الكشف عن مذبحة التضامن.. هل يعرقل التطبيع العربي مع نظام الأسد؟
شكل الكشف عن تنفيذ عنصر من النظام السوري واقعة إعدام جماعي نالت 41 مدنيا في أبريل/نيسان 2013 في أحد أحياء العاصمة دمشق، ضربة لدعوات العودة الآمنة للسوريين ومساعي التطبيع مع نظام بشار الأسد.
وفي مشهد "يدمي القلوب"، أظهر تسجيل مصور نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية في 27 أبريل 2022، إعدام ضابط برتبة صغيرة في قوات الأسد المدنيين في حي التضامن جنوب دمشق رميا بالرصاص.
مذبحة التضامن
الضابط يدعى أمجد يوسف من مواليد عام 1986 حفر حفرة كبيرة داخل "أبنية دعبول" في الحي، وكبل أيادي المدنيين السوريين، وعصب أعينهم وأوهمهم بأنه يجرى نقلهم إلى مكان آخر، وعليهم توخي الحذر من قناص، ما يستدعي ركضهم قبل أن يطلق النار عليهم فور سقوطهم بالحفرة.
وعندما انتهت عمليات الإعدام، الموثقة بالفيديو، وضع القتلة عددا من إطارات السيارات فوق أجسادهم، وسكبوا فوقهم الوقود، وأشعلوا فيهم النيران ضاحكين.
ويتضح من ملابس الضحايا أن جميعهم جرى اعتقالهم من قبل أجهزة مخابرات الأسد من على الحواجز أو من منازلهم قبل "المجزرة المروعة" بساعات.
وكانت أحياء دمشق وجميع محافظات سوريا، في ذلك الوقت تشهد مظاهرات شعبية عارمة مطالبة برحيل بشار الأسد، بعدما تفجرت الثورة بوجهه في 18 مارس/آذار 2011.
وتقول الغارديان: "هذه قصة جريمة حرب نفذها أحد أشهر الأفرع التابعة للنظام السوري، وهو الفرع 227 (يعرف بفرع المنطقة) من جهاز المخابرات العسكرية".
لا شك أن مذبحة حي التضامن ليست الوحيدة التي ارتكبتها قوات النظام على امتداد الجغرافيا السورية، في محاولة لوأد الثورة.
إذ تحتفظ ذاكرة السوريين بمئات المجازر المشابهة على يد قوات الأسد والموثقة بالصوت والصورة، لكن مجزرة حي التضامن كانت مجهولة وكشفت عن فظاعة ما جرى بحقهم.
وكان لافتا أن توقيت نشر تفاصيل هذه المجزرة التي "صعقت العالم"، بالتوازي مع دعوات دول لعودة اللاجئين السوريين ودفع دول عربية لتعويم نظام الأسد وإرجاعه إلى الحظيرة العربية.
رسائل دولية
ومنذ عام 2021 علا صوت عدد من الدول العربية منادية بعودة النظام لشغل مقعده بالجامعة، بعد قرار وزراء الخارجية العرب نهاية عام 2011، بتعليق عضوية سوريا، وسحب أغلب الدول السفراء من دمشق؛ ردا على قمع أجهزة مخابرات الأسد لثورة الشعب.
وخلال الفترة الماضية عمدت الجزائر التي تستعد لاحتضان القمة العربية لعام 2022، إلى تنفيذ زيارات إلى عدد من الدول العربية من أجل إقناعها بالتصويت لصالح عودة الأسد إلى الجامعة، وأن يشغل نظامه المقعد الذي حرم منه قبل عقد من الزمن.
وزار بشار الأسد الإمارات في 18 مارس/آذار 2022، كأول دولة عربية منذ أكثر من عقد وبشكل مفاجئ وبدون مراسم رسمية والتقى حينها ولي عهد أبو ظبي، الحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد، وحاكم إمارة دبي محمد بن راشد آل مكتوم، في محاولة لكسر عزلته.
وتصطف كل من الإمارات، وسلطنة عمان، ولبنان، والأردن، والعراق، والجزائر ومصر، في موقف موحد كأكبر الدول الداعمة لعودة النظام إلى الجامعة، والعمل على دفع مزيد من الدول للتطبيع معه وفتح علاقات معه وتجاوز "دماء السوريين".
ولهذا ربط كثير من المراقبين بأن الكشف عن مذبحة التضامن له دلائل سياسية وذات توقيت حساس.
وهذا ما أشار إليه الدبلوماسي السوري السابق وكبير الزملاء في "مركز عمران للدراسات الإستراتيجية"، داني بعاج، بقوله لـ"الاستقلال"، إن "الكشف عن مذبحة التضامن سيؤجل حسابات الدول حول ما يجرى الحديث عنه عن التطبيع مع النظام وتأمين العودة الآمنة والطوعية للسوريين وستزيد الصعوبات حول ذلك".
وأشار بعاج إلى "أن الانتهاكات ليست جديدة، لكن حسابات الدول والسياسيين يمكن أن تشهد تراجع خطوة للخلف، في مسألة العودة الطوعية والتطبيع مع النظام وتؤجلها دون تغيير في سياساتها بشكل عام كونها مرتبطة بمصالح داخلية وانتخابية والتي تشكل عوامل ضغط على الخطاب".
ورأى الدبلوماسي السابق أن "الإطار العام لمناقشة العودة الطوعية يجب أن يكون واضحا بأنه خرق للقانون الدولي، ومن هنا يمكن الحديث مع الدول، ولا سيما أن اللاجئين ما يزالون يعدون ورقة ضغط يجرى التلاعب بها".
وذهب بعاج للقول: "ما كشفت عنه الغارديان سيحرج بعض السياسيين أمام الرأي العام الذين يتحدثون عن ضرورة عودة اللاجئين السوريين أو تطبيع العلاقة مع الأسد".
مواجهة التطبيع
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لموقع "الحرة" في 29 أبريل 2022، في رده على تحقيق صحيفة الغارديان أن الولايات المتحدة ملتزمة "بمحاسبة النظام السوري على الفظائع التي ارتكبها بحق شعبه".
وأوضح المتحدث الذي فضل عدم ذكر اسمه أن "النظام مسؤول عن موت ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين، وتشريد أكثر من نصف سكان البلاد، إضافة لاستمرار الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري لأكثر من 130 ألف رجل وامرأة وطفل".
ومضى يقول للموقع الأميركي إنه "من دون المساءلة لا يمكن أن يكون هناك حل دائم للصراع. نحن نؤيد الدور المهم للجنة التحقيق والآلية الدولية المحايدة والمستقلة، كما نرحب بالجهود المستمرة التي تبذلها المحاكم الوطنية للتحقيق والملاحقة القضائية في الجرائم الواقعة ضمن اختصاصها والمرتكبة في سوريا".
وفي مارس/آذار 2022، أكد رئيس لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا، باولو بينيرو، أن أكثر من 100 ألف شخص لا يزالون في عداد المفقودين أو المختفين قسرا.
وجرى توثيق المذابح والجرائم على يد قوات النظام، من قبل الشبكة السورية لحقوق الإنسان والأرشيف السوري، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، إضافة إلى عدد من المنظمات الدولية.
حتى إن رئيس اللجنة المستقلة من أجل العدالة الدولية والمحاسبة، ستيفن راب، أكد في مقابلة مع وكالة “سي بي إس" الأميركية في 21 فبراير/شباط 2021، أن أكثر من 900 ألف وثيقة حكومية هربت من سوريا وأرشفتها اللجنة التي يديرها والتي تجمع آلاف المجازر على يد النظام.
ونوه راب إلى أن اسم رئيس النظام بشار الأسد، كان موجودا في التقارير الموثقة التي حصلت فيها الانتهاكات ضد الشعب السوري، ما يدل على أنه كان ينظم هذه الإستراتيجية. ووصف هذه الانتهاكات بأنها "جهد منظم".
وفي هذا الإطار، يتفق القاضي والمستشار خالد شهاب الدين، رئيس هيئة القانونيين السوريين المعارضة، مع الكثيرين بأن "ظهور مجزرة التضامن على السطح له دلائل سياسية كثيرة لمنع استمرار التطبيع مع الأسد ولدحض مساعي بعض الدول الداعية لعودة اللاجئين إلى كنف سيطرة النظام المجرم وتثبيط عزيمتهم حول هذا الأمر".
وأكد شهاب الدين لـ "الاستقلال": "وجود توجه دولي لعدم إعادة اللاجئين وإظهار بأن البيئة الآمنة المستقرة غير متوفرة حاليا لدى نظام الأسد، والتي لن تتوفر سوى برحيله".
ضربة لروسيا
ورأى شهاب الدين "أن الكشف عن مجزرة التضامن المصورة منذ عام 2013 بهذا الوقت محسوب تماما؛ لأن ردود الأفعال جاءت كما هو مخطط بأن من ينادي بعودة اللاجئين وأن هناك بيئة آمنة متوفرة في سوريا".
واستدرك قائلا: "هذا الفيديو من بين آلاف الفيديوهات التي توثق مجازر بشار الأسد ينسف هذه المزاعم ويؤكد بأن لا سلام ولا عدالة إلا بمحاسبة النظام، ولا يمكن لملايين السوريين المهجرين أن يعودوا".
وذهب المستشار خالد شهاب الدين للقول: "مجزرة التضامن وصمة عار في جبين كل دولة تنادي بالتطبيع مع نظام الأسد راهنا، أو إعادة اللاجئين مع وجوده".
ومضى يقول: "وعسى أن تستيقظ الأخلاق لدى الدول المنادية بالتطبيع مع الأسد، فالموضوع إنساني وأخلاقي وقانوني ويتعلق بآلاف المجازر الموثقة بسوريا على يده".
إذ يرى الكاتب السوري فؤاد عزام في منشور له على فيسبوك أن "الغرب أراد من نشر مذبحة التضامن بهذا التوقيت وسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأفعال بشار الأسد المثبتة والموثقة".
وأضاف قائلا: "وهذا يعني أن الروس استشعروا أن الغرب قد يستثمر مجزرة التضامن لإدانة بشار ومن خلاله بوتين".
وتدخلت روسيا عسكريا بسوريا بشكل رسمي في 31 سبتمبر/أيلول 2015، ومنعت سقوط نظام بشار الأسد، بعدما أمنت له غطاء جويا ودعمته بمليشيات محلية ومن مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية لقتل مزيد من السوريين.
من جانبه يرى الباحث في مركز الحوار السوري، أحمد قربي، أن مجزرة التضامن لن تغير من سعي الدول لإعادة اللاجئين، وخاصة تلك التي لديها استحقاقات داخلية".
وقال لـ "الاستقلال": "قد لا نجد تغييرا بعد كشف مجزرة التضامن، لكن الأمر يتعلق أيضا بالسوريين ومدى نجاحهم في توظيف هذا الحدث من أجل عدم تنفيذ الدول للبرامج التي تعلن عنها حول العودة الآمنة والطوعية في ظل بقاء نظام الأسد وتحقيق الانتقال السياسي".
وختم بالقول: "هذا يعطي مؤشرا وحاجة للقيام بضغط ومناصرة وتحريك الرأي العام ومنظمات المجتمع الدولي والحقوقية في الدول للضغط على الحكومات من أجل إيقاف مخططات العودة الطوعية أو حتى التطبيع مع الأسد الذي تنادي به بعض الدول العربية".