قد تودي بحياة مئات الآلاف.. الصومال على أعتاب أسوأ مجاعة في تاريخه
أكدت قناة جنوب إفريقية أن المجاعة التي جرى التحذير منها طوال شهور بدأت تتكشف بالفعل في الصومال، حيث يشير تقييم حديث إلى أن 7.7 ملايين صومالي يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
وأوضحت قناة "إس آيه بي سي نيوز"، أن الصومال الذي بات على شفا كارثة يعاني حاليا من مجاعة يعتقد أنها ستكون أسوأ من مثيلاتها التي شهدها طوال تاريخه وأودت بحياة مئات الآلاف.
واقع مرير
وذكرت القناة أن من أسباب هذا الوضع المتأزم الذي ينذر بكارثة إنسانية هو ثلاث سنوات متتالية من انعدام الأمطار الذي أدى إلى أسوأ موجة جفاف في القرن الإفريقي منذ أربعة عقود.
ويعود ذلك إلى ارتفاع درجات الحرارة بسبب تغير المناخ، وتشمل العوامل الأخرى الانقسامات السياسية والاجتماعية طويلة الأمد، مع عقود من الصراع وسوء الإدارة.
وتأثر الصومال أيضا بشدة بالحرب الأوكرانية الروسية، حيث يحصل هذا البلد الإفريقي على 90 بالمئة، من قمحه من تلك المنطقة التي توفر ثلثي النظام الغذائي الصومالي.
وتضاعفت أسعار زيت الطهي والفاصوليا والأرز والسكر أيضا بسبب الآثار الجانبية للصراع، كما ارتفعت تكاليف الوقود والنقل والمدخلات الزراعية مثل الأسمدة.
وناشدت الوكالات الإنسانية الجهات المانحة لتقديم المساعدة، حيث طلبت الأمم المتحدة توفير 1.46 مليار دولار أميركي.
كما يحتاج الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر الصومالي إلى 14.2 مليون دولار أخرى. وهذا أقل بكثير مما حصل عليه الصومال حتى الآن.
وبحلول منتصف عام 2022، تلقى نداء الأمم المتحدة من أجل الصومال 280 مليون دولار، ومع توفير 208 ملايين دولار أخرى خارج النداء، حصلت الصومال بشكل عام أقل من 0.5 مليار دولار من التمويل الإنساني.
وحثت القناة المجتمع الدولي على عدم التراخي، لأن المساعدات الإنسانية الإضافية أمر حيوي لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة.
ولا تملك الحكومة الصومالية القدرة على دعم المجتمعات المتضررة، وستكون إستراتيجيات المواجهة الشخصية منهكة.
بلد الجوع
وواجهت الصومال عدة أزمات غذائية، كان أكبرها وأخطرها في عام 1992، حيث مات 300 ألف شخص، لكن ذلك كان في الغالب بسبب السياسات الطائفية التي استخدمت الطعام كسلاح في الحرب.
وفي المجاعة بين عامي 2010 و 2012، لقي 260 ألف شخص حتفهم بسبب الجفاف الشديد.
وتضاعف عدد سكان الصومال منذ تسعينيات القرن الماضي ليصل إلى 16 مليونا الآن.
وتشير منهجية عالمية، هي "تقدير شدة الأزمات الغذائية بناء على مقاييس الجوع وسوء التغذية والوفيات"، إلى أن 7.7 ملايين صومالي يحتاجون إلى دعم إنساني.
وهناك ما لا يقل عن أربعة ملايين في حاجة إلى مساعدات غذائية عاجلة، ومن بينهم هناك مليون في حالة طوارئ سابقة للمجاعة، ما يجعل هذه الأزمة الأسوأ في تاريخ الصومال الحديث.
وحتى بدون المجاعة، فإن الصومال هي أكثر دول العالم جوعا، كما هو محدد في مؤشر الجوع العالمي. ويعود ذلك بالأساس إلى كون هذا البلد الإفريقي ثاني أفقر دولة في العالم.
وفي عام 2020، بلغ نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي 420 دولارا مقارنة بـ 890 دولارا في إثيوبيا أو 1840 دولارا في كينيا.
ووصل الصومال إلى هذا الوضع بسبب مزيج من تاريخه الطويل من عدم الاستقرار السياسي، والصراع، وسوء إنتاج الغذاء والصدمات البيئية التقدمية مع تقلبات الطقس الآن.
ويكافح الصوماليون للحصول على ما يكفي من الطعام، 2100 سعرة حرارية يوميا، ويضطرون إلى البحث عن سلع أساسية أرخص وغنية بالطاقة مثل الذرة والأرز والقمح مع بعض الزيت، في ظل ندرة الفاكهة والخضروات واللحوم.
ويعني هذا النظام السيء من الناحية الغذائية أن متوسط صرف الأسرة يبلغ حوالي 7 دولارات في اليوم، وهو مبلغ كبير في بلد يعيش فيه ثلثا السكان على أقل من 1.90 دولار في اليوم، وهو خط الفقر المدقع العالمي.
وحتى في ظل الظروف العادية، يعاني خُمس الأطفال الصوماليين من سوء التغذية الحاد أو المعتدل، وهو ما يحرك أكثر من 10 بالمئة من البقاء على قيد الحياة حتى عامهم الخامس. ولذلك إذا حدثت المجاعة، فسيكون مصيرهم رهيبا.
تأقلم مرهق
ولم يكن الاقتصاد الصومالي الذي يعتمد بشكل كبير على المساعدات والقدرات المؤسسية المحدودة قادرا على تقديم الرعاية الكاملة للمواطنين، على الرغم من خطط التنمية.
ولذلك كان على الصوماليين أن يكتسبوا ويتمتعوا بالحيلة والمرونة من خلال إستراتيجيات التأقلم الخاصة بهم، مثل آليات الحماية الاجتماعية التقليدية للمساعدة المتبادلة.
والأهم من ذلك أن الصوماليين تأقلموا تاريخيا مع الوضع من خلال التنقل بشكل دائم.
لكن الزيادة في وتيرة وشدة الجفاف أجبرت المجتمعات على الانتقال إلى المزيد من المستوطنات الحضرية. وأصبح محكوم على الصوماليين البقاء على قيد الحياة في مخيمات مزدحمة حيث لا يتم تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وينتقل العديد من الصوماليين إلى أماكن أبعد. ويبحث ما يقدر بنحو مليوني صومالي عن فرص خارج وطنهم. وتبلغ تحويلاتهم إلى الوطن حوالي 1.4 مليار دولار سنويا.
أي ما يعادل حوالي 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بما يتجاوز المساعدات والاستثمار الأجنبي. وفي فترة ما قبل جائحة كورونا، كان ما لا يقل عن خمس الأسر الصومالية يعتمد على بعض الأموال القادمة من الخارج.
وخلال الوباء، تراجعت التحويلات بمقدار الثلثين لكنها تتعافى الآن. لكن الخطر الأكبر الذي يهدد شريان الحياة هذا بالنسبة للعائلات والمجتمعات اليائسة هو قيود مكافحة غسل الأموال التي فرضتها الدول الغربية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
وزادت الرقابة الدولية من صعوبة وتكلفة تلقي الأموال، وهو أمر عانت منه حتى الوكالات الإنسانية.
ونظرا لأن الجفاف واسع الانتشار، يؤثر على الكثيرين، فإن إستراتيجيات المواجهة غير المستقرة هذه تتعرض الآن لضغوط شديدة حيث تهدد المجاعة جزءا كبيرا من الصوماليين.
تطلعات كبيرة
وعادة ما تحصل الصومال على مليار دولار سنويا لكل أنواع المساعدات الإنسانية. وقام المانحون، بشكل أساسي الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، الذين ساعدوا الصومال على مدى عقود بإضفاء الطابع المؤسسي على دعمهم.
وشهدت ميزانيات المساعدات الروتينية، اتجاها تصاعديا خلال السنوات الأخيرة.
وفي حين أن هناك مخاوف من أن العديد من الأزمات الأخرى، بما في ذلك الطلبات الإضافية بسبب الصدمات المناخية، والتعافي من كورونا، وحرب أوكرانيا، ستؤدي إلى إجهاد ميزانيات المانحين، يأمل الصومال في ألا يواجه تخفيضات في المساعدات.
ويرجع ذلك إلى الاتجاه التدريجي بين المانحين لتركيز مساعدتهم الرسمية على عدد أقل من الدول الفقيرة وتحويل ذلك نحو تدخلات أكبر من النوع الإنساني في وقت تتسبب فيه الكوارث والنزاعات في تكبد خسائر بشرية أكبر.
وفي الصومال، يعطي المانحون الأولوية للمساهمات على أساس المنطق الجغرافي السياسي بما في ذلك المخاطر التي يتعرضون لها من جراء الأزمات وعدم الاستقرار في أماكن أخرى.
وفيما تعد الصومال بلدا يحظى بأولوية المساعدات الدولية حتى الآن لكونه من بين أفقر دول العالم وأكثرها عرضة للأزمات، يسبب الوضع في هذا البلد قلقا كبيرا لجيرانه، بسبب احتمالية تصدير الإرهاب والمهاجرين.
ولم تكن المساعدات الإنسانية كافية على الإطلاق لتلبية جميع الاحتياجات المنقذة للحياة في الصومال. وفي الوقت الحالي، ستزداد الفجوة بين المساعدات التي يرجح أن تحصل عليها البلاد واحتياجاتها المتزايدة بشكل حاد من التقاء العديد من العوامل المعاكسة.
وهذا يعني زيادة المعاناة، والمزيد من سوء التغذية والوفيات، في الأشهر القادمة.
ولا توجد حلول سهلة لمعالجة هذا الوضع الخطير، ولكن بالإمكان التخفيف من الآثار الكارثية بشكل أفضل إذا زادت إستراتيجيات المساعدة من فعاليتها وكفاءتها من خلال نهج أكثر لا مركزية ومحلية يعزز قدرات التكيف المحلية.
وفيما بات من الأكيد أن المساعدات الخارجية، على أي مستوى، لن تحل المشاكل الكامنة والمتكررة في الصومال، فإن التغيير السياسي والاجتماعي داخل الصومال يمكنه فعل ذلك، متى كان الشعب والقادة جاهزين ومنظمين ومتماسكين بشكل كاف للقيام بذلك.