محمد حسين كركيج.. عالم سني إيراني رفض سب الصحابة وجرائم الأسد فعزله خامنئي

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة استفزازية جديدة، أقدم ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي على عزل أحد كبار علماء السنة في البلاد، الشيخ محمد حسين كركيج، خطيب أهل السنة في مدينة آزادشهر (شمال)، عن إمامة خطبة الجمعة.

وحسب وكالة إيران الرسمية "إرنا"، فإنه بناء على مرسوم ممثل المرشد في المحافظة، آية الله كاظم نورموفيدي، جرى تعيين نعمة الله مشوف، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2021، إماما جديدا لمدينة آزادشهر السنية في شرق محافظة غلستان.

وجاء ذلك عقب قول الشيخ كركيج: "على من يسب صحابة نبي الإسلام أن يعلم أن عمر بن الخطاب قد تلا خطبة زواج الإمام الحسين من ابنة يزدجرد، وإن كان عمر حسب ادعاء أحدهم ليس على حق، فإن هذا الزواج لم يكن إسلاميا أيضا".

حديث الشيخ كركيج (79 عاما) خلال خطبة جمعة 10 ديسمبر/كانون الأول 2021، أثار حفيظة رجال الحوزات الشيعية، ما دفعهم لشن هجمة شرسة عليه، بإسناد مباشر من وسائل الإعلام المقربة من الحرس الثوري، واعتبروها "تشكيكا في عصمة أهل البيت"، كما طالبوا بمحاكمته.

لكن أهالي آزادشهر انتفضوا على قرار عزل الشيخ كركيج، وخرج العشرات منهم احتجاجا على ذلك، ولا سيما بعد محاصرة القوات الإيرانية لمنزل الشيخ ومنعه من الخروج.

النشأة والتكوين

ولد محمد حسين كركيج عام 1942 من أسرة من أصل بلوشي، وبدأ دروسه الدينية الأولى في بلوشستان فتعلم وقرأ القرآن والأدب الفارسي، ثم ذهب إلى زاهدان عاصمة المحافظة، وقرأ الكتب التمهيدية في الفقه،‌ ودرس على الفقيه شير محمد عم عبد الحميد إسماعيل زهي، كما درس الأدب العربي.

هاجر كركيج إلى باكستان المجاورة لإكمال الدورة النهائية في الفقه، التي لم تكن في إيران خلال ذلك الوقت، وفي مدينة كراتشي أكمل دورات الحديث الشريف في جامعة الفاروقية، وحصل على إجازتين في رواية الحديث.

بعد ذلك انتسب إلى مدرسة بدر العلوم رحيم يار خان، وخضع لدورة تفسير القرآن، فأكمل الدورة الكاملة في ترجمة القرآن وتفسيره.

وعقب ذلك عاد الشيخ كركيج إلى بلاده ومسقط رأسه وأنشأ مدرسة الفاروقية الحنفية في مدينة كاليكش، وشارك في تعليم وتدريب طلاب العلوم الدينية.

كما عين إماما لصلاة الجمعة والعيد في آزادشهر، وهو فقيه في الأمور الشخصية مثل الزواج والطلاق والوصايا والورثة في معظم محاكم محافظة غلستان.

متحدث مفوه

كثيرا من انبرى الشيخ كركيج لمسألة مطالبة الحكومة بالسماح بافتتاح مسجد لأهل السنة في العاصمة طهران، التي يسكنها أكثر من مليون سني، وكذلك السماح بحرية إقامة صلاة الجمعة والعيدين في المدن الكبرى.

وتصدى الشيخ كركيج، في خطبة الجمعة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2015، للمبالغين الشيعة الذين ينشطون في المناطق السنية خلال ذكرى "مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه"، ودعاهم إلى أن يحترموا معتقدات أهل السنة ولا يثيروا النزاعات والاختلافات.

واعتبر كركيج أن "الإساءة إلى المقدسات عمل قبيح"، ومضى قائلا: "عليهم أن لا يسيئوا إلى مقدسات أهل السنة، ولا يستهدفوا عقائدهم، ولا يثيروا الاختلافات الطائفية".

ولطالما سخر الشيخ كركيج وقته للتأكيد على أن أهل السنة لا يكرهون "الإمام الحسين" كما يظن الشيعة الذين يعتقدون بولايته عليهم.

كما يرفض بحزم الطقوس التي يجريها الشيعة ويعلق عليها قائلا: "نحن نحب الحسين بلا شك، لكن لا يوجد في مذهبنا اللطم على الصدور وذكرى التعازي".

وعمد الشيخ كركيج على العمل على إقناع المرجعيات الشيعية في إيران باحترام معتقدات السنة، وكانت رؤيته في ذلك بقوله إن "معتقدات الشيعة محترمة لنا، لكنها مسائل لا تجوز عند أهل السنة ولا ينبغي دمج العقائد بعضها مع بعض".

جرائم سوريا

كان الشيخ كركيج من أوائل أهل السنة في إيران ممن وقفوا مع حرية الشعب السوري وثورته ضد رئيس النظام بشار الأسد في مارس/آذار 2011.

ويعرف الشيخ كركيج بانتقاده الدائم لسياسات طهران في سوريا وأنه من أوائل مشايخ السنة البارزين في إقليم بلوشستان السني بإيران، من أفتى بحرمة الانضمام إلى مليشيا "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري في القتال إلى جانب النظام الأسد.

وكانت له كلمة نارية في هذا السياق، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 حيث قال "إنه وفقا للأحداث والمشاهد الأخيرة التي رأيناها في سوريا، فإنه لا يوجد أي عالم رباني يفتي بقتل المسلمين في سوريا".

وأضاف كركيج: "على الشعوب في إيران وأهل السنة والجماعة أن يحافظوا على أصالتهم في وجه الضغوطات التي يواجهونها من قبل بعض الجهات، ولا يحق لأي فرد من أهل السنة أن ينضم للمليشيات المسلحة ويصبح مرتزقا بيد الأجانب لقتل إخواننا بسوريا".

وتدخلت إيران إلى جانب النظام السوري منذ عام 2012 لمنع سقوط حكم الأسد عقب اندلاع ثورة شعبية ضده في مارس/آذار 2011، وزجت بمقاتلين من إيران وبمليشيات أجنبية أشرف على إدخالها قائد "فيلق القدس" السابق، قاسم سليماني، الذي قتل بضربة أميركية قرب مطار العاصمة بغداد في يناير/كانون الثاني 2020.

ومنذ ذلك الحين سعت طهران لاستكمال ترسيخ وجودها العسكري على الأراضي السورية، عبر تأسيس قوة عسكرية تتبع لها يبلغ قوامها حاليا نحو 100 ألف مقاتل، منظمين بشكل كامل في معظم المحافظات السورية.

كما انتقد كركيج في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2015 التدخل الروسي في سوريا الذي بدأ أواخر سبتمبر/أيلول من العام المذكور بقوله: "روسيا ما جاءت لإنقاذ الشعب السوري بل أتت لتزيد من بؤسه ومعاناته. (رئيسها فلاديمير) بوتين مجرم حرب، واليوم يدعي أنه أتى لإنقاذ سوريا، وقد ارتكب جرائم قبل هذا في الشيشان وإنغوشيا".

ولم يتوان الشيخ كركيج في إعلان غضبه وموقفه الرافض من قصف قوات النظام السوري للغوطة الشرقية بريف دمشق، عقب شنه بدعم جوي روسي وبري من المليشيات الإيرانية هجوما على الغوطة في فبراير/شباط 2018.

وأجبرت حينها فصائل المعارضة والمدنيين أمام كثافة القصف واستخدام الكيماوي وارتفاع أعداد الضحايا للقبول بالخروج إلى الشمال السوري وبقاء من يرغب بالتوقيع على تسوية أمنية مع النظام.

الذود عن السنة

لم تكن الأحداث التي تتعلق بالسنة المستضعفين في إيران، أن تجعل من الشيخ كركيج يدفن رأسه في التراب، بل كان ينتصر لهم دون مواربة أو مداهنة.

وخير دليل على ذلك منع وزارة الأمن الإيراني "الاستخبارات" في يونيو/حزيران 2018، الشيخ كركيج من السفر إلى مدينة إيرانشهر للتحقيق ومتابعة قضية اغتصاب الفتيات السنيات البالغ عددهن 41 فتاة في المدينة على يد جماعة يعتقد أنهم ينتمون لمليشيات الباسيج التابعة للحرس الثوري.

كما كان لكركيج "موقف بطولي" عندما سحبت أجهزة الأمن والمخابرات الإيرانية في أكتوبر/تشرين الأول 2010 جوازات سفر عدد من العلماء السنة لمنعهم من السفر إلى خارج البلاد.

ووقتها أكد الشيخ كركيج، أن علماء السنة في إيران "ليسوا خونة لا في الداخل ولا في الخارج، حتى يتم فرض حظر السفر عليهم بناء على الظنون والمفترضات".

فيما اعتبر علماء السنة في إيران، أن تلك الإجراءات حلقة جديدة من حلقات التضييق التي تمارسها السلطات تجاه قيادات السنة الإيرانيين.

ويحفظ أهالي محافظة بلوشستان للشيخ كركيج كلماته المدوية خلال خطبة صلاة جمعة 2 ديسمبر/كانون الأول 2016 في قرية "سرجنكل" التي قال فيها: "سنقف حتى آخر نفس فينا أمام كل غزو ثقافي يستقصد مذهب أهل السنة والجماعة ويريدون تحريفه عما هو عليه".

ويرى مراقبون للشأن الإيراني أن علماء السنة ومنهم كركيج، استطاعوا فضح كذبة شعارات طهران ونظام الملالي حول "الوحدة الإسلامية والتقارب بين المذاهب".

وأكد هؤلاء أن "نظام المرشد يتخذ من تلك الشعارات ستارا للتغلغل في الدول العربية والإسلامية، ولا سيما وسط رفض السلطات الإيرانية طلب أهل السنة بإقامة صلاة الجمعة في بعض مناطقهم وفق عقيدتهم والتضييق عليهم وتهميشهم ومحاربة المذهب السني والعمل على طمسه".