توفيق الطيراوي.. مخابراتي فلسطيني انقلب عليه عباس رغم معاداته حماس
عاد توفيق الطيراوي، الاسم الذي همشه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على مدار سنوات إلى واجهة وسائل الإعلام من جديد عبر قرار ساهم في زيادة استبعاده والتخلي عن أدواره.
ففي 8 أغسطس/آب 2022، أصدر عباس قرارا بإعادة تشكيل مجلس أمناء جامعة الاستقلال للعلوم الأمنية الواقعة في مدينة أريحا شرق الضفة الغربية، الذي يرأسه اللواء الطيراوي عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح".
وجرى استبعاد الطيراوي من أي منصب بالجامعة التي ساهم الأخير في تأسيسها، وتختص منذ افتتاحها عام 2007 دونا عن المؤسسات الجامعية في فلسطين، بالتعليم العالي في مجال العلوم الأمنية والعسكرية والشرطية.
بداية الأزمة
بدأت الأزمة بعد انتشار تسريبات على مراحل نهاية يوليو/تموز وبداية أغسطس، يتحدث فيها الطيراوي عن تورط أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، في فضائح مالية وأخلاقية، قائلا إنه "الوحيد الذي ركع قدامي وبكى".
ووفق ما جاء في التسجيل الأول الذي لم يعرف تاريخه أو طريقة تسريبه، فإن الطيراوي كان يتبادل أطراف الحديث مع أحد الأشخاص عن حقيقة "حسين الشيخ وفساده وسقوطه الأخلاقي".
وتحدث عن "حل فضيحة جنسية لحسين الشيخ مقابل 80 ألف دولار دفعها ماجد فرج (رئيس جهاز المخابرات حاليا)" إلى أهل إحدى الفتيات، وفق ما جاء بالتسريب.
وذكر أيضا فضائح عائلية لذات الشخص ساهم هو (الطيراوي) في حلها.
كما تحدث الطيراوي في التسجيل المسرب عن تورط الشيخ في فضائح بيع التصاريح للعمال الذين يذهبون للعمل داخل الأراضي المحتلة، إضافة إلى متاجرته في بطاقات يمنحها الاحتلال لكبار التجار للسماح لهم بالدخول.
التسريب اللي جاب الطيراوي في حوض نعنع ��#مش_هيك pic.twitter.com/3dMP0h6RiE
— الحج مش هيك (@MshHyk2) August 8, 2022
وبعدها بأيام ظهر تسجيل آخر، وصف فيه الطيراوي، أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب بأنه "شخص كاذب"، وأنه يتهم كل من يعارضه بأنه "عميل" (للاحتلال الإسرائيلي).
وأورد تفصيلا يخص رئيس المخابرات ماجد فرج وأحد الأشخاص ويدعى عبد علوان، اتهمهم الرجوب بأنهم عملاء للمخابرات البريطانية خلال فترة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وأنهما يتلقيان منها راتبا شهريا قدره 3 آلاف جنيه إسترليني شهريا.
تسريب #توفيق_الطيراوي #جبريل_رجوب كذاب ���� pic.twitter.com/FeH2pw8L6i
— سماح���� (@rxmqOLNZuERI3sf) July 20, 2022
وهذه التسريبات تأتي في سياق الحرب الخفية التي تدور بين قادة الصف الأول لحركة فتح، وذلك سعيا لتثبيت المناصب بعد غياب رئيس السلطة محمود عباس، وما يعرف بمعركة الخلافة والتي يعد الطيراوي والرجوب والشيخ من أبرز الأسماء فيها.
ويدعم عباس حسين الشيخ لخلافته وقد فصل سابقا قيادات في حركة فتح بعد خروجهم عن طوعه أبرزهم محمد دحلان وناصر القدوة. ولذلك بدأ تصنيف الطيراوي في نفس القائمة على الرغم من استمرار عضويته في الحركة.
ولم يكتف عباس بإقالة الطيراوي من جامعة الاستقلال، بل سحب الحراسات الأمنية من أمام منزله، وفق ما تداول ناشطون وصرح الرجل ذاته لصحيفة العربي الجديد الإلكترونية قائلا إنه "لا يعرف السبب وراء ذلك".
هاد الكرفان في حي الطيرة في رام الله قبال بيت توفيق الطيراوي وبتواجد فيه حرسه ٢٤ ساعة .
— الحج مش هيك (@MshHyk2) August 8, 2022
الكرفان صرله يومين مسكر وحرسه تم سحبهم ..
راحت عليك يا توفيق �� pic.twitter.com/5m6LUm1sGQ
وبعد انتشار التسريبات، قال الطيراوي في بيان نشره على فيسبوك: "إنها ليست المرة الأولى التي تقوم بها خفافيش الظلام في صناعة الفتنة ونشرها، بهدف ضرب النسيج الوطني والاجتماعي ولن تكون الأخيرة، لأن مجموعات مشبوهة تخدم الاحتلال فقط، هي التي تريد خلط الأوراق في الساحة الفلسطينية".
وأردف: "أود التأكيد على أن صناعة الفتنة التي قامت بها هذه المجموعات المشبوهة هي التي دبلجت وأنتجت ما تم تسريبه في الفترة السابقة وآخرها الذي يمس أعراض أخواتنا وبناتنا بغرض شخصنة الفتنة وتغويلها وتمكينها من مرادها الشيطاني، عن طريق الإساءة والقدح والتشهير، وهو ما لم ولن ولا أقبله في حياتي مهما كان السبب".
النشأة والعمل السياسي
ولد توفيق الطيراوي في قرية الطيرة قضاء مدينة اللد في نوفمبر/تشرين الثاني 1948، وإثر النكبة في نفس العام أجبرت عائلته على الهجرة إلى قرية رنتيس قضاء مدينة رام الله حيث أتم دراسته الابتدائية.
انتقل إلى قرية سكاكا في سلفيت ومن ثم إلى مخيم عقبة جبر في مدينة أريحا وأنهى فيها دراسته الإعدادية ومن ثم حصل على شهادة الثانوية من الكلية الإبراهيمية في مدينة القدس.
حصل على الشهادة الجامعية الأولى من جامعة بيروت العربية تخصص الأدب العربي، وحصل على إجازة أخرى في الفلسفة وعلم النفس.
ومن ثم عاد إلى فلسطين ليتابع دراسته الجامعية العليا ليحصل على شهادة الماجستير في الإدارة التربوية من جامعة النجاح الوطنية عام 2008.
انضم إلى حركة فتح عام 1967 أثناء دراسته الجامعية في بيروت وترأس الاتحاد العام لطلبة فلسطين فرع لبنان (1969-1971) وفي عام 1970 ترأس أمانة سر المكتب الطلابي للحركة.
وفي عام 1978 أصبح عضوا في الهيئة التنفيذية للاتحاد العام لطلبة فلسطين وعضوا في المجلس الوطني الفلسطيني، وعضوا في لجنة إقليم حركة فتح في لبنان من عام 1979 حتى خروج الثورة بشكل علني عام 1982.
أعيد تشكيل لجنة الإقليم وإعادتها إلى الساحة اللبنانية لترتيب أوضاع الحركة التنظيمية والعسكرية والسياسية وأصبح عضوا في قيادة لبنان وعاد إليها عام 1983.
طورد من قبل قوات النظام السوري في بيروت بتهمة الانتماء لحركة فتح، وتمكنت من اعتقاله في 23 يوليو/تموز 1985 ليمكث في سجونها وخاصة في فرع المخابرات الذي يحمل اسم "فلسطين" حتى عام 1989 ليجري بعدها إرساله إلى لبنان.
عاد إلى فلسطين في يونيو/حزيران 1994 ليساهم في تشكيل جهاز المخابرات العامة الفلسطينية ويتسلم مسؤوليته في الضفة الغربية.
وكان الطيراوي ضمن القيادات الفلسطينية التي حاصرتها إسرائيل مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقر المقاطعة برام الله عامي 2002-2003.
وفي أغسطس/آب 2007 عينه الرئيس محمود عباس رئيسا لجهاز المخابرات العامة الفلسطينية برتبة لواء حتى إعفائه في 21 نوفمبر 2008. وقال وقتها إن إقالته "جاءت بناء على رغبة أميركية إسرائيلية".
وفي ذات اليوم عين اللواء الطيراوي في منصب المستشار الأمني لعباس برتبة وزير إلا أنه استقال بعد نجاحه بالحصول على عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح في أغسطس 2009.
ويرأس الطيراوي اللجنة الوطنية الخاصة بالتحقيق في ظروف مقتل الرئيس الراحل ياسر عرفات والتي شكلت عام 2009 لكنها لم تتوصل إلى أي نتائج فعلية.
مواقف جدلية
عرف عن الطيراوي مواقفه الخارجة عن سياق السلطة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة وأيضا معاداته لحركة المقاومة الإسلامية "حماس".
ومن تلك المواقف توجيهه رسالة إلى وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي قال له فيها: "حان وقت ذهابك إلى المنزل لمقابلة نفسك، لأنك لم تعد قادرا على التعبير عن الحد الأدنى الدبلوماسي لطموحات الشعب الذي تمثله في الدبلوماسية العالمية".
وجاءت تصريحات الطيراوي بعد إعراب المالكي عن خشيته من تهرب إسرائيل من عقد لقاء مع المسؤولين الفلسطينيين في موسكو مطلع يونيو/حزيران 2020، وطالب الأول وقتها باستبدال وزير الخارجية "بشكل عاجل".
كما شن الطيراوي في يوليو/تموز 2022، هجوما على رئيس مجلس القضاء الأعلى عيسى أبو شرار ووصفه بـ"الفاسد" وأنه "يجب أن يذهب لبيته ويحاكم"، مشددا على أنه قدم بلاغا ضده أمام النيابة العامة منذ فترة بسبب فساده.
وعد الطيراوي أن "مستشار عباس قد يكون ضلله" بالتوقيع على القوانين الإجرائية وقانون التنفيذ التي أصدرها رئيس السلطة عام 2021، وتمس بحقوق المواطنين من ناحية أوامر الحبس والمحاكمات وحضور المحامين.
وأشار في تصريحات أخرى إلى أن: "عيسى أبو شرار، حكم على كثير من الفدائيين الفلسطينيين بالإعدام والسجن المشدد، عام 1970، عندما كان قاضيا في المحكمة العسكرية الأردنية، قبل أن يتدخل الملك حسين ويصدر عفوا عنهم".
وخلال فعالية في الأردن في ديسمبر/كانون الأول 2021، قال الطيراوي "الربيع العربي الصهيو أميركي لم يبدأ من تونس بل بدأ من غزة عندما اختطفت هي وشعبها"، في إشارة إلى سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007 إثر عدم تمكينها من الحكم بعد فوزها الكاسح في انتخابات المجلس التشريعي في 2006.
وعرف عن الطيراوي مهاجمته المستمرة لحركة حماس، وقال في يوليو/ تموز 2022 إنها "تخطط للانقلاب الناعم في الضفة الغربية".
وأضاف في تصريحات لتلفزيون فلسطين الرسمي أن "حماس في غزة نفذت انقلابا عسكريا بالسلاح، لكن في الضفة من الصعب أن يعيدوا ما فعلوه هناك، فهم يريدون السيطرة على الجامعات والنقابات والاتحادات والبلديات، وعلى كل المؤسسات".
وقال الطيراوي: علينا كأبناء فتح أن ننسى مصالحنا الشخصية، وأن ننسى طموحاتنا الشخصية لأجل الحركة. وأشار إلى أن حماس لا تعتمد على قاعدتها الشعبية، بل على التباينات التي تحدث في فتح.
واتهم القيادي في حركة "حماس"، يحيى موسى عام 2006 توفيق الطيراوي، بالتورط في تأسيس خلية من أجل تنفيذ اغتيالات بحق قيادات من "فتح" في غزة باسم تنظيم الدولة، لإظهار القطاع على أنه "بؤرة للإرهاب الدولي".
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، منعت السلطات التركية الطيراوي من دخول أراضيها لحضور مهرجان إحياء لذكرى رحيل ياسر عرفات، واحتجزته لساعات طويلة في المطار ثم رحلته إلى الأردن، بالرغم من تدخل سفارة فلسطين لتسهيل دخوله، وقال اللواء وقتها إنهم أبلغوه أنه "خطر على الأمن التركي".