لإخراجه من أزمته.. الخطوط الرئيسة لوثيقة "الانتقال الديمقراطي" في السودان

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "المونيتور" الأميركي الضوء على مجموعات المقاومة السودانية التي صاغت "ميثاقا" للانتقال الديمقراطي وبديلا للانقلاب العسكري الذي يحكم البلاد.

وأعلن تنسيق "لجان المقاومة بولاية الخرطوم"، خلال مؤتمر صحفي في 27 فبراير/شباط 2022، عن نشر ميثاقه السياسي "الذي طال انتظاره".

وتحدد الوثيقة، لأول مرة، الخطوط الرئيسة المقترحة من هذه الجماعات لإخراجها من الأزمة التي غرقت فيها البلد، خاصة منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وتضع الأسس التي تبنى عليها حكومة جديدة في السودان.

وينص الميثاق على فترة انتقالية لمدة عامين يتم خلالها إجراء إصلاح شامل للدولة، وهذه الفترة، ستشرف عليها القوى الثورية ويرأسها رئيس وزراء، بتوافق بين الموقعين، وستحدد الصلاحيات في دستور انتقالي.

وجاء الإعلان عن الوثيقة، التي تهدف إلى أن تصبح مرجعية سياسية توحد القوى الثورية في السودان، بعد عملية واسعة من النقاش والتشاور بين جميع المنسقين وحركاتهم الشعبية في جميع أنحاء ولاية الخرطوم.

نهج شعبي

وقالت عضو "لجنة المقاومة"، مزنة الحاج، لـ"المونيتور"، إن "ما يجعل الأمر مهما في هذه الرؤية ليس فقط أنها المرة الأولى التي حاولنا فيها تجسيد جميع الأفكار التي تدور في أذهاننا في مستند مكتوب، ولكن أيضا بسبب عدد الأشخاص الذين شاركوا في العملية".

وأضافت الحاج "نتحدث عن الآلاف من أعضاء لجان المقاومة المختلفة في الخرطوم، الذين شاركوا جميعا في عملية ذات نهج تمثيلي للغاية وشعبي ومنطلق من القاعدة إلى القمة".

ومع جذور تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، برزت لجان المقاومة إلى الصدارة خلال التحركات ضد الرئيس المعزول عمر البشير (1989 ـ 2019) وأثبتت أنها بارعة بشكل خاص في مقاومة تكتيكات النظام القمعية، وفق الموقع الأميركي.

وبفضل المساحة الأكبر التي كانت موجودة أثناء "الانتقال المجهض"، اكتسبت هذه الشبكة الواسعة من المجموعات الخبرة وأصبحت متجذرة بعمق في العديد من الأحياء.

وإلى جانب طبيعتها اللامركزية وعلاقاتها المحلية القوية، سمح لها ذلك بقيادة التعبئة الشعبية منذ انقلاب أكتوبر 2021.

ويمثل الميثاق السياسي تعديلا للمشروع الوطني السوداني بأكمله منذ استقلاله، ويعزو الفشل إلى نهج سياسي نخبوي فشل باستمرار في معالجة جذور القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد، مما أدى في النهاية إلى تمزيق نسيجها الاجتماعي.

كما تنص الوثيقة على أن "الفشل في تبني رؤية تنموية تضمن التوزيع العادل والمنصف للسلطة والثروة في السودان، هو في قلب الانهيار السريع في محاولاته السابقة للتحول الديمقراطي".

تغيير جذري

وفي هذا السياق، تدعو الوثيقة إلى تولي مهمة إعادة بناء الأمة وبناء دولة ديمقراطية حديثة بقيادة مدنية.

وأرادت لجان المقاومة أن تكون شديدة الشفافية بشأن رؤيتها، حيث قالت الحاج: "ندعي أننا نريد تغييرا جذريا، ومن خلال التغيير الجذري لا نعني فقط أننا نريد التخلص من الجيش أو قادة الانقلاب، إننا نطمح إلى تغيير المجال السياسي بأكمله، لأننا ندرك أن النظام معطل بسبب مشاكل تتعلق أيضا بالسياسيين المدنيين".

ويدخل الميثاق أيضا تعديلا على مجمل الفترة الانتقالية الهشة التي بدأت في السودان صيف عام 2019، بعد وقت قصير من سقوط البشير.

وفي هذا الصدد يدعو إلى الإطاحة بالنظام العسكري الذي فرض في "انقلاب أكتوبر 2021" ومحاسبة جميع المتورطين فيه.

كما تم إلغاء وثيقة أغسطس/آب 2019 التي كانت بمثابة الأساس الدستوري خلال الفترة الانتقالية، ومراجعة جميع الاتفاقات والقرارات الصادرة منذ سقوط البشير.

وينص النص كذلك على رفضهم إجراء مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع جنرالات الانقلاب.

ومن حيث الهياكل والسلطات الانتقالية، يقترح الميثاق صياغة دستور انتقالي بهدف تحقيق أهداف الثورة في غضون عامين.

كما يدعو إلى إنشاء مجلس تشريعي يكلف بالموافقة على تعيين الحكومة التنفيذية، وتشكيل مفوضيات للتعامل مع قضايا مثل السلام والعدالة الانتقالية.

وتتوخى الوثيقة إنشاء مجالس تشريعية محلية ودولية كجزء من نظام فيدرالي لامركزي للغاية.

وفي هذا السياق، قالت الشريك الإداري في معهد "إنسايت ستراتيجي بارتنرز" الدولي في الخرطوم، خلود خير، للمونيتور: "تم اتهام أعضاء لجان المقاومة عدة مرات بأنهم نوع من الغوغائين الذين يعرفون فقط ما لا يريدونه ولم يتمكنوا من التعبير عما يريدونه.. لكن يوضح هذا الميثاق التحول مما لا يريدونه إلى ما يريدونه". 

طويل الأمد

وعلى الصعيد الاقتصادي، تطالب لجان المقاومة في الخرطوم بوضع برنامج اقتصادي وطني يوازن بين إدارة الدين العام، بما في ذلك مراجعته، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية العادلة والشفافة.

وبشكل حاسم، يطالبون أيضا بوزارة المالية التي تتحكم في جميع جوانب المؤسسات المالية العامة، بما في ذلك الشركات والهيئات المملوكة للقوات النظامية أو المرتبطة بها، ومراجعة جميع الاتفاقيات المالية منذ تولي البشير السلطة عام 1989.

كما يطالب الميثاق كذلك، بإنشاء لجنة لمكافحة الفساد مكلفة باستعادة الأموال العامة المسروقة والأصول المنهوبة.

وفيما يتعلق بملف السلام، ينص الميثاق على مراجعة كاملة لاتفاقية جوبا للسلام، الموقعة في أغسطس/آب 2020 من قبل الحكومة الانتقالية المنحلة والعديد من الجماعات المسلحة، في إطار وطني شامل لمعالجة أوجه القصور فيها، والتي يتهمها بالمساعدة في خلق أرض خصبة لـ"انقلاب أكتوبر".

وبدلا من ذلك، فإنه يدعو إلى إقامة مؤتمر سلام وطني للحوار بين الأطراف السودانية، من أجل معالجة قضية الحرب والسلام "من نهج راديكالي".

وفي هذا السياق، قالت الحاج "رسالتنا بهذا الميثاق، هي أننا لا نريد التركيز على الناس، بل نريد التركيز على الرؤية والإستراتيجية لحكم السودان، ولذلك لم يكتب هذا الميثاق فقط لمعالجة الفترة الانتقالية، بل تمت كتابته بينما كنا نفكر في البيئة والظروف المثالية لبناء أمة سودانية، هذا ميثاق طويل الأمد".

وشددت على أنه "يجب أن يكون هناك بعض الإدراك بأن الطريقة التي كانت لجان المقاومة تقاوم بها الانقلاب ربما تكون الأكثر نجاحا حتى الآن، لذلك، نحن بحاجة إلى رؤية تحول في السياسة السودانية، بالسماح للجان المقاومة، والأهم من ذلك الطريقة التي تعمل بها، لقيادة هذه العملية المقبلة".

وأشارت الحاج إلى أن "قلة قليلة من الناس، صغارا وكبارا، في حزب سياسي أو غير ذلك، لديهم خبرة الحكم في السودان، وأي تجربة لحكومة ديمقراطية مدنية، فهي ليست حكرا على من لديهم تجربة.. الأمر يتعلق أكثر بما تمكنت لجان المقاومة هذه من إثباته، وهو الالتزام بهذه المعايير الديمقراطية".

من جانبه، قال المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين، مهند النور، لموقع "المونيتور" إن "إرادة لجان المقاومة بالخرطوم الآن هي فتح نقاش مع كل لجان المقاومة الأخرى في السودان والتي كان بعضها قد نشر مواثيق للتوصل إلى نص موحد.. البعض لا يزال يدرس الوثيقة".

ولفت إلى أنه "استنادا إلى تاريخ السودان، فقد شهد البلد عديد الانقلابات، وفي عام 2022، نشهد انقلابا ونظاما يحاول التوطيد.. وهذا الاختلاف الرئيس، هذه المرة، يعني أنه لا يزال هناك بعض الأمل في المستقبل القريب في أنه ستكون هناك حكومة مدنية في الأفق".