ليس تغير المناخ فقط.. لهذا السبب تتفاقم آثار العواصف الترابية في العراق
أكد عدد من المسؤولين والخبراء أن تغير المناخ هو أحد العوامل الرئيسة وراء موجة العواصف الترابية التي تضرب العراق، وسط حالة الفشل من قبل المسؤولين لمنع ذلك.
وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، اجتاحت العراق عواصف رملية تسببت في نقل الآلاف إلى المستشفيات وإجبار الرحلات الجوية على البقاء على الأرض بينما تلونت سماؤه باللون الأحمر.
تغير المناخ
وتغير المناخ في العراق "يجعل الصيف أكثر سخونة وجفافا وأطول، مما يؤدي إلى استنزاف موارد المياه بشكل أسرع".
وهذا بدوره يقود إلى التصحر الذي يحول المزيد من المساحات الخضراء إلى مناطق قاحلة تفقد التربة والغبار المتسرب منها وفق ما أكده سجاد جياد الزميل في مؤسسة القرن لصحيفة ذا ناشيونال الإماراتية.
عانى العراق من خسارة كبيرة في الأراضي الزراعية والريفية. ووجدت الأمم المتحدة أن ما يصل إلى 31 بالمئة من مساحة البلد صحراء.
ويمكن أن تصبح المزيد من الأراضي صحراء إذا لم يجر سن السياسات واتخاذ إجراءات عاجلة. وتقول الأمم المتحدة إن 39 بالمئة من العراق يتأثر بالتصحر، مع 54 بالمئة أخرى في خطر.
يرى جياد أن العديد من المناطق "جرى تحويلها إلى مساكن بسبب زيادة الطلب على السكان، مما أدى إلى انخفاض الغطاء النباتي والحواجز الطبيعية أمام العواصف الرملية، وكذلك زيادة الضغط على الموارد المائية".
وبالإضافة إلى "الجفاف وتراجع مستويات الماء في الأنهار والبحيرات، يجري إنشاء السدود مما أدى إلى جفاف مساحات شاسعة من الأرض".
وفي مؤشر على خطورة الوضع، قالت وزارة البيئة العراقية خلال مايو/أيار 2022 إن بغداد "تعرضت لستين طنا من الغبار والأوساخ مما يعد أكبر تلوث عالمي في المنطقة".
حذر الخبراء لسنوات من أن العواصف الترابية المتزايدة ستضر سلبا باقتصاد الدولة الشرق أوسطية والزراعة وسبل عيش المواطنين والصناعة العامة.
في سياق متصل، قالت الحكومة إن البلاد من المقرر أن تشهد 300 يوم مغبر في العام 2023.
وقال جياد إن هذا "سيعرض صحة العراقيين للخطر ويوقف النقل ويلحق الضرر بالاقتصاد، كما أن له آثارا سلبية على الزراعة والصناعات وصيانة المباني، وتوليد الطاقة وتوزيعها".
وأضاف "من المحتمل أن يكون هناك جيل كبير من الأطفال الصغار يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي لأنهم مجبرون على العيش بجودة هواء سيئة للغاية".
وأوضحت مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق جينين هينيس بلاسخارت أن الموجة الحالية من العواصف الترابية تجاوزت تلك التي حدثت في السنوات الأخيرة.
وبينت لمجلس الأمن الدولي: "منذ فبراير/شباط، عانى العراق من الغبار الشديد والعواصف الرملية التي تحجب السماء وتجعل الناس يركضون بحثا عن مأوى، حتى أنها أدت إلى المرض وفي أحيان أخرى إلى الوفاة".
وأضافت أنه من المتوقع أن تصبح العواصف الرملية أكثر تواترا، وحذرت من أن "استمرار التقاعس سيأتي بتكاليف باهظة".
لماذا العراق؟
بالنسبة لعزام علوش رئيس منظمة طبيعة العراق غير الحكومية، فإن تغير المناخ يجعل أنماط الطقس أكثر تطرفا وتواترا في البلاد، لكن المسؤولين في بغداد فشلوا في التحرك بسرعة كافية لمنع ذلك.
وما يرافقه أيضا هو حقيقة أن العراق يفقد أراضيه الصالحة للزراعة بسبب التصحر والتملح.
قال علوش لقناة NPR: "أشعر بالإحباط من المسؤولين في العراق؛ فهم يتحدثون الآن عن تغير المناخ على أنه السبب في كل هذا".
وأضاف "حسنا، لا يمكنني أن أنكر أن تغير المناخ سبب من بين الأسباب، ولكنه أصبح ذريعة سهلة لعدم التحرك واتخاذ قرارات جدية".
في الواقع، كان بإمكانهم العمل على هذه الأزمة منذ 20 أو 30 عاما، ولو فعلوا ذلك لمنعوا هذا الشيء من أن يصبح أكثر خطورة، وفق تقديره.
وتابع "كان يجب على المسؤولين الحكوميين أن يمضوا العقدين الماضيين في تحديث أساليب الري وتقليل خسارة الأراضي الزراعية بسبب الملوحة، وتقليل التصحر ووقفه أو حصر الأنشطة الرعوية في مناطق معينة". وبين علوش أن المسؤولين معتادون على الرد ولكن ليسوا استباقيين.
وفي غضون ذلك، قال جياد إن على الحكومة في بغداد "زيادة المساحات الخضراء والموائل الطبيعية والحد من الاستهلاك المفرط لموارد المياه" وتقديم "حوافز لتشجيع حماية المناطق الريفية".
وأشار إلى أن المسؤولين وضعوا "إستراتيجيات لكن السياسيين يفتقرون إلى الإرادة السياسية لإنجازها".
وفيما تعد البلاد غنية بالنفط وتعرف بأنا أرض النهرين، في إشارة إلى نهري دجلة والفرات فقد اشتد تواتر الغبار والعواصف الرملية في السنوات الأخيرة حيث ارتبطت بالإفراط في استخدام مياه الأنهار والمزيد من السدود والرعي الجائر وإزالة الغابات.
وفي سياق متصل أكدت صحيفة الغارديان البريطانية أن العشرات من العراقيين نقلوا أواخر مايو إلى المستشفيات بسبب مشاكل في الجهاز التنفسي في وسط وغرب البلاد.
وجاء ذلك بعد أن اجتاحت سماء العراق عاصفة باللون البرتقالي في أحدث حلقة في سلسلة من العواصف الترابية التي أصبحت شائعة بشكل متزايد في البلاد.
وانتشرت طبقة كثيفة من الغبار البرتقالي في الشوارع وتسللت إلى منازل المواطنين في العاصمة بغداد.
كما توقفت الرحلات الجوية بسبب ضعف الرؤية في المطارات ببغداد ومدينة النجف الشيعية المقدسة. وشغل السائقون مصابيحهم الأمامية بسبب ضعف الرؤية أثناء العاصفة في بغداد.
وقال مسؤول صحي إن مستشفيات النجف استقبلت 63 شخصا يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي نتيجة العاصفة، مضيفا أن الغالبية غادرت بعد تلقي العلاج المناسب. ووردت أنباء عن دخول 30 شخصا إلى المستشفيات في محافظة الأنبار غربي البلاد.
وكان عامر الجابري من مكتب الأرصاد الجوية العراقي، قد قال في وقت سابق إن ظاهرة الطقس من المتوقع أن تزداد تواترا "بسبب الجفاف والتصحر وتراجع هطول الأمطار".
وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن العراق معرض بشكل خاص لتغير المناخ بعد أن شهد بالفعل انخفاضا قياسيا في هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة في السنوات الأخيرة.
وقال الخبراء إن هذه العوامل تهدد بإحداث كارثة اجتماعية واقتصادية في الدولة التي مزقتها الحرب.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، حذر البنك الدولي من أن العراق قد يعاني انخفاضا بنسبة 20 بالمئة في الموارد المائية بحلول عام 2050 بسبب تغير المناخ.