هكذا تتقدم إسبانيا لإزاحة فرنسا عن عرش "الشريك الاقتصادي الأول" للمغرب 

أحمد الزاهي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل الأزمات المركبة سواء "الصامتة" بين المغرب وفرنسا أو "العلنية" بين الجزائر وإسبانيا، سافر رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز إلى المغرب، في أول زيارة بعد طي صفحة الخلافات السابقة وإعلان مدريد دعمها لمقترح المملكة بخصوص نزاع إقليم الصحراء.

وفي 18 مارس/ آذار 2022، وصفت الحكومة الإسبانية، في رسالة بعث بها سانشيز، إلى العاهل المغربي محمد السادس، مبادرة الرباط لـ"الحكم الذاتي" في إقليم الصحراء، بـ"الأكثر جدية" للتسوية في الإقليم المتنازع عليه، ما أثار غضب الجزائر.

وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" الانفصالية إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

8 سنوات من التعثر

وتأتي زيارة رئيس الحكومة الإسبانية للرباط لعقد الدورة الـ12 للاجتماع رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا، بعد تعثر انعقاده لـ8 سنوات بسبب الموقف الإسباني السابق من قضية الصحراء.

ومطلع فبراير/شباط 2023، وصل سانشيز إلى العاصمة الرباط، على رأس وفد حكومي يضم 11 وزيرا، حيث شارك في منتدى اقتصادي مغربي – إسباني، أعلن خلاله عن بروتوكول تمويل جديد بقيمة 800 مليون يورو، يهم مشاريع مشتركة في المغرب.

وقبيل وصوله للرباط، أشاد الملك محمد السادس، في اتصال هاتفي مع رئيس الحكومة الإسباني، بـ"التطور الذي تشهده المرحلة الجديدة للشراكة الثنائية، في سياق من التشاور والثقة والاحترام المتبادل".

ونوه العاهل المغربي، حسب بيان للديوان الملكي، بـ"انعقاد الدورة الثانية عشرة للاجتماع رفيع المستوى المغرب-إسبانيا، بعد ثماني سنوات على عقد آخر دورة لهذه الآلية المؤسساتية".

وفي 2 فبراير 2023، انطلقت بالعاصمة الرباط، أشغال الدورة الثانية عشرة للاجتماع رفيع المستوى المغرب – إسبانيا، برئاسة مشتركة بين رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، ونظيره سانشيز.

واختتمت أشغالها بالتوقيع على 19 مذكرة تفاهم، تهم بالأساس عددا من المجالات، أبرزها التعاون الثنائي بين الرباط ومدريد وإدارة الهجرة والبنى التحتية وحماية البيئة والتكوين المهني وتدبير المياه.

وجددت مدريد، في الإعلان المشترك الذي صدر عقب القمة الثنائية، موقفها بخصوص قضية الصحراء، والذي ورد في الإعلان المشترك بتاريخ 7 أبريل 2022، عقب اللقاء بين الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية.

وجاء في الإعلان المشترك لـ7 أبريل/نيسان 2022، أن إسبانيا ترى أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 هي الأساس "الأكثر جدية" وواقعية وصدقية لحل النزاع حول الصحراء.

وفي تعليقه على تسارع وتيرة العلاقات المغربية الإسبانية خاصة بعد انعقاد هذه القمة، أكد الخبير الاقتصادي، نوفل الناصري، أنها "قمة تاريخية للطي الحاسم لصفحة الخلافات المتتالية بين البلدين، وللتجاوز النهائي للأزمات الدبلوماسية-التاريخية بينهما".

وأضاف الناصري، في حديث لـ"الاستقلال"، أن هذه القمة شكلت أيضا "مناسبة لإعلان انسجام المواقف السياسية بين الرباط ومدريد والذي لا ينتهي عند الاعتراف بمغربية الصحراء، بل يشمل توافق وجهات نظرهما حول القضايا الإقليمية بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط".

ولفت الخبير الاقتصادي إلى "أننا إزاء تحالف اقتصادي-إستراتيجي يؤكده إطلاق برنامج شامل ومتكامل لإعادة تفعيل التعاون القطاعي بين البلدين في الشق الاقتصادي والتجاري والمالي واللوجيستكي والطاقي والصناعي والثقافي".

وتابع: "الجميل في هذه القمة هو حرص قيادة البلدين على توقيع مذكرات تفاهم طويلة الأجل، واعتمادهما آليات عملية متوافقا عليها لتجنب الأزمات الدورية، وبرمجة اجتماعات منتظمة وضرورية لرصد التقدم المحرز في هذه الاتفاقيات والحرص على إنجاحها".

إغلاق القوس

من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة "سيدي محمد بن عبد الله" بمدينة فاس، إسماعيل حمودي، أن "الزيارة السابقة لرئيس حكومة إسبانيا في أبريل 2021، كانت زيارة مصالحة وأكدت على العلاقات الإستراتيجية بين الرباط ومدريد، وبالتالي أصبحت الأزمة السابقة قوسا جرى إغلاقه لصالح الطابع الإستراتيجي للعلاقات بين البلدين".

وفي أبريل 2022، زار رئيس الحكومة الإسبانية المغرب بدعوة من الملك محمد السادس، حيث جرى الإعلان عن وضع خارطة طريق دائمة وطموحة لتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين.

وأضاف حمودي، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "هذه الزيارة الأخيرة تسير في المسار نفسه للزيارة السابقة، أي التأكيد مرة أخرى على الطابع الإستراتيجي للعلاقات بين مدريد والرباط".

وأكد أن "الزيارة أعطت دفعة جديدة في تعميق علاقات التعاون من خلال هندسة هذه العلاقات الإستراتيجية"، مبينا أن "مؤشر ذلك هو الاتفاقيات الموقعة بين البلدين والتي تكاد تشمل جميع القطاعات".

وأوضح أن "هذه الاتفاقيات بينّت نوعا من التوافق في الأولويات خصوصا على المستوى الاقتصادي، كما أنها أعطت أيضا بعدا عمليا للطابع الإستراتيجي بين البلدين".

وأشار إلى أن "الاتفاقيات جاءت مصحوبة بقرار إسباني بمضاعفة تمويل الشركات الإسبانية الراغبة بالاستثمار في المغرب من 400 مليون دولار إلى 800 مليون دولار".

وتكتسب القمة المغربية - الإسبانية، حسب مراقبين، أهمية بالغة للبلدين، بالنظر إلى كونها تأتي في ظرفية تشهد أزمات مركبة سواء تلك التي بين المغرب وفرنسا أو بين الجزائر وإسبانيا. 

ولذا تراهن مدريد من خلال هذه القمة على تعزيز علاقاتها مع الرباط لتصبح الشريك الرئيس للمغرب تجاريا وسياسيا عوض فرنسا، وأيضا أن يكون المغرب بوابتها نحو إفريقيا.

وتعد إسبانيا أول شريك تجاري للمغرب على مستوى الصادرات والواردات معا، في حين يعد المغرب ثالث شريك تجاري لإسبانيا من خارج الاتحاد الأوروبي بعد الصين والولايات المتحدة الأميركية، وأول وجهة للصادرات الإسبانية في إفريقيا والعالم العربي.

من جانبه، يراهن المغرب كثيرا على إسبانيا بحكم دعمها القوي، وهو الأكبر أوروبيا، لمقترح الحكم الذاتي لحل النزاع بخصوص إقليم الصحراء وأيضا الدفاع عن مصالح المغرب بأوروبا.

توازنات جديدة

وأمام هذه الرهانات المتبادلة بين مدريد والرباط، يرى الخبير الاقتصادي، الناصري، أن "هناك توجها مستقبليا للتنسيق الأمني والإستراتيجي والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي بين البلدين في إفريقيا فرضته المتغيرات والمحددات الحالية التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا خصوصا في ظل القلاقل التي أحدثتها (التحركات-الاستفزازات) الفرنسية أخيرا".

وشدد الناصري، على أن "التعاون المستقبلي بين المغرب وإسبانيا سيؤثر لا محالة في تفاعلات وتحالفات هذه البيئة الإقليمية، وكذلك في الفاعلين الأساسيين فيها، وسيفرض توازنات جيوإستراتيجية جديدة وقوية في حوض البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا".

أما أستاذ العلوم السياسية، حمودي، فيرى أنه "إذا كانت إسبانيا تريد من المغرب مراعاة مصالحها في إفريقيا فعليها أن تدرك ضرورة الدفاع عن مصالح الرباط في أوروبا".

وأكد أن "إسبانيا بوزنها السياسي والاقتصادي في أوروبا يمكن أن تعوض التراجع الفرنسي في الدفاع عن المصالح المغربية في أوروبا، ولكن ليس وحدها بل بالتنسيق مع دول أخرى".

ولفت إلى أن "إسبانيا هي الشريك التجاري الأول للمغرب"، مردفا "هذا مهم ولكنها لم تصبح الشريك الاقتصادي الأول بعد، لأن فرنسا مازالت هي المستثمر الأول في المملكة ومازالت المصالح الفرنسية أعمق من المصالح الإسبانية". 

ولتغيير هذا الوضع، شدد حمودي، على أنه "يلزم انخراط متبادل من البلدين من أجل تعميق المصالح المغربية في إسبانيا وتعزيز المصالح الإسبانية في المغرب". 

وعدّ أن "إسبانيا شريك مهم للمغرب، لكنها لا يمكن أن تعوض فرنسا في الأمد المنظور"، مبينا أن "باريس تظل أيضا شريكا مهما للمغرب رغم الأزمة القائمة بين باريس والرباط".

وأوضح حمودي أن "الأزمة الحالية بين البلدين ليست بالشيء الجديد بل سبق أن كانت هناك أزمات سابقة"، مستدركا: "لكن هناك نوعا من التمييز بين الخلافات السياسية والمصالح الاقتصادية القائمة بين البلدين". 

وخلص إلى أن "الشراكة مع مدريد لم تأت لتعويض الشراكة مع باريس بل إسبانيا هي شريك مهم للمغرب وينبغي تعميق مسار هذه الشراكة الإستراتيجية".

وشدد حمودي، على أن "المغرب في انفتاحه وتنويع شركائه لا يستخدم شريكا ضد الآخر، بل هو في حاجة لجميع الشركاء وله من الخبرة والقدرة ما يمكنه أن يدبر التناقضات التي قد تنشأ عن تضارب المصالح بين الشركاء كافة".