حلال للأجانب حرام على الشعب.. ضوء أخضر للتظاهر في قمة المناخ بمصر
تشتهر قمم المناخ التي تعقد في عديد من دول العالم بقيام ناشطي البيئة بالاحتجاج ضد قادة ورؤساء الدول، لتقاعسهم إزاء اتخاذ خطوات ملموسة، لإنقاذ الكوكب من ظاهرة الاحتباس الحراري المتفاقمة.
لذا أثيرت تساؤلات كثيرة، حين اختيرت مصر رسميا لاستضافة النسخة 27 من مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
لا سيما عن إمكانية سماح السلطات المصرية بتنظيم مظاهرات أم ستمنعها بالنظر لأنها سنت قانونا لمنع التظاهر يقضي بسجن من يتظاهر 3 إلى 15 سنة وغرامات بآلاف الدولارات، فضلا عن سجل نظام عبد الفتاح السيسي السيء ضد المساحات الخضراء في السنوات الأخيرة.
ولمنع مظاهرات المعارضة عقب انقلاب 2013، أصدر رئيس المحكمة الدستورية، الذي عينه العسكر رئيسا مؤقتا للبلاد عدلي منصور، قانونا يمنع التظاهر بداية من نوفمبر 2013 بدعوى أنها تشكل "تهديدا على الأمن".
سماح غير معهود
دفع هذا الوضع منظمة العفو الدولية لإصدار بيان في 23 مايو/ أيار 2022، تحذر فيه من منع مصر احتجاجات الشوارع خلال قمة شرم الشيخ المناخية المرتقبة، بسبب نهجها "غير المتسامح" مع الاحتجاج السلمي، على حد وصفها.
وذكر البيان الذي نشرته المنظمة عبر تويتر، أن "سجل مصر السيء في قمع المعارضة السلمية والفضاء المدني يجب ألا يسمح له بتقويض نجاح قمة Cop27 لتغير المناخ".
وطالبت المنظمة الحكومات المشاركة في المؤتمر بالضغط على نظام السيسي لضمان المشاركة الآمنة والفعالة للمجتمع المدني، سواء للمصريين أو غير المصريين.
وشددت على أنه، "لا ينبغي أن يصبح مؤتمر كوب27 حدثا آخر تستغله السلطات المصرية لتلميع صورتها. فمن المهم للغاية ضمان المشاركة الهادفة للمجتمع المدني المصري وغير المصري بالإضافة إلى أمن جميع المشاركين".
مؤتمر #كوب27 يمثّل لحظة بالغة الأهمية لمجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، من الدول إلى ممثلي المجتمع المدني، للالتقاء ومناقشة القضايا الحاسمة لمستقبل الكوكب.#مصر pic.twitter.com/XfjgboJO9M
— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) May 25, 2022
لأن بيان "العفو الدولية" أحرج مصر، اضطر وزير خارجيتها سامح شكري لإعلان أن بلاده ستسمح بمظاهرات حول قضايا المناخ خلال القمة، على الرغم من أن تنظيم المظاهرات ممنوع قانونا في البلاد دون موافقة رسمية منذ عام 2013.
وقال شكري لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في 24 مايو، إنه سيتم السماح بالاحتجاجات ولكن في "منشأة مجاورة للمؤتمر مخصصة لذلك، وسنوفر لهم الفرصة الكاملة للمشاركة والنشاط والتظاهر فيها لإبداء آرائهم ليوم واحد".
وجاء هذا ردا على سؤال: "أنتم تقومون بقمع المظاهرات التي لا توافق عليها الحكومة، وتمنعون أي احتجاجات، فكيف سيتظاهر النشطاء الذين اعتادوا ذلك في مؤتمرات المناخ السابقة؟".
وليبين أنه ليس لديه مشكلة مع مظاهرات الأجانب في قمة المناخ، زعم شكري أنه دعا خلال اجتماعات في الدنمارك حول قمة المناخ في 12 مايو 2022، المحتجين الذين كانوا خارج قاعة الاجتماع إلى التحدث معه.
وادعى أن الاجتماع معهم كان "مثمرا"، مؤكدا أن أهداف مصر المناخية "تتماشى مع أهداف العديد من المحتجين"، على حد زعمه.
وتزامن تحذير العفو الدولية، مع توثيق "مركز شفافية للأبحاث والتوثيق وإدارة البيانات" البحثي المستقل تعرض 16 ألفا و64 مصريا من "أصحاب الخلفية السياسية" للملاحقة الأمنية والقضائية خلال عامي 2020 و2021 في مصر.
وكشف في تقرير أصدره في 23 مايو، تعرض عشرة آلاف و291 مصريا لإجراءات أمنية تمثلت في الإيقاف أو الاعتقال، وتلفيق قضايا خلال عام 2020، مقابل خمسة آلاف و773 مصريا عام 2021.
ويقصد بالخلفية السياسية الاتهام في القضايا المرتبطة بالاحتجاجات والتظاهرات السياسية و"الانضمام لجماعة إرهابية وإسقاط نظام الحكم وغيرها"، وفق التقرير.
سخرية كبيرة
ما أثار سخرية المصريين والأجانب هو السماح بالتظاهر "مؤقتا"، وللأجانب فقط، وفي مكان مغلق عليهم، بحجة إقناع الرأي العام الدولي، أن مصر التي تقتل النشطاء بها حريات.
وكان الممثل الخاص لرئيس قمة المناخ 27 (وزير الخارجية سامح شكري)، وائل أبو المجد أكثر وضوحا حين صرح لوكالة رويترز البريطانية في 25 مايو، أن من سيتم السماح لهم بالتظاهر في مكان انعقاد القمة، هم "نشطاء المناخ".
وأضاف أن "مصر تحظر المظاهرات العامة وغير المصرح بها، لكنها سترحب بالاحتجاجات ضمن قواعد قمة شرم الشيخ في الفترة من 7 إلى 18 نوفمبر 2022".
وتابع: "هناك قواعد معينة (للتظاهر) ونحن نعمل مع الأمانة العامة لضمان أنه إذا كان هناك أشخاص يريدون الاحتجاج، فيحق لهم القيام بذلك، وسيجري ذلك بطريقة سلمية"، مضيفا أنه يأمل أن يلعب نشطاء المناخ والناشطون دورا بناء.
ومضى يقول متهكما: "من الجيد أن يكون هناك أشخاص يصرخون عليك، وآمل ألا يلقوا أشياء عليك"!
تصريحات شكري التي أثارت السخرية دفعت صحفيين للبحث عن هذا المكان المخصص للتظاهر دون جدوى، لأن مكان المؤتمر لم يعلن بعد لأسباب أمنية.
وحصلت "الاستقلال" على معلومات تشير إلى أن مكان التظاهر، ربما سيكون إحدى قاعات المؤتمر المغلقة داخل أحد الفنادق، وستكون محاصرة من قبل قوات الأمن، أو جزءا من حديقة يجري بناؤها حاليا.
حيث يجري بناء مشروع حديقة مركزية، تقام على مساحة 110 آلاف متر مربع، بمكان معزول في منطقة "حي النور" بشرم الشيخ.
وبسبب الإجراءات الأمنية المشددة في شرم الشيخ في الأوقات العادية، وإحاطة المدينة بسور ضخم به 4 مداخل مؤمنة بشدة، يمنع الدخول لغير السياح الأجانب والعرب، خاصة أهالي سيناء، ما يعني عدم السماح للمصريين بالتظاهر.
ويتعرض المصريون الذين يزورون شرم الشيخ لإجراءات أمنية صعبة تشمل تفتيش السيارات والحافلات عبر قرابة خمسة كمائن أمنية على الطريق، ولا يسمح بتحركهم بحرية قرب منطقة المؤتمرات، وستزيد هذه القيود مع قمة المناخ.
"أرز" دولي
وتثير القمة تساؤلات حول كيف تستضيف دولة قمة لحماية المناخ، بينما نظامها السياسي الحاكم يشتهر بتقطيع الأشجار والقضاء على الحدائق وتدمير البيئة؟ وما الأهداف الحقيقية وراء ذلك؟
ويحظى النظام المصري الحالي بسمعة سيئة تجاه البيئة حيث يتعمد إلى تقطيع الأشجار من أجل إقامة الطرق والجسور، ما جعل مصريين يسخرون من مشاركته في قمة للحفاظ على المناخ الذي يفسده.
وفي خطة المناخ المقدمة إلى الأمم المتحدة عام 2017، حددت مصر مدى تأثرها بالمشكلات الخاصة بالبيئة في تعرض البلاد لموجات حر غير تقليدية وفيضانات وندرة المياه بسبب تغير المناخ، لكنها لم تحدد كمية الانبعاثات وآثار قطع الأشجار.
وأظهر استطلاع أجرته شركة أبحاث السوق البريطانية "أبسوس موري" في يوليو/تموز 2020، أن الاهتمام والوعي بتغير المناخ في مصر، أقل منه في دول شمال إفريقيا.
وأوضح أن 26 بالمئة فقط من المصريين يدركون مخاطر تغير المناخ وأنه "موجود وينتج في الغالب عن النشاط البشري"، بينما في المغرب مثلا ترتفع هذه النسبة إلى 71 بالمئة.
فحين طلب رئيس النظام عبد الفتاح السيسي استضافة قمة المناخ في شرم الشيخ، انتقد مصريون تحمل مصر تكاليف لا قبل لها بها، متسائلين عن الفائدة التي ستعود على مصر منها.
لذا كان ملفتا أن تصريحات المسؤولين المصريين حول قمة المناخ ركزت على سعي القاهرة إلى الحصول على تبرعات ومساعدات مالية من الدول الكبرى ما يعرف شعبيا بـ"الرز"، كونها ضمن الفئة المتضررة من تأثير أنشطة البلدان الصناعية على المناخ.
وركزت تصريحات وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط، ووزير المالية محمد معيط لصحيفة الغارديان البريطانية في 25 مايو 2022، على خطط مصر في القمة مشددين على أهمية جمع الأموال.
وقالت "المشاط" إن تركيز الحكومة المصرية في قمة شرم الشيخ للمناخ سيكون في الانتقال من التعهدات إلى التنفيذ وسد الفجوة بين تمنيات التغلب على المناخ والسياسات والممارسات العملية.
وأشارت إلى أن بعض البلدان تجد صعوبة في الحصول على التمويل (للتغلب على مشاكل المناخ)، ويجب معالجة ذلك بطرق جديدة "للتخلص من المخاطر المالية".
مخطط مكشوف
وزير المالية "معيط" كان أكثر وضوحا في المسائل المالية، حين شدد على دعوة الدول الغنية لزيادة التمويلات للمساعدة في مواجهة تغير المناخ في جنوب العالم، ومنها مصر.
وقال إن مصر ستضغط من أجل الحصول على تعهدات بتخفيف أعباء الديون في الوقت نفسه عن العالم النامي وبناء القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ.
وأضاف: "معظم البلدان النامية مديونة، هل يمكننا فعل شيء لإشراك تلك البلدان؟ هل يمكننا تقليل هذا العبء ومساعدتها على تحقيق صفرية الانبعاثات؟".
ولم يكتف "معيط" بهذا، بل طالب ضمنيا بأن تكون هذه الأموال من الدول الكبرى "هبات أو تبرعات"، حين حذر من "قيام الدول الغنية بتقديم التمويل المناخي على شكل قروض تتطلب السداد أو تحمل الفوائد".
وقال، متحدثا في تجمع صغير في مدينة لندن حسبما نقلت عنه الصحيفة البريطانية: "لا تخبرني أنك ستقدم تمويلا صديقا للبيئة بنفس تكلفة التمويل التقليدي"، "لن يحدث هذا"!
وبحسب الغارديان، فإن الحكومة المصرية شددت على أن مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي المرتقب يجب أن يشهد حث الحكومات على الوفاء بالوعود التي تعهدت بها في القمة الأخيرة.
وأكد الممثل الخاص لوزير الخارجية المصري، وائل أبو المجد في تصريحات سابقة لوكالة رويترز البريطانية، أنه يجب أن تكون المساعدة المالية للبلدان النامية على رأس جدول أعمال محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ هذا العام.
وقال إن الدولة المضيفة، مصر، ستطلب من الحكومات الوفاء بالوعود التي تم التعهد بها في قمة COP26 بغلاسكو البريطانية في 2021.
وقال "أبو المجد"، عن دور مصر في القمة، إنها "ستظل محايدة وتساعد في الوساطة بين البلدان النامية والمتقدمة للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن تعهدات تمويل المناخ".
وانتهت قمة 2021 في غلاسكو بتعهد ما يقرب من 200 دولة مشاركة بتعزيز التزاماتها المتعلقة بالمناخ هذا العام.
لكن البلدان الغنية خيبت آمال الكثيرين في غلاسكو بعدما قالت إنها لن تقدم 100 مليار دولار سنويا تعهدت بها بين 2020 و2023 لمساعدة البلدان النامية في التحول نحو الطاقة النظيفة والتكيف مع ارتفاع حرارة العالم.
ويثير عقد القمة في مصر تساؤلات أخرى بعدما سبق أن رفض الرئيس الأميريكي جو بايدن مقابلة أو مصافحة السيسي في قمة غلاسكو رغم وجودهما في نفس القاعة لإلقاء كلمات، بسبب السجل الحقوقي الأسود لمصر.
كما تغيب ولي عهد السعودية محمد بن سلمان عن حضور قمة غلاسكو لأنه تم إخباره أن بايدن سيرفض مقابلته أو مصافحته، ولا يعرف هل سيحضر قمة شرم الشيخ ويلتقي بايدن أو يغيب بايدن نفسه عنها.
وسبق أن بعث بايدن برسالة واضحة للسيسي وابن سلمان يوم 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، مفادها أنه سيرفض لقاءهما، دون ذكر أسماء، خلال لقاء بثته شبكة "سي إن إن"، بقوله إن "أشخاصا" من الشرق الأوسط يرغبون في التحدث معي لكني "لن أفعل".