جوزيف عون.. قائد جيش لبنان المرشح المحتمل الأقرب لدخول قصر بعبدا
مع توجه الأنظار في لبنان إلى الاسم الذي سيجلس على كرسي الرئاسة، يكاد يكون قائد الجيش الحالي العماد جوزيف عون أقرب المرشحين لدخول قصر بعبدا.
ومع بدء العد العكسي لانتهاء ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، يسعى الفرقاء اللبنانيون إلى اختيار شخصية غير حزبية تحظى بقبول شعبي.
وينطبق على جوزيف جملة من المواصفات التي تطرحها الأحزاب اللبنانية المتناحرة، وسط مساع حثيثة لانتخاب رئيس جديد في المهلة المحددة دستوريا والتي تبدأ أول سبتمبر/أيلول.
ويحضر اسم جوزيف عون بقوة كقائد في لبنان، ويرى فيه سياسيون أنه "رئيس عاقل حكيم"، على الرغم من كونه قادما من خلفية عسكرية.
إلا أن هؤلاء يرون أن رؤساء لبنان من الخلفيات الحزبية، ركزوا على مصالحهم الشخصية، وتمرير مشاريع بقية الأحزاب وتركوا البلد يغرق في أزماته السياسية والاقتصادية المركبة.
عسكري مسيحي
ولد جوزيف عون عام 1964 في بلدة سن الفيل بقضاء المتن، لأسرة من الطائفة المارونية المسيحية.
يحمل إجازة في العلوم السياسية، اختصاص شؤون دولية، إضافة إلى إجازة جامعية في العلوم العسكرية، ويتقن اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، وهو متزوج من نعمت ولديهما ولدان خليل ونور.
تطوع جوزيف في الجيش بصفة تلميذ ضابط وألحق في الكلية الحربية بدءا من 1985، ورقي إلى رتبة ملازم خلال العام المذكور من فوج المغاوير.
ثم رقي إلى رتبة ملازم أول عام 1988، ثم رقي إلى رتبة نقيب عام 1993، ثم إلى رتبة رائد عام 1998.
ووصل إلى رتبة مقدم عام 2003، وإلى رتبة عقيد ركن عام 2007، ثم رقي إلى رتبة عميد ركن عام 2013.
وبعد توافق داخلي ودولي، عين قائد الفوج التاسع في الجيش العميد الركن جوزيف عون، قائدا للجيش اللبناني في 8 مارس/آذار 2017، بعد ترقيته لرتبة عماد، وذلك خلفا لجان قهوجي.
والعماد عون هو الرابع على رأس المؤسسة العسكرية منذ توقيع اتفاق الطائف عام 1989. وقبل توقيع الاتفاق كان رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون، آخر قائد للجيش.
وحينها كرس اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 إلى 1990) معادلة اقتسام السلطة في البلاد على أساس الانتماءات الدينية والطائفية.
في سجل جوزيف العديد من الدورات العسكرية في الداخل والخارج، وأبرزها في الولايات المتحدة، ومنها دورتا مشاة عامي 1988 و1995، ثم دورة البرنامج الدولي لمواجهة الإرهاب بين عامي 2008 و2009.
كما شارك جوزيف عون في دورة الصاعقة بسوريا عام 1996، ودورة قائد كتيبة في نفس البلد ما بين الأول من أكتوبر 2002 و3 أبريل/نيسان 2003.
وحصل على عدة أوسمة عسكرية، بينها وسام الحرب ثلاث مرات، ووسام الجرحى مرتين، ووسام الوحدة الوطنية، ووسام فجر الجنوب.
حظوظ مرحلية
وباتت حظوظ جوزيف متقدمة على أقرانه من الأسماء المطروحة، وفي طليعتهم زعيم تيار المردة سليمان فرنجية الذي يدفع به حزب الله اللبناني المدعوم من إيران إلى الواجهة.
إذ إن مقاربة الاستحقاق الرئاسي المعقدة في لبنان، تشهد في هذه الدورة سجالا كبيرا للتوافق على رئيس بعيد عن ما يسمى محور الممانعة ممثلا بحزب الله وحلفائه.
وأن لا يصنف الاسم المرشح في خانة أي طرف منذ البداية، وأن يكون لديه القدرة على الانفتاح إلى الدول العربية لانتشال البلاد من أزماته الاقتصادية التي عصفت بها منذ عام 2019.
ولذلك، فإن مواقف الكتل النيابية تنصب على انتزاع نقاط في صالح بعض الأسماء، دون أخرى، لأن انتخاب رئيس الجمهورية هو البداية لمعركة كبرى لتشكيل حكومة جديدة.
ولهذا فإن زعيم القوات اللبنانية، سمير جعجع أبدى دعمه لترشح قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية في "حال تبين بأن حظوظه متقدمة"، وفق تعبيره. بينما لحزب الله وفريقه مرشح واضح للرئاسة هو سليمان فرنجية.
لكن القوى المعارضة لهذا الحلف، تعمل على الاتفاق على أن تخوض المعركة الرئاسية يد واحدة لمنع حصول فرنجية على النصف زائدا واحدا.
وتنبع حظوظ جوزيف عون في الرئاسة، أولا من كون الظروف مواتية للوصول إلى رئيس توافقي وخاصة وسط الخشية من بدء الفراغ الرئاسي.
ويصف بعض ساسة لبنان الكبار، حدوث فراغ رئاسي بأنه "لن يؤدي فقط إلى تمديد الأزمة وإنما سيمعن في تدمير ما تبقى من معالم للدولة وفي أخذ البلد إلى فراغ قاتل"، كما قال زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي"، وليد جنبلاط.
ويحتاج انتخاب الرئيس إلى تأمين نصاب نيابي في البرلمان بأغلبية الثلثين، وانتخاب الرئيس في الدورة الأولى بأكثرية الثلثين، وهو ما يدفع القوى السياسية للتأكيد على ضرورة عدم مقاطعة الجلسة.
كما يشكل الوضع الأمني الراهن في لبنان، ومشكلة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل ومحاولات حزب الله التصعيد، عاملا يدفع باسم عون لاعتقاد مؤيديه أنه قادر على ضبط إيقاع المشهد.
فضلا عن أن رئيس الكنسية "البطريركية المارونية" بشارة الراعي يدعم خيار العماد جوزيف عون للرئاسة.
كما أنه خلال لقاء مع "تلفزيون لبنان" نهاية يونيو/حزيران 2022، رأى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، أنه لا مانع من وصول جوزيف للرئاسة كونه "ينفذ مهماته، وثبّت الأمن الداخلي، وخاض معارك مع مهربي المخدرات".
وجعجع الذي حقق مكاسب انتخابية على حساب مقاعد "حزب الله" والتيار "الوطني الحر" وحلفائهما، يعد منحه لعون بطاقة عبور لدخول القصر الرئاسي عامل أساسي وداعم.
كما أن الأوساط اللبنانية، تنظر إلى جوزيف عون على أنه أثبت جدارة، حينما لمع نجمه عندما أعلن الجيش اللبناني إطلاق عملية "فجر الجرود" عام 2017.
وتمكن خلالها آنذاك من تحرير الأراضي اللبنانية التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة، وقطع حلمه بالتمدد والوصول إلى سواحل البحر المتوسط.
واعتمد عون وقتها على تسلمه للملف الأمني منذ عام 2014 حينما كان قائدا للفوج التاسع عبر نشر قوات الجيش على الحدود الشرقية مع سوريا عند نقطة جرود عرسال، لمواجهة "جبهة النصرة" وتنظيم الدولة.
الحفاظ على الجيش
وكثيرا ما عقد جوزيف عون في مقر القيادة العسكرية في اليرزة شرق بيروت، اجتماعات على وقع الأزمات الاقتصادية والسياسية بلبنان.
إذ حذر في 8 مارس 2021، من أن "تجربة 1975 لن تتكرر" في إشارة إلى الحرب الأهلية اللبنانية.
ومضى يقول: الجيش اللبناني لن يكون مكسر عصا لأحد، نحن العمود الفقري للبنان وضمانة استقراره، ولا أحد يقبل بعودة سيطرة المليشيات والعيش تحت رحمة العصابات المسلحة".
وهذا ما جعل من الرجل العسكري مقبولا بنظر اللبنانيين الذين ما يزالون يعيشون "معادلة السلاح" التي تحكم تصفية الخلافات السياسية بين الفرقاء ولا سيما في العاصمة بيروت.
والنقطة الأهم في ملف جوزيف، اهتمامه في تأمين معيشة العسكريين اللبنانيين ومنع طلبات التسريح للضباط والعناصر بحجة تدهور الرواتب في ظل الظروف الاقتصادية للبلاد.
إذ اجتهد جوزيف في توفير الظروف الملائمة لهم صحيا ومعيشيا لما في ذلك من أثر كبير على الحفاظ على استقرار لبنان، إذ يحصل الجيش على مساعدات مالية بشكل متكرر من دول عربية وغربية.
وتؤكد وسائل إعلام لبنانية محلية، أن جوزيف عون يحظى بقبول أميركي، وهذا ما يزيد من نقاطه في تقلد منصب رئيس الجمهورية الرابع عشر للبنان.
وفي هذا الإطار، سبق أن رأت صحيفة "اللواء" اللبنانية، تعليقا على زيارة جوزيف عون للولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بأنها تدل على "تعاطي واشنطن المباشر معه من دون أي مسؤول سياسي لبناني آخر، ويعكس مدى الثقة التي توليها الإدارة لشخصه".