هجمات تنظيم الدولة تقترب من قناة السويس.. هل تعطل الممر الملاحي الدولي؟

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع تقارير تحذر من انتعاش تنظيم الدولة في الشرق الأوسط وإفريقيا، بعد انحسار سيطرته في السنوات الأخيرة، تصاعد القلق من جديد في مصر بعد عودة نشاط خلاياه في شبه جزيرة سيناء خصوصا بالقرب من قناة السويس، التي تعد ممرا ملاحيا دوليا.

التنظيم الذي غاب عن الأضواء بعد وصوله إلى ذروة قوته قبل سبع سنوات، عندما حكم مناطق واسعة من سوريا والعراق، عادت عناصره لتنشط من جديد بحسب تحليل لوكالة رويترز البريطانية في 4 فبراير/ شباط 2022.

وطوال 2021، توسع التنظيم في منطقة الساحل الإفريقي، وأعلن مسؤوليته عن مئات الهجمات في العراق وسوريا، بينها قتل أكثر من 100 من حراس سجن الحسكة بسوريا أواخر يناير/ كانون الثاني 2022، كما انتعش في أفغانستان ومناطق عدة في آسيا.

لكن الهجوم الذي نفذه فرع التنظيم في مصر المعروف بـ"ولاية سيناء" غربي شبه الجزيرة، في 25 يناير 2022، وقتل فيه خمسة عسكريين مصريين شكل صدمة بعد أشهر طويلة من الهدوء.

ليس لأن الجيش المصري كان قد أعلن أنه فرض سيطرته على غالبية المناطق التي كان ينتشر فيها التنظيم مثل رفح، والشيخ زويد، والعريش، وبئر العبد، لكن لأن الهجوم جرى في "جلبانة"، وهي منطقة تبعد 15 كيلومترا فقط شرقي قناة السويس، الممر الملاحي الدولي المهم للغاية للدولة المصرية وللعالم.

هجمات قرب القناة

في يناير 2022، خطف تنظيم الدولة ستة من أهالي سيناء المتعاونين مع الجيش والشرطة، وحين تدخلت قوات الجيش بحملة مداهمات في منطقة أبو العروق جنوب قرية جلبانة، قنطرة شرق، الإسماعيلية فجر التنظيم عبوة ناسفة.

نتج عن هذا مقتل خمسة عسكريين في 25 يناير، بينهم ضابط ورقيب وثلاثة جنود، واتضح لاحقا أن تنظيم الدولة كان قد نصب لهم فخا وفجر آلياتهم وقتل الخمسة.

ما جرى في المنطقة دق ناقوس الخطر، بسبب ما حمله هجوم جلبانة من رسائل للسلطات المصرية بأن تنظيم "ولاية سيناء"، موجود في أطراف قناة السويس، ما يهدد الملاحة في أحد أهم المصادر المالية بالموازنة المصرية.

لواءات سابقون أكدوا لموقع "مونيتور" الأميركي مطلع فبراير/ شباط 2022 أن الهجمات وعمليات الخطف الأخيرة تثير مخاوف من أنها "قد تكون جزءا من الصحوة الإقليمية للتنظيم، التي لوحظت حتى الآن في سوريا والعراق وليبيا".

وقال أحد شيوخ القبائل في جلبانة لموقع "العربي الجديد" الإلكتروني في 25 يناير إن ما جرى بالمنطقة يدق ناقوس الخطر، لما يحمله الهجوم من رسائل واضحة لقوات الأمن المصرية، بأن التنظيم وصل إلى أطراف قناة السويس، بعد سنوات من الحرب.

وكشف أنه وصلت رسائل من قوات الجيش لشيوخ المنطقة بأنه لن يتم السماح بوجود التنظيم في المنطقة مهما كلف الأمر ذلك، وسيتم البدء بعملية عسكرية لملاحقة مجموعات "ولاية سيناء" في الظهير الصحراوي المحاذي لجلبانة.

وأوضح أن ملامح العملية العسكرية بدأت بالظهور من خلال تعزيز الجيش انتشاره بمحيط جلبانة، وسط تحليق مكثف لطائرات بدون طيار بسماء المنطقة، إلا أن عناصر التنظيم ما زالوا يظهرون للعيان بين فترة وأخرى، لشراء مستلزمات وغيرها.

وأعلنت "مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان" رصد فرقها الميدانية في 2 فبراير 2022 تحليق أنواع جديدة من طائرات الدرونز المسيرة في مناطق غرب وجنوب مدينة رفح بشمال سيناء.

وما زاد القلق أن هذه ليست أول مرة يقترب فيها التنظيم من هذه المنطقة الحساسة، فبدأ في الظهور على الأطراف الغربية بسيناء قرب قناة السويس في ديسمبر/ كانون الأول 2020، حين هاجم كتائب ونقاط المراقبة التابعة لسلاح الدفاع الجوي المصري أكثر من مرة. 

حينئذ، أكدت قوات "اتحاد قبائل سيناء" الموالية للجيش المصري، في 11 ديسمبر 2020 عبر فيسبوك، مقتل ضابط برتبة رائد من قوات الدفاع الجوي يدعى محمود رضا، في هجمات تنظيم الدولة، دون تحديد ملابسات مقتله.

ثم استمر تمدد عمليات التنظيم وصولا إلى منطقتَي سهل الطينة وجلبانة، الواقعتين في سيناء جغرافيا، والأولى تتبع محافظة بورسعيد إداريا، والثانية تتبع محافظة الإسماعيلية وهي التي شهدت تجدد الهجمات في يناير 2022.

وقالت مصادر محلية إنه في نهايات عام 2020، وعقب ظهور التنظيم فيها، شهدت تلك المناطق الإستراتيجية تشديدات أمنية غير مسبوقة وحملات مشتركة من القوات المسلحة والشرطة، وتنفيذ عمليات تفتيش وتحقيق واعتقال سكان.

شرق سيناء

ورغم اقتراب هجمات التنظيم من قناة السويس، لم تتوقف في مناطق أخرى شرقي سيناء، كان آخرها انفجار لغم في قوات اتحاد القبائل الموالية للجيش في 6 فبراير 2022، ما أدى إلى إصابة فردين في منطقة العجرة جنوب رفح.

ووقعت اشتباكات عنيفة في اليوم التالي 7 فبراير، بين مسلحي تنظيم الدولة ضد الجيش المصري والقوات الموالية له جنوب قرية الطويل قرب العريش.

بالمقابل أعلن اتحاد القبائل أن الجيش قتل قياديا كبيرا في تنظيم الدولة بسيناء في 4 فبراير 2022 وهو، أبو رواحة الأنصاري، الذي وصفه بأنه "مسؤول المفارز الأمنية بوسط سيناء"، وأكدت وسائل إعلام التنظيم ذلك.

وعلى مدار عام 2021 تبادل تنظيم الدولة واتحاد القبائل إصدار البيانات عن قتل أفراد من الطرفين.

من جانبه، أوضح موقع "مدى مصر" الإلكتروني في 15 يناير 2021 أنه خلال ديسمبر 2020 فقط جرى تشييع جثامين 16 عسكريا، أربعة ضباط ورقيبين، و10 مجندين.

 وذكر أنهم قُتلوا وفق الرواية الرسمية "أثناء تأدية واجبهم الوطني في شمال سيناء"، ما يدل على شدة المعارك.

أسباب الفشل 

بعض أسباب هذا الفشل في حسم واحتواء نشاط تنظيم الدولة في سيناء عسكريا وسياسيا رصدته دراسة لمعهد كارنيغي للشرق الأوسط (مقره بيروت) في 13 يوليو/ تموز 2020.

عسكريا، رغم إنشاء قيادة موحدة لمنطقة شرق قناة السويس تضم الفرقتين الثانية والثالثة بمرسوم رئاسي صادر عام 2015، إلا أن ذلك "لم يُحدث تغييرا جوهريا في سلطة صنع القرارات الاستراتيجية بعيدا من القاهرة، ولم يُقدّم قيادة أكثر مرونة". 

وترجع الدراسة ذلك "لاعتراض القيادات التقليدية المتمسكة بسلطتها، لا سيما وأن المناصب القريبة من مستوى المجلس الأعلى للقوات المسلحة تترافق مع منافع سياسية واقتصادية كبيرة فضلا عن التراتبية القيادية".

كاتب الدراسة أكد على "ضرورة تمكين قيادة العمليات على مستوى المجلس الأعلى للقوات المسلحة من تنسيق القوات الخاصة ووحدات جمع المعلومات الاستخباراتية التي تعمل حالياً في الفروع المتعددة للأجهزة الأمنية، بدلا من أن تظل تابعة لقيادات مختلفة مثلما هو الحال الآن".

وسياسيا، ترجع دراسة كارينغي الفشل في إنهاء وجود تنظيم الدولة لعدم وضع إستراتيجية لمحاربة التمرد على المدى الطويل مثل معالجة قدرة التنظيم على التجنيد بنجاح وتفعيل قوته، والناتج عن مكمون الغضب من الانتهاكات ضد أهالي سيناء.

ورفض الإقرار بأي مظهر من مظاهر التظلم من أهالي سيناء، الذي تعتبره السلطة أمرا محفوفة بالمخاطر حيث ترى في الانفتاح تهديداً لسلطتها.

وقد برر  رئيس النظام عبد الفتاح السيسي بنفسه الإجراءات غير الديمقراطية معتبرا أنها ضرورية لمكافحة الإرهاب.

تقرير أخر لموقع "ريسبونسبل ستاتكرافت" الأميركي (Responsible Statecraft) اعتبر في 5 سبتمبر/أيلول 2020 إستراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب، لا سيما في سيناء، "معيبة وتؤدي إلى نتائج عكسية".

وأوضح أنه "بدلا من القضاء على الإرهاب واستئصاله، أوجدت السلطة أرضا خصبة للجماعات المتطرفة والمتشددة لتزدهر وتجنيد أعضاء جدد وتكثف هجماتها ضد الجيش المصري وقوات الأمن وكذلك المدنيين".

السبب يرجع إلى التهميش والبطالة وسوء الإدارة والفقر وأخيرا القمع والتهجير وعزل البدو وغيرهم من سكان سيناء وزيادة مظالمهم، ما جعلهم صيدا سهلا للتجنيد من قبل تنظيم الدولة.

تغير بالمعادلة

وذكر الموقع الأميركي أنه رغم تغيير حكومة السيسي تكتيكاتها في محاربة تنظيم الدولة بجذب واستمالة بعض زعماء القبائل للقتال إلى جانب الجيش، استمرت الهجمات وتحولت إلى حرب عصابات.

وساعد على تفاقم المشكلة تبنى نظام السيسي "إستراتيجية ذات توجهات أمنية عالية دون الاعتراف بالجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للوضع في سيناء، فاقمت التحديات هناك وخلقت العديد من المشاكل الأخرى".

هذه الإستراتيجية فاشلة لأنها مدفوعة إلى حد كبير بالانتقام والعقاب الجماعي واحتواء لا القضاء الجذري على هجمات ولاية سيناء، وليست مبنية على رؤية طويلة المدى لمعالجة الأسباب الجذرية لمشكلة سيناء، بحسب "ريسبونسبل ستاتكرافت" .

حيث ارتكبت القوات العسكرية والأمنية المصرية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق البدو وسكان سيناء، وأثارت هذه السياسات الاغتراب والغضب.

في المقابل اتبع التنظيم سياسة تجنيد نشطة، مستغلا الغضب المتفشي بين بعض بدو سيناء ضد تدهور الأوضاع المعيشية في معظم هذه الأراضي المصرية التي تشترك في الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة.

وفي تقريرها حول حصاد حقوق الإنسان في مصر خلال عام 2021 رصدت شبكة "نحن نسجل" الحقوقية سبع حالات قتل عشوائي في سيناء بينهم سيدتان على يد قوات الجيش والشرطة.

و10 قتلى بينهم أربعة أطفال على يد مسلحي تنظيم الدولة، بحسب التقرير الصادر 31 ديسمبر/ كانون أول 2022.

تقرير آخر لـ"معهد واشنطن للشرق الأدنى" المقرب من إسرائيل سرد في 9 ديسمبر 2021 نفس الأسباب تقريبا عن فشل إستراتيجية مصر في سيناء، ما يسمح بعودة أنشطة التنظيم وتجديد هجماته.

وأوضح أن "انتقال الجيش إلى التعاون مع القبائل ساهم في الحد من الهجمات الجهادية، لكن جهود القاهرة المتعثرة في مجال التنمية وحقوق الإنسان قد تترك سيناء عرضة لتجدد التمرد في المستقبل".

وأكد أن "التعاون العسكري الموسع بين القاهرة والقبائل البدوية وغيرها من السكان قد أدى دورا حاسما في إضعاف ولاية سيناء، لكن هذا النجاح قد لا يستمر ما لم تبذل مصر جهودا إضافية لتصحيح إهمالها الطويل لشبه الجزيرة".

تقييم أمريكي

خلال اجتماع لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي لبحث تعيين الجنرال مايكل كوريلا قائدا جديدا للقيادة المركزية الأمريكية، الذي اختاره جو بايدن لهذا المنصب في 7 يناير 2022، أكد أن تنظيم الدولة في سيناء لا يزال يشكل مصدر قلق. 

وأشار إلى أن "التهديدات المتطرفة في سيناء يتم احتواؤها إلى حد كبير، وتنظيم الدولة الذي يشكل مصدر قلق هناك، يمكن التحكم فيه من جانب القاهرة".

كما أكد دعمه لحكومة السيسي في مواجهة "المتطرفين العنيفين في مصر"، بما في ذلك سيناء، و"تركيز الجهود العسكرية الأمريكية على جماعات القاعدة وولاية سيناء"، لأنها " تشكل تهديدات للولايات المتحدة وأمن المنطقة ".

وحين سئل كوريلا: ما تقييمك للوضع الأمني ​​في مصر بما في ذلك شبه جزيرة سيناء؟ قال إن "الوضع السياسي والأمني ​​في مصر مستقر، لكن مصر تواجه مصاعب داخلية تتمثل في ضعف الاقتصاد والفقر وندرة المياه والتطرف في سيناء".

وأكد أن تقييمه الأولي سيتضمن تقييما لمكافحة الإرهاب في مصر، وأنه إذا تأكد أن جهود مصر لمواجهة تنظيم الدولة في سيناء شهدت تقدما ذا مغزى عام 2021، فسوف يستمر في بذل الجهود لدعم تطوير قوات مكافحة الإرهاب المصرية.

وحين سئل عن تقييمه لـ"خطر الإخوان المسلمين والقاعدة وتنظيم الدولة وولاية سيناء على التوالي، على الوضع الأمني ​​في مصر واستقرار السيسي"؟ وهل يجب أن تشمل إستراتيجية أميركا في مصر، مشاركتها في مواجهة كل هذه المجموعات".

قال: "أعتقد أن حكومة السيسي لا تزال قادرة أن تحبط المتطرفين العنيفين في مصر، بما في ذلك سيناء، ويجب أن تركز الجهود العسكرية الأمريكية على الجماعات الإسلامية، بما في ذلك القاعدة وداعش سيناء".

فأميركا قلقة من اقتراب التنظيم من القناة لأن مصالحها في مصر تتلخص في أمرين، بحسب "ريسبونسبل ستاتكرافت": الأول ضمان العبور في قناة السويس ومن ثم سلامتها وعدم تعرضها لهجمات.

والثاني ضمان وحماية القاهرة لأمن إسرائيل ولهذا تواصل الرئيس بايدن مع السيسي كي يضمن تدخله عقب حرب مايو/ أيار 2021 في غزة لضمان توقف صواريخ المقاومة عن ضرب المدن الإسرائيلية.