خلافات بالكواليس.. ما مكاسب تركيا من توقيع اتفاق مع السويد وفنلندا؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفة  "لينتا دوت رو" الروسية عن موافقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو".

وجاءت الموافقة أواخر يونيو/حزيران 2022، بعد إجراء مفاوضات مطولة خلال الفترة الماضية، وتوقيع مذكرة تفاهم ثلاثية بين تركيا والسويد وفنلندا، شأن عضوية البلدين الأخيرين في حلف الناتو، على هامش قمة التكتل في العاصمة الإسبانية مدريد.

ووقع المذكرة كل من وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو ونظيراه الفنلندي بيكا هافيستو والسويدية آن ليندي، في مراسم حضرها أردوغان ونظيره الفنلندي سولي نينيستو ورئيسة الوزراء السويدية ماغدالينا أندرسون.

وتمثلت نقطة الخلاف باتهام تركيا للسويد وفنلندا بدعم التنظيمات المصنفة إرهابية لدى أنقرة ومنها منظمة حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" وجناحه السوري "حزب الاتحاد الديمقراطي" المعروف اختصار باسم "بي واي دي"، ووحدات حماية الشعب التركية "واي بي جي"، وتنظيم غولن المتهم بتنفيذ محاولة انقلاب عام 2016.

فما هي العواقب المترتبة على هذا القرار؟ وهل سيعود بالنفع على العلاقات بين روسيا وتركيا؟ 

يقول الكاتب "ياشار نيازباييف" إن الموضوع الأكثر مناقشة عشية قمة الناتو التي افتتحت في مدريد كان الفيتو التركي ضد انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف.

فقد قدم ممثلو الدولتين الإسكندنافيتين في 18 مايو/أيار 2022، إلى الأمين العام لحلف الناتو "ينس ستولتنبرج" طلبات انضمام، وسط خشية من تهديدات روسيا بعد غزوها أوكرانيا في فبراير/شباط من نفس العام.

وقبل ذلك بوقت قصير، صرح أردوغان أنه لن يدعم تطلعات الدول الإسكندنافية، وطرح شروطه الخاصة لحل الخلافات.

وبعد شهر ونصف، جلست تركيا والسويد وفنلندا تحت القيادة الصارمة لحلف الناتو، إلى طاولة المفاوضات ووقعت مذكرة تفاهم ثلاثية، وسحبت أنقرة بعدها مطالباتها، وفتحت أبواب التحالف.

ويطرح الكاتب تساؤلات قائلا: كيف سارت هذه المفاوضات الصعبة؟ وما الذي حصلت عليه تركيا مقابل موافقتها؟ وما الذي يهدد روسيا وكيف ستتغير العلاقات بين البلدين؟

التناقضات تزداد

وأشار نيازباييف إلى أن السلطات التركية تمكنت من العثور على اللحظة التي احتاج فيها الغرب بشكل خاص إلى إظهار الوحدة، واستخدمتها في مساومة كبيرة.

وأضاف أنه في الوقت الحالي لن يجرؤ جزء واحد من العالم "لا الغرب ولا الشرق" على إفساد العلاقات مع تركيا.

 لهذا السبب تواصل تركيا على سبيل المثال تطوير العلاقات التجارية والسياسية مع روسيا دون الانضمام إلى العقوبات على خلفية غزوها لأوكرانيا.

في حين أن جميع دول الناتو لم تفرض قيودا اقتصادية فحسب، بل أغلقت مجالها الجوي أيضا أمام الطائرات الروسية.

بعبارة أخرى، قررت السلطات التركية استغلال الأزمة الحالية من أجل نقل مخاوفها إلى الحلفاء في الحلف. 

وبحسب أنقرة، فإن الحلف لا يظهر التضامن الواجب بشأن قضية الجماعات الكردية الانفصالية التي تهدد مصالح البلاد. "ونحن نتحدث في المقام الأول عن حزب العمال الكردستاني".

ويتابع كاتب المقال: لذلك أطلقت تركيا في عام 2019 عملية نبع السلام في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردي، وهي منظمة تابعة لحزب العمال الكردستاني. 

وطوال هذا الوقت، كان الجيش يحاول إنشاء ممر أمني بعمق 30 كيلومترا على طول الحدود الجنوبية لتركيا.

ولفت الكاتب إلى أن رد الفعل الجاد للدول الغربية أجبر أنقرة على التخلي عن هذه الطموحات. كما انتقدت السويد وفنلندا تركيا وفرضتا حظر توريد أسلحة عليها.

 وقد قيمت السلطات التركية هذه الإجراءات على أنها دعم مفتوح للأكراد، وكانت هذه هي النقطة التي أصبحت واحدة من النقاط الرئيسة في المفاوضات بين تركيا والدولتين الإسكندنافيتين. 

خلافات وراء الكواليس

وأضاف الكاتب أن كل ذلك ليس سوى الجزء المرئي من الخلاف، وبقيت العديد من القضايا التي نوقشت في القمة خلف الكواليس رغم تسريبها للصحافة. 

فعلى سبيل المثال، يتجنب الرئيس الأميركي جو بايدن الاجتماع مع نظيره التركي، وهذا يفسر أيضا تعاون واشنطن مع وحدات حماية الشعب الكردية.

ويتابع الكاتب: بالعودة إلى عام 2019، أوقفت أنقرة العملية العسكرية بعد إبرام اتفاق مع واشنطن يقضي بأن يبتعد الأكراد مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية. 

ولكن الاتفاق بحسب السلطات التركية، لم ينفذه الجانب الأميركي أبدا، ولهذا هددت تركيا باستئناف عملية عسكرية في شمال سوريا (يرجح أن تبدأ بعد عيد الأضحى نهاية يوليو/تموز 2022) من أجل الوفاء بمهام عام 2019.

واتهم أردوغان السويد وفنلندا بإيواء مسلحين من حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب، وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري. 

وبحسب السلطات التركية، يعيش العديد من أنصار الداعية "فتح الله غولن" في ستوكهولم وهلسنكي.

وطالبت تركيا في السنوات الأخيرة من الدول الإسكندنافية بتسليم 33 شخصا أدانتهم المحاكم التركية ووصفتهم بالإرهابيين. ومع ذلك، رفضت جميع الطلبات أو تجاهلوها تماما.

أما الاتهامات بدعم حزب العمال الكردستاني، فقد نفتها السويد وفنلندا تماما، بينما رفض حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الاعتراف بـ"بي كا كا" منظمة إرهابية.

ويرى نيازباييف بأن الخلافات تتعلق بحقيقة أن الناتو يفتقر إلى التضامن والموقف المشترك تجاه مفهوم "تهديد الإرهاب". 

وصرح وزير الخارجية التركي "مولود تشاووش أوغلو"، عن الخلافات المتراكمة مع السويد وفنلندا قائلا: "الناتو ليس اتحادا أو منظمة دولية، إنه حلف لا يتعلق بالأمن فحسب، بل بالتضامن أيضا".

ومع ذلك، فإن هذا لا ينطبق فقط على الدول الإسكندنافية، فكل من تعدهم تركيا إرهابيين يظلون غامضين في الاتحاد الأوروبي. 

وبالتالي، إحدى المشكلات الرئيسة لمناقشات إعفاء الأتراك من تأشيرة دخول الاتحاد الأوروبي عام 2015 كان بسبب خلاف أنقرة لمراجعة تعريف مفهوم "الإرهاب" بناء على طلب بروكسل.

صفقة كبيرة

وبعد أن أصبح معروفا أن فنلندا والسويد سترسلان ممثلين لهما إلى تركيا لمناقشة مسألة انضمامهما إلى التحالف، حينها صرح أردوغان أن هذين البلدين ليس لهما موقف واضح من المنظمات الإرهابية. 

وأوضح "أردوغان": "يقولون إنهم سيأتون لإقناعنا؟ آسف لقولي هذا، ولكن لا تهتموا، ولا تأتوا إلى بلدنا!".

وأضاف الكاتب: بعد أن رفعت السلطات المخاطر، بدأ العديد من الخبراء الأتراك يقولون إن على أنقرة الثبات على موقفها والدفاع عن المصالح الوطنية، حتى لو استغرق الأمر عاما أو عامين أو عشر سنوات. 

وقد جرى الاستشهاد باليونان كمثال، والتي حرمت مقدونيا لمدة 11 عاما من عضوية الناتو بسبب اسمها. 

فكان يعتقد في أثينا أن اسم الدولة الجديدة كان اغتصابا لاسم المقاطعة اليونانية التي تحمل الاسم نفسه وأن الأيديولوجية المقدونية من بين أمور أخرى تجلب معها تزوير التاريخ والمطالبات الإقليمية التي لا أساس لها من الصحة. 

وفقط بعد إعادة التسمية إلى مقدونيا الشمالية، وافقت اليونان على انضمام البلاد إلى الحلف.

ويستدرك كاتب المقال: لكن أردوغان لم يطل الخلاف كما توقع خبراء عسكريون ومحللون. فقد جرت مفاوضات مطولة بين مسؤولي تركيا والسويد وفنلندا، بمشاركة ممثلي الناتو في كثير من الأحيان، طوال الأسابيع الماضية قبل القمة في مدريد.

تحدد الاتفاقية الثلاثية الإجراءات التي ستتخذها السويد وفنلندا لتلبية مطالب تركيا من الجماعات الكردية وأنصار غولن، وتتعهد بعدم دعم هذه المنظمات. 

كما وافقت الدول الإسكندنافية على وقف أي نشاط لحزب العمال الكردستاني وتجميد أصوله ومنع تجنيد أعضاء جدد في هذه المنظمة ومنع تمويلها.