فرّقهما الحكام وجمعهما اللاعبون.. "دورة وهران" تهزم خلافات الجزائر والمغرب
حظي احتفاء الجماهير الجزائرية بالرياضيين المغاربة بالاهتمام الأكبر على امتداد أيام الدورة 19 من ألعاب البحر الأبيض المتوسط، التي احتضنتها مدينة وهران الجزائرية ما بين 25 يونيو/حزيران إلى 5 يوليو/تموز 2022.
لم تدم تلك الفرحة طويلا ونغصتها بعض الإجراءات الأمنية، على ضوء الخلاف السياسي بين الجزائر والمغرب، والذي ارتقى في السنتين الأخيرتين إلى ما يشبه التصعيد المفتوح.
خاوة خاوة
منذ وطئت أقدام الوفد الرياضي المغربي أرضية مطار أحمد بن بلة بومدين الدولي في مدينة وهران، حظي باستقبال حافل من طرف المواطنين الجزائريين الذين كانوا في المطار.
لحظة وصولهم إلى المطار، فوجئ عشرات الرياضيين المغاربة بمئات من المواطنين الجزائرين، وقد صنعوا "ممرا شرفيا"، واصطفوا على جنباته، يستقبلون ضيوف وهران "غير التقليديين"، الرجال بالتصفيق بينما استقبلتهن النساء بالزغاريد.
وبلغ المشهد ذروته، حينما رفع الجزائريون شعار "المغربي الجزائري خاوة خاوة" أي إخوة إخوة، سرعان ما ضجت به جنبات المطار.
هذا الشعار الذي التقطته الهواتف النقالة، غزا مواقع التواصل الاجتماعي بين البلدين، قبل أن تتدخل كبرى قنوات التلفزيون العالمية لتحول "خاوة خاوة" إلى انتصار حقيقي للشعوب على إرادة الأنظمة السياسية.
وأمام هذا الاستقبال الحافل والمفاجئ، عبر الرياضيون المغاربة عن سعادتهم من خلال تفاعلهم سواء عبر حركات أيديهم أو انحناءات رؤوسهم، وكذلك عبر الكلمات التي كانوا يلقونها.
وسجلت العدسات كيف استغل أحد أعضاء الوفد المغربي الفرصة، وتوجه للكاميرا التي كانت تصور فيديو للحدث، ووجه شكره بلغة فرنسية للجزائريين قائلا: "شكرا لكم جميعا أيها الإخوة".
أعضاء الوفد الرياضي المغربي، لم يتوقف تفاعلهم على التصفيق والشكر، بل بلغ أن بعضهم ردد عبارات "وان، تو، ثري، فيفا لالجيري" (واحد، اثنان، ثلاثة، تحيا الجزائر).
هذا الاستقبال الحافل ظهر للمرة الثانية خلال فعاليات الدورة، وكان بشكل أكثر بروزا خلال حفل الافتتاح الذي يعرف في العادة جولة للوفد الرياضية داخل أرضية الملعب إيذانا بانطلاق المنافسات.
فخلال جولة الوفد الرياضي في الملعب، استقبله هذه المرة آلاف الجزائريين بشعار "الجزائر والمغرب خاوة خاوة"، حيث رافقهم على امتداد الجولة، كما وثقته قنوات التلفزيون العربية.
التفاعل بين الرياضيين المغاربة والجمهور الجزائري كان حاضرا في جميع المنافسات الرياضية، وبلغ ذروته في ألعاب القوى وتحديدا في منافسات 5000 متر.
بعد فوزهما في السباق، رفع العداءان المغربيان، سفيان بوقنطار، ومحمد فارس، اللذان حصلا على الرتبة الأولى والثانية تواليا في السباق، العلم الوطني الجزائري إلى جانب علم المغرب، ما خلف موجة كبيرة من الاحتفاء.
ردود السلطة
مشاهد الفرح الشعبي الجزائري بالوفد الرياضي المغربي سرعان ما انقلبت لدى معسكري السلطة لدى الجانبين.
ورفضت السلطات الجزائرية السماح لتسعة صحافيين مغاربة بالدخول ضمن البعثة الرياضية المغربية المشاركة في ألعاب البحر المتوسط.
في مقابل ذلك، سمحت السلطات الجزائرية لخمسة صحافيين مغاربة، أعلنت أنهم "استوفوا الشروط القانونية وحصلوا على اعتماداتهم قبل 20 مايو/أيار" بالدخول.
وصب الموقع الإلكتروني "الجزائر 1" مزيدا من الزيت على هذه القضية، حين نشر في 23 يونيو/حزيران، خبرا مقتضبا عنونه بـ"9 صحفيين مندسين وسط الوفد الرياضي المغربي الوافد إلى وهران".
وتابع في الخبر، "تمكنت المصالح الأمنية الجزائرية المختصة من كشف اختباء 9 صحفيين مغاربية وسط البعثة المغربية الرياضية المشاركة في الدورة الـ19 من منافسات ألعاب البحر الأبيض المتوسط.
وتابع الموقع: "جرى منعهم من مغادرة مطار وهران، في انتظار التأكد من هويتهم الحقيقية وتقديمهم الوثائق والاعتمادات التي تسمح لهم بتغطية الحدث".
الموقع المحسوب على السلطة في الجزائر، واصل محاولة الوقيعة بين المغاربة والجزائريين، حين نشر في 24 يونيو/حزيران تقريرا مفصلا اختار له عنوان "تفاصيل توقيف الجواسيس المغاربة في مطار وهران".
ووصف "الجزائر 1" الصحافيين المغاربة الموقوفين، بأنهم "مجهولو الهوية بلباس رياضي"، "ادعوا أنهم صحفيون خلال التحقيق الأولي معهم"، ليتم في الأخير طردهم نحو بلدهم المغرب بعدما تبين أنهم لا يحملون أي وثيقة تثبت ما يقولونه.
هذا الموضوع كان بمثابة طوق نجاة أعداء الجزائر في المغرب، حيث أعلنت جريدة "شوف تيفي" المقربة من السلطة في الرباط خبر المنع الجزائري ثم شرعت في إنتاج عدد من المواد الإعلامية تعمل كلها على إذكاء الخلاف بين الجانبين.
وكان من بين المواد التي أنتجتها فيديو حمل عنوان "الوفد الإعلامي المغربي المرافق للمنتخبات المغربية في ألعاب الأبيض المتوسط أصبح جاسوسا".
من جهتها، رفضت منظمة مراسلون بلا حدود "ترحيل صحافيين مغاربة من مطار وهران، بمبرر غياب الاعتمادات؛ في حين قدموا لتغطية الألعاب المتوسطية"، ووصفت الفعل بـ"عقبة غير مقبولة لعمل الصحافيين".
من جانبها سجلت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أن ترحيل الصحافيين المغاربة، من أبشع مظاهر التضييق على حرية الصحافة، ويمثل عدوانا على الصحافيين المغاربة، يسمه التمييز والانتقائية، ما دام مقتصرا عليهم دون سواهم".
ورفض "اتحاد الصحافيين الرياضيين المغاربة" المنع الجزائري، وسجل أن قرار سلطات مطار وهران الدولي منع الوفد الإعلامي المرافق للبعثة الرسمية جاء "رغم كافة الإجراءات القبلية التي اتخذتها اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية، في الآجال القانونية، وبتنسيق تام مع اللجنة المنظمة واللجنة الدولية لألعاب البحر الأبيض المتوسط".
أسباب المعركة
هذه المؤثرات شوشت على طريقة وطبيعة التفاعل الجماهيري الجزائري مع الرياضيين المغاربة، لكنها لم تلغ الاحتفاء بالأخوة المغربية الجزائرية داخل مواقع التواصل الاجتماعي، الذي كان استثنائيا بين البلدين والشعبين الجارين.
وعلق الممثل الجزائري الشاب، وابن مدينة وهران محمد خساني على صور الاستقبال: "خاوة خاوة أحب من أحب وكره من كره مرحبا بإخوتنا، من وهران إلى الدار البيضاء نحن واحد".
وقد أخذت تعليقات الجزائريين على الصفحة الرسمية لألعاب البحر المتوسط نفس الاتجاه، وعلقت صفحة باتنة الجزائرية: "إن حفاوة الاستقبال بالوفد الرياضي المغربي في مطار وهران، هي رسالة واضحة، ورقي كبير بعيد عن السياسة".
وتحت وسم #خاوةخاوة نشر حساب مدينة تيسمسيلت على موقع فيسبوك، تدوينة قال فيها: الجزائر والمغرب #خاوةخاوة وبلد واحد وسنبقى واحدا لأن ما يجمعنا أعظم وأكبر من كل شي، فنحن جيران ولنا حدود، يجمعنا الدين".
من جهته نشر حساب "مواقع المملكة المغربية جميعا وراء جلالة الملك شعارنا الله الوطن الملك"، على موقع فيسبوك تدوينة طويلة دعا فيها للتصدي لدعاة الفتنة بين البلدين.
قال أحمد وايحمان رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، "ما أثبتته الدورة الأخيرة من بطولة البحر الأبيض المتوسط، أن المغرب والجزائر شعب واحد لم تفلح حدود الاستعمار ومشاريع الصهيونية وانزلاقات بعض القيادات في التفرقة بينهما".
وتابع أحمد وايحمان في تصريح لصحيفة "الاستقلال"، إن "التاريخ والأنثروبولوجيا تظهران أننا في المغرب العربي وطن واحد، ولنأخذ مثلا الإمبراطورية المرابطية كان قادتها من قبيلة لمتونة من شنقيط أي موريتانيا، ولنأخذ كذلك الإمبراطورية الموحدية قيادتها من الجزائر اليوم".
وتابع "هل يمكن القول مثلا إن ابن خلدون تونسي أو جزائري أو مغربي؟ بالعكس إنه مواطن من "المغارب" (جمع مغرب) الأدنى (تونس)، والأوسط (الجزائر) والأقصى (المغرب)".
وشدد وايحمان: "نحن أبناء وطن واحد كان وعاش قبل الاستعمار والحدود التي وضعها للتفرقة بيننا، ومؤلم صراحة أن يتسابق المسؤولون الرسميون في الاحتفاء بهذه الحدود سواء في الجزائر أو المغرب".
ومضى يقول "التطبيع والانفصال توأم الخراب، فرعاية الانفصال في الصحراء والريف من قبل الجزائر، ثم رعاية الانفصال في القبايل من طرف المغرب، أكبر تهديد لوجود المغرب العربي، وأكثر خدمة توفر للمشروع الصهيوني في المنطقة".
وخلص في تصريحه، "يجب علينا جميعا العودة إلى ما قام به الشعب الجزائري في استقبال الوفد المغربي، أو افتتاح البطولة برفع شعار خاوة خاوة، والرياضيان المغاربة تحديدا في لحظة الفوز في إحدى مسابقات ألعاب القوى بعد رفعهما العلم الجزائري، إنها الروح الحقيقية للشعبين".
وتدهورت العلاقات الثنائية عندما أعلنت الجزائر في أغسطس/آب 2021، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، متهمة المملكة بارتكاب "أعمال عدائية" ضدها. وردت الرباط معربة عن أسفها لهذا القرار ورفضها "مبرراته الزائفة".
كما اتهمت الرئاسة الجزائرية في نوفمبر/تشرين الثاني، المغرب بقصف شاحنتين جزائريتين وقتل ثلاثة من مواطنيها في الصحراء الغربية التي يدور حولها منذ عقود نزاع بين المغرب من جهة وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر من جهة ثانية.
ويقترح المغرب الذي يسيطر على ما يقرب من 80 بالمئة من أراضي هذه المنطقة الصحراوية الشاسعة منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.
أما جبهة البوليساريو فتطالب بإجراء استفتاء لتقرير المصير بإشراف الأمم المتحدة، كان تقرر عند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين عام 1991. وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم.