البحرية من أفواه القادة الإسرائيليين الذين يؤكدون أن لبنان تراجع في مطالبه مقابل اعتبار القادة/الساسة اللبنانيين أنه اتفاق "تاريخي"!.

تشكيك بالسلطة

وإلى جانب استنكار تجاهل رأي الشعب اللبناني في الاتفاقية وعدم عرضها عليه، أعرب ناشطون عن عدم ثقتهم في السلطة الحاكمة وتحدثوا عن فسادها وذكروا بنهبها لمقدرات اللبنانيين.

تساءل أحمد الخطيب: "كيف لهذا الاتفاق أن يكون سريا دون مصارحة الشعب؟ ومن قال إننا نثق بالجهة المفاوضة اللبنانية؟ أليست نفسها السلطة التي طيرت ودائع الناس؟ كيف نثق بهم ونأتمنهم على ثروات لبنان؟".

واستنكرت الصحفية سوسن مهنا الاتفاق قائلة: "ورضي لبنان بصيغة ترسيم الحدود البحرية، والآن تبدأ التسويات والنهب المنظم.. عشتم وعاش لبنان".

وأشارت الصحفية والكاتبة كرستين حبيب إلى أن السلطة بعدما سرقت الناس واليابسة والبحر، ها هم يسرقون ما تحت البحر.

وسخرت المذيعة ميسون نويهض من تبشير بعض المسؤولين بأن لبنان أصبح بلدا نفطيا وأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية سيساهم بالتخفيف من أزمة البلد الاقتصادية، قائلة: "لا أمل بذلك لأن هذه الزمرة الفاسدة ستقع بعد أن تقاسمت الجبنة وستستمر بالنهب ووضع الأرباح في جيوبها، لا ثقة بهم".

"خيانات المقاومة"

واستنكر ناشطون محاولة أتباع حزب الله والموالين لحسن نصر الله فرض سردية مخالفة للواقع تفيد بأن الاتفاق عبارة عن عملية انتزاع لحقوق لبنان عبر التهديد باستخدام القوة، والزعم بأن هذه اعترافات الإسرائيليين أنفسهم، راصدين تصريحات رسمية للمسؤولين بالاحتلال تتحدث عن الاتفاق كإنجاز، وأخرى تفيد بتماهي الحزب مع الكيان.

ونقل الصحفي صفاء صبحي عن رئيس وزراء الاحتلال يائير لابيد قوله إن الاتفاق تاريخي ويتوافق تماما مع المبادئ الإسرائيلية في المجالين الأمني والاقتصادي، ويعزز أمن إسرائيل، ويجلب المليارات إلى الاقتصاد الإسرائيلي ويضمن الاستقرار على الحدود الشمالية، وتساءل ساخرا: "شخبار محور المقاومة والممانعة؟".

ووجه الكاتب والصحفي الأردني ياسر أبو هلالة تساؤلا لزعيم حزب الله، قائلا: "بالله يا سيد حسن نصر الله بما إنك حاكم لبنان، بماذا يختلف اتفاقكم على تقاسم الغاز مع العدو الغاصب عن اتفاقات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو؟".

واستنكر الصحفي السعودي والباحث في شؤون الشرق الأوسط عبد العزيز خميس دعم حزب الله للاتفاق الذي بات في حكم المنتهي، قائلا: "حينما لمع بريق الذهب الأسود غابت كل جمل ومرادفات ونعوت المقاومة والممانعة وأصبحت إسرائيل واقعا".

وأضاف: "حرام على غيرهم مبدأ المصالح الوطنية وحلال عليهم.. إيران سعيدة بالاتفاق حتى ترتاح من فاتورة تمويلهم."

ونقل الكاتب والباحث العراقي شاهو القرة داغي عن وكالة رويترز قولها إن حزب الله اللبناني أعطى الضوء الأخضر للاتفاق على مسودة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، مشيرا إلى أن نصر الله يحرض الآخرين على رفض التطبيع وهو يفعل أي شيء لتحقيق مصالحه.