موقع إيطالي: الاحتجاجات تندلع بإيران رغم معاناة مصر وتونس من نفس الأزمات
انزلقت بلدان عديدة خلال الأشهر الأخيرة في دوامة خطيرة من الأزمات الاقتصادية ونقص المواد الأساسية منذ اندلاع الحرب بأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
وقال موقع إنسايد أوفر الإيطالي إن "الحديث عن هذه الأزمات تعلق بتونس ومصر ولبنان وسوريا، لكن دولة أخرى جذبت في الأسابيع الأخيرة الانتباه الدولي وهي إيران".
وأضاف أن "طهران تشكو أزمة خطيرة أثرت على القوة الشرائية للسكان، فيما باتت نسبة كبيرة منهم غير قادرة على توفير المواد الغذائية الأساسية ويشمل ذلك الطبقة الوسطى أيضا".
وأشار الموقع إلى أنه "على عكس الدول الأخرى، اندلعت احتجاجات في إيران ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل".
جذور الأزمة
وأرجع الأزمة الاقتصادية في إيران إلى عدة عوامل، في البداية تفشي جائحة كورونا الذي عطل عجلة الاقتصاد لأشهر وزاد من الانفاق العام، كما تسبب في انهيار أسعار النفط.
وتابع "ثم أدى نشوب الحرب في أوكرانيا بعد ذلك إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية التي تأثرت بها البلاد لسنوات مما قوض نموها".
ويضيف "خلقت هذه العوامل مزيجا خطيرا يضاف له أيضا العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على طهران مما نتج عنه ركود اقتصادي منذ سنوات".
ذكر الموقع الإيطالي أن اقتصاد طهران يرتكز على قطاعات الزراعة والخدمات وبشكل أساسي المحروقات لا سيما أن البلاد تحتل المرتبة الرابعة في العالم من حيث احتياطي النفط والثانية للغاز الطبيعي.
ولاحظ أنه "على الرغم من وجود نظام اقتصادي متنوع، لا تزال طهران تعتمد بشكل خاص على عائدات قطاع الطاقة وبالتالي على تقلباته".
ويذكر في هذا السياق أن انخفاض عائدات النفط وما تلاها من زيادة الإنفاق أدى بين عامي 2021 و2022 إلى مجابهة الحكومة لفترة من العجز المالي، كما أن عدة قطاعات اقتصادية في حالة تدهور مستمر.
ووفقا للبنك الدولي، تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفترة 2020-2021 إلى ما كان عليه في 2010-2011 بينما انخفض نصيب الفرد من الناتج إلى المستوى المسجل بين عامي 2004 و2005.
بحسب "إنسايد أوفر"، لدى الأزمة جذور بعيدة تعود إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018 بناء على طلب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وتكثيف حزم العقوبات.
ومنذ ذلك الحين، فقدت العملة الوطنية (التومان) 82 بالمئة من قيمتها وارتفع التضخم من 30 إلى أكثر من 40 بالمئة، يشير الموقع.
كما يعيش السكان في حالة من الهشاشة الشديدة تساوت فيها عتبة الفقر عند 400 دولار شهريا لكل أسرة، في حين أن المعاش التقاعدي لا يتجاوز 7 ملايين تومان أي ما يعادل 232 يورو ولا تكفي الملايين لتوفير حاجياتهم إلى نهاية الشهر.
وأضاف الموقع "بسبب الحرب في أوكرانيا، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير وشملت في البداية اللحوم والأسماك، ثم الطحين والأرز مما أثار غضب السكان".
وفقا لمقابلات أجرتها صحيفة لوموند الفرنسية، يكلف سعر علبة الجبن الآن على سبيل المثال 30 ألف تومان، أي خمسة أضعاف السعر الذي كانت عليه قبل عام.
ولم تعد الأسرة التي قابلتها الصحيفة قادرة على الحصول حتى على الزبادي، وهو أحد الأطعمة الأساسية في النظام الغذائي الايراني بالإضافة إلى الأرز.
كما لم تعد الأسعار في متناول كل من الطبقات الفقيرة والمتوسطة على حد سواء. ووفقا للكثير من المراقبين، لم يعد للطبقة الوسطى أي وجود في إيران.
احتجاجات الغلاء
أشار الموقع الإيطالي إلى أنه في يناير/كانون الثاني، تجمع الكثير من المواطنين في ما لا يقل عن 80 مدينة إيرانية للاحتجاج على الأوضاع المعيشية.
وفي الأشهر القليلة الماضية أصبحت الاحتجاجات أكثر كثافة وتعرض المحتجون لقمع عنيف من قوات الشرطة.
بلغ الوضع ذروته مع إعلان حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي في 3 مايو/أيار عزمها خفض الدعم الممنوح للمواد الغذائية الأساسية كالقمح.
وقد أدت هذه الخطوة إلى زيادة الأسعار بنسبة تصل إلى 300 بالمئة مما فاقم عجز المقدرة الشرائية للأسر.
وأدى رفع الدعم إلى نزول السكان إلى شوارع المدن الإيرانية للاحتجاج مما أجج موجة جديدة من المظاهرات على شاكلة تلك المندلعة عام 2019.
وأوضح الموقع الإيطالي أنها انطلقت في البداية من المحافظات الجنوبية والغربية تحديدا في خوزستان، تشهار محال وبختیاري، ومدن بروجرد في لرستان ودهدشت في وكوهكيلويه وبوير أحمد، وهي بالفعل مناطق تعرف بالفقر والتهميش.
كما خرجت مظاهرات أخرى في بعض مدن منطقة أصفهان وسط البلاد وفي الشرق بمحافظة خراسان الرضوية، ولم تبلغ العاصمة طهران إلا في 15 مايو، واستمرت عدة أيام.
ولفت إنسايد أوفر إلى أن هذه الاحتجاجات التي لم تسجل في دول أخرى تعاني من نفس المشاكل، تميزت برفع شعارات تطالب بإسقاط السلطة وحّمل بعضها رئيس البلاد وأعلى سلطة في البلاد، المرشد الأعلى علي خامنئي، المسؤولية المباشرة الأزمة.
وذكر الموقع أن بعض الشعارات طالب رافعوها بعودة سلالة بهلوي، آخر سلالة ملكية إيرانية حكمت ما يقرب من 54 عاما بين عامي 1925 و1979 قبل أن تنهي حكمها الثورة الإيرانية.
وبذلك اتخذت هذه الأحداث دلالات سياسية، يعلق الموقع الإيطالي.
وصف الموقع تعامل قوات الأمن بالانتقامي وإن كان أقل عنفا من تعاملها مع المحتجين في عام 2019 لتسفر الاشتباكات عن مقتل خمسة أشخاص.
كما حجبت السلطات اتصال الإنترنت لعدة أيام لمنع الناس من تنظيم مسيرات على الشبكة.
وبالمقارنة مع مظاهرات عام 2019، تعد الاحتجاجات الأخيرة منظمة بشكل جيد وتقدم طلبات محددة للغاية ولا تتجاوز الحدود أبدا، كما أنها تتفاوض مع القادة السياسيين، وفق قول الموقع الإيطالي.
في الختام، أشار الموقع إلى أن ثقة الإيرانيين في المؤسسات تنهار أكثر فأكثر وهو ما يتجلى في بلوغ نسبة الامتناع عن التصويت مستويات قياسية في العام 2021.
إذ كانت في حدود 51 بالمئة في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 و57 بالمئة في الانتخابات التشريعية لعام 2020.