نموذج مصغر.. ما أوجه التشابه بين جمهورية مرتضى منصور ونظام السيسي؟
في ظل تواصل المظالم والانتهاكات بمختلف مؤسسات الدولة المصرية، شاهد الشعب المصري مارثونا انتخابيا هزليا في نادي الزمالك الرياضي، دفع البعض لاعتباره صورة مصغرة للأوضاع السياسية بالبلاد عقب الانقلاب العسكري في 2013.
الانتخابات التي شهدت فوز المستشار المثير للجدل، مرتضى منصور، المقرب من نظام عبدالفتاح السيسي، خيمت عليها أجواء الفساد والرشاوى واستحضار البلطجية، فضلا عن اشتباكات بالأيدي وتراشقات اللفظية، وتسريبات فاضحة للمتنافسين.
ما جعلها محل تساؤلات عن سبب هذه الفوضى السياسية والأخلاقية، في معرض نشاط من المفترض أنه خدمي للمواطنين، وهل أريد تصدير هذه الصورة للمواطنين؟ وما الهدف من ذلك؟
انتخابات فاضحة
سرعان ما تحولت انتخابات الجمعية العمومية لنادي الزمالك المصري، التي عقدت في 11 فبراير/ شباط 2022، إلى فضيحة حقيقية عقب اشتباكات أصيب على إثرها عدد كبير من الأشخاص، بينهم سيدات.
وبدأت المشاجرات مع دخول المرشح لرئاسة نادي الزمالك، أحمد سليمان أبواب النادي، معترضا على المضايقات التي يتعرض لها أنصاره، بمنعهم من توزيع أوراق على المصوتين للتعرف على أسماء قائمته، لتندلع مواجهات بين أنصاره وبلطجية منافسه مرتضى منصور.
وبينما كانت اللجنة المشرفة على الانتخابات تستعد للبدء في عملية فرز الأصوات، ظهر منصور بدون سابق إنذار، معلنا توجيها لرجال الأمن للتعامل مع الوضع، ما أخرج الأمور عن السيطرة، في مشهد وصفه الإعلام المصري بحرب الشوارع.
لم تنته الأزمة عقب إعلان فوز مرتضى منصور، برئاسة النادي للمرة الثالثة تواليا.
وجاءت متوالية التسريبات بين طرفي العملية الانتخابية، لتضيف دلالة فاضحة على المشهد، وفي 14 فبراير.
إذ أقام منصور مؤتمرا صحفيا داخل النادي، وحشد فيه قطاعا كبيرا من الأعضاء، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، بدأ في عرض تسريبات لفظية خادشة للحياء لمنافسه أحمد سليمان.
لكن الصدمة أنه في اليوم التالي مباشرة، انتشرت تسريبات على مواقع التواصل الاجتماعي، لأحمد وأمير نجلي مرتضى منصور، هزت الرأي العام المصري، لما تضمنته من إساءة بالغة لرموز النادي، واستعراض للقوة والسيطرة.
وحوى التسريب سبا بأفظع الشتائم في حق نجم النادي السابق أيمن يونس، ونائب رئيس الزمالك السابق، المستشار أحمد جلال إبراهيم، وأمين الصندوق الحالي خالد لطيف.
وكانت المفاجأة التي فجرها أمير مرتضى منصور خلال التسجيل، هي أنه "هو من يحكم ويدير نادي الزمالك بعيدا عن وجوده في مجلس الإدارة، والأمور تدار بالشكل الذي يختاره ويراه هو، ولا يتدخل أحد في عمله".
وسرعان ما جاء رد أيمن يونس على تويتر معلنا أنه سيرفع دعوى قضائية للفصل في مدى صحة هذا التسجيل، وكتب: "سآخذ حقي وحق أمي. نحن تربينا محترمين سفراء مهذبين لنادي الزمالك ومصر ولعبة كرة القدم".
دولة مرتضى
ووصف الصحفي الرياضي المصري، حسام زيد، انتخابات الجمعية العمومية لنادي الزمالك بـ"المهزلة"، وقال لـ"الاستقلال": "نحن نتحدث هنا عن غياب القانون والاحتكام إلى شريعة الغابة، والغلبة للأقوى".
وأضاف أنه حين يقوم رئيس النادي ومنافسه باستحضار البلطجية والاستعراض بهم أمام الأعضاء، فهذه غابة أشبه ما تكون بزمن الفتوات في مصر القديمة، وكان يمكن للأمر أن ينتهي بكارثة حقيقية وسقوط ضحايا، لا سيما أنه بالفعل وقعت تراشقات أسفرت عن بعض الإصابات".
وأورد الصحفي المصري: "كثير من الإعلاميين والسياسيين والشعب نفسه بات يتساءل من الذي يحمي مرتضى منصور؟ لماذا هو قادر على العودة دائما، وفعل ما يحلو له دون حسيب أو رقيب".
ومضى بالقول إنه "حين يقوم شخص بعمل اجتماع عام ومؤتمر جماهيري حاشد داخل ناد رياضي تابع للدولة، ويقوم بعرض تسريبات تلفونية وأحاديث خاصة لشخصيات عامة، تتضمن ألفاظا خادشة للحياء، فيجب أن يحاسب، ويعرض على القانون، ولا يمكن للأمر أن يمر مرور الكرام".
واستطرد: "كم مرة تسبب مرتضى منصور في إحداث فتنة بين جماهير الأهلي والزمالك، وساهم في تعبئة للرأي العام كان ممكن أن تنتهي إلى كارثة دموية بين جماهير الفريقين، إضافة إلى إهانته المستمرة لرموز النادي الأهلي كرئيسه الكابتن محمود الخطيب، الذي لم يرد الإساءة ولجأ للقضاء، لكن أحدا لم ينصفه إلى الآن".
وأكد زيد أنه "من الطبيعي أن تقوم هذه الرياضة والأندية الرياضية على الأخلاق في الأساس، وهدفها تهذيب النفوس والارتقاء بها، لكن ما يحدث بعيد كل البعد عن النواحي الأخلاقية، ويمكن أن يؤدي مستقبلا إلى كارثة لا يحمد عقبها".
حالة مقصودة
من جانبه، قال المسؤول السابق بوزارة الشباب والرياضة المصرية محمد أمين، إن "حالة مرتضى منصور مقصودة داخل الحياة السياسية المصرية، ومستمرة منذ قرابة 30 سنة، فهو يعمل في النشاط الرياضي والسياسي منذ منتصف التسعينيات، على نفس الشاكلة وبنفس المنطق".
وأضاف لـ"الاستقلال": "كلما سقط أو تم التضييق عليه، عاد مرتضى بصورة أقوى وأشرس، ولا أحد يعلم سر هذا الوضع المريب، الخاص بهذا الرجل من زمن مبارك إلى السيسي".
ومضى بالقول إنه يجب أن "نذكر بالمعارك التي خاضها مرتضى في مطلع الألفية مع مجلس إدارة الزمالك، الذي كان تحت قيادة الدكتور كمال درويش، ونائبه إسماعيل سليم، وقتها أحضر مرتضى منصور بلطجية إلى النادي وقاموا بالاعتداء على سليم، الذي نقل إلى المستشفى، ونجح في تشويه وإقصاء كمال درويش الذي كان رجلا أكاديميا وخلوقا".
وبعدها دخل الزمالك دائرة مظلمة، ولم يجد نصيرا من الدولة والنظام، حيث فتحت جميع الأبواب لمرتضى منصور، وفق أمين.
وأوضح أنه "في عهد السيسي، مرتضى منصور لم يكن مجرد رئيس لنادي الزمالك، كان هو ونجله أحمد أعضاء بالبرلمان، حتى بعد استبعادهم لاحقا، لم يتركوا نادي الزمالك، وحكموه بأساليب غاية في الغرابة غير موجودة بالعالم العربي، ولا حتى دول أقل شأنا من مصر".
وأكد أن "مرتضى يحكم عبر مجموعة من البلطجية والخارجين على القانون، يتخذهم كجنود يأتمرون بأمره، ويخوض في أعراض خصومه دون حسيب ولا رقيب".
ووصف المسؤول المصري السابق تلك الحالة، بأنها مماثلة لما أورده المفكر الإسلامي الرائد عبدالرحمن الكواكبي في كتابه الأشهر "طلائع الاستبداد"، وقال فيه: "المستبدون يتولاهم مستبد"، وأنه ما أشبه الصلة بين دولة مرتضى منصور في الزمالك، ودولة السيسي في مصر.
"حتى الأبناء على نفس النسق، فإذا كان نفوذ محمود السيسي يتصاعد ويحكم من الخفاء، فإن أمير مرتضى، قال أيضا إنه هو من يحكم ويدير النادي كما يشاء، وهذا من مفارقات وعجائب القدر"، يضيف أيمن.
ورأى أن وجود مرتضى منصور له ارتباط وثيق بأجهزة أمنية واستخباراتية، لأنه يفرض دائما حالة من الصخب، تجذب الأنظار والاهتمام إليه، ويدخل في معارك طويلة مع خصوم، تشغل الرأي العام، عن قضايا سياسية واجتماعية أهم، مثل الفقر وتدهور الاقتصاد، وأزمات أخرى مثل سد النهضة وغيرها.
وختم المسؤول المصري السابق المقيم بالخارج بالقول إنه "بدلا من أن يتحدث الناس عن هذه الأمور، يصبون اهتمامهم نحو مرتضى منصور ومعاركه غير الاعتيادية، وهذا هو المطلوب".