نقل لاجئين لرواندا.. ما تأثيره على تدفق المضطهدين إلى بريطانيا؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

"تذكرة ذهاب بلا عودة" هكذا تبدو خطة الحكومة البريطانية برئاسة بوريس جونسون التي كشفت عنها في 14 أبريل/ نيسان 2022، من أجل "التخلص" من طالبي اللجوء الذين يصلون إلى البلاد بطريقة غير نظامية، عبر نقلهم إلى رواندا وسط إفريقيا. 

ويعاني اللاجئون الذين استجاروا ببريطانيا، مهد الديمقراطية والقيم الغربية، من تعنت حكومة جونسون المحافظة، خاصة وزيرة الداخلية بريتي بايتل، المعروفة بخطابها الشعبوي ضد اللاجئين، رُغم أصولها الهندية، ما يخلف باستمرار انتقادات واسعة لسياستها. 

بداية التنفيذ

لم يمض على الإعلان وقت طويل، ففي 15 أبريل/ نيسان 2022، قالت الحكومة البريطانية إن أول دفعة من طالبي اللجوء سوف يتم نقلها جوا إلى رواندا من المملكة المتحدة في غضون أسابيع.

وبحسب وزارة الداخلية البريطانية ستركز الخطة في البداية على الرجال غير المتزوجين الذين يعبرون القنال الإنجليزي في قوارب أو شاحنات من فرنسا.

وجاءت تلك القرارات الصادمة عقب زيارة وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل رواندا، حيث وقعت صفقة بقيمة 120 مليون جنيه إسترليني تحت مسمى "شراكة الهجرة والتنمية الاقتصادية"، تتضمن نقل طالبي اللجوء غير المتزوجين.

وتقضي الاتفاقية مع رواندا بنقل المهاجرين إلى خارج المملكة المتحدة، على بعد أكثر من 4 آلاف ميل إلى الدولة الإفريقية غير الساحلية أثناء انتظارهم قرار اللجوء من وزارة الداخلية البريطانية.

وبموجب الاقتراح تتولى رواندا مسؤولية المهاجرين الكاملة، وإذا نجح اللاجئون في رواندا سيكون لديهم سكن طويل الأجل هناك.

وكانت وسائل إعلام دولية قد تحدثت منذ أشهر أن المملكة المتحدة تبحث إرسال اللاجئين غير النظاميين إلى دول إفريقية مثل غانا ورواندا.

خاصة وأن جونسون، قد وعد أنه حال تشكيله الحكومة سيضبط الهجرة غير النظامية.

تنديد وتحذير 

وكانت وكالة الأنباء البريطانية "بي أيه" قد أعلنت في 4 يناير/ كانون الثاني 2022، عن وصول ما لا يقل عن 28 ألفا و395 مهاجرا غير نظامي، من فرنسا إلى إنجلترا في 2021، على متن قوارب صغيرة، أقلتهم عبر بحر المانش في رحلة محفوفة بالمخاطر، ما عدّ رقما قياسيا غير مسبوق، في ظل أزمة سياسية بين لندن وباريس بسبب تلك المسألة. 

وتسعى بريطانيا إلى ضبط حدودها، واتخاذ إجراءات قاسية غير مسبوقة ضد المهاجرين غير النظاميين، على رأسها النقل إلى رواندا. 

ووجدت تلك الخطوة شجبا وتحذيرا، حتى من مسؤولين داخل الدولة، مثل السكرتير الدائم في وزارة الداخلية، ماثيو ريكروفت، الذي حذر في 18 أبريل 2022، من خطوة إرسال المهاجرين غير النظاميين إلى رواندا.

وقال إنه لا يعتقد بأن صفقة رواندا من شأنها تقليل محاولات عبور القنال الإنجليزي (بحر المانش) باتجاه المملكة المتحدة، مضيفا أن "هناك عدم يقين فيما يتعلق بالقيمة مقابل المال". 

وفي تصريح شديد اللهجة، قال رئيس أساقفة كانتربري (جنوب إنجلترا) جاستن ويلبي، في خطبة عيد الفصح، إن "إرسال طالبي اللجوء إلى الخارج يطرح أسئلة أخلاقية خطيرة".

وشدد على أن "التفاصيل للسياسة والسياسيين لكن المبدأ يجب أن يوافق محاسبة الله لنا، وهو ليس كذلك"، ورأى أن "إسناد مسؤوليات بريطانيا حتى إلى بلد يسعى لفعل الخير مثل رواندا، مخالف لتعاليم الله". 

وكذلك عقب المدير العام لمجلس اللاجئين في بريطانيا أنور سولومون، أن "منظمته مذهولة من قرار الحكومة" ووصفه بـ "البغيض"، وأكد أنه "لن يحول دون مجيء اللاجئين إلى المملكة المتحدة". 

وفي ذات الوقت وقعت أكثر من 160 جمعية في المملكة المتحدة، عريضة تدعم اللاجئين، ووجهوا رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء البريطاني، تصف الخطة بأنها "غير مدروسة"، وتحذر من أنها ستتسبب في "زيادة الرحلات الخطيرة، وليس تخفيضها".

وزيرة عنصرية 

وردا على هذه الانتقادات، قالت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتل، إن منتقدي خطة الحكومة لإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا "لم يقدموا حلولا".

وادعت في مقال مشترك مع وزير الخارجية الرواندي فنسنت بيروتا، نُشر في صحيفة التايمز في 18 أبريل، أنهما اقترحا حلا مبتكرا لمواجهة "التجارة القاتلة" لمهربي البشر.

وتوقع الوزيران أن تمنح الخطة الأمان للأشخاص الذين يهربون من الاضطهاد، وأن يساعد الاستثمار البريطاني في رواندا- 120 مليون جنيه استرليني كمبلغ أولي- في معالجة النقص في فرص العمل الذي يدفع إلى الهجرة الاقتصادية.

وكانت باتل قد أصدرت توجيها وزاريا من أجل تمرير الخطة، وهو ما يعني أنها ستتحمل المسؤولية عن تلك السياسة، وهو أمر قالت النائبة عن حزب العمال المعارض ديم ميغ هيليير، رئيسة لجنة المحاسبة العامة، لـ"بي بي سي"، إنه "غير اعتيادي بدرجة كبيرة" في وزارة الداخلية.

وفي 24 يوليو/ تموز 2019، أصبحت باتيل وزيرة داخلية بريطانيا مع "تاريخ مشوب" بالحوادث العنصرية والاضطهاد وسوء معاملة الموظفين والعاملين تحت إدارتها. 

وتعد فترة توليها لوزارة الداخلية، الأسوأ على اللاجئين إلى بريطانيا، من حيث سن القوانين المتشددة، والإجراءات التعسفية.

وبلغ الأمر أن تدخلت المحكمة العليا البريطانية في 3 يونيو/ حزيران 2021، واستدعت الوزيرة باتيل، لإنصاف طالبي اللجوء ضد قراراتها، عندما قررت وضعهم في معسكرات سابقة تابعة للجيش، واتضح أن هذه المعسكرات "لا تتوفر فيها الشروط الآدمية للعيش".

الأكثر خطورة، أن الوزيرة لا تألو جهدا من أجل ترسيخ خطة وضع اللاجئين في جزر بعيدة شبه منعزلة، إلى حين البت في طلبات لجوئهم، وتقضي الخطة باستئجار مراكز استقبال للاجئين في جزر تابعة للتاج البريطاني. 

وتحاول الوزيرة القادمة في الأساس من خلفية مهاجرة، أن تسد الباب أمام كل طالب لجوء يصل إلى بريطانيا، سواء نظامي أو غير نظامي. 

غير إنساني 

وفي قراءته للمشهد، قال الناشط السياسي المقيم في بريطانيا، طارق محمد، "هذه عملية غير أخلاقية ولا إنسانية، لأنها أولا تعاملت مع اللاجئين كونهم غزاة أو مجموعات من القطيع يمكن وضعها في أي حظيرة ممكنة حتى البت في طلباتهم".

وأضاف لـ"الاستقلال"، "كيف يعقل أن يتم نقل مجموعات من البشر جاءت في ظروف وأوضاع صعبة، إلى بلد أخرى تبعد عن بريطانيا آلاف الكيلو مترات؟". 

وتابع محمد: "اللاجئون في بريطانيا حاليا يجدون معاناة في ترتيب أوضاعهم، مع انتظارهم في المخيمات، ويجددون الشكوى الدائمة بطول مدة الانتظار مع الأوضاع غير الآدمية بشأن أساسيات المعيشة، ويزيد عليها نقلهم إلى دولة إفريقية بعيدة، تأخذهم إلى مصير مجهول". 

ومضى يقول: "مع الأسف حكومة جونسون، ووزيرة الداخلية بريتي بايتل، مسؤولون تماما عن تدهور وسوء أوضاع اللاجئين، عبر جعل أجندتهم الشعبوية اليمينية محركا ودافعا ضد عشرات الآلاف من اللاجئين، دون النظر لعواقب ذلك الأمر، خاصة والعالم يشهد كيلا بمكيالين وتقسيم اللاجئ وفقا لموطنه الأساسي ودينه ولون بشرته ولغته".

وأكد الناشط السياسي أن "كل ذلك مخالف للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يكفل للبشر حق الأمان والحياة دون النظر للغة أو عرق أو دين".

وأردف قائلا: "حاليا نحن أمام اللاجئ الأوكراني ذي الشعر الأشقر والبشرة البيضاء، وهذا مقدم على غيره، وصولا إلى اللاجئ الشرق أوسطي، والآسيوي والإفريقي، وجميعهم في مراتب متدنية، ويعاملون بطريقة مختلفة". 

وشدد محمد على أنه "يجب على المنظمات الحقوقية أن تضع منهجية الحكومة البريطانية قيد النظر والمراقبة، وأن تمنع من تلك الخطة الخطيرة لما سيترتب عليه من الإضرار بقطاع عريض من البشر، ويقتل مفهوم العدالة وحق الحياة الآمنة الكريمة". 

مجرد بداية 

من جانبه، رأى المحامي الحقوقي المقيم في بريطانيا، أيمن عادل، أن المشروع الأساسي الذي قامت عليه حكومة جونسون، هو ملف الهجرة ووقف سيل اللاجئين بأي طريقة ممكنة، وهو موضوع بالغ الحساسية في المجتمع البريطاني، خاصة، وأنه من الأسباب الرئيسة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "على هذا الأساس تعمل الحكومة وتحديدا وزيرة الخارجية بريتي بايتل، التي تطمح في يوم ما أن تكون رئيسة وزراء بريطانيا، ومعروف عنها طموحها السياسي الواسع، بالإضافة إلى عنصريتها تجاه اللاجئين والمسلمين، فهي تضيق عليهم بكل طريقة ممكنة". 

وأكد عادل أن "طرح نقل عدد من اللاجئين إلى رواندا، فكرة مجنونة بمعنى الكلمة، وأشد من معسكرات الفصل الجماعية أو سياجات الفصل العنصري لمجموعة من البشر، ويمكن إطلاق عليها مسمى "النفي قسريا"، لأن الفعل متطابق مع المصطلح". 

وشدد على أن "خطورة تلك العملية تكمن في أن لها ما وراءها، ولن تقف على مجموعة محدودة من اللاجئين غير النظاميين حسب وصفهم، أو غير المتزوجين، أو الأفارقة والأسيويين، بحيث تبدأ بانتقائية شديدة لتلك المجموعات، ومن ثم تتوسع حتى تشمل معظم اللاجئين بعد ذلك، وتصبح هي الأساس".

وأشار المحامي الحقوقي إلى أن "الأخطر أن الأمر لن يقتصر على المملكة المتحدة فقط، بل ستنتشر الفكرة إلى كثير من الدول الأوروبية، التي ستتخذ بريطانيا نموذجا، وستعقد اتفاقيات مع دول إفريقية ونائية أخرى، وتنقل إليهم اللاجئين، في ظل الضغوط الشعبوية المتصاعدة، وزيادة نفوذ اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة".