تحت النفوذ.. ما أهداف الاتفاق العسكري الجديد بين الكاميرون وروسيا؟
سلطت صحيفة إيطالية الضوء على أهداف كل من روسيا والكاميرون من توقيع اتفاقية تعاون عسكري لتحديث اتفاق سابق جرى التوصل إليه عام 2015.
وقالت صحيفة "إيل كافي جيوبوليتيكو" إن هذا الاتفاق أثار انتقادات الولايات المتحدة والدول الأوروبية خاصة؛ لتوقيته الذي يأتي في خضم الحرب الدائرة بأوكرانيا وخشية أن تنتهي الكاميرون تحت تأثير النفوذ الروسي.
بحسب الصحيفة، لا تبحث حكومة العاصمة ياوندي عن علاقة حصرية وملزمة مع روسيا، لكنها تحاول تنويع علاقاتها على مستوى خارجي لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.
وبينت أن الاتفاق العسكري والأمني وتعزيز العلاقات بين البلدين يندرج في السياق الجيوسياسي الحالي، مما يضمن لياوندي فرصة لتنويع علاقاتها الدولية بينما يوفر لموسكو قاعدة إضافية للتغلغل أكثر في إفريقيا.
ماهية الاتفاق
أفادت الصحيفة الإيطالية بأن اتفاق 12 أبريل/نيسان 2022، بين ياوندي وموسكو، يمتد إلى خمس سنوات ويتعلق بتبادل الآراء والمعلومات في مجال السياسة الدفاعية والأمنية، وتدريب القوات وتكوينها، وكذلك الطب والطبوغرافيا.
كما اتفق البلدان على تبادل المعلومات والمعرفة في مكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية، ودعم عمليات السلام في إطار الأمم المتحدة، بينما لا توجد إشارة إلى توريد الأسلحة.
ووقع وزيرا دفاع البلدين، الروسي سيرغي شويغو والكاميروني جوزيف بيتي أسومو، الوثيقة التي تحدث اتفاقا سابقا من عام 2015 والتي من المحتمل أنها كانت جاهزة بالفعل في 2020 خلال لقاءات جرت في موسكو، تشير الصحيفة الإيطالية.
لفتت الصحيفة إلى أن الأنباء التي تتعلق بتعزيز العلاقات بين روسيا والكاميرون أثارت ردود فعل وتفسيرات مختلفة في ضوء السياق الدولي المعقد، لا سيما فيما يتعلق بأهداف اختراق موسكو التدريجي لإفريقيا.
في الواقع، تأتي اتفاقية 12 أبريل في وسط الأزمة الأوكرانية التي أثارها الهجوم الروسي في 24 فبراير/شباط، بعد وقت قصير من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة العدوان الروسي.
ووصفت الصحيفة موقف الكاميرون بالغامض، وذلك على إثر عدم المشاركة في التصويت الأول المتعلق بإدانة الهجوم، فيما امتنعت عن التصويت لصالح القرار الثاني بشأن تعليق عضوية موسكو في مجلس حقوق الإنسان.
وعدت أنه من الطبيعي أن الأوساط الدبلوماسية الأوروبية والأميركية قد انتقدت توقيت الاتفاقية وشكلها، بدلا من المحتوى، خصوصا فيما يتعلق بمخاطر التداعيات السلبية على التعاون مع الشركاء الغربيين.
على وجه الخصوص، الإشارة في وثيقة الاتفاق إلى إمكانية التعاون "في مجالات أخرى" يمكن أن تخفي احتمالية التعاقد مع مرتزقة مجموعة فاغنر الروس، على غرار ما حدث في دول أخرى مثل مالي والسودان، مرورا ببوركينا فاسو إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، تلفت الصحيفة.
وذكرت بأن تيبور ناجي، مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون الإفريقية في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان قد وصف الاتفاق في منشور على حسابه بموقع تويتر في 20 أبريل/نيسان بأنه "إصبع في العين" بالنسبة لفرنسا والولايات المتحدة.
في المقابل، رجح ناجي وهو السفير السابق في غينيا وإثيوبيا في عهد الرئيسين السابقين بيل كلينتون وبوش الابن، بأن يكون الاتفاق فرصة لسكان أمبازونيا، الكيان الانفصالي الذي يضم المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية في غرب الكاميرون والذي يطالب بالاستقلال عن البلد الإفريقي.
لا تشير الاتفاقية الموقعة في موسكو إلى هذه الأزمة أو الحرب ضد الجماعات المتطرفة، لذلك وفقا لبعض المراقبين، بما في ذلك ناجي، يمكن للولايات المتحدة أن ترد على تقرب الكاميرون من روسيا من خلال تقديم الدعم المباشر لمطالب استقلال أمبازونيا وهي فرضية مبكرة وصعبة التنفيذ في الواقع، وفق قول الصحيفة.
تنويع العلاقات
وعلى عكس الوضعيات الأخرى في إفريقيا، من المحتمل أن الكاميرون لا تبحث عن رابط حصري مع روسيا، بل عن تنويع للعلاقات.
وتريد الكاميرون أن تدمج من ناحية فوائد التعاون متعدد الاتجاهات مع موسكو وواشنطن وباريس وبكين أيضا ومن الجانب الآخر تضمن مواجهة بعض الصعوبات الداخلية.
وبالمقارنة مع مالي التي أزاحت بقوة وسرعة الوجود الفرنسي والأوروبي مختارة التحالف مع روسيا، لا تهدف ياوندي إلى استبعاد الشركاء الغربيين.
فهي تدرك جيدا أن العلاقات التاريخية والسياق الجيوسياسي الإفريقي ودور الكاميرون في الأزمات القارية لا يسمح بتغيير كامل للسياسات.
في الوقت الحالي، توضح الصحيفة بأن الجبهتين الرئيستين لأمن البلد هما انتفاضة أمبازونيا، التي استعادت قوتها في السنوات الخمس الماضية مع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وما لا يقل عن أربعة ملايين شخص بحاجة إلى مساعدة إنسانية.
وكذلك "تهديد التنظيمات المتطرفة في ظل الصراع الفوضوي بين تنظيم الدولة وبوكو حرام".
وأضافت بأن على الكاميرون أيضا إدارة صعوبات داخلية كبيرة ناتجة عن عواقب الأزمة في أوكرانيا بينما لا تزال البلاد تشكو آثار تفشي جائحة كورونا.
وذكرت في هذا الصدد، بأن انهيار واردات الحبوب من كييف وموسكو التي تشكل أكثر من 40 بالمئة من إجمالي ما تورده البلاد، تسبب في ارتفاع الأسعار.
ودفعت تلك الحرب الحكومة إلى منع تصدير بعض السلع الغذائية والاستهلاكية، كما أنها أثرت بشكل خاص على التجارة الموازية عبر الحدود.
ألمحت الصحيفة كذلك بالقول إن هناك جانبا قد يبدو ثانويا لكنه قد يؤثر على الاتجاهات السياسية الوطنية.
وتفيد بأن وجودا روسيا محتملا، ربما من خلال مجموعة فاغنر، قد يوفر حماية للرئيس بول بيا الذي يحكم البلاد منذ عام 1982.
وأكدت بأن سياسة موسكو في إفريقيا ترتكز على ضمان الدعم العسكري والشخصي لزعماء البلدان دون مساهمة خاصة فيما يتعلق بعمليات السلام أو الدمقرطة أو سيادة القانون، ولكن تحصل في المقابل على امتيازات في قطاعات إستراتيجية مثل التعدين.
وأشارت إلى وجود احتياطيات كبيرة في الكاميرون من الأراضي النادرة وحقول الغاز البحرية التي لم يجر استكشافها بالكامل.
وخلصت الصحيفة إلى القول إن اختيار ياوندي التقرب من موسكو لا يبدو تغييرا واضحا في سياسة البلاد نحو الاصطفاف، بل محاولة لتوسيع شبكة العلاقات الدولية للبلاد وخلق تنافس بين الشركاء الأجانب.