"محاولات يائسة".. هل تنجح إيران في اختراق عشائر الجنوب السوري؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

ترى إيران محافظة درعا جنوبي سوريا، التي تعد مهد الثورة، كـ"ثالوث إستراتيجي"، وتسعى لأن تثبت قدمها فيها لحيازتها "أوراق ضغط" سياسية واقتصادية وعسكرية، كونها تلامس الحدود مع الأردن وإسرائيل.

وفي وقت تواصل طهران مشروع التشيع في المحافظة، تعمل بجهد أكبر على استمالة عشائرها وتجنيد شبابها في مليشيات تتبع لها كمكمل أساسي لتغلغلها المتصاعد في درعا، بعدما سيطر نظام بشار الأسد بشكل شبه كامل عليها أواخر أغسطس/آب 2021.

كسب العشائر

وأكد "تجمع أحرار حوران" السوري المعارض، في تقرير نشره في 22 أبريل/نيسان 2022، أن نظام الأسد فشل في محاولة استمالة وجهاء من عشائر كبيرة بدرعا، منذ التسوية الأمنية الأولى بين فصائل المعارضة والنظام بوساطة روسية في يوليو/تموز 2018.

وآنذاك، كانت خطة النظام تقوم على الاتفاق مع العشائر على تشكيل ما يعرف بـ"مجالس شورى العشيرة"، على أن تتألف من رئيس مجلس شورى، ورئيس للمكتب السياسي، وآخر للعسكري.

ويهدف النظام من ذلك، لتنظيم أبناء عشائر درعا في مليشيات مسلحة، تحت إشراف مدير مخابرات النظام، اللواء حسام لوقا، والعميد غياث سليمان دلا، المقرب من إيران، والذي قاد لاحقا الحملة العسكرية على درعا وانتهت بفرض التسوية الأمنية الثانية في سبتمبر/أيلول 2021.

وشملت التسوية بعض عناصر الفصائل المحلية المعارضة، وجميع الشباب والمطلوبين لمخابرات الأسد في درعا، ومنحتهم بطاقات تمكنهم من التنقل وعدم التعرض لهم من قبل الحواجز الأمنية.

ويرى مراقبون أن مشروع نظام الأسد الذي تقف خلفه طهران حول وضع العشائر "في جيبها"، لم ينجح حينها نتيجة تدخل  قيادات من المعارضة رافضة للهيمنة الإيرانية في الجنوب السوري، أمثال القيادي "أدهم الكراد" الذي يتمتع بصلة كبيرة مع عشائر درعا؛ الأمر الذي قاد لاغتياله في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2020 بمنطقة تنتشر فيها حواجز لمليشيات إيران.

ولم تتخل إيران عن مشروع اختراق العشائر العربية في درعا، ولا سيما أن اللجنة الأمنية التابعة لنظام الأسد والمقربة منها، تمكنت من سحب السلاح من يد غالبية مقاتلي المعارضة خلال التسوية الثانية.

إيقاع إيراني

وركزت إيران على سحب السلاح في درعا، في مسعى منها لإعادة ضبط المشهد العسكري بإيقاع منها، عبر خلق مليشيات عشائرية تتبع لها مباشرة، أسوة بباقي المحافظات السورية ذات التركيبة القبلية.

ونجحت طهران التي تدخلت عسكريا لوأد الثورة السورية عام 2012، بتأسيس مليشيات عشائرية مثل "لواء الباقر" أواخر العام المذكور، والمنتشر في ريف حلب ودير الزور حاليا، وأخرى في ريفي حماة وحمص.

وكل ذلك يصب في سعي إيران لاستكمال ترسيخ وجودها العسكري على الأراضي السورية، لا سيما أنها باتت حاليا تمتلك نحو 100 ألف عنصر في صفوف مليشياتها.

وأكد مراقبون أن الطريق المختصر لإيران لاستمالة عشائر درعا، كان عبر تجنيد "عبد العزيز الرفاعي" وأعطته صفة شيخ، وساعدته في الوصول إلى برلمان الأسد، بعد قيامه بزيارات إلى طهران.

وعقب ذلك، صدرت إيران "الرفاعي" للشارع في درعا كوجه اجتماعي بارز يسعى إلى حل الخلافات وإصلاح ذات البين، حسب "تجمع أحرار حوران".

وبحسب "تجمع حوران"، فإن إيران قدمت دعما كبيرا لـ"الرفاعي"، وقربته أجهزة النظام الأمنية التي تسيطر على المنطقة، والتي باتت تدعوه إلى كل المناسبات العامة والخاصة.

كما مكنت بعض أفراد عائلته من الوصول إلى مناصب قيادية في درعا، وذلك بهدف رسم صورة عن حجم الدعم والتسهيلات التي ينالها المقربون من إيران.

وتنبع أهمية درعا بالنسبة لإيران لقربها من الحدود مع إسرائيل، ومع الجولان السوري المحتل منذ عام 1967، ولكونها البوابة الكبرى المطلة على الأردن والسعودية ودول الخليج العربي.

طموح قديم

وكانت أولى خطوات إيران في التغلغل بدرعا عبر الحضور العسكري، حيث نشرت هناك مجموعات من مليشيا "حزب الله" اللبناني، وعناصر وضباط من مليشيا "الحرس الثوري" الإيراني، ووزعتهم على مقرات عسكرية للنظام السوري.

واستطاعت إيران تجنيد نحو ثلاثة آلاف عنصر من شباب درعا ضمن مليشياتها، وتمنحهم رواتب ومساعدات، ويشرف عليهم "الحرس الثوري"، ومعظمهم من مقاتلي فصائل المعارضة السورية التي حلتها روسيا بموجب اتفاق التسوية الأمنية الأول مع المعارضة عام 2018.

وعملت إيران على توظيف عمليات الاغتيال بحق معارضين لمشروعها التوسعي في الجنوب.

وكان لهذه "الاغتيالات" دور مهم في دفع العديد من الشبان من أبناء المحافظة لمغادرتها إلى وجهات متعددة كلبنان، والشمال السوري، ودول أخرى، وفي الحالتين تتحقق المصلحة الإيرانية في بسط السيطرة دون وجود مقاومة قوية ضدها.

ويلاحظ أن أسلوب إيران في محاولة كسب ود العشائر بدرعا، هو نسخة عما استطاعت فعله في ريف حلب ودير الزور.

وحينما رأى النظام السوري ومن خلفه طهران أنه سيخسر أكبر قوة بشرية، اتجهوا لكسب ود بعض شيوخ ووجهاء ومخاتير العشائر ممن كان يدعمهم النظام قبل الثورة وساهم في (صنع مشيخاتهم).

ويرى مراقبون في الشأن السوري، أن كسب ود العشائر العربية أسهم في مضي مشروع إيران الطائفي والتغلغل ضمن النسيج السوري بشكل أوسع وبسهولة، وتأمين حماية خط مباشر لهلالها الشيعي الممتد من إيران إلى العراق ثم سوريا، من خلال بناء حاضنة شعبية موالية لها في هذه المناطق.

ولهذا تصر إيران مجددا لاستمالة زعماء عشائر درعا لما لهؤلاء من أثر كبير في كسب عدد أكبر من الناس العاديين.

وأحد أبرز الأمثلة الناجحة في سوريا، هو مقدرة إيران مطلع عام 2017 لاستمالة زعيم عشيرة البقارة، نواف البشير، وإرجاعه إلى حضن النظام بعدما كان معارضا للأسد منذ بداية الثورة في 18 مارس/آذار 2011.

وبعدها، شكل البشير مليشيا محلية تحت اسم "أسود العشائر" لتصبح تابعة مباشرة للحرس الثوري، ويقودها في محافظة دير الزور وتزجهم طهران في معارك مع "تنظيم الدولة".

ويعود سعي إيران إلى تجنيد أبناء العشائر في درعا إلى سنوات قبل الثورة وتحديدا عام 2007، لكن تلك المحاولات كانت تسير ببطء، ولم تتمكن طوال سنوات من تحقيق الغاية المنشودة في تحويل الجنوب السوري إلى "ضاحية جنوبية" كما فعلت في لبنان.

تصد عشائري

وعقب اندلاع الثورة السورية، وجدت إيران فرصة جديدة لتسريع عملية التغلغل في المحافظة، وزيادة أعداد الموالين فيها.

وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول 2017، شكل النظام "جيش العشائر"، ليكون أحد الألوية الرديفة لقوات الأسد، وحينها أكدت المعارضة السورية أن هذا التشكيل "هو عبارة عن ذراع عسكري إيراني، ليكون أداة تفجير في المنطقة".

وفي هذا الإطار، أكد الصحفي المنحدر من درعا، أحمد الحوراني، أن "كبار عشائر درعا مدركون للخطر الإيراني ويعرفون مدى محاولة طهران لاستمالتهم إليها، ويوجد تصد لذلك من خلال اجتماعات العشائر فيما بينهم".

واستدرك الحوراني قائلا لـ"الاستقلال" إن "إيران بطبيعة الأحوال تمكنت من تجنيد شباب من العشائر ممن يعملون في عمليات التهريب ولديهم مجموعات مشكلة بهذا الخصوص، وتمنحهم مغريات كثيرة وتوظفهم في التهريب وتمرير بعض المصالح في الجنوب".

وأشار إلى أن "إيران فشلت في كسب ود وجهاء العشائر الكبار في درعا والذين يرفضون التواصل معها عبر شخصيات أمنية أو مسؤولة في دائرة النظام الحكومية من الموالين للأسد من أبناء تلك العشائر، رغم كل محاولات تقديم الدعم في ظل الوضع الاقتصادي المزري". 

ولفت الحوراني إلى أن "هناك نقطة هامة في درعا تتمثل برفض المخطط الإيراني فيها والقائم على تشييع المنطقة، ثم تحويل الجنوب لبؤرة دائمة للقلق والتوتر والتصعيد مع إسرائيل، والذي سيذهب ضحيته حكما أهالي درعا".

وتابع: "لذا فإن وجود إيران يشكل خطرا كبيرا على التعايش في الجنوب السوري، ولا سيما أنها جعلت من درعا منصة لإطلاق المخدرات نحو الخليج عبر الأردن الذي لديه ترابط عشائري مع درعا".

ويذكر أن إيران لديها رغبة في التغلغل في درعا دينيا، أسوة ببقية المناطق السورية الأخرى، التي نجحت طهران من خلالها في الترويج الفعلي للتشيع وجر الأهالي للدخول إلى هذا المذهب الدخيل على بلدهم.

وافتتحت جمعية "الزهراء" التي أسستها طهران في محافظة حلب عام 2013، فرعا لها في مدينة درعا نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2018، من قبل ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي في سوريا، أبو الفضل الطباطبائي.

وفي 17 مارس/ آذار 2022، أرسلت مديرية الأوقاف التابعة لنظام الأسد في درعا، عددا من خطباء وأئمة المساجد بالمحافظة لحضور "دورات ثقافية دينية" في العاصمة دمشق، تنظمها المستشارية الثقافية الإيرانية التي تأسست عام 2009.