أبو بكر المشهور.. مفكر يمني سخر عمره للدعوة وطردته السعودية لرفضه التطبيع
بعد حياة حافلة بالعطاء الأدبي والديني والإصلاحي، رحل المفكر اليمني أبو بكر العدني بن علي المشهور في 27 يوليو/تموز 2022، عن عمر ناهز 75 عاما.
العلامة الذي رحل في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية عمّان، بعد صراع مع المرض، كان من أبرز قيادات التيار "الصوفي" في اليمن، وينتمي إلى "آل باعلوي" في أحور بمحافظة أبين جنوبي البلاد.
مسيرة عطاء
ولد أبو بكر العدني بن علي المشهور عام 1947، في أحور من أسرة علم، وحفظ القرآن الكريم على يد والده، ونال نصيبا من العلوم الشرعية واللغوية في حلقاته في "المدرسة الميمونة" في ذات المدينة.
تلقى العلوم الشرعية على مجموعة من علماء أحوَر وحضرموت وعدن، وأكمل دراسته الثانوية في المدينة الأخيرة.
جمع في تعليمه بين التلقي عن الشيوخ عن طريق التعليم الأبوي والمسند وبين التعليم الأكاديمي المعاصر، وتخرج في جامعة عدن كلية التربية قسم اللغة العربية، وحصل أخيرا على شهادة الدكتوراه من نفس الجامعة.
التحق بسلك التربية والتعليم في شبابه، ودرَّس في "المدرسة الميمونة" بأحوَر، ثم درَّس ببعض مدارس عدن بعد تخرجه الجامعي.
في العام 1980، انتقل المشهور إلى السعودية واستمر في تلقي العلم، وعمل إماما وخطيبا لبعض مساجد مدينة جدة خلال فترة وجوده فيها.
عاد إلى اليمن عام 1992، بعد تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو/أيار 1990، وتجرد لخدمة الدعوة الإسلامية تربية وتعليما ومنهاجا، ونشر الوعي الديني على منهج الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي.
وأنشأ المشهور عشرات المعاهد التربوية التعليمية تحت مسمى "أربطة التربية الإسلامية"، والمراكز التعليمية والمهنية، ومراكز الدراسات والأبحاث التي بلغت 16رباطا علميا و80 مركزا تعليميا في أنحاء الجمهورية اليمنية.
وأقام عشرات الدورات الصيفية لطلاب وطالبات المدارس والعديد من الندوات والحلقات العلمية، ونشاط المنتديات الثقافية، والدورات التعليمية، وله رحلات عديدة إلى مصر والشام والأردن وسريلانكا وغيرها من الدول.
كما يعد من علماء الصوفية المشهورين من أهل السنة وله العديد من المؤلفات في خدمة الدعوة الإسلامية.
فكر وسطي
تميز العلامة أبوبكر المشهور بنهجه الدعوي الوسطي وتأسيسه لمدرسه فقه الواقع، وخطابه الدعوي الإرشادي من أجل تكريس النهج النبوي والتعاليم الربانية.
أعاد لحمة ركنية "العلم بعلامات الساعة" كركن رابع إلى أركان الدين الثلاثة الإسلام والإيمان والإحسان كما هو مقرر في حديث جبريل، وفقهه الخاص المسمى بـ"فقه التحولات" وقد تناول هذا الموضوع بتفصيل في كتبه.
وأضاف "سنة المواقف" و"سنة الدلالة"، كإضافة محمودة في علم فقه الدعوة.
كما وضع فكرة تقسيم المسيرة الإنسانية إلى قسمين: المدرسة الأبوية الشرعية، وروادها الأنبياء، والعلماء، والصالحون. والمدرسة الأنوية الوضعية ورائدها الشيطان وأعوانه من الدجاجلة والكفَّار.
ووضع فكرة الثالوث الوبائي: الشيطان – الدجال – الكُفر. ويقابله المثلث المدموج: التربية – التعليم – الدعوة إلى الله، والمعادل الرابع: الاكتفاء الذاتي.
دعا إلى تصحيح الانحرافات الفكرية من خلال توضيح المفاهيم، مثل: العقل السليم في القلب السليم، الغاية تقرر الوسيلة، الإنسان قبل البنيان والمعلم قبل المنهج والتربية قبل التعليم.
ومن أقواله: "إن من واجب العلماء والعقلاء من الحكام ومنفذي قرار العلم والديانة أن يقدروا للأمانة قدرها فيعملون ما استطاعوا على إعادة لحمة العلاقات الإيمانية بين المذاهب والجماعات والأحزاب والفئات والطوائف والتيارات على أساس مفهوم القواسم المشتركة".
له مؤلفات ومنظومات في مختلف العلوم والفنون، مثل: الفِكر والتربية وفقه الدعوة، والتاريخ، والتراجم والسِيَر، والفقه، والشِّعر.
من أهم مؤلفاته في خدمة الدعوة الإسلامية والتربية الأبوية الشرعية: الأسس والمنطلقات في تحليل غوامض سنة المواقف وفقه التحولات، التليد والطارف شرح منظومة فقه التحولات وسنة المواقف، إحياء لغة الإسلام العالمية، إحياء منهجية النمط الأوسط من بقية السيف وسادة الصلح.
وأيضا: دوائر الإعادة ومراتب الإفادة، النبذة الصغرى في معرفة علامات الساعة الكبرى والوسطى والصغرى، سلسلة أعلام مدرسة حضرموت.
تقلّد منصب رئيس الجامعة الوسطية للعلوم الشرعية في مدينة حضرموت شرقي اليمن، والموجه العام لأربطة التربية الإسلامية ومراكزها التعليمية في الجمهورية، وسَخَر حياته لفعل الخير وخدمة العلم والدين، وإنشاء عشرات المعاهد التربوية والتعليمية.
مضايقة ونعي
خلال السنوات الماضية، تعرض الداعية أبو بكر العدني، لمضايقات عدة في المملكة العربية السعودية والتي كان يقيم فيها، حيث منع من إقامة المحاضرات في المساجد بعد استدعائه من قبل السلطات في مدينة جدة.
لجأ لإقامة المحضارات في منزله، غير أنه جرى منعه بعد ذلك، وطلبت منه السلطات مغادرة السعودية، بسبب نهجه الدعوي وسلسلة الدروس التي كان يقيمها وفقا لما أورده "الموقع بوست" عن مصادر مطلعة.
وبحسب المصادر فإن الداعية العدني أراد العودة إلى السعودية مجددا غير أنه منع وجرى السماح لأسرته فقط بالعودة.
وأوضحت أن المشهور كان له موقف واضح ضد مشروع التطبيع مع إسرائيل وكان يبرز ذلك في محاضراته العديدة والتي لم تنل رضا السلطات السعودية التي تقول تقارير عربية وغربية إنها تتجه نحو تلك الخطوة التي سبقتها إليها دول عربية عام 2020.
ومن أقوال الداعية الراحل: "إن الإسلام ديانة.. والديانة ثوابت وأسس ومقومات وبمقدار إعادة الشعوب علاقتها بالديانة والتدين يبدأ مشروع التحصين الإيجابي ضد فيروسات الانحلال والابتذال في الحياة".
وفي العام 2019، ذكر بيان لمكتبه أن السلطات السعودية استدعته للاستيضاح والإفادة بما يتعلق بدروسه ونشاطه وخرج بعدها مباشرة إلى داره.
وعمت حالة من الحزن في الأوساط اليمنية لرحيل الداعية المشهور، والذي كان له حضور في عدد من المحافظات.
ونعت وزارة الأوقاف والإرشاد اليمنية، في بيان لها العلامة أبوبكر العدني بن علي المشهور، وأشارت إلى مناقب الفقيد وتواضعه ومحبته بين الناس.
وقالت الوزارة في بيان النعي، الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"، إن الفقيد كان عالما في العلوم الشرعية وشاعرا وأديبا، سخر عمره في الدعوة والإرشاد الديني وإصلاح ذات البين، وكان مصلحا اجتماعيا وصوتا مسموعا ومقبولا.
من جانبه بعث رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، برقية عزاء ومواساة الى عائلة العلامة المشهور، مشيدا بمناقب الفقيد الكبير ومسيرته الثرية بالبحث والارشاد، وإصلاح ذات البين، واضافاته المحمودة في الفقه الاسلامي، والعمل الدعوي المنفتح على نهج الوسطية والاعتدال، والتعايش السلمي.
كما نعى سياسيون وناشطون على مواقع التواصل العلامة "المشهور"، الذي قالوا إنه كان من أكثر رجالات الدين في البلاد اعتدالا ووسطية خلال فترة حياته.