انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.. كيف مثل فرصة ثمينة للصين؟
يسعى جيش التحرير الشعبي الصيني إلى إنشاء قواعد عسكرية في باكستان وأفغانستان من أجل تأمين مشروع الحزام والطريق وتوسيع نفوذه في محيطه المباشر، وفق ما قالت مصادر دبلوماسية وأمنية رفيعة المستوى في إسلام أباد.
وأوضح مركز أنكاسام التركي في مقال للكاتب جينك تامر أن: "الادعاءات بأن الصين تطالب بإنشاء قواعد عسكرية في الدول التي وقعت اتفاقيات معها في سياق مشروع الحزام والطريق ليست جديدة".
حساسية متبادلة
وقبل ثلاث سنوات، في اتفاقية التعاون الإستراتيجي التي وقعتها بكين وطهران لمدة 25 عاما، كانت إحدى القضايا الأكثر إثارة للجدل هي الادعاء بأن 5000 من أفراد الأمن الصينيين سينتشرون في إيران لحماية المشاريع الاقتصادية.
في الأشهر القليلة الماضية زعم أن بكين وقعت اتفاقيات أمنية مع دول جزر المحيط الهادئ، وخاصة جزر سليمان، أو تريد الحصول على قواعد عسكرية هناك.
وقد توسعت الادعاءات بأن الصين ستنشئ قواعد لتشمل ميانمار وكمبوديا وسريلانكا وباكستان وأفغانستان في هذه العملية.
ومن وجهة النظر هذه يمكن القول إن الصين أجرت تغييرات في إستراتيجياتها العسكرية الأمنية، وخاصة في باكستان وأفغانستان.
في يوليو/تموز 2022، وفقا لتقارير وسائل الإعلام الهندية، رفضت باكستان طلب الصين بفتح شركة أمنية في بلدها.
وذكرت وزارة الداخلية الباكستانية أنها لا تستطيع السماح للدول الأجنبية بفتح شركات أمنية في البلاد.
وبعبارة أخرى، فقد أعطت رسالة مفادها أنه لا يمكن منح الصين أي امتياز في هذا الصدد.
والواقع أن وجود القوات الأجنبية ينظر إليه بحساسية وأنه مسألة أمن قومي بالنسبة لباكستان.
على سبيل المثال، في عام 2021، أعلن رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان أنهم بالتأكيد لن يعطوا قاعدة لوكالة الاستخبارات المركزية في البلاد بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.
ومع ذلك، كانت باكستان قد استأجرت في السابق قواعد للولايات المتحدة لتنفيذ عمليات في أفغانستان.
لذلك في حين أن الولايات المتحدة، وبالتالي وكالة المخابرات المركزية، قد يكون لها وجود في باكستان، قوبل فشل الصين في إنشاء شركة أمنية خاصة بها هنا بالغضب من قبل بكين.
وأضاف الكاتب: ترد الصين على إدارة إسلام أباد لعدم اتخاذها الاحتياطات اللازمة في الهجمات على مشاريعها ومنشآتها في باكستان.
فبعد أن فقد ثلاثة معلمين صينيين حياتهم في هجوم بالقنابل على معهد كونفوشيوس بمدينة كراتشي الباكستانية في أبريل/نيسان 2022، أصدرت وزارة الخارجية الصينية بيانا قاسيا.
قالت: "لا يمكن إراقة دماء الصينيين عبثا، والأيدي الظالمة وراء هذا الحادث ستدفع الثمن بالتأكيد".
وأردف: "وبعد هذا التاريخ تشير التقديرات إلى أن الصين زادت من ضغوطها لإنشاء شركة أمنية خاصة بها في باكستان، لأنه يبدو أن إدارة بكين بدأت تعتقد أن حكومة إسلام أباد لا تستطيع حماية مصالحها الاقتصادية والأمنية في هذا البلد".
ولذلك، ربما تكون الصين قد اتخذت إجراءات للمساهمة في أمن باكستان كخطوة وقائية، وهي تتخذ خطوات مماثلة في أفغانستان، بحسب الكاتب التركي.
إستراتيجية جديدة
وأضاف: انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي "الناتو" من أفغانستان في يوليو 2021 يعني تهديدا وفرصة للصين.
فقد خلق فراغ السلطة الذي خلفته القوات الأميركية فرصة للصين لتوسيع قوتها العسكرية هناك.
وكانت الولايات المتحدة تضمن أمن البلاد، وفي الوضع الحالي لا تريد الصين الاضطلاع بنفس المهمة، فبكين مهتمة أكثر بإرساء طالبان الأمن في البلاد ودعمها بهذا المعنى.
وعلى الرغم من أن الصين تتعاون مع طالبان لمعالجة الوضع الأمني في أفغانستان، فإنها لا تستطيع أن تلعب الدور الذي اضطلعت به الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي هناك.
بل على العكس من ذلك، هناك خطر من أن تنجر الصين إلى الأزمة. وبسبب هذا الخطر عرضت إدارة بكين على طالبان نشر شركاتها الأمنية الخاصة في أفغانستان خلال العام 2021.
وعادة ما تعارض طالبان وجود قوات أجنبية في البلاد. ومع ذلك، إذا اضطرت إلى ذلك فيمكنها قبول عرض الصين تحت اسم "الشركات الخاصة".
وأردف: ومن الناحية السياسية تخضع طالبان لعلامة بكين التجارية الوثيقة، ومن المرجح أن تستجيب لمطالبها.
ووفقا لدراسة، فإن الصين التقت بطالبان 71 مرة منذ يوليو 2021. ويمكن القول إن الصين زادت من قدرتها على التأثير على الحركة وتوجيهها قدر الإمكان في العام 2021.
"يمكن القول إن الصين قبلت واقع طالبان في أفغانستان قبل العديد من الدول الأخرى في العالم"، يقول الكاتب.
زعمت وسائل الإعلام الصينية أن طالبان وفرت "أمنا أفضل" في أفغانستان من الولايات المتحدة ولديها قدرات إدارية أفضل.
ويمكن القول أن هذه الكلمات جهود صينية لجذب طالبان إلى جانبها. وتفضل بكين استخدام الحركة كوكيل بدلا من تحمل المسؤولية عنها بنفسها.
وأوضح الكاتب: تسعى بكين إلى نشر قواتها الأمنية الخاصة أو إنشاء قواعد عسكرية في أفغانستان. ومن الواضح على وجه الخصوص أنها تريد التعاون الوثيق مع طالبان لإرساء أمن ممر واخان الواقع بين دول طاجيكستان وباكستان والصين.
فلو لم تستول طالبان على السلطة لكان الوجود الأميركي هناك قد استمر، ولما تمكنت الصين من جعل كابول تفعل بالضبط ما تريده في الحرب ضد الإرهاب.
وأضاف: "والأمر الأكثر فائدة بالنسبة للصين هو اختفاء نظام ديمقراطي في أفغانستان".
تحاول بكين إنشاء "درع حماية" لنفسها من خلال إنشاء "محور دائرة قريبة". ولذلك فإن نظام طالبان في أفغانستان يمثل فرصة مهمة للصين.
وطالما بقيت حركة طالبان في السلطة ستواصل الصين زيادة نفوذها العسكري هناك، بحسب تقدير الكاتب.
في هذه المرحلة، يمكن القول إن الصين بدأت في الابتعاد عن مبادئ السياسة الخارجية التقليدية المتمثلة في "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى" و"احترام سيادتها".
وعلى وجه الخصوص، بدأت الصين في ممارسة الضغط على بلدان مثل ميانمار وسريلانكا وجزر سليمان وكمبوديا وأفغانستان.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول الآن إن إدارة بكين تحاول التأثير على الجهات الفاعلة الإقليمية مثل إيران وباكستان من خلال مطالب مختلفة.
وأوضح الكاتب: أصرت الصين على إرادتها على الرغم من تحذيرات الهند وأرسلت سفينة أبحاث إلى سريلانكا.
بناء على هذا النهج يمكن التنبؤ بأن الصين ستستمر في اتخاذ خطوات أكثر حسما في محيطها المباشر، خاصة في باكستان وأفغانستان، من أجل تحقيق رغباتها في المجال العسكري.
وإذا لم توافق إسلام أباد وطالبان على مطالب الصين فقد تكون بكين أكثر إصرارا، بحسب تقييم الكاتب التركي.