إسقاط النظام كاملا.. الإندبندنت: احتجاجات سريلانكا ستتوقف في هذه الحالة
أعلن القائم بأعمال الرئيس السريلانكي رانيل ويكريمسينجه، في 18 يوليو/ تموز 2022، حالة الطوارئ، من أجل وقف ومعالجة الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة التي تعصف بالبلاد منذ شهور، تمهيدا لانتخاب رئيس جديد.
فيما رأت صحيفة "إندبندنت" البريطانية في نسختها التركية، أن الشعب السريلانكي لن يوقف المظاهرات في البلاد حتى إسقاط النظام كاملا، في البلد الذي أغرقته أسرة راجاباكسا في أزمة اقتصادية غير مسبوقة.
سموم عائلية
ولفتت الصحيفة إلى أن رئيس سريلانكا المخلوع غوتابايا راجاباكسا، الذي فر إلى الخارج هذا الأسبوع هربا من انتفاضة شعبية ضد حكومته، زعم أنه اتخذ "جميع الخطوات الممكنة" لتجنب الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت الدولة.
وقبل البرلمان استقالة راجاباكسا الذي سافر إلى جزر المالديف ثم سنغافورة بعد خروج مئات الآلاف من المتظاهرين المناهضين للحكومة إلى شوارع كولومبو واحتلالهم قصره.
ويكرمسينغي، حليف أسرة راجاباكسا، هو أحد أكبر المتنافسين على تولي منصب الرئاسة، لكن المحتجين يريدون رحيله أيضا، ما سيؤدي إلى احتمال حدوث مزيد من الاضطرابات في حالة انتخابه.
وذكرت الصحيفة أن شهورا من الاحتجاجات في سريلانكا نجحت في الوصول إلى قوة من شأنها أن تغير بشكل جذري الهيكل الاجتماعي والسياسي للبلاد بعد أن اقتحم الشعب القصر الرئاسي.
فالكساد الاقتصادي في البلاد أجبر الناس على النزول إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد، واقتحام القصر الرئاسي وإجبار الرئيس ورئيس الوزراء على الاستقالة.
وما فتئ شعب سريلانكا يحتج ويقاوم ضد عمليات السرقة والاستغلال والنهب وسوء الإدارة التي تقوم بها الإدارات التي كانت في السلطة منذ عام 1950.
فالمظاهرات والاحتجاجات المستمرة منذ مارس/ آذار 2022 بشكل متواصل ذات أهمية تاريخية، شأنها شأن احتجاجات عام 1953.
ويحاول المتظاهرون أن يظهروا للعالم كيف تستغل عائلة راجاباكسا وعصابة صغيرة متجمعة حول هذه العائلة البلاد ضد الأشخاص الذين يعيشون في فقر وبؤس.
ويقول المحتجون إن عائلة راجاباكسا هي المسؤولة الوحيدة عن الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد، مؤكدين أن هذه العائلة ألقت بالبلاد في الهاوية وأنه ليس من السهل الخروج من الكارثة الاقتصادية التي تسببت بها هذه الأسرة.
ويقولون أيضا إنهم اعتادوا الذهاب في إجازة، لكنهم اليوم لا يملكون المال لوضع البنزين في سياراتهم للعودة إلى ديارهم. وقد جعلت عائلة راجاباكسا سريلانكا، التي كانت في السابق مكتفية ذاتيا في مجال الأرز، تعتمد على شراء الأرز من الخارج.
فشل ذريع
وحصلت سريلانكا على استقلالها عن بريطانيا في 4 فبراير/ شباط 1948. وتعد الأزمة الاقتصادية الحالية الأكبر في فترة ما بعد الاستقلال.
وجعلت إدارة راجاباكسا سريلانكا أفضل مثال على الدولة المفلسة. ولم تأخذ الإدارة الأزمة الاقتصادية على محمل الجد. وكان يعتقد أن الجمهور سيبقى مع سياسات سطحية تهدف إلى إنقاذ اليوم.
وأخطأت الحكومة باعتقادها أنه يمكنها الخروج من الأزمة الاقتصادية بعائدات السياحة والعملات الأجنبية.
بتعبير أدق، أنكرت إدارة راجاباسكا وجود أزمة اقتصادية في البلاد ولم تر نفسها مسؤولة عن الوضع، وحاولت جذب المستثمرين الأجانب من خلال اتفاقيات مبادلة ثنائية قصيرة الأجل.
وبدأت سريلانكا، التي يبدو أنها استنفدت جميع احتياطيات النقد الأجنبي، تشهد نقصا في الغذاء والغاز والكهرباء وغيرها من المواد الهامة. كان انقطاع التيار الكهربائي الأخير لمدة 13 ساعة هو القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير.
ومنذ عام 1956، عمقت الحكومات الصراع العرقي بين السنهاليين والتاميل بدلا من حل الأزمات الاقتصادية.
وأدت السياسات القومية، التي عدت الأغلبية السنهالية البوذية المواطنين الشرعيين الوحيدين ولم تعترف بأقلية التاميل، إلى تعميق الصراع العرقي وصعود القومية التاميلية.
ومن خلال تقديم التاميل على أنهم تهديد داخلي مثير للانقسام، أنفقت النخب الحاكمة في سريلانكا مبالغ كبيرة من المال على الإنفاق العسكري، وضمنت وقوف الجيش إلى جانب الأنظمة الاستبدادية، واستغلت مسألة التاميل، وأفقرت المجتمع وجردته من ممتلكاته.
وأهم الجناة في الأزمة الاقتصادية في سريلانكا هي العنصرية والعسكرية والاستبداد.
وفي سريلانكا، ترتفع أسعار الضروريات الأساسية بشكل فلكي. وتتسبب الزيادات المرتفعة في أسعار النفط والأرز والخبز في أن يشكل الناس طوابير طويلة لساعات.
الناس الذين ينتظرون لساعات في طابور الخبز تحت أشعة الشمس الحارقة يفقدون حياتهم.
وسرعان ما انتشرت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، وطالب الناس باستقالة الرئيس ورئيس الوزراء في احتجاج 6 مايو/ أيار 2022، أطلق عليه اسم "المقاومة الكبرى".
ورئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا هو شقيق الرئيس جوتابايا راجاباكسا.
وأدركت الحكومة السريلانكية، التي حاولت قمع الاحتجاجات بالعنف والأسلحة، أن هذا لم يكن مستداما، وفي 9 مايو، أجبر رئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا على الاستقالة.
بعد استقالة ماهيندا راجاباكسا، تولى رانيل ويكريميسينغي رئاسة الوزراء. وفشل ويكريميسينغي، الذي جاء إلى السلطة مع وعد بجذب الاستثمارات الأجنبية والعثور على النقد، في إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية.
إسقاط النظام
ويطالب شعب سريلانكا باستقالة الرئيس جوتابايا راجاباكسا ورئيس الوزراء ويكريميسينغي ويرى أن تغيير النظام المدني هو الحاجة الأكثر إلحاحا.
ويعبر الشعب، الذي يرى أن جميع النخب الحاكمة في سريلانكا غير شرعية، عن غضبه من المؤسسة من خلال مهاجمة منازل ومركبات كبار المسؤولين التنفيذيين.
ويشن شعب سريلانكا حركة تمرد ذات مطلب ثوري ودافع بأن "هذا النظام يجب أن يتغير".
ولم تترك الأزمة الاقتصادية أي طبقة وسطى في الأفق. فيوجد حاليا قطاعان في سريلانكا: الفقراء والأقلية الحاكمة الغنية.
كانت الأقلية الحاكمة الثرية في سريلانكا في خوف كبير منذ 9 مايو، من أنه لا يمكن لأي قوة أن تقف في طريق احتجاجات الشعب.
ويريد شعب سريلانكا إقامة نظام اقتصادي وسياسي جديد يتيح له الحصول على المواد الغذائية الأساسية والكهرباء والوقود والأرز والخبز.
والشعب، المقتنع تماما بأن ممثلي المؤسسة سيفشلون في حل الذيول والفقر والبطالة، فقدوا الأمل في الدولة ككل.
كما أن الشعب لا يرى في برنامج صندوق النقد الدولي كافيا للخروج من الأزمة الاقتصادية، ويطالب باتفاق دستوري جديد للخروج من الأزمة، وإعادة بناء الدولة بطريقة ديمقراطية وتشاركية.
وأكدت الصحيفة أن الأزمة السريلانكية مهمة لأنها تبين أن عصابة صغيرة من أجل مصالحها الأسرية يمكن أن تغرق بلدا ضخما في كارثة اقتصادية واجتماعية وسياسية.
وإن القوة الاقتصادية والسياسية التي اكتسبتها عصابة راجاباكسا لم تقدهم إلى ذلك فحسب؛ بل إنها سممت البلد بأكمله.
و الشعب السريلانكي، الذي يبحث عن طرق للشفاء والتخلص من سم عائلة راجاباكسا، لديه مستقبل مليء بالمخاطر وعدم اليقين.