رغم مشاركته بهما.. لماذا هاجم أخنوش الحكومتين السابقتين في المغرب؟
وجد رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش نفسه في وجه عاصفة من النقد والسخرية، إثر انتقاده أداء الحكومتين السابقتين، متهما إياهما بتعطيل التنمية.
ويقول كثيرون إن أخنوش تناسى أنه كان مشاركا في الحكومتين، كما شارك فيهما حزبه بوزارات القطب المالي والاقتصادي والتجاري والصناعي والسياحي.
وجاء حديث رئيس الحكومة في 9 سبتمبر/أيلول 2022 على هامش الدورة الرابعة للجامعة الصيفية لحزبه "التجمع الوطني للأحرار"، بمدينة أغادير (جنوب).
وقال إن المغرب عاش "10 سنوات من التعطيل التنموي"، مشيرا إلى أنه لم يتأخر في إطلاق عجلة التنمية، رغم أن مجيئه "صادف أزمات عالمية".
لماذا الآن؟
وكان أخنوش يتولى في حكومة حزب العدالة والتنمية الأولى بقيادة عبد الإله بن كيران، ما بين 2012 و2017، منصب وزير الفلاحة والصيد البحري.
وظل على رأس القطاع نفسه خلال حكومة العدالة والتنمية الثانية، بقيادة سعد الدين العثماني، ما بين 2017 و2021.
رد ابن كيران على كلام أخنوش لم يتأخر كثيرا، وقال خلال لقاء جمعه بمسؤولي حزب العدالة والتنمية على الأقاليم والجهات، 10 سبتمبر 2022 بالرباط وخاطب أخنوش بالقول: "لو لم نقم بما قمنا به في السنوات العشر الماضية لما كان بإمكانك اليوم تحقيق أي شيء".
وأضاف ابن كيران: "نحن من أصلحنا صندوق المقاصة/الدعم بخصوص المحروقات لتجد اليوم الأموال لتواجه بها الكوارث".
وتابع، كما أوقفنا "الفوضى التي وجدناها في البلاد والإضرابات، وأصلحنا نظام التقاعد".
وتساءل ابن كيران موجها حديثه إلى أخنوش: لماذا حين كنت وزيرا معي في الحكومة لم تنطق بكلمة انتقاد واحدة، بل كنت فرحا دوما ومعبرا عن سعادتك، فمن أين لك بقلة الحياء هذه؟
حجم الغضب الذي ظهر على ابن كيران خلال رده جعله يعيد التذكير بإعفائه من تشكيل الحكومة، قائلا إن حكومة أخنوش جاءت نتيجة مؤامرة.
وأوضح أن هذه المؤامرة "بدأت عندما في المغرب حكومة حركت الحياة السياسية".
وشدد على أن الذي قاد هذه المؤامرة هو من يترأس الحكومة اليوم، لكن لم يكن لديه ما يكفي من "رجولة" ليفعل ذلك منذ أول يوم.
واستطرد "لن تنجح بهذه المؤامرة، وأنا لم أطلب منك الرحيل ولكن أطالبك بالحياء، وأما رحيلك فهو آت، لأن مقاربتك ليست منصفة، وفي غياب العدل والإنصاف لا يكون النجاح".
يشار إلى أن ابن كيران نجح في تحقيق نتائج انتخابية غير مسبوقة في تاريخ المغرب لصالح حزبه، خلال انتخابات الجماعات الترابية/المحلية لعام 2015.
إذ انتقل من رئاسة 50 مدينة أو جماعة خلال 2009 إلى 200 خلال 2015، وأيضا في الانتخابات البرلمانية، إذ انتقل مجموع مقاعد حزبه في مجلس النواب من 104 برلمانيين في 2011 إلى 125 في 2016.
غير أنه لم يتمكن من تشكيل الحكومة، بسبب التعطيل أو ما سمي في المغرب بـ "البلوكاج"، والذي قاده عزيز أخنوش، لمدة 6 أشهر.
وانتهت تلك الحالة ببيان للديوان الملكي يعفي ابن كيران من تشكيل الحكومة ويكلف الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية حينها، سعد الدين العثماني بمهمة تشكيلها.
ساذج أم مشارك؟
عموم المتابعين للمشهد السياسي والإعلامي انتقدوا تصريحات أخنوش، ومنهم الكاتب الصحفي يونس مسكين، والذي قال: أمامنا اليوم مسؤول سياسي يعترف بعظمة لسانه أنه شارك طيلة عشر سنوات في حكومات "التعطيل التنموي".
وأضاف مسكين في تدوينة فيسبوكية، 10 سبتمبر 2022: "يبقى السؤال المطروح عليه هو تفسير هذه المشاركة، هل كان لا يعرف أنها حكومات تعطيل تنموي وبالتالي هو ساذج لا يصلح للتدبير؟".
أم كان يعرف أنها حكومات تعطيل تنموي وبالتالي هو مناقض لنفسه مزدوج الخطاب ويقول ما لا يفعل؟ أم أنه كان يعرف أنها حكومات تعطيل تنموي ولم يكن ساذجا بل كان هو من يتولى مهمة تعطيلها؟ بحسب ما تساءل.
من جهته، تساءل المحامي والنائب البرلماني السابق، رضا بوكمازي إن كان أخنوش يكذب على نفسه أم على من؟ حين يقول إنه جاء من أجل تجاوز عشر سنوات من تعطيل التنمية بالمغرب.
وأضاف بوكمازي في تدوينة فيسبوكية، 10 سبتمبر 2022: "هل تصريح أخنوش هو اعتراف من الوزير الدائم في الفلاحة والصيد البحري أنه كان يقوم بأعمال من خلال موقعه آنذاك يهدف من خلالها أن يعطل تنمية القطاعات التي أشرف عليها؟".
وتابع: هل هو اعتراف من أمين عام حزب بإعطائه تعليمات لوزراء حزبه في المالية والصناعة والتجارة والسياحة بتعطيل تنمية المغرب خلال تحملهم لمسؤولياتهم الحكومية؟
وواصل: هل هو استدراك على الخطاب الملكي بشأن تطور مؤشرات التنمية؟ هل هو تكذيب لبنك المغرب والمؤسسات الدولية بشأن النجاحات التنموية التي حققتها بلادنا خلال هذه المرحلة؟
وأردف: أم أن الرجل يقصد تعطيل تنمية ثرواته التي تضررت خلال العشر سنوات السابقة، وفتح لها كل الأبواب بزواجه الرسمي (بين المال والسلطة) كونه رجل أعمال بموقعه كرئيس للحكومة.
ليخلص بوكمازي قائلا: "يبدو أن تخمة مراكمة الثروات قد تجعل الإنسان يعيش حالة تيه تدفعه ليقول أي شيء".
بدوره، قال محمد أمحجور، نائب عمدة مدينة طنجة شمالي المملكة، إن السنوات العشر التي وصفها أخنوش بتعطيل المسار التنموي، كانت "10 سنوات سمان تأكلهن سنة عجفاء"، في إشارة منه لهذه السنة التي تولى فيها هو نفسه رئاسة الحكومة.
وأضاف أمحجور في منشور على فيسبوك 10 سبتمبر 2022، أن كلام أخنوش الذي وصفه بـ "فتى النفط Oil boy" صحيح، فقد مرت 10 سنوات من "التعطيل" للمصالح الخاصة لكثير ممن اعتادوا القيادة بسرعة البرق في طرق الريع واستغلال النفوذ والجمع بين السلطة والثروة.
وتحدث أمحجور عما تحقق من إصلاحات في السنوات العشر الأخيرة، والتي ضايقت أخنوش، ومنها إصلاح نظام دعم المحروقات، والذي حرم رئيس الحكومة بكونه الفاعل الأول في القطاع من عشرات المليارات من الدراهم كل سنة، في صمت وبعيدا عن الأضواء.
وتحدث نائب العمدة السابق عن المنجزات التي تحققت في هذه العشرية على مستوى الجماعات الترابية أو البلديات، فيما يخص الحكم وحسن التدبير والحرص على المال العام وأداء الديون المتراكمة، وتحسين مناخ الأعمال.
وشدد أنه بعد انتخابات 8 سبتمبر 2021 عادت "كائنات مفترسة" لافتراس المال العام من جديد عقب سنوات من "التعطيل التنموي".
اعتراف صريح
أكد رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة بالرباط امحمد الهلالي، أن تصريح أخنوش لو كان انتقادا لما استغرب أحد، لأن الانتقاد هو من صميم العمل السياسي ومن مقتضيات الممارسة الديمقراطية.
لكن الغرابة هي في أن يصرح بذلك وهو أحد أركان الحكومتين السابقتين ويشغل وحده ما يقرب من ربع قطاعاتها وبميزانية هي الأضخم.
وتابع الهلالي لـ"الاستقلال" أن الأغرب هو أن يصمت أخنوش كل هذا الوقت ويأتي الآن بعد عشر سنوات ليتحدث.
"لكنني خلافا للآخرين أجده صادقا مع نفسه لأنه هو الأكثر علما بما صرح به، وهو تعطيل التنمية وبمن يكون المعطل".
والسؤال هو من كان يعطل من الداخل ومن كان يعطل من الخارج، أي من كانوا شركاء له في التعطيل لأن ذلك يفوق قدراته وحده.
وشدد الهلالي أن هذا التصريح هو اعتراف، والاعتراف سيد الأدلة. وأردف: "إذا علمنا أنه لا يمكن لحكومة تعبر عن إرادة الناخبين أن تعطل التنمية لمن تمثلهم، فيبقى أن من يريدها أن لا تنجح ويعمل المستحيل لتفشل ولكي يحل محلها فهو أو من يدعمه من له مصلحة في التعطيل".
ونبه رئيس المركز البحثي إلى أن هذا التصريح النشاز في هذا التوقيت المتأخر يقول كل شيء بخصوص المسؤولية عن التعطيل.
وأشار إلى أن الجميع يعلم أن أخنوش بتصريحه الخارج عن السياق إنما أراد به أن يبعد عن نفسه الاتهام المباشر بتعطل الاستثمار بشكل مقصود ولأغراض التربح الشخصي.
يشار إلى أن الملك محمد السادس تحدث في خطابه بمناسبة عيد العرش، 30 يوليو/تموز 2022، عن بعض الذين يعطلون الاستثمار لأهداف شخصية، في إشارة إلى أخنوش، وفق مراقبين.
كما سبق للملك أن أثنى على أداء الحكومة السابقة وما حققته من نسبة نمو فاقت 7 بالمئة رغم الأزمة الصحية (كورونا) والاقتصادية.
حجم الردود على أخنوش كان كبيرا، ومنها ما قاله نزار خيرون، المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني.
وأوضح خيرون أن أخنوش عرقل تشكيل حكومة 2016، واشترط على ابن كيران تسهيل مشاورات تشكيلها مقابل عدم الحديث عن دعم مباشر للفئات الهشة.
وذكر خيرون في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، 10 سبتمبر 2022، أن هذا الاشتراط يكشف طبيعة الرجل وتعطيله لمصالح المواطنين، في مقايضة تدل على تفضيله لمصالحه الخاصة أو الشخصية على المصلحة العامة.
وأوضح المتحدث ذاته أن اكتواء المواطنين بلهيب أسعار المحروقات هو الدليل الأقوى على هذا النهج الذي يفكر به أخنوش، ومن الأدلة أيضا عرقلته ووزراء حزبه لعدد من القوانين خلال حكومة العثماني لحسابات شخصية.
ونبه خيرون إلى أن كلام أخنوش عن عشرية العدالة والتنمية الحكومية يتناقض مع كل المؤشرات والتقارير الرسمية وغير الرسمية التي انتصرت لتجربة العدالة والتنمية، إذ إن الأرقام لا تحابي أحدا، ومنها تقارير doing business منذ 2012 إلى 2021.
خلفيات الهجوم
من جانبها، نشرت الجريدة الإلكترونية "أشطاري 24"، في 11 سبتمبر 2022، مقالا بعنوان: "أخنوش الشريك في حكومة تعطيل التنمية"، واصفة تصريحاته بأنها "هروب إلى الأمام".
وشددت الصحيفة أن ما قاله أخنوش يطعن فيه هو أولا قبل أن يطعن في الحزب الذي أدى الثمن انتخابيا، ولم يعد يهمه ما يقوله خصومه.
وأضاف المصدر ذاته، "عزيز أخنوش وبعد عشر سنوات من الشراكة مع حزب العدالة والتنمية عاد ليقول إن حكومته هي حكومة تعطيل التنمية".
وتابعت أن "عشر سنوات لم تكن كافية ليستيقظ أخنوش ليعرف أنهم يعطلون التنمية فيحتج على ذلك. لا إنه صبر كثيرا".
لكن، تردف الصحيفة: نحن نقول له عشر سنوات إما كنت فيها عارفا بتعطيل التنمية وأنت بالتالي مشارك فيها، أو جاهلا بذلك وهذا لا يخولك رئاسة حكومة لأنك لا تمتلك الذكاء الكافي لذلك.
وعن خلفيات هجوم أخنوش على حزب العدالة والتنمية، شريكه في الحكومتين السابقتين، قال امحمد الهلالي، إن ذلك يعد جزءا من خطاب معتمد من قبل اللوبي المهيمن أو الدولة العميقة الذي يعد رئيس الحكومة بصفته تاجرا أحد أركانها.
وعد الهلالي أن الهجوم ليس له من دلالة سوى إدراكهم أنهم لم يتمكنوا رغم كل ما جرى من إضعاف حزب العدالة والتنمية والذي كان وما يزال يمثل تهديدا جديا لمصالحهم الريعية غير المشروعة من جهة.
ومن جهة ثانية فهو محاولة لإخفاء العجز عن الإنجاز، وضعف الكفاءات التي تبجحوا بها.
وأيضا، يقول الهلالي إنه يمكن تفسير هذه الفوبيا ضد العدالة والتنمية بمحاولة صرف الأنظار عن التذمر الشعبي، والانتقاد الواسع للحكومة ولرئيسها بسبب الغلاء، كما هو في حملات "الهاشتاغ" من أجل رحيل أخنوش، وكذا حملات التندر والتهكم والسخرية من جميع تصريحاته وفضائحه.
وقال الهلالي، إن أخنوش يفتقر إلى مؤهلات المقومات الديمقراطية لكي يصل إلى الحكومة أصلا، أحرى أن يستمر فيها.
وشدد على أن الشعب المغربي الذي رفع شعار "ارحل" في وجهه بعد 100 يوم على تنصيبه، لا ينطلق من فراغ، بل صدم من المستوى الذي ظهرت عليه الحكومة في اللقاءات والبرامج ثم في الأداء التواصلي والفعلي.
ويعتقد أنه "لو تغلب عقل الدولة على غريزتها عفت رئيس الحكومة قبل أشهر، أي منذ الحملة الأولى عندما تسربت المعطيات من المطبخ السياسي تفيد بالبحث عن البديل".
لكن هذا التردد في معالجة الفشل الظاهر لرئيس الحكومة هو الذي يمكن أن تكون له كلفة سياسية، كما قال.
أما استمرار أخنوش رئيسا للحكومة رغم عجزه، يردف الهلالي، فإن المغرب هو من يدفع كلفته الاقتصادية والاجتماعية، سواء في نسبة النمو التي هوت من أكثر من 7 بالمئة في 2021 إلى 1 بالمئة 2022.
أو في نسبة التضخم التي انتقلت من 1.7 بالمئة في أكتوبر 2021 إلى 7.7 بالمئة في يوليو 2022، أو في الغلاء الفاحش في أسعار جميع المواد الحيوية، أو في غيرها.
وحذر الهلالي من وصول المغرب إلى مربع الدول الفاشلة والإعلان عن الإفلاس على غرار العديد من الدول، التي يجري فيها التعطيل، كما هو شأن تونس ولبنان وسابقا اليونان، معبرا عن أسفه من أن البلد بدأت تطل على هذا التوصيف مع هذه الحكومة ومع رئيسها.