وكالة الأنباء الرسمية في المغرب.. هكذا حددت "قيمة الخبر" للدفاع عن أخنوش

12

طباعة

مشاركة

في خضم انتقادات شعبية لحكومة المغرب، وخاصة رئيسها عزيز أخنوش، جراء ارتفاع الأسعار بشكل جنوني للمحروقات، دخلت وكالة الأنباء الرسمية المعروفة باسم "لاماب" على الخط، في موقف غير مسبوق.

ونشرت الوكالة، وشعارها "قيمة الخبر"، مقالا تدافع فيه عن أخنوش وشركات المحروقات، وتشكك في ناشطي منصات التواصل الاجتماعي وتكيل الاتهامات للمعارضين، مع تزييف الحقائق، في موقف يحصل لأول مرة في تاريخ الحكومات الأخيرة.

ويرى مراقبون أن دفاع الوكالة "المستغرب" عن رئيس الحكومة الحالي يطرح إشكالات أخلاقية وأيضا مهنية، خاصة أنها وجهت الاتهامات لمنتقدي ارتفاع الأسعار مع تقديم تبريرات لسياسة أخنوش الذي ظل صامتا وعاجزا عن اتخاذ إجراءات لحماية القدرة الشرائية للمواطنين.

محاولة خطيرة

وفي 21 يوليو/تموز 2022، نشرت وكالة المغرب العربي للأنباء مقالا تحت عنوان: “عشر نقاط رئيسة لفهم الحملة ضد رئيس الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي".

وأفادت بأن أخنوش، يواجه حملة "مغرضة” على مواقع التواصل “غير صادرة عن إرادة شعبية”، وأن الأمر يتعلق بـ“محاولة خطيرة لزعزعة استقرار الحكومة، لا تقاس عواقبها على استقرار البلاد”.

وأشارت إلى أن "هناك عشرة أبعاد وأسرار تمهد الطريق لفهم هذه الحملة المغرضة ضد رئيس الحكومة، تفضي في مجملها إلى معرفة هوية من يحركها".

وزعمت الوكالة أن هذه الحملة “ليست ناجمة عن حركة شعبية، وإنما يغذيها على وجه الخصوص أزيد من 500 حساب مزيف، جرى إحداثها فوريا من قبل أوساط حاقدة غير معروفة حتى الآن لشن حملة ضد رئيس الحكومة”.

ورأت أن “هناك رغبة واضحة في تكرار حملة المقاطعة، التي جرى تشخيص مراميها بشكل دقيق، وألحقت أضرارا بثلاث علامات تجارية لفاعلين اقتصاديين في أبريل/نيسان 2018 استهدفت منتجات مثل المياه المعدنية والحليب والبنزين”.

وفي دفاعها عن أخنوش وشركات المحروقات، نفت الوكالة أن يكون خفض أسعار النفط في محطات الوقود "أمرا فوريا، بل ينبغي بيع المخزون الذي سبق شراؤه بسعر أعلى".

وفي 24 يوليو/تموز، نشرت الوكالة مقالا للمحلل السياسي وأستاذ القانون، مصطفى السحيمي، وصف فيها الحملة الموجهة ضد رئيس الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي بـ"الانحراف والزيغ في ممارسة حرية التعبير".

وعادت بعد ذلك بيوم واحد لتنشر مقالا للصحفي محمد طنطاوي، عد فيه أن الموجة "الهاشتاغية" ضد أخنوش تمثل "انهيارا أخلاقيا حقيقيا"، محذرا من تداعيات ثقافة "هاشتاغ" سمجة وسطحية ومجهولة الهوية.

وفي تعليقه على ذلك، قال الصحفي محمد عمر إن "وكالة الأنباء ظلت زمنا طويلا خارج المشهد الإعلامي الذي يتابعه المواطنون كونها رسمية هدفها تمكين المؤسسات الإعلامية الأخرى وصحفييها بالبيانات الرسمية من القصر إلى الوزارات وغيرها من الهيئات العمومية".

وأوضح في حديث لـ"الاستقلال" أن "الوكالة بدأ يسطع نجمها محليا مع جائحة كورونا والإحصائيات التي كانت تقدمها وهنا نتحدث عن فترة أكثر من سنتين، لكن مع مقال الدفاع عن أخنوش يمكن القول إنها ضربت كل رصيدها في الصفر".

وأشار عمر إلى أن "لاماب كانت المتحدث باسم القصر وكانت الهيئات السياسية بما فيها الحكومة في درجة واحدة، تقدم فيها المعلومة دون إبداء أي رأي أو الدخول في مشاحنات أو الوقوف بجانب طرف ضد الآخر".

وأوضح أن "هجومها على ناشطي منصات التواصل الاجتماعي ووصفهم بالسريين، وكيل الاتهامات للمعارضة، يدخل (لاماب) في خانة الإعلام المعادي لتوجهات المواطنين".

ورأى عمر أن "سلسلة المقالات التي نشرتها الوكالة دفاعا عن رئيس الحكومة في غياب للرأي الآخر تعد أول وآخر مسمار في نعش (الحيادية الحزبية) الوطنية للوكالة على مدى 65 عاما منذ تأسيسها".

وشدد على أن "إصلاح هذا الخطأ الجسيم يأتي بإقالة مدير لاماب (خليل الهاشمي) ومن أشاروا عليه بنشر تلك المقالة اللامهنية والتي ضربت في مصداقية الوكالة التي يفترض أن تكون على مسافة واحدة بين الشعب والحكومة".

موقع "آذار" المحلي رد على مقال الوكالة بمقال عنونه مدير النشر فيها، مصطفى الفن، بأن "استقرار المغرب ليس مرتبطا برحيل رئيس حكومة".

وقال الفن: "أستبعد جدا أن يكون الرد (العنيف)، الذي أحصت فيه (لاماب) عشر نقط لفهم الحملة الشعبية ضد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، كتب داخل وكالة رسمية".

وأضاف "ظني أن هذا الرد، الذي يشبه ربما بلاغات الضابطة القضائية في الأنظمة الشمولية، كتب في (سياق خاص) نسي ربما أننا في المغرب وأن لنا دستورا بثلاثة ثوابت رابعها هو الخيار الديمقراطي الذي يضمن حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الاحتجاج".

وتابع: "يضمن حتى حرية قول (اللهم إن هذا لمنكر) عقب الغلاء الذي اشتعل في البشر وفي الشجر وفي كل شيء".

ورأى أن "هذا (الرد) المجهول النسب لم يكن هناك داع إليه سواء بدافع سياسي أو أخلاقي ولا حتى مهني لأن أخنوش له حزب سياسي اسمه التجمع الوطني للأحرار.. وبإمكانه أن يجمع مكتبه السياسي لإصدار بلاغ داعم له لما يفعله من موقع رئاسة الحكومة".

بدوره، قال الكاتب جمال اسطيفي: "باشرت وكالة المغرب العربي للأنباء (لاماب) نشر سلسلة من المقالات، كلها تلتقي في فكرة واحدة هي ربط استقرار حكومة أخنوش باستقرار البلاد، وهكذا ولأول مرة يصبح أحد غير شخص الملك رمزا للاستقرار".

وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك في 21 يوليو: "بعد أن حول الهاشمي الوكالة الرسمية إلى ما يشبه (وكالة إشهارية) تتحدث بلسان من يدفع أكثر، دخل بـ (لاماب) منعرجا خطيرا بالدفاع عن أخنوش، بل وتمادت في كيل الاتهامات للمشاركين بالحملة وشيطنتهم واتهامهم بمحاولة زعزعة استقرار البلاد".

وشدد اسطيفي على أن "ما تقوم به (لاماب) فضيحة بكل المقاييس، وخروج عن الأدوار المفروض أن تلعبها وكالة رسمية للأنباء، كما أنه تبخيس لاحتجاج اختير له أن يكون رقميا".

عواقب وخيمة

أحزاب المعارضة لم تقف في دور المتفرج، خاصة أن المقال اتهمها دون ذكر حزب بعينه، وردت عبر بيانات استنكارية على مقال الوكالة.

وأعرب "الفريق الاشتراكي" بمجلس النواب، عبر بيان صادر عنه في 25 يوليو 2022 عن استغرابه لـ"نشر مؤسسة رسمية مقالا غير موقع مما يعني أنه ليس مقال رأي يعبر عن رأي صاحبه، ويفيد أن الوكالة، كمؤسسة رسمية، تتبناه شكلا من حيث الأسلوب المتحامل والقدحي الذي يتعارض مع القواعد الصحافية الاحترافية والأخلاقيات المهنية".

وقال الفريق الاشتراكي: "لا يستسيغ إقحام المعارضة، بطريقة فجة وغير مسؤولة، في تحليل أسباب الحملة الموجهة ضد السياسة الحكومية على مواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية والمحروقات".

واستنكر ما سماه "انزياح" الوكالة عن خطها التحريري وعن ثقافتها كمؤسسة وطنية رائدة في المجال الإعلامي، "وهو ما جعلها، تحت غطاء التحليل، تسوق لأخبار واهية ومضللة".

وحمل مسؤولية هذا الانزلاق للمسؤولين عن تدبير شؤون الوكالة، بما يعني خرقهم المقصود لمبدأ مصداقية الأخبار.

وطالب الفريق البرلماني، إدارة الوكالة بـ"ضرورة السحب الفوري للمقال المذكور، وتقديم اعتذار للمعارضة على هذا الخطأ الجسيم الذي لا تعي المؤسسة عواقبه الوخيمة على المشهد السياسي الوطني".

بدوره، توجه فريق "التقدم والاشتراكية" بمجلس النواب، في 26 يوليو 2022، إلى لجنة التعليم والثقافة والاتصال لعقد اجتماع في أقرب الآجال، لمناقشة موضوع “ملابسات نشر وكالة الأنباء لمقال عشر نقط رئيسة لفهم الحملة ضد رئيس الحكومة”.

وعد الفريق أنه "من خلال نشر الوكالة لهذا المقال المثير للجدل، فقد نصبت نفسها في موقع المحامي لفائدة مصالح اقتصادية ومالية على حساب القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما يشكل سابقة خطيرة، ومسا خطيرا بحقوق المعارضة المؤسساتية وحقوقها الدستورية لأنه ليس من حق الوكالة تبخيس الأشكال الاحتجاجية".

وتابع "كما أن أخنوش له أغلبية حكومية مكونة من ثلاثة أحزاب، وكان المفروض أن يستدعيها على عجل للتداول في سبل إطفاء هذه النيران التي تقترب من البيت الحكومي في شكل هاشتاغ لم يعد افتراضيا وإنما تحول إلى حقيقة على الأرض".

المجموعة النيابية لـ”العدالة والتنمية” بمجلس النواب، وجهت شكوى بدورها إلى "المجلس الوطني للصحافة" (هيئة خاصة بالصحفيين) ضد الوكالة، بسبب توجيهها ”اتهامات للمعارضة بالتواطؤ مع ناشطين" وصفهم المقال بالسريين.

وسجلت المجموعة بالشكوى المرسلة في27 يوليو، أن "المقال تناول موضوعا يجري النقاش بشأنه بين عموم مكونات الطبقة السياسية والمجتمع، دون أن يتضمن جميع الآراء ووجهات النظر، واكتفى بوجهة نظر وحيدة مليئة بالمغالطات والاتهامات".

موقع "أش كاين" المحلي قال: "المعروف أنه في كل بلدان العالم تعد وكالة الأنباء الرسمية مؤسسة عمومية، وتمول من المواطنين دافعي الضرائب، تعمل من خلال نهجها التحريري على خدمة مصلحة الدولة مساندة سياساتها العمومية وتوجهاتها الإستراتيجية، محليا وإقليميا ودوليا".

واستدرك موضحا: "لكن؛ في المغرب، وفي انحراف غير مسبوق، انبرت الوكالة إلى الدفاع بشكل مباشر وعلني عن رئيس حزب سياسي بعينه ومهاجمة منتقديه بأشد العبارات إلى حد التخوين".

وبين أن "لاماب تجاوزت دورها كوكالة أنباء، وراحت تلعب دور الجناح الإعلامي للحزب السياسي القائد للحكومة، وهاجمت معارضيه، واتهمتهم بـالتواطؤ مع  ناشطين سريين، وكأننا في زمن الانتفاضات والخلايا السرية والألوية الحمراء".