بزعم تنشيط السياحة.. عباس يشجع المستوطنين لدخول الضفة الغربية بدلا من طردهم
.jpg)
بعد نجاحها في "إدارة الصراع" بدلا من حله عبر قمع الفعاليات الشعبية، تعمل السلطة الفلسطينية على جلب الإسرائيليين بطرق رسمية إلى الضفة الغربية تحت عنوان "تنشيط السياحة الداخلية".
أول مدخل ترغب السلطة من خلاله بتحقيق هدفها هو كازينو أريحا (أويسيس) الذي باتت تضغط على إسرائيل من أجل إعادة افتتاحه، وفق ما كشفت القناة الـ12 العبرية في 16 فبراير/شباط 2022.
وأغلق "أكبر كازينو في الشرق الأوسط" بمدينة أريحا منذ انتفاضة الأقصى عام 2000. وأوضحت القناة أن السلطة تريد فتحه كونه يدر ملايين الدولارات على خزينتها.
وأريحا مدينة فلسطينية تاريخية تقع في الضفة الغربية بالقرب من نهر الأردن وعند شمال البحر الميت، وتعد من أقدم المدن في التاريخ، ويتردد عليها السياح من مختلف دول العالم.
كازينو أريحا
هذا المشروع المثير للجدل افتتح عام 1998 بتكلفة 150 مليون دولار أميركي كما أعلن وقتها، وتملك شركة تابعة للسلطة الفلسطينية نسبة كبيرة من أسهمه.
ووقت الافتتاح حضرت عشرات الشخصيات من إسرائيل والسلطة الفلسطينية إضافة إلى عدد من المدعوين من الخارج.
أطلق على الكازينو اسم الواحة وهو جزء من مجمع سياحي ضخم كان سيضم 3 فنادق 5 نجوم بسعة مئات الغرف الفندقية ويوفر آلاف فرص العمل للفلسطينيين، وفق ما قال مدير الشركة النمساوية التي تديره الكسندر توتشيك في 1998.
وأقيم المنتجع السياحي على مساحة 5 كيلومترات مربعة داخل منطقة جميلة في مدينة أريحا الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، البالغ إجمالي مساحاتها 35 كيلومتر مربع.
ويقع الكازينو في منطقة مصنفة (أ) بحسب اتفاق أوسلو، ولا يجوز دخول الإسرائيليين إليها إلا بالتنسيق مع الجيش الذي كان يمنحهم بالفعل تسهيلات وصول قبل الانتفاضة.
وجهزت الشركة القائمة عليه في ذلك الوقت 23 طاولة قمار و230 آلة سحب وبارا ومطعما وصالات ترفيه إضافة إلى صالة قمار لكبار المقامرين.
ولقي افتتاح الكازينو في حينه معارضة شعبية واسعة النطاق في الأراضي الفلسطينية للمشروع.
وكشف المراسل العسكري للقناة العبرية 12 "نير دفوري" أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عقدت خلال الفترة الماضية جلسة نقاشات حول إمكانية إعادة فتح الكازينو، إلا أنها رفضت في هذه المرحلة بسبب الظروف الأمنية، على أن تواصل نقاشاتها في مرحلة قادمة.
�� ترجمة خاصة| السلطة الفلسطينية تمارس ضغوطًا على الاحتلال لإعادة فتح "كازينو أريحا" لزيادة السياحة واستقطاب الإسرائيليين! pic.twitter.com/voNUQZ5C6Y
— وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) February 16, 2022
لكنه أشار وفق فيديو نشرته وكالة شهاب الفلسطينية إلى أن الأجهزة الأمنية المشتركة بين الطرفين تعمل في هذه الفترة على حملة لتشجيع السياحة الإسرائيلية في أريحا ضمن "تجارب استطلاعية"، وقد بدأت تسيير رحلات أولية لدخول العشرات منهم إلى المناطق السياحية فيها.
ولفت إلى أن مئات الإسرائيليين وصلوا إلى أريحا مؤخرا ضمن مجموعات، وتنزهوا في أسواقها والأماكن السياحية فيها. وقال دفوري، إنه في حال نجاح هذه "التجارب" فسيجري اتخاذ قرار بتوسيع "الرحلات".
بالتزامن مع ذلك، تحدثت القناة عن ضغوطات ينفذها الملياردير النمساوي اليهودي مارتين شلاف وأحد المساهمين في إنشاء الكازينو من خلال صديقه وزير المالية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان لإعادة فتحه.
ولفتت إلى أن السلطة الفلسطينية من جهتها أظهرت حماستها لذلك، وتضغط من طرفها بين الفينة والأخرى.
وكان كازينو أريحا وجهة لآلاف المستوطنين بعد توقيع اتفاقية أوسلو للعب القمار الذي يمنعه القانون الإسرائيلي وتحرمه الشريعة اليهودية.
وأضاف المراسل: "هذا المكان محبب لدى الإسرائيليين، لكن في ظل الأجواء السائدة حاليا قررت المنظومة الأمنية الإسرائيلية عدم فتحه أمامهم".
وأوضح أن الرحلات حاليا تجري برفقة مرشدين سياحيين وتشمل مطاعم وأديرة أثرية والتلفريك الذي يمر في أجواء المدينة. ويعتقد أن "هذه هي البداية التي ستقود إلى تطورات إضافية في هذا الاتجاه"، وفق تقديره.
بداية التدحرج
خلال السنوات الأخيرة، بدأت السلطة الفلسطينية تقديم تنازلات كبيرة وغض النظر عن ملفات رئيسة أملا في عدم انهيارها، مع توقف المفاوضات عام 2014 ورفض إسرائيل استئنافها.
وبعد عقود من مناقشة السلطة قضايا الاستيطان وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 ومطالبتها بإنهاء الصراع مع إسرائيل، نجحت سلطات الاحتلال بتغيير المعادلة جذريا.
وفي عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو وخلفه نفتالي بينيت، تحول النقاش إلى إنقاذ السلطة الفلسطينية من الانهيار ومناقشة التنسيق الأمني المشترك وتحسين الأوضاع الاقتصادية دون بذل جهد بشأن الملفات المصيرية.
والتقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عدة مسؤولين إسرائيليين أواخر عام 2021 من بينهم وزير الجيش بيني غانتس، في لقاءات كان نتيجتها الاتفاق على تهدئة الأوضاع الميدانية في الضفة الغربية المحتلة، ومنع تدهور آخر للأوضاع.
وكان المقابل من هذا الاتفاق، التصديق على عدة "تسهيلات اقتصادية" للسلطة، من بينها تقديم موعد دفع أموال المقاصة (العائدات الضريبية) بقيمة 100 مليون شيقل (نحو 32 مليون دولار)، ومنح تصاريح جديدة لرجال الأعمال الفلسطينيين، وتسوية أوضاع الآلاف ممن لا يحملون بطاقة الهوية في الضفة وقطاع غزة.
وشهدت الضفة الغربية مؤخرا تصاعدا في المواجهات بين جيش الاحتلال والمستوطنين من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى، في وقت تصاعدت فيه عمليات المقاومة.
واتفق كذلك على منح 600 تصريح رجال أعمال إضافية لفلسطينيين، ومنح 500 منهم تصريح إدخال مركبات إلى "إسرائيل"، وكذلك منح عشرات بطاقات الـ"VIP" لمسؤولي السلطة.
وجرى الحديث عن خطوات اقتصادية بما في ذلك تخفيض ضرائب الوقود وتجربة إدخال حاويات تجارية عبر معبر الكرامة مع الأردن، وإقامة قاعدة بيانات جمركية إلكترونية، وقاعدة بيانات لدفع أجور عمال فلسطينيين عبر مشغلين إسرائيليين بشكل إلكتروني.
وأبلغ غانتس عباس أنه ينوي الاستمرار في تعزيز تدابير “بناء الثقة” في المجالين الاقتصادي والمدني، كما اتفقا في اجتماعهما السابق.
كما استبعد غانتس وقتها أي مبادرة سلام رئيسة في ظل الحكومة الجديدة، فيما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت لاحقا إنه لن تكون هناك دولة فلسطينية.
وهناك ما يدلل على أن السلطة باتت تلعب دورا مركزيا في تعزيز المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس المحتلة من خلال دورها المهم والحاسم في تحسين البيئة الأمنية للمستوطنات.
بحيث أصبحت مناطق جذب لقطاعات جديدة من الإسرائيليين، وفق ما يقول الخبير بالشؤون الإسرائيلية صالح النعامي.
وأوضح النعامي في مقال نشره موقع "الجزيرة نت" عام 2013، أن شراكة السلطة الفلسطينية لإسرائيل في الحرب التي تشنها على حركات المقاومة في الضفة الغربية، المتمثلة في التعاون الاستخباري والتنسيق الأمني، أسهم بشكل واضح في تعزيز مستويات الشعور بالأمن الشخصي والجماعي لدى المستوطنين.
وهو ما أقنع بالتالي جماعات جديدة من اليهود بالقدوم للاستيطان في الضفة الغربية، وفق ما قال.
ومنذ ذلك الوقت، تاريخ كتابة المقال، حتى اليوم، تطورت الإستراتيجية المشتركة، عبر القمع العنيف لأجهزة السلطة ضد الفعاليات التي كانت يسمح بها سابقا تحت اسم "المقاومة الشعبية".
وبشكل شبه يومي، تهاجم قوات أمن السلطة المشاركين بفعاليات مناهضة للاستيطان، كما تقمع احتفالات استقبال الأسرى المحررين من سجون الاحتلال.
احتمالات النجاح
ويرى الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية سعيد بشارات أن السلطة الفلسطينية وتل أبيب نجحتا في الحد من الصراع، وهذا ما يجري تطبيقه الآن.
وقال لـ"الاستقلال" إن "فتح الكازينو واحد من الخطط، ولكنه أمر غير رئيس، فالإسرائيليون يزورون أريحا باستمرار وبعض المناطق بوتيرة أقل مثل بيت لحم وطولكرم".
وتابع أن "إدارة الصراع أمر وافقت عليها السلطة برغبة من الإدارة الأميركية وهي سعيدة به، وجاء ذلك لقناعتها بعدم وجود تقدم في الحل السياسي وقبول الأمر الواقع".
ويعتقد أن هذا الحل "يجري تثبيته وإقناع الناس فيه بالقوة داخل الضفة الغربية". ويبدو ذلك ماثلا بالفعل من خلال قمع أمن السلطة الفعاليات المناهضة للاحتلال والمستوطنين.
ويتوقع بشارات أن يكون نجاح خطة السياحة محدودا ومرتبطا بالهدوء والتصعيد، "فالوضع غير ثابت وقابل للانفجار ولن يتمكن الإسرائيليون من الدخول إلى عمق الضفة الغربية".
وأرجع ذلك إلى عدم استفادة الشعب الفلسطيني من تلك المشاريع الاقتصادية "على عكس المتنفذين داخل السلطة".
وبين أن الفشل حليف المخطط "خاصة مع عدم قبول الناس بهذه المنظومة الفاسدة في رام الله".
وعن الأسباب التي دفعت السلطة نحو تلك الخطوة، قال بشارات: "لقد فشل مشروعها السياسي ولا يوجد حل ولا دولة وهناك مصالح لها في البقاء على ما هي عليه".
وأردف: "السلطة لا تفكر بالتراجع أو تفعيل المقاومة، بل تحاربها وتوافق وتشجع السياحة ضمن مشاريع اقتصادية مقابل شراء الأمن، وهذا سيدفع إسرائيل إلى التهام الضفة الغربية بشكل أكبر".
وهذا يشير إلى توقعات بارتداد الأمر لصالح الاحتلال. فللحكومة الإسرائيلية أسباب سياسية وأيديولوجية لتنمية الصناعة السياحية في الضفة الغربية وإرسال المستوطنين إليها.
وتؤكد جماعات المستوطنين التي تدعمها الحكومة الإسرائيلية على الروابط التاريخية للشعب اليهودي بهذه المنطقة.
وقد أنشأت إسرائيل العديد من المستوطنات بالقرب من مواقع أثرية بهدف جعل الصلة بين الدولة الحديثة وتاريخها اليهودي واضحا، وفق ما تقول منظمة العفو الدولية في تقرير مفصل نشرته عام 2019.
وفي الوقت نفسه تعمد إسرائيل إلى التقليل من أهمية الفترات الزمنية غير اليهودية في المواقع الأثرية والتاريخية أو تتجاهلها.
وتقول المنظمة إن تحديد أماكن معينة كمواقع سياحية أمر تستخدمه الحكومة الإسرائيلية لتبرير استيلائها على الأراضي والمنازل الفلسطينية.
وقد نتج عن ذلك تنفيذ عمليات إخلاء قسري للسكان الفلسطينيين، بالإضافة إلى تقييد قدرتهم على بناء أو توسيع منازلهم أو استخدام أراضيهم لأغراض زراعية، وهو ما يثير تخوفات مستقبلية حال طبقت السلطة خطتها.
ونقلت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية عن أحد مساعدي نفتالي بينيت في سبتمبر/أيلول 2021: “الشيء المهم هو عدم التسبب في أي مشاكل غير ضرورية ومحاولة تسهيل الحياة على الفلسطينيين”، وهي الإستراتيجية التي سلمت بها السلطة مؤخرا.