إرسال إيران "هبة وقود" إلى لبنان.. انتشال من الأزمة أم ابتزاز سياسي؟
يعلق لبنان الذي يعاني من أزمة طاقة حادة، آمالا كبيرة على ما بات يعرف بـ"هبة الوقود الإيرانية" المرتقبة، علها تنتشله من عتمة أصبحت عنوانا لهذا البلد.
وطرح فكرة تلك الهبة فصيل "حزب الله" المدعوم من إيران بالمال والسلاح، ويهيمن بقوة على هذا البلد الغارق في أزمة اقتصادية شديدة منذ عام 2019، صنّفها البنك الدولي واحدة من بين أشد 3 أزمات عرفها العالم.
حيث أدت الأزمة إلى انهيار مالي غير مسبوق وشحّ في الوقود والطاقة وسلع أساسية أخرى، فضلا عن ارتفاع قياسي بمعدلات الفقر.
هبة الوقود
وأمام ذلك، استجابت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي للفكرة، وجهزت وفدا خاصا برئاسة وزير الطاقة وليد فياض، والذي ينتظر التفويض الحكومي لزيارة إيران لبحث ملف الهبة.
واستقبل فياض، في 10 سبتمبر/ أيلول 2022، وفدا إيرانيا برئاسة السفير لدى بيروت مجتبى أماني، بحضور الوفد اللبناني المكلف بزيارة طهران.
وجرى خلال اللقاء بحث "الهبة الإيرانية المتعلقة بتزويد لبنان بالمشتقات النفطية لزوم تشغيل معامل إنتاج الكهرباء في هذا البلد".
وكشف وزير الطاقة اللبناني، أن الهبة أتت نتيجة مبادرة أمين عام حزب الله حسن نصر الله، وبعد اقتراح من وزير الخارجية السابق جبران باسيل.
ومضى فياض يقول: "عندها تلقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، هذه المبادرة، فالتقى رئيس البرلمان نبيه بري، وتواصلا معا هاتفيا مع نائب الرئيس الإيراني، ما أعطى لهذه المبادرة ترحيبا جامعا على المستوى السياسي والوطني".
وأكمل فياض أن هذه المبادرة تكتسب أهمية إستراتيجية؛ لأنها ستوفر نقطة انطلاق لتنفيذ خطة الكهرباء التي وضعتها الوزارة وحصلت على موافقة مجلس الوزراء وتلتها خطة الطوارئ.
وزاد بالقول: "وهي تنطوي على زيادة ساعات التغذية تمهيدا لرفع التعرفة وتأمين التوازن المالي لمؤسسة كهرباء لبنان لكي تغطي احتياجاتها مستقبلا بنفسها.
وفي الوقت نفسه "تؤمن كهرباء للمواطنين بكلفة أقل من المولدات الخاصة ما يضع قطاع الطاقة على سكة التعافي والنهوض وبشكل مستدام"، وفق فياض.
من جهته، أكد السفير الإيراني أن "دولته مستعدة لمساعدة لبنان، ليس فقط على صعيد تأمين المحروقات، لكن أيضا في كل ما يتعلق بقطاع الطاقة عموما".
وخاصة "بناء محطات الإنتاج على المدى المتوسط وفق عقود الـ (بي أو تي)، وصيانة الشبكات".
ولفت أماني، إلى "وجود إرادة سياسية لدى الحكومة اللبنانية، وأنه على تواصل مستمر مع المسؤولين بهدف الوصول الى الخواتيم المرجوة".
عجز الكهرباء
ولم ينعم لبنان بطاقة كهربائية على مدار الساعة منذ تسعينيات القرن العشرين.
وأصبح تقنين الكهرباء يمتد في العاصمة اللبنانية بيروت إلى 12 ساعة يوميا، فيما يصل إلى 20 ساعة في مناطق لبنانية أخرى.
كما أن إيرادات مؤسسة كهرباء لبنان الآن، لا تغطي سوى 4 بالمئة من تكاليف تشغيلها البالغة 800 مليون دولار، وفق مسودة لإصلاح قطاع الكهرباء طرح على الحكومة في فبراير/ سباط 2022.
وينتج لبنان 1800 ميغاوات فقط من الطاقة، بينما يتجاوز الطلب في الذروة 3000 ميغاوات.
الأمر الذي يدفع السكان لتأمين التغذية الكهربائية اللازمة عبر الاشتراك بمولدات الكهرباء الخاصة التي تعمل بالديزل، أو استخدام ألواح الطاقة الشمسية، ما يضيف عليهم أعباء مادية وسط وضع معيشي خانق.
وحسب البنك الدولي، فإن ما يقارب نصف الدين العام اللبناني (نحو 40 مليار دولار) يعود إلى قطاع الكهرباء منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).
ويعيش المواطن اللبناني مأساة فعلية، فأزمة انقطاع التيار الكهربائي تتفاقم، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة معالجتها.
ومنذ نحو عام، تعاني لبنان انقطاعا في التيار الكهربائي عن المنشآت والمنازل لساعات طويلة، نتيجة شح الوقود المخصص لتشغيل محطات التوليد، جراء عدم توفر النقد الأجنبي المخصص للاستيراد.
وللوصول إلى الطاقة على مدار الساعة بحلول عام 2026، تحتاج الدولة إلى "برنامج استقرار مالي كلي لتوفير المناخ الهادئ للمستثمرين للالتزام باستثمارات ضخمة"، وهو أمر ضروري لمزيج من محطات الطاقة التي تعمل بالغاز وبالطاقة المتجددة.
ويستورد لبنان منذ أشهر الفيول أويل من العراق لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء.
كما يجري لبنان مباحثات مع مصر لاستجرار الغاز عبر ما يُعرف بـ"الخط العربي"، الذي يمر عبر الأردن وسوريا فلبنان.
وإذا ما جرى تشغيل "الخط العربي"، فإنه سيجرى توفير ما بين ثماني إلى عشر ساعات تغذية يوميا.
وتبلغ كلفة استجرار الكهرباء من الأردن قرابة مائتي مليون دولار سنويا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى استيراد الغاز من مصر.
وتبنت الولايات المتحدة في أغسطس/ آب 2021، خطة لإنقاذ لبنان من أزمة النقص الحادة في إمدادات الكهرباء تقضي بإعادة نقل الغاز المصري عبر ما يسمى بـ"إحياء خط الغاز العربي"، الذي توقف عام 2011.
إذ أبدت واشنطن تساهلها بشأن الانفتاح مع النظام السوري في مسألة تزويد لبنان بالغاز.
وعقب ذلك، اتفق وزراء الطاقة في الأردن ولبنان ومصر وسوريا بالعاصمة عمان في 8 سبتمبر 2021، على خارطة طريق لتزويد لبنان بالغاز الطبيعي.
إلا أن المشروع لم يحقق أي تقدم بسبب خوف الأطراف من العقوبات الأميركية لاحقا في حال تبدل إدارة البيت الأبيض.
كما أن هذا المشروع الذي لم يتم تنفيذه منذ عام، اصطدم بمطالبة البنك الدولي الذي يتكفل بتمويله، بتنفيذ إصلاحات في قطاع الكهرباء، وفي مقدمها تعيين الهيئة الناظمة للقطاع، فيما تشترط واشنطن موافقة البنك الدولي على التمويل.
خطة النهوض
ويتماشى ذلك مع إقرار الحكومة اللبنانية في مارس/ آذار 2022 خطة "للنهوض" بقطاع الكهرباء في البلاد، واستحداث معبر حدودي جديد مع سوريا.
وتوجد في لبنان 7 معامل للطاقة أصبحت جميعها خارج الخدمة، باستثناء معملي دير عمار والزهراني اللذين يعملان بشكل متقطع، نتيجة نقص الفيول.
لهذا فإن طرح إيران مساعدتها إلى لبنان في هذا التوقيت، له أبعاد سياسية كما يرى مراقبون.
فطهران تدعم ذراعها العسكري "حزب الله" بالوقود عبر سوريا، لكن النقطة المفصلية في الهبة الإيرانية إذا ما تمت الصفقة، هو أن شحنات الوقود ستكون هي أول الشحنات التي ترسلها إيران مباشرة للحكومة اللبنانية.
وسيكون هذا الوقود بالمجان من طهران، لتخفيف الانقطاعات الشديدة في التيار الكهربائي في لبنان.
لكن ما تبحث عنه بيروت، هو تمرير هذه الصفقة، دون التعرض لخطر العقوبات الأميركية، ودون "شروط سياسية مقابلة"، في ظل تعقد تشكيل الحكومة واختيار رئيس جمهورية جديد، عقب خسارة حزب الله الأغلبية النيابية في انتخابات مايو/ أيار 2022.
وسبق لحزب الله المصنف كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى، أن أعلن بشكل رسمي أنه سيستخدم موانئ النظام السوري لتزويد لبنان بالوقود الإيراني، عبر إفراغ حمولة الناقلات فيها قبل نقله إلى لبنان برا.
وبالفعل وعلى وقع احتفالات شعبية من أنصار حزب الله، دخلت لبنان في 16 سبتمبر 2021، 80 شاحنة ذات لوحات سورية محملة بزيت الوقود الإيراني.
وفور دخول الشحنة الإيرانية أكدت وزارة الخارجية الأميركية أن "استيراد النفط من إيران والنشاطات المشابهة تعرض لبنان للخطر".
ويحاول "حزب الله"، حاليا، إعادة تلميع صورته عبر تدخله في تخفيف أزمة الطاقة الخانقة التي عصفت بلبنان منذ يونيو 2021، عبر الترويج لإمكانية حلفائه وهما إيران والنظام السوري في مساعدة لبنان.
وأمام ذلك، يتهم المواطنون السلطة السياسية والوزراء المتعاقبين في الوزارة بالاشتراك في صفقات خاصة على حساب القطاع العام.
ولا سيما "التيار الوطني الحر" حليف حزب الله، الذي يرأسه وزير الطاقة والخارجية الأسبق جبران باسيل، ونال الحصة الأكبر من الانتقادات، في ظل أن التيار أشرف على قطاع الكهرباء لسنوات طويلة عبر أكثر من وزير تابع له.
تجاذبات سياسية
وتبدو النقطة الأكثر إشكالية في هبة الوقود الإيرانية، هي أن تضمن الولايات المتحدة، أن يحصل لبنان على الوقود تبرعا لا عبر شرائه من طهران حتى تجنب بيروت العقوبات.
وخاصة أن واشنطن تفرض عقوبات شديدة على قطاع الطاقة الإيراني، ما يعني أن أي طرف ينخرط في صفقة مالية معها قد يخضع لعقوبات ثانوية.
إذ يؤكد خبراء اقتصاديون لبنانيون، أن واشنطن تخشى أن يقوم رجال أعمال شيعة لبنانيون، بطريقة التفافية بدفع ثمن شحنات الوقود الإيراني بالدولار لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بإيران، ويأتي إلى لبنان على أنه "هبة" من طهران.
ويحرص اللبنانيون على أن تكون نوعية هبة الوقود الإيراني، مشابهة لنوعية الفيول العراقي المخصص لتوليد الكهرباء، والذي يأتي إلى لبنان حاليا.
إذ إن العراق يزود لبنان بـ 80 ألف طن في الشهر، لكن الكمية انخفضت إلى 40 ألف طن، وبالتالي هي تؤمن ساعتين من التغذية بدل 4 ساعات.
وأمام ذلك، فإن الهبة الإيرانية هي لفترة محددة، الغاية منها مساعدة لبنان ودعمه إلى حين إيجاد الحل المناسب لأزمة الكهرباء، وبالتالي ليست هبة مستدامة.
وتأتي مسارعة لبنان لتأمين الفيول، لتجنب الدخول في مرحلة العتمة الشاملة في حال نفاد الفيول من مؤسسة "كهرباء لبنان".
كما أن وزارة الطاقة اللبنانية، تتواصل أيضا مع الحكومة الجزائرية لتأمين فيول للكهرباء.
وفي هذا الإطار، رأى الكاتب والمحلل السياسي وائل نجم، أن "إيران جادة في العرض المقدم من طرفها، لكنه لا يحل أزمة الكهرباء في لبنان لأمور كثيرة".
وأضاف نجم لـ"الاستقلال": "هذا العرض الإيراني يأتي في سياق التنافس والصراع واستغلال الساحة اللبنانية في لعبة التجاذبات مع الأطراف الأخرى وخاصة الطرف الأميركي".
ولفت إلى أنه "منذ عام حينما أعلن حسن نصر الله أنه سيستقدم ناقلات نفط ووقود من إيران عبر سوريا إلى لبنان، فإنه في اليوم ذاته تحركت السفيرة الأميركية في بيروت على خط العمل من أجل استجرار الغاز والكهرباء من الأردن ومصر عبر الأراضي السورية إلى لبنان على الرغم من أنه لم يتم هذه المشروع".
وأردف المحلل السياسي اللبناني: "إضافة إلى أن المازوت الإيراني الذي ورد إلى لبنان آنذاك اقتصر على كمية واحدة عبر الأراضي السورية ثم توقف بعد ذلك".
وذهب نجم للقول: "ما يجرى داخل في سياق التجاذبات بين الأطراف المؤثرة في المشهد اللبناني أكثر من حلحلة أزمة الطاقة في لبنان، على الرغم من قدرة طهران على تقديم شيء في هذا الإطار إن سمح لها أن تتحرك بسهولة في هذا الشأن".