شبكات الجريمة بأراضي 48.. لماذا تستهدف الفلسطينيين دون الإسرائيليين؟

12

طباعة

مشاركة

جريمة تعقبها أخرى، مسلسل مستمر من الدم العربي المراق في المدن والبلدات الفلسطينية المحتلة عام 1948، وسط اتهامات لشرطة الاحتلال الإسرائيلي بالتواطؤ والتقصير في محاسبة الجناة.

ويتعرض العرب (مصطلح يطلق على فلسطينيي 48) لعمليات إطلاق نار تقيد ضد مجهولين تهاجم مركباتهم أو يجري قتلهم أمام أماكن عملهم ومنازلهم، وهي جرائم تصاعدت في السنوات الأخيرة مع تراخ إسرائيلي رسمي.

ويصف الفلسطينيون هذه الجرائم بأنها "ممنهجة" كونها تودي بحياة العشرات منهم كل عام، في وقت يلاحظ عدم استهدافها الإسرائيليين، كما يتهمون شرطة الاحتلال بغض الطرف عن مرتكبيها.

ويمثل العرب الفلسطينيون نحو 21 بالمئة من سكان الأراضي المحتلة عام 1948 ويصل تعدادهم حوالي مليونين، أقلية صغيرة منهم من الدروز والمسيحيين، والأغلبية منهم مسلمون، يعيشون في واقع شديد الخطورة وسط حالة من انعدام الأمن والاستقرار.

أرقام مخيفة

وحتى 28 أغسطس/آب 2022، ارتفعت حصيلة ضحايا جرائم القتل في البلدات العربية، منذ مطلع العام إلى 69، بينهم 7 نساء عربيات.

وفي مطلع 2022، قالت "مبادرات إبراهيم" التي ترصد الحملات ضد العنف في المجتمع العربي، إن "عدد الضحايا العرب في إسرائيل عام 2021 بلغ 126 قتيلا، منهم 62 دون سن الثلاثين، و16 من النساء". 

وأوضح موقع "تايمز أوف إسرائيل" وقتها أن "المجتمعات العربية شهدت تصاعدا في أعمال العنف خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بشكل أساسي بالجريمة المنظمة".

ولفت إلى أن "العرب في إسرائيل يلومون الشرطة، التي يقولون إنها فشلت في قمع المنظمات الإجرامية القوية وتتجاهل العنف إلى حد كبير، والذي يشمل الخلافات العائلية وحروب العصابات؛ إذ عانى المجتمع أيضا عقودا من الإهمال". 

وللمقارنة، فإن عدد ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي في عام 2020 بلغ 100 بينها 16 امرأة، وقتل 93 عربيا بينهم 11 امرأة في 2019، بحسب موقع "عرب 48" الذي يغطي أخبار تلك المناطق المحتلة.

وفي عام 2018 بلغ عدد القتلى 76 بينها 14 امرأة، فيما قتل 72 عربيا بينهم 10 نساء في 2017، وهو ما يشير حاليا إلى ارتفاع الأعداد.

ومع تصاعد الأرقام خلال عام 2022، أكد وزير القضاء الإسرائيلي غدعون ساعر، في 16 أغسطس، أن الشرطة الإسرائيلية فشلت في التعامل مع جرائم القتل.

وبحسب قناة "كان" العبرية الرسمية، أوضح ساعر أن غالبية جرائم القتل في المجتمعين العربي والدرزي لم يجر فك ألغازها، مشيرا إلى أن ثلاثا من أصل أربع جرائم تبقى غامضة دون حل.

ولفتت إلى أن ساعر أدلى بهذه التصريحات خلال مراسم أقيمت في الرامة لإحياء الذكرى السنوية الأولى لمقتل مساعده ساهر إسماعيل، بإطلاق نار لم تعرف خلفيته بعد حتى اليوم.

وقال إن هذه المعطيات تدل على فشل الدولة الذريع في محاربة الجريمة والعنف، مبينا أنه سيمر وقت طويل حتى يجري تغيير الوضع الذي تسيطر فيه العصابات بدلا من "أجهزة إنفاذ القانون"، وفق تعبيره.

وتنفذ معظم جرائم إطلاق النار في الوسط العربي بالأراضي المحتلة بسلاح الجيش الإسرائيلي، وفق ما أظهرت معطيات رسمية في 20 ديسمبر/كانون الأول 2021.

 وكشف موقع واللا العبري أن 70 بالمئة من مجمل جرائم إطلاق النار نفذت بأسلحة مسروقة من الجيش.

وتشير المعطيات التي نقلها الموقع إلى عجز الجيش الإسرائيلي عن حراسة مخزون أسلحته، إذ طرأ ارتفاع بنسبة 22 بالمئة على عدد العبوات الناسفة التي تستخدم في تصفية الحسابات بين المنظمات الإجرامية.

كما تحدث عن ارتفاع في كمية المواد الناسفة المسروقة من قواعد الجيش والتي تستخدم في هذه الجرائم.

ولكن تشكك أوساط فلسطينية في هذا الأمر وتقول إن الاحتلال متواطئ ويستهدف الأوساط العربية عبر التنسيق مع منظمات إجرامية.

أسباب الجريمة

تتخبط الشرطة الإسرائيلية في تشخيص الأسباب التي أوصلت الجريمة في المجتمع العربي إلى هذه المستويات مع توجيه أصابع الاتهام إلى أجهزة الاستخبارات بالوقوف خلفها.

ووفقا لما نشرته "القناة 12" العبرية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، فإن قيادة الشرطة الإسرائيلية تعزو انفلات عصابات الإجرام إلى عوامل عدة.

منها الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المجتمع العربي، وغياب آفاق العمل لدى الشباب ما يدفعهم للبحث عن المال السهل من خلال الجريمة.

وتقدر قيادة شرطة الاحتلال، حسب القناة، أن ظاهرة انتشار السلاح تتسع في المجتمع العربي أيضا لدى أناس عاديين باتوا يخشون على حياتهم وحياة عائلاتهم، وسط غياب الأمن الشخصي.

وفي عام 2021، قال رئيس اللجنة الخاصة للحد من الجريمة لدى المجتمع العربي في الكنيست منصور عباس، إنه توجد في البلدات العربية أكثر من 400 ألف قطعة سلاح غير مرخصة.

فيما تساهم شرطة الاحتلال والأوساط الرسمية الإسرائيلية في تفاقم المشكلة عبر سياسات عدة.

ووجهت قيادات في شرطة الاحتلال نقدا للجهاز القضائي، بسبب ما وصفته إصدار أحكام بسيطة على جرائم حيازة السلاح خلال السنوات الأخيرة، ما أسهم في تضخم هذه الظاهرة إلى حد الانفجار، بحسب القناة.

وتقول صحيفة "إسرائيل هيوم" إن "عائلات الجريمة والمنظمات الإجرامية منتشرة في جميع الأنحاء، فهم منظمون في تسلسل هرمي ويدهم دائما على الزناد، وحياة البشر ليس لها قيمة في أعينهم وليس لديهم أيضا خطوط حمراء".

وأوضحت الصحيفة خلال تقرير لها في فبراير/شباط 2022، أن المنظمات الإجرامية في إسرائيل متورطة في مجالات مختلفة من الجريمة، وهدفها الرئيس تحقيق مكاسب مالية كبيرة بسهولة.

وفي السنوات الأخيرة، بينما كانوا يتظاهرون بنشاطات شرعية، حاولوا الاتحاد مع من هم في مواقع القوة والنفوذ في الاقتصاد والسياسة والإعلام والمجتمع، لتعزيز أهدافهم الإجرامية وإحباط محاولات إنفاذ القانون، وهو ما يشير إلى تورط جهات رسمية مع تلك المنظمات.

ونشرت صحيفة هآرتس العبرية في يناير/كانون الثاني 2022، فيديو يظهر الضابط جمال حكروش، المسؤول عن إحباط الجريمة لدى فلسطينيي 48، وهو يسير متجاهلا ضحية طعن في كفر كنا في سبتمبر/أيلول 2020، بل وتخطى جسده وغادر المكان رغم أن المصاب كان لا يزال على قيد الحياة دقائق قبل إعلان وفاته.

تورط رسمي

وانتقد عضو الكنيست عن القائمة المشتركة أحمد الطيبي غياب دور الشرطة الإسرائيلية عن مكافحة الجرائم التي وقعت أخيرا في رهط شمال النقب.

وقال الطيبي في 24 أبريل/نيسان 2022 "حرب شوارع تدور في رهط، وإطلاق نار لمدة 10 ساعات متتالية مع إصابة فتاة وذعر وخوف للسكان، أين الشرطة؟".

ومع تنفيذ أي عملية فدائية تتمكن إسرائيل خلال ساعات محدودة من اعتقال الفاعل أو اغتياله عبر المسارعة إلى نشر القوات ووضع الحواجز وفحص الكاميرات، لكن الجناة في الجرائم المرتكبة ضد العرب يبقون طلقاء.

ويعود الأمر إلى تخصيص موارد قليلة للغاية لمواجهة الجريمة المنظمة في المدن والبلدات العربية، مقارنة بالاهتمام الكبير وتخصيص الميزانيات الضخمة لمواجهة العنف في المجتمع الإسرائيلي. 

وبحسب صحيفة "هآرتس" العبرية، فإن الشرطة الإسرائيلية حلت 22 بالمئة من جرائم القتل التي حدثت عام 2022 بالمجتمع العربي، بينما في نظيره الإسرائيلي جرى حل 71 بالمئة من القضايا. 

وفي تقرير خاص لمراقب الدولة الإسرائيلي يوسيف شابيرا، قال إن "أجهزة الأمن فشلت في منع انتشار واستخدام السلاح غير المرخص بالمجتمع العربي، الأمر الذي كان له الأثر الهائل في ارتفاع نسبة الجريمة".

وجاء في مسودة تقرير صيغت عام 2020 بشأن العنف، أنه في بداية الألفية الثانية أمر رئيس الوزراء الأسبق "أرئيل شارون" سلطات إنفاذ القانون بقمع الجريمة في المدن التي يقطنها الإسرائيليون؛ حيث كان أعضاء المنظمات الإجرامية يقتلون بعضهم البعض في شوارع تل أبيب ونتانيا وأسدود.

وببساطة، بعد أن بدأت الحكومة الإسرائيلية بمحاربة الجريمة المنظمة في المجتمع الإسرائيلي، انتقلت تلك العصابات 15 كم إلى منطقة "المثلث"، في إشارة إلى مجموعة من المدن والبلدات العربية الواقعة في شمال البلاد.

وذكر مراسل شؤون الشرطة في القناة الـ12 العبرية موشي نوسباوم أن مصدرا رفيع المستوى كشف في جلسة نقاش عقدت في يوليو/تموز 2021 في المقر العام للشرطة الإسرائيلية أن "المجرمين الذين يقودون اليوم عمليات الإجرام الخطيرة في المجتمع العربي هم في معظمهم متعاونون مع الشاباك (جهاز الأمن العام الإسرائيل)". 

وقال مراسل القناة "في هذه الحالة يد الشرطة الإسرائيلية مكبلة، فلا يمكن اعتقال هؤلاء المتعاونين أو المساس بهم لأنهم يتمتعون بحصانة من الشاباك".

وسارع جهاز الشاباك لنفي الاتهامات التي أطلقها ضابط الشرطة، ووصف متحدث باسم الجهاز الادعاء بالكاذب، وليس له صلة له بالبيانات الواقعية للوائح الاتهام الأخيرة.

ونقلت القناة 12 العبرية عن رد الجهاز أن “نشاط الشاباك في الأشهر الأخيرة أدى إلى اعتقال مئات المشتبه بهم لارتكابهم جرائم إرهابية خطيرة بدوافع قومية”، كما قال.

ما الهدف؟

وأبعد من التورط، قال شابيرا، في تقريره السنوي عن عام 2018، إن "الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك يرفضان التعاون مع الشرطة لجمع السلاح غير القانوني من المجتمع الفلسطيني"، دون توضيح سبب ذلك.

وفي السابق، أقرت لجنة المتابعة العليا للفلسطينيين في الداخل المحتل خططا لمواجهة الجريمة المنظمة والعنف في الداخل، لكن حكومة الاحتلال رفضتها.

وفي المقابل، أعلنت رصد مبالغ ووضع خطط تبدأ بزيادة عدد مراكز الشرطة في البلدات الفلسطينية في الداخل.

وأيضا، تشجيع الشبان العرب على الانخراط في سلك الشرطة الإسرائيلية مع حملات هزيلة لجمع السلاح غير القانوني.

وفي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2021، زجت الحكومة الإسرائيلية بجهاز الشاباك وقوات الجيش في البلدات العربية بحجة مكافحة الجريمة والعنف.

ويأتي ذلك ضمن مخطط حكومي يقوم على التنسيق "بين الشرطة والشاباك ومجلس الأمن القومي والمستشار القضائي للحكومة وسلطة الضرائب وسلطة تبييض الأموال".

إضافة إلى سن مجموعة قوانين بمبادرة وزارة القضاء "توفر أدوات من أجل مواجهة هذه الظاهرة، مثل قانون الحد الأقصى من العقوبة وحيازة السلاح والتجارة به".

ويرفض العرب دمج الشاباك بدعوى أن ذلك سيكون تراجعا إلى أيام “الحكم العسكري” الذي سيصاحبها معاملة المواطنين العرب على أنهم “أعداء”، (يقف على رأس هذا المعسكر أعضاء الكنيست من القائمة المشتركة ولجنة المتابعة العليا).

وفي ذات الشهر، قال الباحث بمعهد السياسات والإستراتيجيات- هرتسيليا، مايكل ميلشتاين إن "المستوى السياسي مطالب بأن يكون لديه خط توضيحي، لأن الشاباك مثار شك وقلق عميق لدى فلسطينيي 48".

وفي نفس السياق، يتخوف العرب من أن الخطوة تأتي في إطار فرض السيطرة العسكرية على المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل بعد هبة الكرامة في مدن الداخل والتي جاءت دعما للمسجد الأقصى ولقطاع غزة في مواجهتهما للعدوان الإسرائيلي في مايو/أيار 2021.

وشهدت تلك الفترة مواجهات عنيفة، وإضرام حرائق وإغلاقا لطرق، ما دفع الجماعات اليمينية الاستيطانية المتطرفة للاستنفار، وجلب المئات من عناصرها من مستوطنات الضفة للإسهام في المواجهات. تبعت ذلك اعتقالات واسعة وحملات التحريض على القيادات العربية.

وأشعلت هذه الأحداث أضواء الإنذار لدى الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية، التي بات بعضها يقر بفشل مشاريع دمج العرب وأسرلتهم وفصلهم عن بقية أبناء الشعب الفلسطيني؛ وأبدت الأوساط الأمنية قلقها من الخطر الذي يمثلونه في إسرائيل.

ويظهر هنا أن إقحام الشاباك يأتي في صميم التصدي للعمليات الفدائية التي شهدت أخيرا اشتراك فلسطينيي الـ 48 في تنفيذها، مع الاستمرار بتجاهل حوادث الجريمة في المجتمع العربي.