رغم تراجع الأصوات.. دلالات انتخاب نبيه بري مجددا لرئاسة برلمان لبنان

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

للمرة السابعة، عاد رئيس حركة أمل الشيعية نبيه بري إلى رئاسة برلمان لبنان مجددا، ما أثار تساؤلات عديدة، لاسيما أن الانتخابات الأخيرة جاءت عقب حراك شعبي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، كان شعاره "كلن يعني كلن"، أي إسقاط الطبقة السياسية بالكامل.

ويأتي انتخاب بري- صاحب أطول ولاية في رئاسة البرلمان بالعالم العربي- بعد سلسلة أزمات شهدها لبنان خلال السنوات الأخيرة بينها انهيار اقتصادي، واحتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد السلطة وانفجار كارثي بمرفأ بيروت في أغسطس/ آب 2020.

وبالنسبة للعديد من اللبنانيين الذين صوتوا للتغيير، يعد بري البالغ من العمر 84 عاما، تجسيدا لنظام أدى إلى "الشلل السياسي والانهيار الاقتصادي وسوء الإدارة المتفشي منذ سنوات"، حسبما أكدت قناة فرانس 24 تعليقا على الانتخابات التي جرت في 15 مايو/ أيار 2022.

وأظهرت نتائج الانتخابات، حصول حركة أمل على 15 مقعدا من أصل 128، وحليفها الشيعي حزب الله على 13، وكلاهما يحتكران منصب رئاسة البرلمان وفق العرف السياسي بالبلاد، الذي ينص أيضا على منح رئاسة الجمهورية للمسيحيين ورئاسة الحكومة للسنة.

تراجع التصويت

ومع فوز بري مجددا برئاسة البرلمان، كان لافتا هذه المرة أن التصويت له أتى متراجعا على غير العادة، فقد اعتاد أن يتبوأ المنصب بأغلبية مطلقة دون منازع، وذلك قد يظهر تراجع "الثنائي الشيعي" في البلاد.

وفاز برّي بأصوات 65 نائبا من مجموع 128 يشكلون أعضاء البرلمان مقابل 23 ورقة بيضاء و40 ورقة ملغاة، إذ أنه كان المرشح الوحيد لرئاسة البرلمان الذي يعود في لبنان إلى الطائفة الشيعية، والتي حصلت على 27 مقعدا.

وفي 2018، حصل بري على 98 صوتا، فيما صوت له 90 نائبا في برلمان عام 2009. وصوت لصالح بري كل من نواب "حزب الله"، وحركة "أمل"، والحزب "التقدمي الاشتراكي" الذي يتزعمه وليد جنبلاط، وبعض النواب المستقلين المقربين من قوى 8 (مارس) آذار.

وتراجع عدد مقاعد "حزب الله" و"حركة أمل" و"الوطني الحر" (مسيحي) وحلفائهم من 71 إلى نحو 60، فيما المقاعد الـ 68 المتبقية موزعة على قوى مختلفة بعضها قريب من الرياض وواشنطن، والبعض الآخر مستقل.

وسادت حالة من الهرج والمرج عند بدء فرز الأصوات بعد امتناع بري عن قراءة أوراق الاقتراع التي تضمنت عبارات عدة تعد ملغاة. واعترض عدد من النواب بينهم المستقلون على ذلك قبل أن يعود بري ويوافق على قراءتها علنا.

وجاء في بعضها "العدالة لضحايا انفجار المرفأ"، في إشارة إلى عرقلة التحقيق في الانفجار، و"العدالة للمودعين"، في إشارة إلى الانهيار الكامل واحتجاز ودائع اللبنانيين في المصارف، و"لقمان سليم"، الناشط المعارض لحزب الله الذي اغتيل من دون أن يكشف منفذو الجريمة حتى الآن، و"الجمهورية القوية".

وفي خطوة رمزية سبقت انعقاد الجلسة، انضم النواب المستقلون إلى أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من مئتي شخص، في مسيرة على وقع هتافات "ثورة، ثورة" انطلقت من المرفأ، مرورا بساحة الشهداء التي شكلت مهد تظاهرات 2019، وصولا إلى مقر البرلمان في وسط بيروت.

الثورة الحل

وفي قراءته للمشهد، قال الباحث اللبناني في الشأن السياسي إياد الطرابلسي، إن "إعادة انتخاب بري يدل على أن الطبقة السياسية الحاكمة منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان بمثابة صخرة لا يمكن قلعها بهذه السهولة، وأنها لن تزيحها الانتخابات بمشاركة منخفضة وإنما بثورة عارمة تقتلعهم كلهم".

وأضاف الطرابلسي لـ"الاستقلال"، أن "انتخاب بري مجددا لرئاسة البرلمان يشير إلى أن تحالف حزب الله لم يخسر بل إنه استطاع تفتيت الطرف الآخر الذي كان يعول عليه أن يشكل الأغلبية، والذي يمثله (رئيس حزب القوات اللبنانية) سمير جعجع وحلفاؤه من مختلف المكونات".

وأشار إلى أن "واحدة من الدلالات المهمة أيضا أن الوضع الاقتصادي لن يتغير في البلاد وأولى أماراته هو تدهور الليرة اللبنانية بمجرد إعلان انتخاب بري رئيسا للبرلمان، حيث كانت 2700 للدولار الواحد، ثم وصلت إلى 3200 مباشرة بعد الإعلان".

ورأى الباحث أن "انتخاب نبيه بري جعل الشارع اللبناني يصاب بإحباط من أي تغيير محتمل في الوضع الاقتصادي المزري والعزلة التي تعيشها البلاد منذ سنوات، فبقاؤه في منصبه للدورة السابقة يعني بقاء الفساد والمحسوبية وسياسة المحاور".

وخلص الطرابلسي إلى أن "بري يمثل الشريك الأساسي لحزب الله الذي تسبب في الأزمة مع دول الخليج، وتداعياتها الاقتصادية الكبيرة، لذلك عودته مرة ثانية إلى المنصب يعني أن الوضع سيبقى على ما هو عليه، وربما تسير الأمور نحو الأسوأ".

وفي كلمة ألقاها إثر انتخابه في 31 مايو، قال نبيه بري: "سأعمل بهدي كل رأي أو نقد بناء وسوف ألقي خلفي كل إساءة وسنلاقي الورقة البيضاء بقلب أبيض ونية صادقة ويد ممدودة للجميع بالتعاون المخلص من أجل إنقاذ لبنان".

التغيير بعيد

من جانبه، رأى الكاتب اللبناني طوني خوري أن "التغيير والوعود بلبنان جديد يفصّل على قياس الناس وليس على قياس الأحزاب والزعماء والمسؤولين، ذهبت أدراج الرياح، وها هو ​المجلس النيابي​ قد أكد المؤكد وهو أن ما يقال لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، والدليل الأول على ذلك أتى من البرلمان تحديدا حيث عاد رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى موقعه".

وأضاف خوري خلال مقال نشرته صحيفة "النشرة" اللبنانية في 1 يونيو/ حزيران 2022، أن "ما يمكن قوله هو أن لا شيء تغيّر و​تشكيل الحكومة​ المقبلة سيأخذ مداه، وعلى الجميع ألا يصدّقوا كل ما يقال عن (فرض شروط) من هنا وهناك للخروج بحكومة مستقلة عن الأحزاب والسياسيين، فهذا كلام لا يصلح سوى للاستهلاك، وجلّ ما سيحصل هو تأخير التسوية لوقت غير معروف، وبغطاء خارجي حتما".

ومع عودة بري إلى الساحة، يرى الكاتب أن "المشهد اللبناني يكون قد أرسى أسس العودة إلى ما كان عليه، وعلى الرغم من تغير بعض الأسماء أو الشخصيات، إلا أن ما اشتكى منه الجميع سيكون هو المعتمد لبناء المرحلة المقبلة، حكوميا ورئاسيا، لأنه بعد الاستحقاق الحكومي، سيتكرر السيناريو نفسه في الاستحقاق الرئاسي، إلى أن تفضي التسوية إلى انتخاب شخصية لا تنتمي إلى التغيير بصلة".

وشرح خوري ذلك بالقول، "لأنه حتى ولو سلّمنا جدلا أن الرئيس المقبل سيحمل معه رغبة حقيقية في التغيير، لن يمكنه القيام بأي شيء في ظل (اللوبي) السياسي والحزبي الذي سيواجهه ويحد من تحركاته وقراراته".

وعليه، أضاف: "نجد أن الحلقة المفرغة التي دار فيها اللبنانيون لنحو ثلاث سنوات، بقيت على حالها لا بل زادت سوءا، ورسّخت نفسها على أنها الثابت الوحيد في هذا البلد. كنا قد وُعدنا بحكومة تنقذ الوضع فتبيّن أن الوعد بقي ناقصا، وكنا قد وُعدنا بانتخابات تنقذ الوضع، فتبيّن أن الوعد كان فارغا، وسيتم وعدنا بحكومة جديدة ورئيس جديد ينقذان لبنان".

وأردف: "من شبه المؤكد أن الوعد سيكون مجرد كلام في الهواء، وأقصى ما يمكن أن يأمله اللبناني هو أن يتم اتخاذ تدابير تحدّ من التدهور وتسمح له تدريجيا بالعودة إلى ما كان عليه سابقا، وتحديدا قبل نحو ثلاث سنوات، فيكون التغيير المنشود عودة إلى الماضي".

وعلى وتيرة مماثلة، قال النائب اللبناني ​وضاح الصادق​، إن "الذي حصل (انتخاب بري) كان متوقعا مع وجود التحالف الثلاثي الذي يقاوم ويصارع لإبقاء سيطرته الكاملة على ​المجلس النيابي​ وعلى البلاد"، مؤكدا أن "الهدف الأول كان بإحياء الديمقراطية، بدل التوافق الذي كان يحصل سابقا بالمحاصصة".

وأوضح الصادق خلال تصريح نقلته إذاعة "صوت لبنان" في 1 يونيو، أن "النتيجة التي حصل عليها تثبت أن التغيير يمكن أن يحصل". أما في معركة نائب رئيس المجلس، مؤكدا أنّ في الجلسات المقبلة "سنقاتل حتى لا يتم توزيع الحصص مثل العادة".